اعتبر محللون الجمعة 23-10-2009 أن ضعف التيار الإسلامي المتشدد في تونس قياسا بدول مغاربية مجاورة لا يعود فقط إلى تصدي السلطة للإسلاميين، بل أيضا إلى تقدم القوانين الاجتماعية في البلاد وجهود الدولة لاحتواء تأثير هؤلاء. وأكد المحلل برهان بسيس أن "ما جعل وجود الإسلاميين هامشيا، نوعا ما، هو إرث الإصلاح والتحديث المتجذر في تونس". ويشير بذلك إلى الدعوات الإصلاحية التي تعود إلى بداية القرن الماضي في تونس وضمنها كتابات المصلح المعروف الطاهر الحداد الداعية الى تحرير المرأة، ثم صدور مجلة الأحوال الشخصية في 1956 التي منحت المراة المساواة مع الرجل وألغت تعدد الزوجات. وإضافة إلى أثر القوانين الاجتماعية في تونس منذ الاستقلال، والمنحى التحديثي لقوانين الأسرة، شهدت السنوات القليلة الماضية في تونس تركيزا أكبر من الدولة على الاهتمام بالجانب الديني. وفي هذا السياق أصبحت إذاعة "الزيتونة للقرآن الكريم" منذ 2007 التي يملكها فهد محمد صخر الماطري صهر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، الأكثر استماعا في البلاد، حتى إنها تتقدم الإذاعة الوطنية. ويجري التحضير لإطلاق قناة تلفزيونية في الاتجاه نفسه. كما أعلن الماطري الأربعاء تاسيس أول مصرف إسلامي في تونس أطلق عليه اسم "الزيتونة". ويتوقع أن يباشر العمل مطلع حزيران (يونيو) 2010. غير أن برهان بسيس لاحظ أن "هذا التوجه لا علاقة له بالظاهرة الإسلامية في بعدها السياسي"، بل إنه "توجه عاد وطبيعي في بلد لم تنقطع أبدا جذوره العربية الإسلامية رغم انفتاحه على الحداثة". وحول الضعف النسبي للحضور الإسلامي في تونس مقارنة مع دول مجاورة، قال بسيس "في تونس، من واجه الإسلاميين ليس الدولة فقط. كانت الدولة مع المجتمع في مواجهة الإسلاميين. وهذا ما قد يكون غاب في تجارب أخرى في الجزائر والمغرب". وكانت الجزائر شهدت صعودا للإسلاميين في انتخابات 1992 التشريعية قبل أن تلغي السلطة النتائج والدورة الثانية من الانتخابات لتغرق البلاد في دوامة عنف دامية. أما في المغرب فيعتبر حزب العدالة التنمية (إسلامي معتدل) ثاني قوة سياسية في البلاد. وأضاف بسيس أن "إقصاء الإسلاميين في تونس اجتماعي وليس سياسيا. المجتمع التونسي قبل الدولة، جرب الإسلاميين ووجد أن وجودهم عامل تأزيم للوضع السياسي.. الدولة وحدها مهما كانت قوتها غير قادرة على أن تقضي على ظاهرة من المفترض أن لديها جذورها الاجتماعية مثل الظاهرة الإسلامية". من جانبها، أكدت عربية بن عمار المسؤولة في حزب الوحدة الشعبية المعارض أن "التيارات الإسلامية تنمو في ظروف الأزمة والجهل والأمية التي تجعل الناس يتعاطفون مع الخطاب الديني (القدري)، ولكن في تونس بفضل التعليم والقوانين المنظمة للحياة الاجتماعية لا يمكن لهذه التيارات أن تجد الأرضية السانحة لتنمو". واعتبر رشيد خشانة عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي المعارض أن "الوضع مختلف في تونس عن أماكن أخرى في العالم العربي، هناك نسيج اجتماعي وثقافي لا يسمح للإسلاميين بأن يكونوا غالبية". غير أنه تدارك أن "تغييبهم (الاسلاميين) مشكلة لانه يؤدي إلى تحريف الواقع، أما إشراكهم فلن يؤدي إلى حصولهم على أكثر من 25%" من الأصوات في أحسن الحالات. ورغم تأكيد قادة إسلاميين في تونس أنهم ينبذون العنف ومستعدون للانخراط في العمل السياسي القانوني، أوضح برهان بسيس أن تونس "خاضت في بداية تسعينيات القرن الماضي تجربة (مع الإسلاميين) كادت تدفع ثمنها غاليا لولا التصدي لهذه الظاهرة". وكان يشير بذلك إلى فترة من الانفتاح في علاقة السلطة مع الإسلاميين إثر تولي الرئيس زين العابدين بن علي السلطة في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 1987. فقد انقذ بن علي قيادتهم من حبل المشنقة إثر إصدار النظام السابق له أحكاما بالإعدام بحقهم، وأعقب ذلك مشاركتهم في الانتخابات التشريعية العام 1989 عبر قوائم مستقلة حصلت على نحو 17% من الاصوات. غير أن هذه الحال لم تستمر طويلا، فقد تم حظر حركة النهضة ومحاكمة قادتها بتهمة التحضير لمؤامرة انقلابية في تونس العام 1991، ولا تزال محظورة إلى اليوم.