- حينما جاءني خبر وفاة الموسوعي مطهر بن علي الإرياني عدت إلى تصفح كتابه القيم : ( نقوش مسندية.. وتعليقات ) مرة ثانية , ووقفت ملياً أمام قول أستاذنا القدير الدكتور/عبدالعزيز المقالح في مقدمته لهذا الكتاب "بأن مطهر الإرياني عثر على هويته الحقيقية عبر الكتابة للتاريخ , والتي كانت كامنة كالشعر في نفس مطهر" مضيفاً " مع أن عقل ال م ؤرخ يظل مسيطراً على كثير من أشعاره" أو كما قال د.عبدالعزيز المقالح – رعاه الله- - فوجدت عقل مطهر المؤرخ مسيطراً فعلاً ببعض أشعاره , وربما بمعظم أشعاره حيث طغى ذكر أمجاد معين وحمير وظفار وقتبان وسبأ وأوسان عما عداها , " سهول الجوف تذكر إذ أفاضت لتحضن في مرابعها معينا وجاءت بعدها سبأ فشادت ل(صرواح) صروح الخالدينا" - إلى أن يقول : " دع التاريخ يروي ذكريات ويرجع عبر آلاف السنينا على هذا الثرى نشأت وقامت حضارات القرون الغابرينا " - وعودةً إلى كتاب : (نقوش مسندية وتعليقات) حيث أوضح الفقيد مطهر الإرياني في مقدمته لكتابه هذا , كيفية عثوره على النقوش التي أوردها بالكتاب .. وعبر جهد وتواصل ومتابعات .. بدءَ من مقابلته للقاضي علي عبدالله الكهالي أوائل عام 1970م بصنعاء والذي كان يحتفظ ببعض النقوش .. ثم سفره إلى ألمانيا ليظل بها بضعة أشهر مع الدكتور / فلتر موللر الذي أتاح له فرصة الإطلاع على ما يوجد بجامعة (تيوبينجن) الألمانية – قسم الدراسات الشرقية- خاصةً ما يخص الدراسات اليمنية القديمة .. حيث حصل على نقوش سبئية ترجع بمعظمها إلى - محرم بلقيس بمأرب – وعند عودته إلى اليمن قام بمقارنتها مع الموجودات لدى القاضي الكهالي .. وبعد دراسة وبحث وتحري .. تأكد من صحة وجدية خمس وعشرون نقشاً , إضافةً إلى بعض النقوش التي كانت قد نشرت بصورة غير سليمة – كما أشار إلى ذلك- ثم يجمع ذلك كله "متحرياً في نسخها .. أميناً في نقلها .. باذلاً كل الجهد في شرحها والتعليق عليها" ويضع تعريف مترجم بوضوح على كل مسند من ال مسانيد أو النقوش والتي وصلت لأكثر من أربعين نقشاً أو مسنداً ونشرها في هذا الكتاب (نقوش مسندية وتعليقات ) بأكثر من خمسمائة صفحة من الحجم الكبير , - وليكون الفقيد مطهر بذلك .. من القلة النادرة بما يخص قدرته على نسخ نقوش المسند وقراءته .. وساعده على ذلك أيضاً ثقافته العربية .. وجم عه بين قول الشعر والنثر . ودراسته لعلم اللغة واللهجات والتاريخ .. - وبقدر التقدير والإعجاب بالفقيد مطهر بما قدم من خدمات جليلة لوطنه وأمته .. بقدر التقدير والإعجاب بنفس الوقت بالقاضي علي بن عبدالله الكهالي وبمدى إهتمامه باقتناء مثل هذه النقوش التي يكاد الإهتمام بها شبه محصور بالمتخصصين بها .. وهو مايؤكد لأمثالي صعوبة وربما استحالة تكرار مثل هؤلاء الرجال الأعلام اليوم .. والذين كان الحرص على الوطن وبكل ماله صلة بالوطن هو فوق كل إهتمام لديهم – رحمهم الله- - أجل .. لقد خدم الفقيد مطهر الإرياني وطنه بما سيظل حاضراً ومشرقاً على مدار السنين .. كونه أحيا تراثاً أوشك أن يندثر .. وستظل كتاباته وأشعاره وأغانيه المستقاة من شجرة البن ومن تراث وجبا ل وشعاب ووديان اليمن .. هي الحاضرة أبداً . - وكم يروق لي أثناء السفر بين صنعاء وتعز أو العكس مروراً بنقيل (سماره) سماع أغنية "خطر غصن القنا" والتي مثلت لحناً مميزاً يندر تكراره , وزا د من جمال الكلمات ووقعها على النفس جمال صوت (علي الآنسي) والذي كان بتفاعله أيضاً يعطي الكلمات إيقاعات استثنائية – رحمهم الله جميعاً – - لقد ابتعد الفقيد مطهر الإرياني عن الأضواء إلا ما ندر , ليتفرغ لكتابة وتدوين ماله صلة بتاريخ وثقافة وتراث اليمن خدمة لوطنه وحرصاً على حاضر ومستقبل أجياله ! - بينما فرضت الأضواء على شقيقه الدكتور / عبدالكريم الإرياني . ليكتشف آخر عمره أن بعض ماعمله لصالح من لا يستحق حرصاً على وطنه .. تنكر له وقلب له ظهر المجن .. لتكون هذه بعض الفوارق بين الشقيقين -رحمهما الله – مع أني تخيلت أبا يزن– حينما تفاجأ بما لم يتوقع وهو يردد قول الشاعر : " وفي هوازن قوم غير أن بهم داء اليمانين إن لم يغدروا خانوا " والمعنى ببطن الشاعر كما يقال !! و .. " ياقافلة عاد المراحل طوال وعاد الليل عابس قولي لهم عاد الخطر ما يزال لا تأمنوا شر الدسائس" - أجل.. أيها الفقيد مطهر .. فكما قلت َ .. الخطر ما يزال .. ولا زلنا نتعايش مع محنة الحرب وال دسائس وهذا قدرنا .. فليرحمك الله . [email protected]