في الوقت الذي ظلت المرأة اليمنية التي تقطن المدينة - تحلم طيلة السنوات الماضية بحياة مدنية افضل، ووضع ارقى، وفرص اكثر من الحريات، وغير ذلك من مقومات الحياة المدنية التي اعتادت متابعتها على شاشات التلفزيون - نجدها تفاجأ مرة واحدة ودون سابق انذار بالعودة الى الوراء عشرات السنين لتجد نفسها امام خيارين احلاهما مر: إما التخلي عن حياة الرفاهية التي اعتادت عليها وممارسة حياتها اليومية بالطرق التقليدية كقريناتها من نساء الريف، وإما الموت جوعا. هكذا نجدها تمكث لساعات طويلة في التفكير وساعات أخرى وهي تكرر محاولاتها في اشعال النار بحطب القرية داخل شقة المدينة لتتمكن من طهي قليل من اﻷرز لأطفالها الذين يتباكون حولها جوعا .. وما ان تنتهي من ذلك الا ونجدها تجمع اوعية (دباب) الماء وتتجه الى ساحة الحي لتقف خلف طابور طويل من جيرانها تنتظر سربها في الحصول على قليل من الماء تروي به ضمأها واطفالها ويمكنها من طهي الوجبة القادمة. هكذا وجدت المرأة (المتمدنة) نفسها أمام جملة من التحديات الصعبة والمعقدة والمريرة مع واقع فرضه الحوثي على الساحة اليمنية بعد أن سيطر بقوته وفرض نفسه حاكما وواليا على الناس كأمر واقع وخيار وحيد لا مفر منه. فبعد أن ظل بياض بشرة بنت المدينة أحد السمات المميزة لها عن قريناتها من بنات القرية اللاتي اعتدن ممارسة حياتهن بالطرق البدائية، وصناعة كل شيء بالوسائل التقليدية .. واللاتي ايضا يعشن حياة الشقاء والبؤس بكل ما فيها من قهر وعناء وعنف، وذلك نتيجة التهميش والإغفال والتجاهل الذي مارسه النظام السابق بحق سكان الأرياف خلال فترة حكم السيد الزعيم الصالح والتي امتدت لثلاثة عقود ونيف. هكذا تلاشت احلام وآمال وتطلعات بنات المدينة – ليجدن انفسهن امام خيار التخلي عن كل سبل ووسائل الرفاه التي كن بدأن ينعمن بها خلال السنوات القليلة الماضية، أو الموت .. لكنهن وكما عهدناهن اخترن الصمود ومواجهة طوفان المعاناة، تركن المساحيق والكريمات ومتابعة موضة الأزياء وشمرن السواعد واتجهن نحو العمل الشاق يحملن الحطب والماء ويغسلن ويعملن كل شيء بأكفهن الناعمة والرقيقة .. لتبدو مناظرهن مختلفة عما عهدناه سابقا، فأثر الشقاء بات واضحا على ملامحهن واشكالهن وذلك نتيجة قضائهن اوقات طويلة في اشعال الحطب والطهي عليه وهو الوسيلة التي لم تسمع عنها سوى من حكايات الجدات والأمهات. بعد أن صار الحصول على دبة الغاز حلم يراود كل أسرة من سكان اغلب مدن اليمن – تخيلوا كيف استقبل الناس أول يوم من رمضان بعد ان اعتادوا مزاولة العديد من الطقوس الشبيهة بطقوس العيد، فقائمة الطلبات التي كانت المرأة تقدمها لزوجها مطلع الشهر اختفت هذا العام .. ذلك لأن وبدت الليلة الاولى من الشهر اشبه بمأتم وهو ما لم تشهده نساء المدينة منذ سنوات طويلة. هكذا اختفت قوائم طلبات (الجيلي، والحلى، والسمبوسة، والبسبوسة، والعصائر، والكريما) وذلك ﻷن الكهرباء معدومة ولا يمكن للنساء أن يصنعن شيء من ذلك بدونها .. اما (اللحوم والدقة) وغيرها من الأكلات التي تحتاج إلى وقت طويل حتى تنضج على النار فقد صارت جميعها مستبعدة نهائيا ولا سبيل لأحد للتفكير أو اﻹلتفات اليها .. وكل ما وجده الأزواج هو قائمة تشمل حزم الحطب و(دباب) الماء ودقيق القمح .. وهي المتطلبات اللازمة للحفاظ على البقاء على قيد الحياة. واقع مزر وبائس ومؤلم وموجع ومبكي باتت المرأة اليمنية تتجرع مرارته ليلا ونهارا .. كان كفيلا بجعلها تنسى نفسها ومتطلباتها وحاجياتها وملذاتها، وحتى شكلها وجسدها ونعومتها ورقتها المعروفة .. وكل ذلك نتيجة للبركات التي اضفاها كلا من (السيد، والزعيم) على هذا الشعب من اقصى البلاد الى ادناها .. والقادم للأسف يبدو اكثر قتامة وسوادا