بعد انتصار الحلفاء على دول وجيوش المحور في الحرب العالمية الثانية اجتمع الزعيم الفرنسي شارل ديغول باركان الدولة الفرنسية وسأل عن أحوال البلاد فأخبروه بأن الخراب والدمار والفساد يضرب في أعناق كافة المؤسسات والمرافق فسأل ديغول ماذا عن القضاء فأندهش معاونوه من السؤال وأجابوه في ذهول ان القضاء بخير فأبتسم ديغول وكأنه يشعر لأول مرة بطعم الانتصار وقال طالما أن القضاء بخير وطالما أن شعبنا يحترمه ويوقره فإن فرنسا كلها بخير.ولاشك أن هذا يجعلنا نتسال عن وضع القضاء في بلادنا , خاصة في مثل هذا الظرف الراهن .فالأحداث المتسارعة التي تشهدها اليمن , ورطت حتى الإنسان العادي الذي ليس له أي ارتباط بالشأن السياسي أن يفكر بمخارج وحلول حتى يتحقق لمجتمعه العيش الهادي والكريم , وينعم بالحياة كبقية المجتمعات المستقرة , والأمنة .وإذا فتشنا عن السبب الرئيسي الذي يقف خلف كل مشاكلنا وأزماتنا سنجد غياب دور القضاء الفاعل والقوي والمؤثر , فالدول المتقدمة والمستقرة وضعت القضاء على رأس أوليات المؤسسات التي تسير شؤون الدولة والمجتمع , وهو المرجعية الأخيرة أثناء نشوب الأزمات السياسية. نحن في اليمن أكثر من خمسين سنة من عمر الثورة اليمنية , ونحن نتقفز من أزمة إلى أزمة ومن مشكلة إلى أخرى , وكان دائما صوت البندقية يعلو كل الأصوات . وإذا قلنا الحوار هو الوسيلة المثلى لحل المشاكل , جاء السياسيون بالمبررات التي تسبب الخلافات , أحياناً نقول انعدام الديمقراطية , وتارة نقول الوضع الاقتصادي والبطالة , وأخيرا ظهرت لنا مصطلحات مثل : فقدان الثقة , والإقصاء , والتفرد وعدم المشاركة .. إلخ . كل ذلك وغيرها تعد من الحجج المنطقية , ولكن نغفل أهمية السلطة القضائية باعتبارها السلطة الأولى قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية . نقصد سلطة القضاء النزيه المحرر من قيود أو نفوذ , يهابه الحاكم قبل المحكوم , هذا هو المعمول في كل دول العالم التي تخضع أولاً وأخيراً لسلطة القضاء , فالرؤساء يحاكمون على تقصيرهم , وخروقاتهم للأنظمة والقوانين , وحتى على نزواتهم الشخصية . نحن الآن في منزلق خطير تكاد بلادنا تتجه للمجهول المرعب , وكل ما حدث وما يحدث تحركه جنون القوة , والنفوذ , والطمع , والتقاسم , والمحاصصة , والتي بالأخير لم تحقق الأمن والاستقرار ولا التنمية المنشودة .الآن تتصاعد حدة الجدل السياسي للبحث عن مخارج , وكل طرف يدعي أنه على صواب ويعمل لصالح الشعب والوطن , في حين نرى الأفق مسدود ة, والخوف أن تتجه الأمور نحو لغة المدافع والدبابات والصواريخ ولعلعة الرصاص , في مثل هذه الظروف الدول المتكاملة البنيان تلجأ دوما إلى القضاء .إذا في مثل هذه الحالة تبين لنا كم نحن بحاجة إلى سلطة قضائية قوية , وكان بالإمكان فعل ذلك , لكن ربما المصالح لم تكن ترغب فيه ؟.لوكان لدينا قضاء فعال , لما سادت هذه الفوضى , وهذا القلق , والتطاول .اليس من المفروض أن يحاكم بعض المتورطين في حق الشعب والوطن أمام القضاء المدني والعسكري ؟ أو ليس من المفروض ومن وقت بعيد أن نفكر بمثل هكذا مشاكل وأزمات , ونعد العدة لبناء مؤسسات قضائية قوية , يتم الرجوع إليها في مثل هذه الظروف ؟ .أين المحكمة الدستورية التي تفصل في هذا الجدل الراهن ,نريد قضاءً قوياً يستطيع أي مواطن أن يلجأ إليه شاكيا وطاعنا في أي تصرفات أو ممارسات ترتكب من أي شخص أو جماعة في حقه كمواطن أو في حق الوطن . إذاً صدقوني لا يمكن أن تحل مشاكلنا إلا في ظل القضاء القوي , الذي يكفل العدل والمساواة , ويصون الحقوق , والحريات , وفي ظل مواطنة متساوية , يلتزم الجميع بالواجبات ليحصلوا على حقوقهم ., وأفضل طريق إلى ذلك ومن الآن هو التعليم الذي يكرس ثقافة احترام القانون , والاعتناء بالسلطة القضائية قولاً وفعلا , وهكذا تبنى أركان الدولة القوية والفاعلة التي تحمي المسؤول والمواطن على حد سواء . "الثورة"