ضحايا الزواج المبكر في اليمن أكبر من أن يتم إحصاء عددهن، وحالات "نجود" و"نجاح" و"أروى" و"أحلام" وغيرهن، ليست سوى صورة مصغرة للإشكالية التي طغى صداها على القضايا السياسية الآنية حاليًا. قصص لم تجد لها آذانًا صاغية من قبل المشرعين لإقرار مشروع قانون "تحديد سن الزواج" الذي كاد ان يقر العام الماضي لولا تدخل الردايكاليين الرافضين لفكرة تحديد سن الزواج. صنعاء: يقود عدد من البرلمانيين من المشايخ حملة واسعة ضد تحديد سن الزاوج. ويجمع هؤلاء صفة واحدة ألا وهي انهم من خطباء المساجد، على الرغم من اختلاف توجهاتهم الحزبية والسياسية. وهؤلاء هم محمد الحزمي، هزاع المسوري، عارف الصبري، عبدالله خيرات، عبدالملك الوزير، وغيرهم . وقد قاموا بجمع توقيع عدد من علماء الدين، اضافة الى الترويج والتوزيع لكتاب للنائب والمدرس في جامعة الإيمان عارف الصبري وتسجيلات صوتية دعوية، وقد توجت كل هذه الخطوات بتظاهرة دعيت اليها طالبات جامعة الإيمان -التي يديرها الشيخ الزنداني- الأسبوع الماضي . وتوجّهت التظاهرة الرافضة لتحديد سن الزواج الى البرلمان ، ما دفع بعضهم الى التساؤل عن سبب غياب هذه التحركات حين تتعلق الامور بالقضايا السياسية الكبرى. في الجهة الاخرى يؤيد عدد من الحقوقيين بينهم البرلماني شوقي القاضي عضو لجنة الحقوق والحريات في البرلمان ورئيس منظمة حقوقية وهو برلماني عن حزب "التجمع اليمني للإصلاح" الإسلامي المعارض، تحديد سن الزواج . ويقول القاضي وهو خطيب لأحد جوامع مدينة تعز ل إيلاف: "حيثما كانت مصالح العباد فثم شرع الله"، مستدلاً بالعلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الذي أشاد بتحديد سن الزواج ووصفه بأنه حيوي وضروري ومهم للمجتمع، معتبرًا أن سن 16 عامًا هي الأنسب لزواج الفتاة و18 عامًا أنسب لزواج الفتى. ويستشهد "القاضي" برجل الدين السعودي العلامة الراحل "ابن عثيمين" الذي قال إنه "من الناحية الانضباطية في الوقت الحاضر، أن يُمنع الأبُ من تزويج ابنته مطلقًا حتى تبلغ وتُستأذن، ولا مانع من أن نمنع الناس من تزويج النساء اللاتي دون البلوغ مطلقًا". واعتبر أن الاستدلال بزواج عائشة لا يصح كدليل قاطع لتزويج الصغيرة، كون هناك خلاف بين المؤرخين في سن عائشة عند زواجها. من جانبه، يناشد رئيس منظمة "سياج" لحماية الطفولة أحمد القرشي الرئيس ورئيس البرلمان، سرعة التصديق على قانون تحديد سن الزواج، مؤكدًا "أن أي مساس بالقانون سيمثل تراجعًا خطرًا عن منجز متميز يحسب لليمن" والذي يمثل "حائط صدّ" لواحدة من أخطر الانتهاكات الاجتماعية للطفولة في البلاد. وشدد القرشي ل"إيلاف" على ضرورة " اصطفاف البرلمان بمختلف أطيافه وكتله مع القانون الجديد، وتحمل جميع النواب مسؤوليتهم الوطنية والإنسانية، محذرًا من تحوّل حقوق الإنسان عمومًا والطفولة بوجه خاص، إلى عرضة للمساومات السياسية والمناكفات الحزبية او اهواء بعضهم". وتمنى القرشي "أن تكون مجرد وجهات نظر فقط ولا تستند إلى مرجعية دينية تصنف بأنّ هذا حلال وهذا حرام"، موضحًا "إذا قالوا لنا إن هذه وجهات نظر، فنحن نتقبلها. لكن أن يستندوا إلى المرجعية الدينية ويستقووا علينا بالنص الديني، فهنا تكمن الخطورة لأنهم سيصوروننا أمام الناس على أننا ضد الدين". نصف اليمنيات تزوجن باكرًا وكانت دراسة ميدانية صدرت عن مركز دراسات المرأة والتنمية في جامعة صنعاء، قد أشارت إلى "أنّ ظاهرة زواج القاصرات في اليمن منتشرة أكثر من زواج الذكور، إذ تبلغ نسبة الإناث اللواتي تزوجن قبل سن الخامسة عشرة 52% . وتبلغ نسبة زواج الأطفال (الذكور والإناث) 65% من إجمالي حالات الزواج أغلبيتها في المناطق الريفية، حيث يتم تزويج البنات قبل سن العاشرة إما بسبب العادات والتقاليد، أو بسبب الوضع المادي المتردي للأسر الفقيرة التي ترغب في التخلص من أحد أفرادها بطريقة شرعية، علاوة على الرغبة في الاستفادة من المبالغ المالية التي يحصل عليها الأب مقابل تزويج ابنته". ويحدد قانون الأحوال الشخصية اليمني للعام 1994 سن الزواج الدنيا ب 15 سنة، لكن التعديلات التي أُدخلت على ذلك القانون جعلته غامضًا حيال هذه المسألة كما يرى حقوقيون، فلم يعد يلحظ تحديد العمر الأدنى للزواج، بل يسمح فقط للوصي على الفتاة باتخاذ القرار حول ما إذا كانت جاهزة جسديًّا ونفسيًا للزواج أم لا. قبل الإقرار في العام المنصرم، تنادى مشائخ الدين بقيادة الشيخ المثير للجدل عبد المجيد الزنداني و"أقاموا الدنيا" مطالبين بعدم تحديد سن الزواج، ووصل الأمر إلى الدعوة من قبل بعضهم إلى أن يتم تحديد سن الزواج بتسعة أعوام أسوة بالروايات التي تتحدث عن زواج النبي بعائشة في هذه السن. اختلطت الأوراق وقاومت المنظمات المدنية دعوة رجال الدين مطالبة بعدم إخضاع المسألة للتكييف الديني والنظر إليها بنظرة واقعية واجتماعية وما يترتب عليها من أعباء لا تحتملها الفتيات الصغيرات. في المقابل، لا تسأل الفتيات الصغيرات عن رأيهن في الأمر، لكن قصص "نجود" و"نجاح" و"أروى" و"أحلام" وغيرهن لم تلن لقصصهن قلوب رجال الدين الذين يفكرون فقط بالفتوى بعيدًا من المنطق. وكان استطلاع أجراه "المركز اليمني لقياس الرأي العام" وهو أحد أبرز مراكز استطلاع الرأي في المنطقة أظهر أن 66.5% من النتائج المستطلعة آراؤهم، قالوا إن السن المناسب لزواج الفتاة أكثر من 18 عامًا ومن هذه النسبة الإجمالية فإن 34% أجابوا أن 18 عامًا هو السن المناسب لزواج الفتاة. وأورد نتائج الاستطلاع إن 63.3% من الرجال و 83.4% من النساء قد أيدوا أن يكون هناك سن قانوني لزواج الفتيات، فيما رفض 36.8% من الرجال و 16.6 % من النساء. ويرى 34.6 % من المشاركين أن سن الزواج المناسب للنساء هو 18 عامًا، واختار 24.9 % عمر 21 عامًا، وقرابة 7 في المئة فقط اختاروا العمر 24 عامًا بوصفه سن زواج مناسب للنساء. وبينت النتائج أن أكثر النساء وبنسبة 35 % منهن كن يفضلن العمر 21 عامًا كسن للزواج ، و32.8 % اخترن العمر 18. وحسب استطلاع المركز فإن النتائج تؤكد أن أغلبية اليمنيين من مختلف الشرائح والمستويات التعليمية تؤيد وضع حد لسن زواج الفتاة.