بقليل من الضجيج تسرب نبأٌ يتيم ولكنه يتمتع بالمصداقية، بشأن نية الحكومة عقد مؤتمر وطني في مدينة عدن لم تتحدد ملامحه ولا أجندته. لكن وفقاً لمصدر مقرب من الحكومة، فإن هذا المؤتمر سيعقد على الأرجح أواخر هذا الشهر أو أبعد من ذلك قليلاً وذلك بالتزامن حلول مناسبة الذكرى الخامسة لتولي الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي مقاليد السلطة كرئيس توافقي بعد الإطاحة بالمخلوع صالح. لمؤتمر كهذا أهميته الاستثنائية في مرحلة تحتاج فيها الحكومة إلى أن تعبر عن المرحلة الجديدة من الاستقرار في العاصمة المؤقتة عدن، التي تتعافى ببطء ولكنها لا تزال تعاني من إشكاليات عديدة أبرزها هذا التعايش المتوتر بين تصورين لوضع عدن، أحدهما يراها عاصمة مؤقتة لليمن والآخر يراها عاصمة للجنوب المستقل عن صنعاء. فكرة انعقاد المؤتمر في ظرف كهذا يمكن وصفها بالمغامرة، لكنها إن تحققت فستكون إنجازاً استثنائياً في هذا السياق الغائم من تطور الأحداث ليس فقط في عدن وإنما في اليمن. ومما تسرب من معلومات بشأن هذا المؤتمر، فإنه من المتوقع أن يكون فضفاضاً من حيث التشكيلات السياسية والمجتمعية والجهوية المشاركة فيه، تماماً كمؤتمر الرياض الذي اجتمعت تحت مظلته أطيافٌ سياسية متنافرة من حيث الأجندات السياسية ولكنها متحدة حول فكرة هزيمة الانقلابيين ومشروعهم السياسي المدعوم من إيران. لا يكفي أن تستمر المشاريع السياسية المتناقضة، في الاختفاء خلف هدف مواجهة المد الإيراني، فيما يسهم هذا التناقض في تكريس حالة الهشاشة التي تعاني منها جبهة الشرعية في هذه المرحلة. فإيران على الرغم من خطورة مشروعها الطائفي على اليمن والمنطقة، إلا أنها مجرد لاعب حظي بهذا القدر من التأثير، بفضل التواطؤ الأمريكي وليس بسبب الإمكانيات العسكرية التي لديه. يمكن لمؤتمر عدن الوطني إن انعقد بالفعل، أن يُبني على الانتصارات الميدانية المهمة التي تحققت في الآونة الأخيرة وبالتحديد في جبهة باب المندب المخا، هذه المنطقة الاستراتيجية التي خسرها الانقلابيون وخسروا معها منفذا مهما لتوريد الأسلحة ولممارسة التجارة غير المشروعة، والنفوذ العسكري على أحد أهم المضايق البحرية في العالم (باب المندب). لقد راهن الانقلابيون على صمودهم في هذه الجبهة، وأرادوا تقديم بروفة للمعارك التي تنتظر القوات الحكومية والتحالف في الساحل الغربي وبالأخص في مدينة الحديدة أكبر المدن اليمنية على ساحل البحر الأحمر، ولهذا استغرقت معركة المخاء أياماً قبل أن يتم تحريرها بالكامل من أيدي الانقلابيين. من الواضح أن هناك جموداً سياسياً قد ترتب على إخفاق المبعوث الأممي في تقديم صيغة حل تتفق مع المرجعيات، وتورطه في تبني تصور وزير الخارجي الأمريكي السابق جون كيري. لذا على الحكومة أن تهيئ أرضية وطنية لحل يمكن أن يُبنى على المرجعيات لكن لا يكرس الانقلابيين طرفاً أو شريكاً، خصوصاً وأنهم عازمون على مواصلة المعركة، مما يجعل من أي تسوية سياسية معهم، ضرباً من الجنون، وانسياقاً وراء مخطط سيئ يسعى بكل إصرار على تأمين الخطة(ب) للانقلابيين، بحيث يكون بوسعهم تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه بالعمل العسكري عبر تسوية سياسية يجري طبخها على نار الحرب التي لم تتوقف في البلاد.
إذا حدث وعقد هذا المؤتمر فلا يجب أن ينشغل بتقديم الانطباع بأن كل شيء جيد في عدن، بل عليه أن ينشغل بإجراء مقاربة سياسية شجاعة لتصور واضح المعالم بشأن المرحلة المقبلة يمكن تسويقه إقليمياً ودولياً ولا يرتهن بأي حال من الأحوال للتصورات التي يسوقها الانقلابيون، ولا أذرعتهم الناعمة التي تنشط بدأب لافت عبر منظمات دولية وتعقد حوارات موازية وتنسجح خيوط الحل القائمة على فكرة كيري وتصوراته. لذا أول شيء يجب أن يعتني به هذا المؤتمر هو المدخلات، بمعنى أنه لا يجب أن يتحول إلى مكافأة لأحد، بل يجب أن يدعى إليه حكماء اليمن وقادته وأهل الحل والعقد فيه، مع تمثيل عادل يمكنه أن يحتوي الادعاءات المتوقعة بشأن عدم شرعية المؤتمر. يمكن لمؤتمر كهذا أن يناقش بجدية مسألة تأسيس حامل سياسي وطني مرحلي، تُعهد إليه مهمةُ احتواء الأجندات والتناقضات سواء التي تواكب عملية التحرير أو تلك التي يمكن أن تتفاقم في مرحلة ما بعد الحسم. "أخبار اليمنية" لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet