للغربة مذاقاتها المرة ، ولك الله إن كنت يمنيا مغتربا في برميل الخليج ، وحويصلة سلمان المليك ، فأنت حينها ولا شك أكثر الناس ألما ، وأكثر خلق الله وجعا ، فبينما تراهم يذبحون بلدك ، عليك الإذعان لأنظمة الإقامة الموالية خوفاً أو الصامتة خضوعاً ، حيث تحريم الألم الممنوع وتجريم الوجع المسموع.. لعلك تموت مع كل شهيد ، وتنزف مع كل جريح ، وتلملم أشلائك مرات بعد كل بيت وجسر ، مقصوف مهدوم.. يصيبك الجنون مع كل غارة يشنها الأمراء المستذئبون ، ومع كل صيحة نصر أحمق يطلقها في وجهك الحزين ، هذا الكفيل الفرح الملعون.. تهرع دامعا إلى الهاتف: - ألو ، أبي.. أما زلت حيا؟ وأين هي المريضة أمي؟ وكيف هم أولادي وإخوتي؟ ألديكم في الظلام ما تشربون وتأكلون، وماذا يا أبي عساكم ، في وجه العد(....) فاعلون؟ ويأتيك الرد من قلب أبيك العجوز: - هون عليك يا بني.. نحن بخير ، سنحيا بخير ونموت بخير.. طائراتهم ، يا ولدي ، كذبابات الخريف ، وجيوشهم كبعوض المستنقعات ، ومتى كنا نخاف ذبابة أو نخشى مكر البعوض..؟ لا تجزع يا بني ، هذا الوقت سينقضي ، فارفع رأسك هناك عاليا ، فبلدك هذا لا يجيد الإنحناء ، وإن يوما هبت عليه عاصفة الغزاة ، رمقها بإزدراء ، يعرفه التاريخ جيدا ، وقام شامخا يتفقد بندقيته ويركع لله ، بينما يبتسم الوجود..! يتلاشى صوت أبيك ، ويعلو دوي الانفجارات وصرخات خائفة يطلقها بعض اطفال البيت ، ويعم خذلان السكون سماعة التليفون.. تكتم حشرجات البكاء ، وتبدأ عالياً بترديد النشيد الوطني.. رددي أيتها الدنيا نشيدي.. يطرق المخبر الملكي بابك ، فلا تكترث ، تغمض عينيك ، وتكمل إنجيلك الأخير.. لن ترى الدنيا على أرضي وصيا