سألني أحد شباب ثورة 11 فبراير الذين جمعتني الساحة بهم قرابة 17 شهراً - وذلك بعد نقاش حول الوضع القائم في البلد -: ما العمل يا دكتور؟ نحن نعيش في ألم لاينتهي. هذا التساؤل كان السبب وراء كتابة هذا الموضوع. أعتقد أن أهم أسباب انحراف ثورة الشباب التي انطلقت في 11 فبراير 2011 هو عدم اكتمال الشروط الموضوعية لنجاحها، ذلك أن الوضع اليمني كان معقداً بدرجة لم يتخيلها أحد. نظام عائلي يحكم بشبكة مصالح مترابطة بشكل وثيق، ومتحكم بكل شيء في البلد إلى حد مستوى عاقل الحارة، بل ومدير المدرسة، وأحزب سياسية كرتونية هزيلة ومخترقة، ولا تمتلك أي رؤية، وذات قيادات خشبية عتيقة وعاجزة، كل ذلك مع أنسداد سياسي كامل، لا يعطي أي بصيص من أمل للشباب الذين يمثلون أكثر من 70% من المجتمع اليمني...الخ. أمام هذا الواقع المعقد إنطلق شباب ثورة فبراير يبحثون عن الأمل والمستقبل، وعن الوطن المختطف. اليوم وبعد قرابة 5 سنوات يرد سؤال بحاجة لإجابة هادئة وبعين المراقب لا بعين المشارك وهو: هل كانت الشروط الموضوعية لنجاح ثورة 11 فبراير متوفرة عند انطلاقها في 2011؟؟؟ كواحد ممن شاركوا في افتراش أرض الساحة منذ يومها الأول في صنعاء، أجدني مقتنع بأن شروط نجاح تلك الثورة لم تكن قد اكتملت بعد. أقول هذا مع قناعة كاملة لديّ بأنه لو عادت عقارب الساعة للوراء لخرجت ضمن من خرجوا في ذلك التاريخ ودون أي تردد. لماذا لم تكن الشروط الموضوعية للنجاح قد اكتملت؟ برغم أن الوطن كله قد غد مختطفاً. ولشرح ذلك لا يتسع المقال هنا، ولكن أعتقد أن المتمعن في المشهد والوضع الذي وصلت إليه البلد اليوم مقتنع بهذا الطرح. ولكن لا بأس من ذكر بعض تلك الشروط التي لم تكن قد اكتملت وبصيغة أسباب و بشكل موجز، وفي مقدمتها أن نصف النظام الذي قامت الثورة ضده هرب إلى الأمام وانضم للثورة، بل واختطفها وأصبح المُسير لها، بكل تاريخه المثقل بالفساد والإفساد والنهب، ...الخ. وقد ساعده في ذلك للأسف انعدام الخبرة لدى شباب الثورة، وحماسهم واندفاعهم التلقائي، ومثاليتهم المفرط، فضلاً عن دور شباب الأحزاب الذين كانوا جزء فاعلاً في ساحات الثورة والذين للأسف كانوا ضحية ثقتهم بقيادات أحزابهم، فأسهموا بشكل أو بآخر في دفع الثورة نحو المسار الذي أوصل البلد إلى الوضع الذي هي عليه اليوم. وعامل آخر على درجة عالية من الأهمية يتمثل في أن وجود أطراف ضمن ساحة الثورة تماهت مع الفعل الثوري السلمي إلا أنها في الواقع كانت مسكونةٌ بثقافة العنف والقوة، ولا تأمن إلا باستخدام السلاح لتحقيق أهدافه السياسية. كذلك هناك أطراف سياسية فاعلة شاركت في الثورة وآمنت بأهمية سلميتها إلا أنها لم تتحرر من الأمراض والأحقا التي تسكُنها ضد شركاءها السياسين في الثورة. الحديث حول الأسباب يطول كثيراً ولا يتسع له المقال هنا. كل ذلك وغيره كان وراء الانحراف بمسار ثورة الشباب عن أهدافها النبيلة، وإيصالها إلى ماهي عليه اليوم. المتابع للمشهد اليوم يجد أنه قد اختلف تماماً عن ما كان عليه، فلا شركاء ثورة فبراير بقوا كما هم، ولا المعارضين لها ظلوا كما هم. لقد تغيرت خارطة التحالفات برغم الفترة القصيرة، وهو ما يعطي دليلاً إضافياً على عدم اكتمال الشروط الموضوعية لنجاح ثورة 11 فبراير الشبابية حين انطلاقها. استطاعت ثورة فبراير أن تحقق إنجازا كبيراً تمثل في إجبار جميع الأطراف والفرقاء السياسيين في البلد على الجلوس على طاولة الحوار والوصول لوثيقة مخرجات الحوار الوطني، والتي تُعدُ - في تقديري الشخصي - أعظم إنجاز حققته ثورة 11 فبراير، بغض النظر عن بعض النقاط التي قد لا تعجب هذا الطروف أو ذاك، فهي في الأخير تمثل الحد الممكن مما يتطلع إليه اليمنيون. اليوم وبعد أن وصلت الأمور حد تهديد السلم الاجتماعي في البلد، مضافٌ إليه تعقيدات التدخل الخارجي وحساباته الخاصة، يبرز سؤال آخر. مالعمل؟؟؟؟؟ لقد بلغت العداوة بين الأطراف السياسية حد يعجز معه وجود أي ثقة للتعامل المستقبلي مع بعضها، وبالمقابل أعتقد أن شباب ثورة فبراير بما فيهم معظم شباب الأحزاب الأحرار قد فقدوا الثقة في الجميع بما فيهم قيادات أحزابهم. وللإجابة عن السؤال: ما هو العمل؟ في تقديري الشخص أن الطرف الوحيد القادر على إخراج البلد من المستنقع الذي دخلت فيه هو شباب ثورة 11 فبراير بما فيهم شباب الأحزاب السياسية إذا تخلصوا بصدق من ولائهم الحزبي. هذا الطرف هو الأكثر نقاءً لأنه غير مأسور بمصالح شخصية ضيقة بعد - كما هو الحال مع القيادات الحزبية والأطراف المؤثرة - كما أنه غير مسكون بدرجة كبيرة بأمراض وأحقاد الماضي المسيطرة على عقليات الحزبيين. كيف لهذا الطرف أن يبدأ؟ لقد انتهج شباب ثورة فبراير أسلوباً جديداً وخبروه وجربوه ورأوا تأثيره وفعله، وهو نهج السلمية. كما أنهم شاهدوا بالمقابل مسار العنف ومآلاته. لذلك في اعتقادي أصبح إيمان شباب ثورة فبراير اليوم بمنهج السلمية أكبر مما كان عليه في 2011، بما فيهم شباب الثورة الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على الانخراط في خيار حمل السلاح للدفاع عن ثورة فبراير من أولائك الذين أرادوا وأدها أو إعادتها إلى الوراء. إن الوضع القائم اليوم في البلد من الواضح أنه سيمضي إلى إنهاء وضع الانقلاب الذي اختطف الدولة، ولكن ليس هذا المهم، بل الأهم منه هو ماذا بعد ذلك؟؟؟ أثبتت الوقائع التاريخية أن السلطة التي تأتي بها أو تثبتها قوة خارجية لايمكن أن تكون معبرة بشكل مطلق عن تطلعات أبناء البلد أنفسهم، وشواهد التاريخ في هذا كثيرة. وفي الواقع اليمني فإن المشهد أكثر تعقيداً، حيث هناك مشاريع لاوطنية بدأت تتبلور وتقف وراءها قوى خارجية، وأيدي داخلية تسعى لإنجاحها، وتمزيق البلد واحد من تلك المشاريع. لذلك فإن دور شباب الثورة هنا يجب أن ينطلق لتصدر المشهد واستعادة المسار الطبيعي لثورة 11 فبراير بأهدافه النبيلة التي رسمها الشباب خلال الشهرين الأولين من انطلاقة الثورة في العام 2011. في هذه الأثناء سيكون الوضع قد أصبح مهيئاً للفعل السلمي. هذا الفعل الشبابي من المؤكد سيحضى بالنجاح إذا تمكن من عدم إتاحة أي دور قيادي لأي حزب سياسي أو قيادت حزبية معروفة - ولو أبدت استقلاليتها - لأن ذلك سيولد شكوك لدى الآخر ويعيد الجميع إلى مربع الاصطفافات الحزبية من جديد. اليوم على شباب ثورة فبراير عدم انتظار إسقاط الانقلاب بل عليهم أن يشرعوا في دراسة هذه الرؤية بهدوء وبصيرة، وتحويلها إلى مراحل في برامج عملية جاهزة للتنفيذ متى ما أصبح الوضع مناسباً للفعل.