تتالت عمليات التفجير التي استهدفت جوامع ومساجد هي في الغالب تابعة للطائفة الزيدية في صنعاء علما بأن مساجد صنعاء وكل اليمن يؤمها أتباع المذهبين الرئيسيين في اليمن (الشافعي والزيدي، ) وبقية الطوائف الإسلامية من إسماعيلية ومتصوفة وبهرة وإثناعشرية وغيرها، وهي أقليات تنتشر في مناطق عديدة من اليمن. يمكن للملاحظ المدقق أن يربط بين حوادث التفجير هذه وبين مجموعة من الأحداث التي تتزامن معها أو تسبقها أو تليها، وبمعنى آخر أنه يجب عدم عزل تلك الأحداث عن السياقات التي أتت في ظلها فلكل حدث أهدافه المعلنة حينا والخفية في غالب الأحوال. لنعود بالذاكرة إلى الوراء قليلا وبالتحديد إلى العام 2006م عام التنافس الانتخابي الرئاسي الوحيد في تاريخ اليمن، عندما أرسل علي عبد الله صالح أحد ضباط مخابراته ليعمل مرافقا شخصيا لمنافسه في تلك الانتخابات الفقيد فيصل عثمان بن شملان، . . قال لي الفقيد حينها أنه لا يطمئن لهذا الرجل وأنه أتى متطوعا معبرا عن حبه لبن شملان، ولم يلبث الفقيد أن أعفاه من المهمة بعد أيام فقط من بدء الحملة الانتخابية، وبعدها بأيام وقبيل انتهاء الحملة الانتخابية ظهر الرجل متلبسا بجريمة إخفاء أسلحة في منزله والحادثة تزامنت مع تفجير سيارات تحمل سواحا أو خبراء أجانب في مأرب ومناطق أخرى، ونسبت التهمة إلى المرافق الشخصي لبن شملان لكن لم تجر تحقيقات ولم يدن أحد لا في إخفاء الأسلحة (المنتشرة في اليمن أكثر من أقراص الدواء وحبات الرز) ولا في جريمة التفجير التي سقط ضحيتها عدد من الأفراد بين قتيل وجريح، فالحملة الانتخابية قد انتهت وزورت النتائج وأعلن عن فوز الرئيس المخلوع، فما الحاجة للبحث عن قاتل الضحايا وسارق الأسلحة؟!! في مطلع شهر مارس الماضي جرى تفجير مسجدي الحشوش والإمام زيد بصنعاء وسقط أكثر من مائة شهيد وجريح، وقبلها بأيام أغتيل الشهيد عبد الكريم الخيواني وقبله بأيام الشهيد د محمد عبد الملك المتوكل وهما محسوبان على المقربين من الحوثيين، ولست متأكدا فيما لو بقي الشهيدان على قيد الحياة ما إذا كانا سيسكتان على الجرائم التي يرتكبها الحوثيون وحلفاؤهم، لكن بعيد كل هذه الحوادث جاء إعلان الحرب على الجنوب بعد السيطرة السلمية الحوثية على تعز وإب وبقية المحافظات الشمالية، فقد اتخذ تحالف الحوافش من هذه الجرائم مبررا لكل الجرائم اللاحقة التي ارتكبها بحق اليمن واليمنيين في الشمال والجنوب. ما دفعني للتعرض لهذه الحوادث هو إنها كانت تأتي قبيل أو بالتزامن مع حدث مفصلي مهم يراد منه أن يصنع مكسبا كبيرا لطرف سياسي معين، وكان الحاضر الأغلب والكاسب الأوحد في هذه المشاهد كلها هو علي عبد الله صالح. هذه الخبرة جرى تلقفها من قبل الحوثيين الذين صاروا حليفا رئيسيا لصالح يتقاسمون وإياه صناعة السيناريوهات وإنتاج الجرائم وممارسة العدوان وتسويق كل ذلك على إنه حربا على الإرهاب. تحالف الحوثيين صالح (الحوافش) لا يأبه كثيرا للثمن عندما يسعى إلى تحقيق هدف سياسي كبير، وخصوصا عندما يكون هذا الثمن عددا من أرواح المواطنين أو حتى الأنصار، وقد قال صالح ذات مرة ما معناه : نحن لا نأبه لاستشهاد الجنود فبدلا من الجندي هناك ألف جندي، وأتصور أن حلفاءه الذين شاركوه ست حروب وإن في خندقين متواجهين، وقتلوا من جنوده ومن أنصارهم عشرات الآلاف ، لا أتصور أنهم يأبهون لعدد الضحايا، فهم يرون أن مشروعهم يستحق كل ذلك والدليل مت يفعلونه في عدن ومدن الجنوب وبعض المحافظات الشمالية التي تقاومهم، وما يقدمون من أنصارهم من القتلى لا يكلفون أنفسهم إحصاءهم أو حتى السؤال عنهم أو دفن جثثهم. تفجير المساجد والجوامع ومناطق التجمعات المزدحمة ومجالس العزاء، هو اختصاص متميز لا تتقنه إلا مخابرات اكتسبت مهارة ثلث قرن من المكائد والدسائس وصناعة القتل وإنتاج المآتم، ثم نقلت هذه المهارة أو تقاسمتها مع حلفائها الجدد، وفي هذه المرة لا يأتي منعزلا عن أهم حدث يمر به تحالف الحوافش، وهو مؤتمر جنيف الذي يريد هذا التحالف أن يقنع العالم خلاله بأنه يحارب الإرهاب وأن سواه متحالف مع الإرهاب، . . .وهو (أي تحالف الحوافش) هنا لا يأبه إن تسبب هذا في قتل العشرات أو المئات أو حتى الآلاف فهذا التحالف لا يجيد شيئا مثلما يجيد القتل بمختلف أشكاله وأنواعه. لو أن أحدا غير مخابرات صالح والحوثيين هو من يقوم بتفجير المساجد لكان تم القبض عليه وكشفه وتقديمه للعالم كمجرم يجب إدانته بأقسى العقوبات، (وهو ما يجب أن يتم بغض النظر عن المجرم) لأنه سيكون مصدر اعتزاز ومباهاة لدى هؤلاء ووسيلة لإدانة الأطراف التي يتهمونها بالتحالف مع القاعدة، أما وهم يقبضون على الصحفيين ويتنصتون على السياسيين ويلاحقون المحتجين سلميا ثم يعجزون عن كشف أخطر من يفترض أنهم أعداؤهم، أي من يمارسون القتل بالجملة فهذه أضحوكة لا تنطلي إلا على البلهاء والحمقى، أما بيانات القاعدة وداعش وأنصار الشريعة التي تتبنى جميعها مثل هذه الحوادث فالكل يعلم أنها تستمد مفرداتها ونصوصها من مطبخ واحد هو مطبخ الأمن القومي الذي يوجد فيه قسم خاص لرعاية هذه التنظيمات وتمويلها والإشراف على نشاطها، وهو أمر لم يعد خافٍ على كل ذي عينين. * من صفحة الكاتب على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك