كثيرون هم الفقراء والبؤساء والمغبونين والمقهورين والمغيبين في هذا الوطن، والأكثر منهم هم اولئك البسطاء الذين الفوا الكفاح والعمل الشاق، يجيدون كل المهارات، يعملون في شتى المهن، وبشكل متواصل دون كلل أو ملل في سبيل توفير لقمة العيش لأسرهم واطفالهم. قطاع كبير من ابناء هذا الشعب حياتهم واستقرارهم مرتبط بما يتقاضونه من اجر نتاج اعمالهم الشاقة كل يوم .. فمنهم يأكلون ويوفرون مصاريف ابناءهم ويدفعون ايجارات منازلهم وغير ذلك من متطلبات معيشتهم .. بمعنى أن حياتهم مرتبطة بذلك بالأجر اليومي .. فيا ترى كيف اصبح حالهم اليوم وبعد أن تلاشت امامهم فرص العمل اليومي نتيجة ما تشهدة البلاد من احداث وتقلبات؟! هذا العم سعيد رجل في العقد الخامس من العمر يعول اسرة من سبعة اولاد الى جانب زوجته وامه المسنة .. يسرد مأساته قائلا: "انا عامل باﻷجر اليومي منذ عرفت نفسي .. تعودت على العيش انا واسرتي بما اكسبه كل يوم ولم افكر يوما في الإدخار لأن ما اتقاضاه من اجر اصرفه على الأسرة وايجار البيت، ولأني لم اتخيل يوما انني سافقد مصدر دخلي هذا خصوصا انني تعودت على الاشتغال بأي عمل مهما كان شاقا". ويستطرد العم سعيد حكايته وفي صوته بحة حزن وعيناه مغروقة بالدموع: " جاءت الحرب هذه وبسببها توقفت الأعمال جميعها .. فلم يعد هناك من يبني، ولم يعد هناك من يستثمر، ولم يعد هناك من يحتاج لعامل يصلح الكهرباء، او مواسير المياة .. كل شيء توقف .. مما يعني انني فقدت مصدر دخلي، وللأسف لم أجد من يسأل عني، كما لم اجد دولة تقف بجاني؟!" واما العم صالح يقول: "بالله عليكم كيف لي أن اعيش بدون ماء وغاز وكهرباء؟!! .. المصنع الذي كنت اعمل فيه أغلق ابوابه بسبب انعدام الديزل فأعطوني اجازة مفتوحة بدون راتب .. بحثت كثيرا عن عمل ولم اجد أي مصدر أخر اتمكن من خلاله اطعام اسرتي .. كان املي بالله كبير وكنت احمده أنه سخر لي ابنتان تعملان في مدرسة خاصة وكانت رواتبهن تعينني على توفير مصاريف البيت الى جانب راتب المصنع الذي اعمل فيه، ولكنهن للأسف توقفن عن العمل وبدون رواتب، واصبحن عاطلات بداخل البيت فالدراسة متوقفة منذ 3 اشهر ولا اجور ايضا" وكماهو حال المصنع. ويضيف العم صالح: "كل شيء صار شبه موقوف هذا الشهر الثالث وانا لم ادفع ايجار البيت الذي صار صاحبة يزعجني ليلا ونهار .. ضاق بي الحال وتلاشت امامي كل الفرص فكرت بالعودة الى القرية للعيش في منزل جدي ولكن ايجار نقل اسرتي اصبح خيالي ولا قبل لي ولا طاقة بتوفيرة حتى لو بعت كل ما املك في البيت من اثاث لن تكفي". ويواصل حكايته: "دلوني يا ناس على سوق او اي مكان اجد فيه عمل أي عمل حتى ان شاء الله اصلح احذية .. أريد أن اعمل .. كل يوم اخرج الى الأسواق اجول من الصباح للمساء باحثا عن فرصة عمل ولم اجد شيء سوى سيارات تحمل المسلحين الذين يتباهون بشراء القات الفاخر فيما انا لا أجد حق المواصلات لأعود الى منزلي الواقع في اطراف العاصمة صنعاء". ويختتم حديثة بالقول: "كيف لي أن اعيش في مدينة توقفت فيها الحياة، وتلاشت منها كل سبل ووسائل العيش والبقاء؟! كيف لي أن اعيش في مدينة اختفت منها قيم الإنسانية والرحمة وصارت اشبة بغابة تحكمها الوحوش؟! .. اريد ان اعيش انا واطفالي يا عالم فكيف لي بذلك؟!". مأساة العم سعيد والعم صالح تترجم وتحكي ملايين المآسي المماثلة التي صار اصحابها يحتضرون كل يوم .. ولكن بصمت مطبق .. فلا أحد منهم يجرؤ على مد يده لسؤال الأخرين المعونه في مجتمع يحكمة موروث قيمي ثقيل يعتبر السؤال فضيحة وعار كبير يظل يلاحق صاحبه الى الأبد .. فمن يا ترى يستشعر معاناة هؤلاء البؤساء؟!.