عندما أقول نحن من يدفع ثمن هذا الجنون المتمثل بالهجمة الشرسة التي تقودها مملكة الجوار مع تحالف الدول ال10 على مقدراتنا وعلى بنيتنا التحتية- المتواضعة في الأساس- فأني أعني بلفظ نحن كل مواطن لم يتسبب بهذا الجنون الذي ينطح كل ما يصادفه على أرض الوطن دون استثناء جزء منه أو تجنيب مفصل من مفاصله عن هذا الاستهداف. كل من يقع في إ طار الأحزاب التي أوقعتنا في هذا النفق، طالما كان بحثها منصب على مصدر ارتزاقها ولو على حساب أمن الوطن وكرامة قاطنيه، وكل من يقع في إطار المرحبين والمروجين للضربات الجوية، وكل من يقع في إطار الحركة الحوثية التي انطلقت من صعدة في أقصى الشمال إلى عدن في أقصى الجنوب دون التأكد من سلامة فراملها، ناهيك عمن يقع في إطار المناصرين للرئيس السابق علي صالح ممن لم يستوعبوا حتى اللحظة أهمية التغيير في حياة الشعوب وفي أمنها واستقرارها. جميع هؤلاء هم خارج إطار لفظ "نحن" وبالتالي هم خارج إطار ما ندفعه كشعب ووطن من أثمان باهظة من دماءنا ومن انكساراتنا ومن عيشنا وأرزاقنا جراء خياراتهم الكارثية التي أوصلت هذا البلد إلى هذا المفترق الخطير من الطرق وإلى هذا المآل المخيف والمرعب الذي لم يكن يخطر على بال بشر. مخبول كل من يعتقد في إطار تحالف الدول العشر أن كل ما يدمر في هذا البلد من قدرات عسكرية ومن بنى تحتية من قبل طيران التحالف يدفع ثمنه الحوثيون أو أنصار الرئيس السابق علي صالح، من يدفع ثمن هذا الجنون الهستيري هو الشعب المغلوب على امره ممن يقع معظم أبناءه خارج إطار صراع القوى السياسية والقبلية والدينية الباحثة دوما عن السلطة وعن الثروة حتى لو كان الثمن هو الوطن ومن يعيش فوق ثراه. كل من نهبوا هذا البلد على امتداد ثلث قرن من الزمن من مدنيين وعسكريين هم أبعد ما يكونوا عن الأخطار التي باتت تهدد المواطن في عيشه وفي أمنه وبقاءه، في ظل الهجمة الشرسة التي ما صدق الجوار المتخم بالمال وبالعيش الرغيد أنها لاحت له كي ينقض على قدرات ما بناه جاره الفقير من قدرات عسكرية ومن بنى تحتية على امتداد نصف قرن من الزمن، هذه القدرات التي لا تمثل رقما يذكر إذا ما قورنت بما يمتلكه هذا الجار الثري حتى التخمة من قدرات ومن إمكانيات. كل من نهبوا هذا البلد لديهم أوطان بديلة في أكثر من بلد عربي وأوروبي، كثيرٌ من هؤلاء ممن افرغوا هذا البلد من ثرواته ومن خيراته استثمروا منهوبات هذا البلد في مشاريع عقارية وفي أطيان وشركات تدر عليهم أموالاً طائلة وتضمن لهم نمط من العيش لا يقل عن نمط عيش الملوك والأمراء في دول الخليج. الوطن في نظر هؤلاء ممن أفسدوا الحياة وأهلكوا الحرث والنسل لم يعد يمثل لهم غير مرتع يعيثون فيه فساداً ويهلكون ما تبقى فيه من حرثٍ ومن نسلٍ في ظل اطمئنانهم بأن هنالك أوطاناً بديلة تنتظرهم وأن هنالك من الأموال المكدسة في البنوك العربية والأجنبية ما تضمن لهم التأسيس لإمبراطوريات يتوارثها الأبناء والأحفاد جيلاً بعد جيل. من يدفع ثمن المأسي والكوارث والأهوال التي عادة ما تحل بهذا البلد هم المطحونون فقرا وظلماً وبؤساً، وحدهم هؤلاء من يتحملون أوزار غيرهم من العتاة ممن نكلوا بهذا البلد وأهله لدرجة لم يهن عليهم مغادرته حتى وهو في هذه الحالة من التنكيل ومن الدمار ما لم يكونوا قد تيقنوا أنه لم يعد وطناً بقدر ما هو مجرد أطلالٍ تسكنها البوم والغربان الناعقة بحيث لا مجال للإنسان في أن يتعايش مع واقع مدمر كهذا، سيما في ظل افتقاره للإمكانيات التي استنزفها العتاة وأقاموا بها أكثر من امبراطورية مالية في أكثر من بلد عربي وأجنبي. لقد تعلمنا من الحياة رغم مُرها الذي يطغى على حلاوتها -سيما في بلد هكذا الذي نعيش فيه- أنها لا تحلوا لأحد أو لدولة أو لمُلكٍ إلا ما لا نهاية... قانون الحياة هو قانون عدل حين يوزع حلاوة العيش أو مُره في إطار معادلة تقول يوم لك ويوم عليك، من هنا ومن منطلق هذا العدل، ما يجدر بمملكة الجوار هو التوقف مطولاً عند هذا القانون الإلهي وعند هذه المعادلة التي أثبتتها الوقائع والأحداث في كثير من المحطات التاريخية منذ استخلاف الخالق عزّ وجل للإنسان في الأرض وحتى هذه اللحظة التي نعيشها. ما يجب أن تدركه سلطات الجوار في ظل ما تقوم به من تدمير مبرمج لكل إمكاناتنا وطاقاتنا في هذا البلد، هو أن هذا الفعل لن يزيد بلدنا هذا إلى فقراً ومعاناة، ولن يزيده إلا إصراراً على البقاء مهما كانت شراسة الهجمة التي يقومون بها. ما أخشاه إذا ما ظل هذا الفعل المدمر دون ما يواكبه من فعل بناء ومن فعل خير في الجوانب الإنسانية أن يؤدي هذا الفعل إلى مزيد من الأحقاد ومن الثارات بين الجار وجاره، هذا الثأر الذي سيظل يتأجج في الصدور حتى لحظة الاقتصاص ما لم تعمل المملكة المجاورة على وضع البلسم على الجرح في هذا التوقيت بالذات من خلال مد الناس بكل متطلباتهم المعيشية والدوائية، على اعتبار أن أية أزمة في الغذاء أو الدواء أو شل الحياة في هذا البلد المطحون سيقلب المعادلة على رأس الجوار وعلى رؤوس حلفاءه من عرب وعجم. خطورة هذا الفعل التدميري غير المصحوب بمبادرات إنسانية على المقلب الأخر يكمن عند اللحظة التي يتنبه عندها المواطن أن الهدف من وراء هذا التحالف ليس إنقاذ البلد من الحركة الحوثية كما يدعيه هذا الجوار، وإنما الإجهاز على ما تبقى لهذا البلد وأهله من مقومات الصمود والبقاء، سيما في ظل إدراك كل مواطن أن من يدفع ثمن هذا الجنون القادم من خارج سياج الوطن ليست الحركة الحوثية وأنصار صالح، وإنما شعب ووطن على حدٍ سوا. في جوابٍ على سؤالٍ وجه للمتحدث العسكري السعودي احمد عسيري عن حجم الفاتورة المالية التي انفقتها المملكة في حربها على الحركة الحوثية حتى اللحظة؟ أجاب: بأن أمن وسلامة المواطن اليمني يساوي عند سلطات المملكة أكثر من تكلفة العمل العسكري. سؤالي هنا في ضوء هذه المبالغة في الرد لأهمية المواطن اليمني لدى مملكة الجوار هو: هل سلامة المواطن اليمني هي الدافع لتحرك المملكة ام سلامة وامن المملكة هو من كان وراء مثل هذا التحرك؟ سؤالي مرة أخرى لهذا الجوار: من أين جاءت هذه الحنية فجأة تجاه المواطن اليمني رغم العلاقة القائمة بين البلدين منذ اغسطس 1970م وحتى اللحظة؟ [email protected]