كثيرون يرون في الوضع الذي نعيشهُ اليوم وعلى امتداد سنوات الحرب الثلاث بأنه أشبه ما يكون بالجحيم... ما أخشاه ويخشوه كثيرون غيري أن يأتي يوم نكون قد تجاوزنا فيه هذا الوضع إنما إلى وضع هو الجحيم بذاته بكل أوصافهِ وعذاباتهِ وفضاعاتهِ. لما لا؟! طالما كُل ما هو طافٍ على السطح يُنبئ بهذا المصير المُخيف، إذ لم يحدث أن تمزق المجتمع اليمني على هذا النحو الذي هو عليه اليوم.. سُلطات في صنعاء وسُلطات في مأرب وسُلطات في عدن وسُلطات في المنفى، وفوق هذا وذاك متآمرون على البلد يستلون خناجرهم المسمومة في أكثر من عاصمة عربية وأجنبية، وفي أكثر من قبو استخباراتي في مشارق الأرض وفي مغاربها. ما يجري في الوطن من مواجهات ومن فظاعات ومن أثمان باهظة ومُكلفة على امتداد ثلاث سنوات ما هو إلا تحضير لسيناريو أخطر ستكون مشاهده المستقبلية هي الأعنف والأفظع والأكثر دموية على الإطلاق ما لم يتنبه لهذا المصير المُرتقب عقلاء وحكماء البلد، هذه المشاهد الجهنمية هي ما يُحضّر لها اليوم في مناطق الجنوب على مرأى ومسمع الجميع في الداخل وفي الخارج على السواء. كُل المؤشرات التي تلوح في أفق الجنوب والتي كان من أبرزها أحداث 28يناير 2018م تُنبئ بأن ما تحت الرماد حمم وجذوات متقدة سيمتد لهيبها وحرائقها إلى كل شبر من مساحة الوطن في حال ما حاول أحد إزاحة هذا الرماد وتعريض تلك الحمم لعامل الرياح الكفيلة بحمل شظاياها إلى كل المدن والقرى والجبال والهضاب والشعاب متجاوزة سياج الوطن مع جوارهِ إلى ما هو أبعد من هذا السياج بكثير. اللعب بالنار انطلاقاً من مُدن الجنوب أمرٌ هو غاية في الخطورة، إذ أخطر ما فيه عملية خلط الأوراق من جديد بُغية شدّ الوطن إلى مُربعاته القديمة إبان التشطير. الخاسر في هذا الخلط المُخيف هو المواطن في الشمال وفي الجنوب الذي تعب كثيراً من أسفاره الشاقة والمُضنية ليس على امتداد سنوات الوحدة أو سنوات الحرب الثلاث وإنما على امتداد الثورة الأم ثورة سبتمبر 1962م وما تخللها من مُؤامرات ومن حروب ومن انتكاسات وطعنات لم تتوقف منذُ ذلك التاريخ وحتى اللحظة؛ جراء محاولة ضبط إيقاعها والتحكم بمنسوب زفيرها وشهيقها من قبل اللاعب الخارجي الذي طغت تدخلاته على اهتمامات اللاعب في الداخل بمجرياتها. الجنوب الذي كان يُطالب أهلهُ بالانتصار لمظلوميتهم التي تسببت بها حرب 1994م ها هو اليوم يُحضّر وللأسف الشديد كساحة لأخطر كارثة ستعم الوطن من أقصاه إلى أقصاه بذريعة هذه المظلومية التي لا يتحمل وزرها المواطن في الشمال طالما لم يكن يوماً أحسن حالاً من أخيه في الجنوب في ظل حاكم وضع نصب عينيه مصالحهُ ومصالح أسرته وأقربائه مقدمة على كل مصالح المواطنين في الشمال وفي الجنوب على السواء، ما يُحضّر اليوم في الجنوب للوطن برمته سيندرج في إطار محطة تاريخية ستكون الأكثر عتمة والأكثر انحطاط على امتداد تاريخ هذا البلد المُعاصر ما يجري في الجنوب حالياً من استقطابات في إطار مُعسكرات تحت مسميات مختلفة وولاءات متعددة وأجندات خارجية مسمومة وخطيرة، كل ذلك يُنبئ بما لا يُحمد عقباه، إذ يمكن لأية نتوءات عسكرية أو أمنية أو مليشاوية أن تُشعل النار التي سيمتد هشيمها إلى كل جغرافية الوطن... لكنها ستعجز حتما عن إخمادها أو السيطرة عليها أو التنبؤ بمآلاتها في ظل تعدد اللاعبين على الساحة واختلاف هوياتهم. الجنوب مُهيأ للفوضى أكثر من أي وقت مضى؛ ما لم يُسارع عقلائه وحكمائه لنزع فتيل الفتنة والاشتعال قبل نشوبه، ومن ثم وضع حدٍ لهواجسنا ومخاوفنا وخشيتنا من الولوج إلى نفق جديد سيكون الأكثر ظلمة والأكثر مآساة وإحباطاًَ على الإطلاق. [email protected]