ارتكب أنصار الله الكثير من الأخطاء والانتهاكات بل والجرائم أثناء خوضهم للحروب المختلفة وبالأخص منذ استيلائهم على صنعاء في 21 سبتمبر الماضي، واعتمادهم كلياً على منطق القوة والغلبة بعد نشوة النصر منذ دخولهم صنعاء، حيث سعوا الى الاستيلاء على السلطة ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية بشتى الوسائل، محاولين انتاج نظام جديد يحكمون من خلاله اليمن بستار شراكة صورية مع بقية القوى السياسية التي سحقوا بعضها في المعارك الأخيرة ما قبل دخولهم صنعاء، مستنسخين تماماً نفس النموذج الذي حكم به صالح بمشاركة الإخوان اليمن لعقود، ونفس النموذج الذي حكم به صالح اليمن بعد خلافه مع الإخوان، ونفس النموذج الذي حكم فيه الإخوان متحالفين مع الرئيس السابق هادي اليمن بعد أن كانوا الطرف الأكثر فاعلية في الحكم خلال حكومة باسندوة، وبالتالي لم يختلف نموذج الحوثيين في الحكم عن تلك المراحل الا في الشكل وتفاوت النسب في التجاوزات والانتهاكات، حيث كان يرتكب الحوثيين الانتهاكات والأخطاء والجرائم مباشرة وبدون أي وسيط، سواء من أجهزة السلطة أو مسميات مختلفة كما فعل خصومهم من الاخوان وصالح عندما استخدموا الأجهزة الرسمية ومجاميع شعبية وقبائل تحت عدة مسميات في حروبهم وجرائمهم ضد الحوثيين عندما كانوا مستضعفين. *** كتبت الكثير من المقالات وهاجمت أنصار الله بقوة في الوقت الذي هادنهم الإخوان المسلمين وخاضوا معهم حواراً في موفمبيك كان يؤيد فيه محمد اليدومي أغلب ما طرحه ممثلي الحوثيين في ذلك الحوار، وكان يتماها معهم تماما في الكثير من الحلول التي طرحوها، ومن حضر جلسات الحوار يعرف ذلك، فيما كنت أنا احرض ضد ذلك الحوار وفي أكثر من مقال على اعتباره حواراً غير طبيعي ويجري تحت فوهات البنادق، وأكدت مراراً أنه سيفشل، وطالبت بتحالف واسع للقوى المعارضة لأنصار الله يهدف الى مواجهة انقلابهم على السلطة ويحرك الشارع ضدهم وينزل في مظاهرات واعتصامات مفتوحة حتى يكون هناك ضغط سياسي كبير على الحوثيين يؤدي الى توازن من نوع خاص، تكون من نتائجه الشروع في حوار وهناك شارعين قويين للطرفين يساهمان في الضغط للوصول الى تسوية عادلة، وحذرت من أن فشل الحوار في الموفمبيك سيؤدي الى كارثة، وهذا ما حصل بالفعل. *** سأتجاوز في هذا المقال كل المعايير والقيم النظرية التي يفترض أن تلتزم بها مختلف القوى السياسية في اليمن، لأن اغلب تلك القوى ان لم يكن جميعها لا تلتزم بها على المستوى العملي، وتعمل على تفريغها من محتوها بأشكال وأساليب متعددة وبمسوغات وعناوين شتى لن اناقشها الآن لأنها ليست موضوع مقالي هذا. وانطلاقاً من ذلك التجاوز فقد يكون مبرراً استدعاء هادي والإخوان المسلمين للتحالف العربي والدولي لدعمهم بعد أن خسروا معركتهم العسكرية وأصبحوا مشتتين ولاجئين في الكثير من الفنادق في العالم، ففي ذلك النوع من السياسة يمكنك الاستعانة بالشيطان لضرب خصمك ولتحافظ على وجودك.
*** خلافنا مع هادي والإخوان –اذا ما تحدثنا بعد تجاوزنا السابق لكل المعايير والقيم النظرية التي يفترض أن يحتكم اليها الجميع في ممارسة السياسة- ليس في استدعائهم للتحالف العربي الغربي لضرب الحوثيين والمحسوبين على صالح، بل في نوعية التدخل ومداه وحجمه والأهداف التي يقصفها وبِمن يلحق الضرر. ففي النوعية كان بإمكان تلك القوى الاستعانة بالسعودية والتحالف في تموينهم بالسلاح والمال ويقوموا بإعلان الحرب على أنصار الله دفاعاً عن وجودهم السياسي والاجتماعي والفكري، وهنا قد يقول البعض أنهم كانوا في حرب وهزموا، لكني أقول أنهم كانوا يخوضون تلك الحروب من وراء جُدر، وبعدة عناوين، ودائماً ما كانوا ينفون أنهم ورائها، وهذا ما أدى الى تضعضع جبهتهم وللهزائم المتكررة التي لحقت بهم، فقد خانوا كل القادة الكبار فيهم وعلى رأسهم القشيبي وعلي محسن –نختلف أو نتفق حولهم- وأولاد الأحمر ومنصور الحنق وغيرهم، حتى وصل الحوثيين الى تعز. *** ولو أعلنوا الحرب المباشرة على الحوثيين وجيشوا لها بشكل واضح وعلني واعتبروها معركة حياة أو موت –حتى بعد كل تلك الهزائم التي تلقوها- وطالبوا الدول العربية بدعمهم بالمال والسلاح لكانت المعركة مختلفة تماماً، وكان سيحصل توازن قوة، مع أني نصحت بأن يعملوا على إيجاد ذلك التوازن عبر العمل السياسي والجماهيري عبر تحالف واسع، لكني أتحدث الان عن خيار أفضل من خيار عاصفة الحزم وإن كان أسوأ بكثير من خيار الخروج الى الشارع والعودة الى ساحات الثورة والتغيير. وفي النوعية أيضاً كان هناك تدخل أقل ضرراً من عاصفة الحزم، وهو فتح جبهة حرب علنية مع الحوثيين واستدعاء التحالف العربي والدولي لدعمهم بالمال والسلاح وأيضاً الضربات الجوية النوعية التي تستهدف التحركات العسكرية للحوثيين ومن معهم في جبهات القتال، ولا تستهدف أي أماكن أخرى مهما كان لها علاقة بالحوثيين، حتى يحدث توازن عسكري ومن ثم تتوقف تلك الضربات وتستمر الحرب الى أن تحصل تسوية سياسية بعد أن تيأس كل الأطراف من إمكانية الحسم العسكري. *** وخلال تلك الحرب كان يمكن لحلفاء الرياض بأن يطلبوا حظراً على دخول الأسلحة والمال الى أنصار الله ومن معهم، وبالتالي يستمر تدفق الغذاء والدواء وحركة النقل الداخلية والخارجية البحرية والجوية والبرية حتى لا تتأثر حياة الموطن العادي، وكان يمكن تفتيش السفن والطائرات أثناء إقلاعها من مختلف المطارات –بعد تحديد مطارات معينة تنطلق منها واليها الرحلات- وتفتيش السفن في المياه الدولية مستندين الى قرار مجلس الأمن الأخير. الغير مفهوم تماماً والذي لا يمكن إيجاد مبرر له حتى في أوسخ أنواع السياسة وأحقر أنواع النذالة وأوطئ مراتب العمالة هو ما يقوم به عيال الرياض اليوم والذين يقيمون في فنادقها، فقد مس الضرر كل اليمنيين، في الداخل والخارج، الذين مع الحوثي والذين ضده. *** وهنا لا بد من توجيه رسالة واضحة وشفافة –بعد ان تجاوزنا تلك القيم- الى الحثالة في الرياض أقول فيها: اليمن بكاملها باتت منكوبة، وستتوقف خدمات النت والاتصالات قريباً في عموم محافظات الجمهورية والمستشفيات لن تتمكن من العمل ومختلف المرافق التي تحتاج الى كهرباء، فقد نفذ مخزون تلك الجهات من الوقود تقرياً. بل إن اليمنيين منكوبين أينما كانوا فإجراءات العاصفة أضرت حتى باليمنيين في الخارج، فهناك عشرات الآلاف من العالقين في مطارات ودول العالم ويريدون العودة الى اليمن، اما بسبب انتهاء الاموال عليهم، او ان الغرض من سفرهم انتهى، حتى الطلاب في الخارج لم يسلموا من تلك العقوبات الجماعية، فقد منع ارسال الأموال من والى اليمن، وهذا حرمهم من مصاريفهم الشهرية التي كانت ترسل لهم من اليمن، كما انه حرم الملايين في الداخل من تحويلات المغتربين. *** الى عيال العاصفة: على الأقل تحدثوا عن القضايا الانسانية والعقاب الجماعي وتجويع شعب بأكمله بما فيه اسركم أنتم واصدقائكم واحبائكم، واستمروا في التحريض على الحوثيين وصالح واتباعه، لكن قولوا للرياض وعاصفتها لا تقتلوا الشعب وتهينوه بحصاركم، فأسرنا لا تزال في الداخل، هل لديكم باقي عزة وكرامة وغيرة حتى على اهلكم واسركم وأباعكم وقواعدكم؟، طز في مجاميع الحوثي العسكرية، وطز في صالح، على الاقل تحدثوا عن اسركم أنتم وقواعدكم الشعبية يا حثالة، سحقاً لكم أيها الحقراء. ل"صحيفة الأولى" [email protected]