بالأمس القريب ودعت اليمن واحدا من أعظم رجالها التاريخيين في العصر الحديث، الاء وهو الدكتور/عبد الكريم الارياني، الشخصية السياسية الأولى في عهد ما بعد الثورة السبتمبرية عام 1962م العظيمة، التي اقتلعت النظام الامامي الكهنوتي العنصري السلالي المتخلف من جذوره، واسست لمرحلة جديدة من النظام الجمهوري والاستقلال الوطني الحر. كان الدكتور/عبد الكريم الارياني مثالا حيا وقدوة في العمل السياسي الوطني ورمزا للسياسة اليمنية الحكيمة طيلة العقود الماضية وحتى يوم رحيله عنا الى جوار ربه راضيا مرضيا بإذن الله، وصادقا صدوقا مع شعبه ووطنه ودولته التي أمضى حياته فيها متفانيا، لا يكل ولا يمل من العمل الدؤوب خدمة لبلاده اليمن، التي أحبها من أعماق قلبه واحبته بما فيها من جبال ووديان وشواطئ وذرات رمال. لقد تابعت مجريات الاحداث منذ الإعلان عن وفاته وحتى وصول جثمانه الى صنعاء وموارته الثرى بحضور شعبي ونخبوي عظيم، رغم أجواء الحرب والحصار والخوف والحزن المخيم على نفسيات اليمنيين في ذلك اليوم المشهود والمفصلي في تاريخ الجمهورية اليمنية، التي ودعت رمزها السياسي الخالد الى مثواه الأخير، لتبقى السياسة اليمنية متعثرة بعد غياب مهندسها الكبير الدكتور/عبد الكريم الارياني. ان ما اثار حفيظتي في ذلك اليوم والأيام التي تلته هو التعاطي السلبي المقصود والمتعمد من وسائل الاعلام اليمنية الرسمية التي تسيطر عليها الميليشيات الحوثية الطائفية وتفرض عليها سيطرة سلالية لم تكن بهذا الشكل وبهذا النفس العنصري المتزمت والمتحجر حتى في العهود الامامية البائد، عهود ما قبل الثورة السبتمبرية الخالدة. لقد تعاملت وسائل الاعلام الرسمية الحكومية بمختلف اشكالها والوانها من قنوات تليفزيونية، واذاعات، وصحف، ومواقع إخبارية مع الحدث الكبير المتمثل بمراسيم التشييع للرمز الوطني الراحل الدكتور/عبد الكريم الارياني بتجاهل كامل، ينم عن حقد دفين وعنصرية سلالية وعرقية لا نظير لها في تاريخ اليمن قديمه وحديثه، وكراهية فاحت رائحتها بشكل واضح وجلي رغم محاولات البعض اخفائها. ان ذلك التعاطي السلبي والتجاهل المتعمد والمقصود من القائمين على الاعلام السلالي لم يكن له ما يبرره على الاطلاق كون الدكتور/عبد الكريم الارياني كان شخصية يمنية سياسية وطنية محضة، ولم تكن له مواقف عدائية ضد أحد على الاطلاق، كما ان الراحل كان شخصية وسطية عرفت بالاعتدال والتوازن والمواقف الراسخة والمعبرة عن المصلحة الوطنية العليا، بعيدا عن التعصب العنصري والسلالي والمذهبي وغيره من اشكال التعصب الاعمى. ان الرمز الراحل الوطني الكبير الدكتور/عبد الكريم الارياني لم يكن بحاجة الى دعاية إعلامية لترويج مراسيم تشييعه الى مثواه الأخير، خاصة وهو السياسي المخضرم، الذي عمل خلف الأضواء الإعلامية ونادرا ما كان يظهر في وسائل الاعلام، لان الراحل لم يكن يحب الظهور كثيرا بقدر ما كان يحب العمل والتفاني في خدمة الوطن خلف الكواليس، ولذا فان تجاهل الاعلام السلالي لتغطية مراسيم تشييع الفقيد مثل خسارة كبيرة وسقوطا سياسيا مدويا لقادة الميليشيات الطائفية التي تسيطر على الاعلام ومؤسسات الدولة بطريقة سلالية وعنصرية متخلفة، وخلاصة القول هو ان الراحل من ربح في النهاية وخسر الاعلام السلالي تلك المناسبة التاريخية العظيمة والمتمثلة بعظمة و وطنية ورمزية الدكتور/عبد الكريم الارياني رحمة الله عليه.