قرأنا عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ما كتبه الأديب والكاتب محمد القعود، وقراره بعرض مكتبته الخاصة للبيع، ليتسنى له مواجهة مطالب الحياة وتسديد الإيجارات المتأخرة لمسكنه الذي يقطن فيه. ثم قرأنا بعدها خبرا يقول بأن الدكتور أحمد بن دغر رئيس الوزراء في عدن قد أمر بصرف مبلغ مالي للقعود حتى لا يضطر لبيع مكتبته. ورغم تعاطفنا مع المأساة التي مر بها الأديب القعود، لكن قناعتنا بأن صرف مرتباته المقطوعة منذ أكثر من عام (مثله مثل معظم الموظفين اليمنيين) كانت كفيلة بحل مشكلته، من غير الحاجة لأي مكرمة تصله من هذا المسؤول أو ذاك. وبهذا الخصوص دعونا ننظر للأمر من زاوية مختلفة، ونقول بأن الأوضاع التي عانى منها القعود لا تخصه وحده، لكنها تخص مئات الآلاف من الموظفين غيره الذين قطعت مرتباتهم. حيث يعاني من ذلك الوضع الغالبية العظمى من الموظفين العاملين في المحافظات الخاضعة لحكمومة بن حبتور في صنعاء. ونقول معظم وليس جميع لأن كبار المسؤولين في تلك الحكومة مع الموظفين المقربين منهم يستلمون بشكل منتظم وبمسميات مختلفة مايفوق مرتباتهم الشهرية، إلى جانب أن بعض الجهات تسلم مرتبات موظفيها من إيراداتها الخاصة (المواصلات وغيرها من الجهات). ويعلم الدكتور بن دغر الذي أرسل المساعدة للقعود بأن كثير غير القعود من الأدباء والصحفيين وأساتذة الجامعات قد باعوا مكتباتهم بصمت، بل وباعوا حتى أثاث منازلهم ليتمكنوا من مواجهة المتطلبات الضرورية للحياة. ومثلهم أكثر الموظفين البسطاء الذين تجرعوا ويتجرعون أصناف الذل والجوع والمرض هم ومن يعولون بسبب انقطاع مرتباتهم وعدم امتلاكهم لمصادر دخل أخرى. وبالتالي فإن مهام الحكومات ورؤسائها إنما تتمثل بدفع مرتبات الموظفين، وليس تقديم المساعدات والمعونات لأشخاص محدودين لمجرد أنهم تمكنوا من الجهر بمعاناتهم ولديهم وسائل لإيصالها إلى المسؤولين هنا أوهناك. وعلى حكوماتنا في عدنوصنعاء أن تفهم بأنها ليست جمعيات خيرية تتبع حكومات أجنببة كلفتها بتقديم المساعدات للشعب، بل هي حكومات يمنية يعد من أولى مهامها تقديم المعالجات للمصائب والمآسي التي يعاني منها هذا الشعب، بمن فيهم الموظفون الذين قطعت مرتباتهم. فمن يفهم حكوماتنا المتكاثرة بأن عليها تقديم حل لمشكلة المرتبات المنقطعة لمعظم الموظفين اليمنيين، ويعلمها بأن تحييد الوظيفة العامة هو مطلب شعبي. فالموظفون لا علاقة لهم بالصراعات السياسية والعسكرية الدائرة بين تلك الحكومات ومن يقف خلفها. أما إذا انتظرنا فقط من سيصرخ من أولئك الموظفين لنقدم له المساعدات فذلك من مهام الجمعيات الخيرية وليس الحكومات، فمثل تلك اللفتات الإنسانية يحمدها الناس للمسؤولين عندما تتم لمواجهة كوارث شخصية واستثنائية يعجز أصحابها عن مواجهتها، لكنها تفقد قيمتها الإنسانية عندما تتم بشكل انتقائي مشخصن في إطار وضع كارثي يعاني منه الجميع. علما بأنه لا يوجد عدالة حتى في تقديم هذه المساعدات، فقد صرخ قبل الأديب القعود أناس كثر بمن فيهم علماء وأدباء وأساتذة جامعات، وذهب بعضهم لغسل الصحون في المطاعم أو البيع على عربات متجولة في الشوارع، وتناقلت وسائل الإعلام أخبارهم، ومع ذلك لم نسمع بأي توجيهات أو أومر بتقديم أي مساعدات لهم لا من بن دغر ولا من بن حبتور ولا من أي مسؤول أكبر أو أصغر منهما في هذه الحكومة أو تلك. خلاصة القول: مأساة انقطاع المرتبات بكل مظاهرها الكارثية هي التي يتوجب على جميع مسؤولينا بجميع أطرافهم وحكوماتهم تقديم الحلول لها، وعليهم أن لا يعتقدوا بأنهم قد أخلوا مسؤولياتهم عنها لمجرد أنهم قد حملوا خصومهم مسؤوليتها، أو لأنهم قد أمروا بمساعدة تقدم لهذا الموظف أو ذاك.، فالوضع أكبر من ذلك وأخطر.. فهل يعون؟! ...... لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet