يهمنا في هذه الحلقة وحتى لا نتأخر عن مواكبة الأحداث المتسارعة أن نتوقف لتناول قضية ميناء الحاويات والترتيبات الجارية لتمرير تسليمه لميناء دبي تحت يافطة تأسيس شركة مشتركة من موانىء دبي وهيئة موانىء خليج عدن وذلك بعدما واجهته اتفاقية دبي من معارضة كبيرة لإضرارها بمصالح الميناء والوطن. ولابد لنا أن نعود قليلاً إلى الوراء منذ أن قبلت الحكومة اليمنية بعرض شركة موانىء دبي والذي كان أقل بكثير من عرض الشركة الكويتية ولايهمني صراحة لا شركة دبي ولا الشركة الكويتية. ولا أي أشخاص، ولكن همي ومصلحتي في مصلحة ميناء عدن الذي أتصور أنه بوابة لتطوير عدن ولتطوير كل الوطن، وحتى تستقيم رؤيتنا سأعود بالقارىء قليلاً إلى 2 مارس 2005م عندما قدمت ثلاث شركات عروضها لميناء الحاويات لفترة امتياز 35 عاماً، ولمعرفة العروض المقدمة راجع الجدول أدناه: 1)تقدمت ثلاث شركات بعروظها ومن ظمنها (كي جى ال) الكويتية وموانى دبي وشركة الخدمات الفلبينية في 2 مارس 2005م(لفترة الامتياز 35 عاما )وهو كالتالي: دبي كى جى ال -الكويتالفلبين قيمة المعدات: ايجار الرصيف: رسوم الحاويات: 31,600,000.00$ 63,175,000.00$ $202,200,000,00 34,430,000.00$ 115,416,400.00$ $311,907,499.00 35,400,000.00$ 107,800,000.00$ 308,175,000.00$ الاجمالي المضمون: 296,975,000.00$ 461,753,899.00$ 451,375,000.00$ مشاركة في الدخل: لاشي 464,725,363.00 لاشي اجمالي المضمون والمشاركة في الدخل $296,975,000.00 $926,092,262.00 $308,175,000.00 أضف إلى ذلك تلتزم الشركة الذي سيرسى عليها العطاء بعمل رصيف جديد بطول 2 كيلو متر. وبمراجعة العروض المقدمة المبينة في الجدول أعلاه نجدنا لانغلو إذا ما قلنا إن عروض شركة دبي كشفت عن نوايا سيئة لها تمثلت برغبتها في أن تستولي على ميناء الحاويات بأرخص الأسعار، ولاشك أن تقديمها عروض منخفضة وهي شركة ذات باع ودراية كبيرة بالقيمة الحقيقية لميناء الحاويات بعدن يوحي لنا بأنها كانت ومازالت مطمئنة بأن المناقصة سترسى عليها في كل الأحوال سواء قدمت عرضاً مرتفعاً أو منخفضاً وعليه حرصت على تقديم تلك الأسعار آخذةً في الحسبان أنه إذا ما أعيدت المناقصة سترفع السعر شوية وهو ما أثبتته الأحداث ولنسأل أنفسنا لماذا لم تكن دبي دقيقة ولا منصفة في تقييمها لقيمة ميناء الحاويات بعدن؟ ولعل الإجابة لاتخرج عن أمرين.. أما لقلة المهنية وهو أمر مستبعد بالنسبة لشركة دبي، وأما للجشع وعدم الإخلاص في البزنز والطمع غير المشروع، وهو الأرجح، ويعزز ذلك ثقة بأن العطاء سيرسى عليها على الرغم من أنها قدمت أقل الأسعار. وحكومتنا هي الأخرى لم تكن دقيقة ولا حصيفة والدليل على ذلك أنها أعادت المناقصة، وما يعزز مرة أخرى قولنا إن دبي لم تكن حصيفة ولا دقيقة ولا أمينة في عرضها الأول لأنها رفعت المبلغ المقدم من قبلها إلى قرابة الضعف.. فبينما طرحت في المناقصة الأولى مبلغ 293 مليون دولار نجدها بعد بضعة أشهر رفعته إلى 495 مليون دولار، وفي المقابل منها نجد أن الشركة الكويتية حافظت على نفس عرضها، والذي ظل أيضاً أعلى بكثير من عرض شركة دبي وذلك في تصورنا، لأن عرضها سليم وصادق.. ومن الأهمية بمكان قبل ذلك أن نعود قليلاً لبعض الأحداث، فبصرف النظر عن اللغط الذي حصل فقد اتخذ فخامة الأخ: علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية قراراً بسحب الاتفاقية من البرلمان، وبحسب ما أعلن وتداول أن جهات عليا أدركت أن الاتفاقية مع دبي مجحفة وأن الحكومة اليمنية لم تراع جوانب كثيرة عند مفاوضاتها، مما عكس نفسه على الاتفاقية التي جاءت في صالح ميناء دبي.. ولمعالجة ذلك الخلل في الاتفاقية قام فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بتوجيه الحكومة بالعمل على تحسين شروط الاتفاقية وذلك كما سبق وقلنا بعد أن وجه الأخ رئيس الجمهورية بسحب الاتفاقية من مجلس النواب، حيث واجهت هناك معارضة كبيرة حالت دون المصادقة عليها، حيث تم تجميد مناقشتها والمصادقة عليها إلى حين تنجز الحكومة مفاوضات مع دبي لتحسين بنودها، حيث استمر التفاوض بين الجانبين على تحسين شروط الاتفاقية الأساسية التي وقعت في ديسمبر 2005م أكثر من عام. وهنا علينا أن نتابع الأحداث والمسارات بدقة، فالمفاوضات على تحسين الشروط للاتفاقية الأساسية استمرت منذ بداية عام 2006م وحتى مايو 2007م ونجد بعد ذلك أن المفاوضات في المحصلة مع شركة دبي فشلت وهو ما جاء في مذكرة الأخ: علي مجور رئيس الوزراء المرفوعة إلى فخامة الأخ رئيس الجمهورية أواخر شهر مايو من عام 2007م راجع صحيفة النداء عدد الأربعاء 20 يونيو 2007م والذي يحيط فيها رئيس الجمهورية بنتائج المفاوضات مع دبي لتحسين شروط الاتفاقية الأساسية وفيها بالرغم مما تم إحرازه من تحسينات قانونية وصياغة لفظية لنصوص الاتفاقية المتعلقة بمدة الاتفاقية وفترة الامتياز الحصري وتخفيضها إلى 25 عاماً على التوالي.. وكذلك إعادة صياغة المواد المتعلقة بالسيادة والتحكيم، إلا أن تمسك موانىء دبي بتقاسم صافي الربح 50% يعد من الناحيتين المالية والاقتصادية متدنياً جداً مقارنة بما كانت عليه الاتفاقية الأساسية التي كانت الأفضل من بين العطاءات الثلاثة، سواء بما يتعلق بضمان الحاويات أوضمان الدخل، والذي على أساسه تم التفاوض والتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاقية الأساسية في شهر ديسمبر 2005م، مع الإحاطة أن المناقصة وما ترتب عليها يعد ملغياً حكماً وقانوناً.. ويتضح لنا من مذكرة رئيس الوزراء التي رفعت في أواخر شهر مايو 2007م إلى فخامة رئيس الجمهورية أن المناقصة مع دبي وما ترتب عنها يعد ملغياًً حكماً وقانوناً، والأمر الثاني البالغ الأهمية أن رئيس الوزراء يكشف أن موانىء دبي في المفاوضات المذكورة تراجعت عما كانت قدمته من دفع 6 دولار أمريكي عن كل حاوية لبلادنا وبدلاً من ذلك تمسكت بعرض 50% يعطى لبلادنا من صافي الربح وبحسب المذكرة (هو عبارة عن الفارق بين إجمالي الإيرادات وإجمالي النفقات التشغيلية والاستثمارية والتي تتضمن خصم أقساط تسديد القروض وإيجار الأرض السنوي وقيمة المعدات، الأمر الذي سيؤثر على صافي الربح ويجعله سالباً لعدة سنوات( لا أتصور أنني أستطيع أن أوضح حجم الإجحاف الذي عرضته دبي علينا أكثر مما جاء في مذكرة الأخ: رئيس الوزراء والذي أشفع مذكرته تلك بخيارات أربع كمخرج لفشل المفاوضات ونشير إليها: الخيار الأول: القبول بعرض ال50% واعتبر رئيس الوزراء أن قبول هذا العرض سيضع اليمن أمام قبول عرض غير مجدٍ اقتصادياً، كما أن هذا العرض يعتبر تراجعاً عما كانت عليه الاتفاقية الأساسية. الخيار الثاني: إلغاء المناقصة وإعلان مناقصة جديدة. الخيار الثالث: طالما وأن التفاوض حالياً مع موانىء دبي خارج إطار المناقصة السابقة فقد يكون من الأفضل فتح باب التفاوض لجميع الشركات الكبرى ذات السمعة العالمية بما فيها موانىء دبي على طاولة واحدة، ويضع الجانب اليمني خياراته أمامها في تفاوض واضح وشفاف ويتم اختيار الأفضل. الخيار الرابع: إلغاء المناقصة وقيام الحكومة اليمنية بتنفيذ المرحلة الأولى من الأعمال الإنشائية بمبلغ 120 مليون دولار يتم توفيرها من خلال تمويل حكومي أوقرض من البنوك الوطنية أوالبنك المركزي. واختتم رئيس الوزراء مذكرته كما نود إحاطتكم بأن وزارة النقل عرضت الموضوع على استشاري دولي)استشاري المشروع(، وكان الرأي المبدئي بأن وضع الاتفاقية بالشروط الحالية سيء وليست في صالح اليمن من الناحية الاقتصادية ويفضل إجراء مناقصة جديدة.. وقد كان رد رئيس الجمهورية على مذكرة رئيس الوزراء المذكورة بأن وجه بالأخذ بالخيار الثالث وهو خيار التفاوض، راجع صحيفة النداء، نفس المصدر السابق. وذلك في خطاب مؤرخ في 28 مايو 2007م، حرره الأخ علي محمد الآنسي، مدير مكتب رئاسة الجمهورية موجهة إلى رئيس الوزراء جاء فيه: يود المكتب الإحاطة بأنه تم العرض على فخامة الأخ رئيس الجمهورية حفظه الله وتقضي التوجيهات بالأخذ بخيار التفاوض.. وهو ما يعني كما جاء في المذكرة بطرح المناقصة على الطاولة بشفافية كاملة وباستدعاء الشركات الثلاث السابق مشاركتها في المناقصة الأولى واستدعاء شركات دولية أخرى، ليتم إرساء المناقصة على أفضل العروض وبالإمكان مراجعة تصريح الأخ خالد الوزير وزير النقل عندما قال إن الحكومة قررت فتح باب التفاوض لتطوير وتشغيل ميناء عدن للحاويات وميناء المعلا من قبل الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال، وأضاف: إن الشركة أي دبي تراجعت عن تنفيذ بعض البنود والالتزامات الواردة في العقد ومنها ما يتصل بتنفيذ المرحلة الثانية من مشروع الرصيف البحري ما استدعى إعادة النظر في المناقصة وفتح باب التفاوض أمام الشركات الراغبة (راجع صحيفة 26 سبتمبر الخميس 21 يونيو2007م. إلا أنه وأثناء إعداد المرجعية القانونية أو مرجعية التفاوض والمفاضلة الجديدة لطرحها بشفافية والتي كان متوقعاً أن تستغرق بضعة أشهر بحسب تصريح الأخ خالد الوزير، وزير النقل، عندما قال وستستمر عملية المفاضلة حوالي 8 أشهر وبما يلبي طموحات الحكومة ويحقق الفائدة الاقتصادية للجميع ((راجع 26 سبتمبر الخميس 21يونيو2007م.. نفاجأ بأخبار عن استئناف المفاوضات مع دبي والتي تمت بطريقة غير معلنة منذ شهر أغسطس وحتى ما بعد عيد الفطر المبارك، وعلى الرغم من ذلك لم يتم التوصل إلى اتفاق، وبالإمكان مراجعة تصريحات الأخ صلاح محمد سعيد العطار، رئيس الهيئة العامة للاستثمار في ندوته في منتدى الأيام والمنشورة في صحيفة الأيام وكذا تصريحات الأخ: خالد الوزير وزير النقل في الفترة نفسها، وبينما الأمور كذلك فوجئنا بالإعلان عبر الصحافة في 28112007م عن تأسيس شركة مشتركة من هيئة موانىء دبي وشركائها وهيئة موانىء خليج عدن، أسميت مذكرة تفاهم، تتولى الشركة المشتركة تشغيل وتطوير ميناء الحاويات والمعلا بنسبة 50% لكل جانب..!! لاشك أن هذا الاتفاق يعني مرة أخرى أن دبي متمسكة بالتراجع عن عرض 6 دولار لليمن عن كل حاوية وقد قرأنا رأي الحكومة اليمنية بالنسبة لنسبة 50% التي طرحت في المفاوضات السابقة ونستغرب أن ترجع حكومتنا وتقبل بهذا العرض الذي تشير المؤشرات إلى أنه أسوأ بكثير مما سبق..!! ولأن هناك من رد وتبرع بالحديث من أن الاتفاق سيجد طريقه للتنفيذ، لأن تأسيس شركات مشتركة لايحتاج مصادقة مجلس النواب )وقال مصدر حكومي لالبيان إن الاتفاقية ستدخل حيز التنفيذ فوراً، لأنها لاتحتاج إلى موافقة البرلمان( راجع صحيفة البيان الإماراتية عدد 5122007م تحت عنوان: ((استثمار شراكة إماراتية يمنية لتشغيل ميناء عدن)) يوضح لنا حرص أصحاب المصلحة في تمرير هذا الاتفاق، ينفذ دون مروره عبر مجلس النواب، لأن بنوده حتماً ليست في صالح بلادنا، وما الشركة المشتركة إلا حيلة لتمرير الصفقة لدبي، أضف إلى ذلك أن دبي أنتصرت أكثر وأكثر، عما كانت ستحصل عليه في الاتفاقية الأساسية أو ما كانت الأمور تسير عليه في المفاوضات التي هدفت إلى تحسين شروط الاتفاقية الأساسية، فهي تراجعت عن ال 6 دولار لليمن عن كل حاوية، كما أنها أضافت ميناء المعلا إلى جانب ميناء الحاويات، كما أنها أيضاً لاتلتزم بموجب الشركة المشتركة ببناء رصيف جديد بطول 2 كيلو متر بمبلغ 400 مليون دولار والذي كانت ستتكفل هي فيه أو أي شركة أخرى يرسى عليها العطاء، أكانت الكويتية أو غيرها.. وعلى اليمن أن تساهم في التمويل طالما وأنها في الشركة المشتركة.. إننا في مواجهة ذلك نرفع صوتنا عالياً بالمطالبة ب: 1) ضرورة الكشف عن هذه الاتفاقية وشروطها وبنودها للرأي العام بشفافية، حيث أن السرية والكتمان لا تفسر إلا أن هناك من يتلاعب بأموال ومصالح الشعب. 2) نرفض القول بأن اتفاقية تأسيس شركة مشتركة لاتحتاج مصادقة مجلس النواب، حيث أن هذا الطرح يؤكد الشكوك حول سلامة هذه الاتفاقية ونتمسك بمصادقة مجلس النواب، لأن ميناء الحاويات وميناء عدن أمر سيادي ولابد من طرحه على مجلس الشعب. وفي أعدادنا القادمة سنواصل تناول أوراق هذا الملف الذي فتحناه للنقاش منذ أسابيع مضت ونعتزم التطرق إلى البدائل والخيارات والطرق السليمة للتعاطي مع ملف ميناء الحاويات.. ((في العدد القادم عودة لشركة (أو.بي.إم)وسوبرا أمانيم والفساد)) هنا عدن صحيفة الطريق العدد (542) التاريخ: الثلاثاءالموافق: 522008م