على مدى أكثر من 5 عقود من الزمن لم يجد المواطن في هذا البلد محطة يُنيخ فيها رحله، ويضع من على كاهله حِمل الأسفار المُثقل بها؛ بُغية استرداد انفاسه، ومن ثم اخذ نفسٍ طويل يعينه على مواصلة السير نحو المجهول. على مدى أكثر من 5 عقود من الزمن لم يدخر النظام السعودي وقتاً أو جهداً إلا واستثمره في إنهاك هذا البلد وفي تدميره وزعزعة أمنه واستقراره، فلطالما دأب هذا الجوار على وئد حلم المواطن في هذا البلد في الاستقرار وفي العيش الكريم بشتى الطرق وبمختلف الوسائل التي تنوعت ما بين استخدام القوة وتجييش المرتزقة كما جرى خلال ال 8 السنوات الأولى من عمر ثورة سبتمبر 1962م، وبين إنفاق المال في سياق التآمر على هذا البلد، هذا المال الذي كان يوزع شهرياً على ضعاف النفوس من كبار المسئولين والمشايخ والوجاهات والنُخب ابتداء من قمة هرم السلطة وانتهاء بأصغر شيخ أو وجاهة. كل المنافذ وكل الأبواب وكل الأفاق التي لاحت فيها البشائر من إمكانية خروج هذا البلد وأهله من المحن والآلام والأوجاع، أُوصدت بفعل هذا الجوار الذي جند كل أمكانياته لمثل هذا الفعل غير المسبوق في تاريخ العلاقات بين الشعوب وبين دول الجوار في كل أصقاع الأرض. كلما هبّ الناس في هذا البلد لإحداث ثورة؛ أملاً في أن تُغير من حياتهم نحو الأفضل اندفع هذا الجوار لصدها ووضع العراقيل في طريقها، هكذا كان سلوك هذا الجوار منذُ ثورة 1948م مروراً بحركة 1955م وثورة سبتمبر 1962م وحركة يونيو 1974م وانجاز الوحدة 1990م ثم ثورة فبراير 2011م، جميع هذه المحطات كان حكام الجوار لها بالمرصاد. لم تثنِ هذا الجوار في مواصلة اصراره على خنق هذا البلد ما وصلت إليه أحوال معظم الناس من فقرِ ومن بطالةٍ ومن انعدام الأمن الغذائي ومن سوء التغذية ومن تفشٍ للفساد وللمظالم وللفوضى في كل مفاصل الدولة وفي كل مفاصل الحياة، إذ ظل هذا الجوار مصراً على ممارسة سلوكه هذا حتى اللحظة التي لاحت لكل يمني فرصة النفاذ من هذه المآسي والمحن يوم أن تدافع الناس كالطوفان الهادر إلى كل شوارع وأزقة وميادين وساحات الوطن في 11 فبراير 2011م؛ طلباً في التغيير وفي الالتحاق بشعوب المعمورة ومنها الشعوب المحيطة بجغرافيته التي تنعم بالأمن والاستقرار فيما تنعم بحياة هي اكثر من رغيدة إذا ما قورنت بحياة البؤس والشقاء الذي تعيشه الأغلبية الساحقة من أبناء هذا الوطن التعيس. كعادتهم حكام الجوار انتفضوا من مخادعهم في اتجاه وئد هذه الثورة وإيقاف عجلتها من خلال خديعة جديدة ومبتكرة لم تعهدها الشعوب الثائرة على طغاتها من قبل، تمثلت بالوساطة بين الأخوة الأعداء: علي صالح، وعلي محسن قضت بتقاسم السلطة والغنائم بينهما في إطار مبادرة أطلق عليها ب "المبادرة الخليجية" التي تُعد من أخبث المبادرات ومن أقذر المؤامرات التي حِيكت ضد الشعوب على مر التاريخ؛ طالما أبقت على الداء كما هو في جسد هذا الوطن وهو الفساد الذي ثار الشعب من اجل اجتثاثه. السؤال هنا: ماذا لو ترفع هذا الجوار عن مؤامراته وترك لنا حرية تحديد المصير واختيار القيادات ونمط الحياة التي ننشدها؟ ماذا لو لم يُفرض على خونة هذا البلد من المعارضة ممن وقعوا على وثيقة مؤامرة هذا الجوار في بلاط خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الرياض التوقيع على المبادرة المشئومة المسماة "المبادرة الخليجية" هذه المبادرة التي أنتجت الوضع السابق كما هو وأعادت انتاج منظومة الحكم والفساد كما هي... هل كنا سنصل إلى هذا الوضع المخيف والمرعب الذي نعيشه اليوم بكل تفاصيله والمتمثل بالإعلان الدستوري خارج إطار الشرعية الدستورية وخارج إطار التوافق السياسي والشعبي الذي لجأ إليه أنصار الله (الحوثيون) بعد أن وصلوا إلى طرق مسدودة بفعل هشاشة الأحزاب السياسية وبفعل افتقارها لأية رؤية وطنية. نقول لجميع الأحزاب السياسية في هذا البلد باستثناء الحزب الناصري الذي أظهرت قياداته قدراً كبيراً من الرجولة ومن الوطنية ومن ثبات المواقف نقول لغيره من الأحزاب التي تدعي المعارضة وتتدثر بعباءتها: خسئتم أيها الرعاديد، يا من اعتدتم على التآمر وعلى الاختباء وعلى المناورة من وراء جُدر وعلى اللهف وراء الغنائم ووراء المصالح... خسئتم يا من سيلعنكم التاريخ وستلعنكم الأجيال يوم أن انبطحتم لأبن عمر ولسيده القابع في البيت الأبيض. نقول لهذا الجوار: لقد نجحت هذه المرة أيضاً في شدنا إلى الفوضى وإلى تتويهنا عن تلمس طريقنا نحو البر الآمن، لكنك هذه المرة ستشاركنا حتماً في خوض هذه المتاهة الجديدة، وستدفع أثماناً من أمنك ومن استقرارك لم تتعود من قبل على دفعها؛ كون مشكلتنا ومشكلتك هذه المرة ليست داخلية بحتة وإنما هي خارجية بامتياز. نقول لهذا الجوار: لك اليوم أن تذوق من الكأس الذي أذقتنا إياه خلال 5 عقود من حربك المُعلنة وغير المعلنة علينا وعلى وطننا هذا..... نقول لهذا الجوار: من يزرع الشوك لا يجني غير الشوك، هذه هي بذرتك التي بذرتها منذ أكثر من 5 عقود من الزمن، وهذا هو نبتك الذي حان وقت حصاده. [email protected]