شهدت تونس ومصر وليبيا واليمن تحولات جذرية فى عام 2011 حيث اطيح بحكام يقبعون فى السلطة منذ زمن طويل فى الشرق الاوسط وشمال افريقيا وسط احتجاجات مناهضة للحكومات. بيد ان المتظاهرين الناقمين وغيرهم من الناس فى منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا بعد الاطاحة بالحكومات السابقة استيقظوا على واقع اقل اشراقا بكثير مما كانوا يتوقعون . اذ ما زالت الشكوك السياسية فى المنطقة المضطربة مستمرة رغم رحيل رجال اقوياء مثل التونسى زين العابدين بن على والمصرى حسنى مبارك والليبى معمر القذافى واليمنى عبد الله صالح . وفى الوقت نفسه ,ما زال الرئيس السورى بشار الاسد , يكافح من اجل البقاء وسط سخط محلى وضغط اجنبى. -- خطر نشوب الحرب يلوح فى سوريا زادت الجامعة العربية والدول الغربية من الضغوط على حكومة الاسد من خلال تعليق عضوية سوريا فى الجامعة العربية وفرض عقوبات اقتصادية على دمشق بدعوى قمعها الدموى للمحتجين. بيد ان المحللين استبعدوا حدوث حرب اهلية شاملة او تدخل اجنبى على غرار ما حدث فى ليبيا فى سوريا فى المستقبل القريب على الرغم من الصراعات المتفرقة هناك. وعدم وجود تنسيق بين المعارضة الوليدة فى الداخل والخارج والخلاف على اسقاط حكومة الاسد باستخدام القوة يستحيل معه ان تقاتل الجماعات المسلحة المعارضة القوات الحكومية على نحو فاعل فى ظل افتقادرها ايضا الى المعدات . ومن شأن عدم الاستقرار فى سوريا ،التى تعتبر دولة مهمة فى منطقة الشرق الاوسط ، ان يؤدى الى زعزعة الاستقرار فى المنطقة بأسرها . وقد هدد الرئيس الاسد بقصف اسرائيل اذا تعرضت دولته لهجوم من قبل الناتو او اى قوى اجنبية اخرى. وحذر الاسد فى اجتماع مع وزير الداخلية التركى احمد داود اوغلو " اذا اقدم الناتو على خطوات جنونية ضد دمشق, فلن يكون امامه سوى ست ساعات لتحريك مئات الصواريخ والقذائف الى هضبة الجولان لقضف تل ابيب". والاكثر منذ لك ، لن تقف حلفاء دمشق -- روسيا وايران وحزب الله الشيعى فى لبنان -- موقف المتفرج فى حال شنت قوى اجنبية غارة عسكرية على الدولة التى تمزقها الاحتجاجات . ونشوب حرب اهلية فى سوريا لا يتوقف فقط على تماسك الجيش السورى وحكومة الاسد وانما ايضا على الدول المتصارعة ، تلك التى تدعو الى تسوية سلمية للازمة ، وتلك التى تنادى بتدخل عسكرى . -- تونس ما زالت متعثرة بسبب الاضطرابات انطلقت الاحتجاجات الحاشدة التى اجتاحت المنطقة من تونس , حيث اضرم بائع شاب عمره 26 عاما النار فى نفسه احتجاجا على انتهاك ارتكب ضده من قبل مسؤول بالبلدية . واجرت الدولة اول انتخابات ديمقراطية لها فى اكتوبر الماضى بعد الاضطرابات التى ادت الى فرار الرئيس السابق بن على يوم 14 يناير بعد 23 عاما فى السلطة. بيد ان المجلس التأسيسى المنتخب حديثا والذى افتتحت جلسته الاولى يوم 22 نزفمبر اضطر الى التأجيل بسبب صراعات على السلطة داخل الائتلاف الحاكم ,المكون من حزب النهضة الاسلامى المعتدل وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية وحزب التكتل. وتعثر اقتصاد الدولة الواقعة فى شمال افريقيا والذى سجل متوسط نمو سنوى قدره 5 فى المائة فى السنوات ال20 الماضية بعد تأثر 80 فى المائة من المبادلات التجارية بسبب الاضطرابات المدمرة. والآن , على التونسيين مواجهة ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع الاسعار والتقنين من الاحتياجات اليومية . وعلى الرغم من ان حالة الطوارئ ما زالت مستمرة بعد رفع حظر التجول الواسع, الا ان البلاد شهدت احتجاجات حاشدة واعتصامات على نحو متكرر قتل خلالها 15 شخصا على الاقل فى حالات جنائية كل شهر. وقال تونسى ساخط لوكالة ((شينخوا)) "اذا لم تدعونا نحلم , لن ندعكم تنامون", معربا عن عدم رضاه عن بيروقراطية السياسيين. -- لا نهاية واضحة فى الافق لحكم العسكر فى مصر تنازل الرئيس مبارك، الذى حكم مصر 30 عاما ،عن السلطة للمجلس الاعلى للقوات المسلحة فى فبراير الماضى وسط اضطرابات عنيفة .واتخذ المجلس العسكرى قرارات عدة من بينها حل البرلمان وتعليق العمل بالدستور. غير ان انهاء حكم العسكر تصدر مطالب البعض من الشباب فى الاحتجاجات الاخيرة بميدان التحرير بالقاهرة من 19 الى 25 نوفمبر الماضى ، حيث وقعت اشتباكات عنيفة خلفت 42 قتيلا و اكثر من 3 الاف مصاب. واجرت مصر المرحلة الاولى من انتخابات مجلس الشعب يومى 28 و 29 نوفمبر كما هو مقرر . بيد ان القوى الاسلامية فازت بأكثر من 60 فى المائة من الاصوات , اذ تصدر حزب الحرية والعدالة ، الذراع السياسى للاخوان المسلمين , الجولة ب 36.6 فى المائة ، وتبعه حزب النور ،الذراع السياسى للسلفيين المتشددين، ب 24.4 فى المائة من الاصوات . واثار صعود جماعة الاخوان المسلمين، التى كانت من قبل محظورة، والسلفيين قلق العديد من العلمانيين ولاقباط ، الذين يشكلون 10 فى المائة من السكان، خوفا ان يقود نجاحهم الى انتهاكات للحريات الشخصية وموجات عنف طائفية . ويتنافس نحو 50 حزبا واكثر من 6 الاف مرشح مستقل فى مارثون الانتخابات على ثلاث مراحل وستنتهى فى اوائل مارس المقبل . وتوجد قضايا كثيرة محل خلا ف بين القوى السياسية. ويتوقع محللون ان تتنازع جميع القوى السياسية بمرارة حول قضايا مثل الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتشكيل الحكومة وصياغة دستور جديد. وفى حال اندلعت احتجاجات شعبية حاشدة واضطرابات محلية حول هذه القضايا ربما يقوم المجلس بتأجيل موعد تسليم السلطة الذى وعد به فى منتصف العام المقبل بعد اجراء الانتخابات الرئاسية. -- ليبيا قد تغرق فى حرب جديدة القى القبض على الزعيم الليبى معمر القذافى وقتل يوم 20 اكتوبر بعد ان حاربت قوات المعارضة لأشهر عدة بدعم من قوات الناتو لإنهاء حكمه المستمر منذ 42 عاما . وقبل ان تتصاعد الاضطرابات الى حرب اهلية دامية فى البلد الواقع فى شمال افريقيا فى فبراير , ساور القلق العديد من ان تغرق الدولة الغنية بالنفط فى حرب طويلة بسبب النزاعات القبلية على الرغم من سقوط القذافى . وفى واقع الأمر , دارت معارك متقطعة جنوب غرب طرابلس بين ثوار سابقين من مدينة الزنتان ومسلحين من قبيلة المشاشية الموالية للزعيم السابق . واسفر تبادل اطلاق النار الكثيف الذى وقع يوم 10 ديسمبر بالقرب من مدينة الشقيقة عن اربعة قتلى. وفى 10 ديسمبر ايضا، حاول مسلحون يعتقد انهم من ثوار الزنتان اغتيال رئيس اركان الجيش العقيد خليفة حفتر فى هجوم شن فى وضح النهار فى طرابلس لتبدأ بعده ساعات من المواجهات العنيفة. وعمق تفجر العنف من المخاوف ازاء الوحدة بين الثوار السابقين ، الذين يحتفظ الكثير منهم بأسلحة ثقيلة ، فيما يكافح المجلس الوطنى الانتقالى لإعادة هيكلة القوات المسلحة . -- هل يمكن أن يعيد إتفاق نقل السلطة السلام الى اليمن؟ نقل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح صلاحياته الى نائبه عبد ربه منصور هادي وسيستقيل خلال 30 يوما لإنهاء حكمه الممتد منذ 33 عاما بعد ان وقع على إتفاق نقل السلطة الذى تم بوساطة دول الخليج العربى في المملكة العربية السعودية في 23 نوفمبر الماضي. وبموجب الإتفاق ، اصبح محمد باسيندوه رئيسا لحكومة وفاق وطنى جديدة وستعقد انتخابات رئاسية مبكرة في فبراير 2012. بيد أن المستقبل السياسي للبلد العربي ليس واعدا كما يبدو ، إذ استمرت المواجهات بين المسلحين الموالين لصالح وخصومه فى مدينة تعز ما ادى الى مقتل 32 شخصا على الأقل و105 جريحا فى اوائل ديسمبر, ما يشير بشكل واضح الى الصراع على السلطة بين المعارضة والحزب الحاكم. وتعد تعز التى تقع على بعد 200 كيلومتر جنوبى العاصمة صنعاء معقلا رئيسيا للمعارضة التى تطالب بمحاكمة صالح الذى وافق على التنحى عن السلطة فى مقابل الحصانة من المحاكمة. وتواجه الحكومة بقيادة المعارضة تحديات جسيمة أخرى مثل التنسيق مع مختلف القوى السياسية بما فيها الحركة الجنوبية الانفصالية والمتمردين الحوثيين الشيعة في شمال البلاد ، اضافة الى التعامل مع الإرهاب المتمثل فى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وقال المحلل السياسي عبد الغني الماويرى ان اللجنة العسكرية المشكلة حديثا برئاسة هادي لو نجحت فى القضاء على العنف, ربما يمكن للحكومة الجديدة أن تركز على مهامها الرئيسية وتدفع تطوير البلد تدريجيا. -- تصاعد التوتر فى البحرين خرجت الأغلبية الشيعية في البحرين الى الشوارع خلال شهري فبراير ومارس الماضيين مطالبين بزيادة التمثيل فى الحكومة و زيادة الحصول على الوظائف المناسبة والسكن والرعاية الصحية. واندلعت مواجهات على مستوى اقل بين قوات الأمن والمتظاهرين يوميا تقريبا فى اعقاب قيام الحكومة بحملة ضد المعتصمين مدعومة من قوات ارسلت من السعودية والإمارات العربية المتحدة. ورغم الأغلبية الشيعية , تحكم المملكة الخليجية من قبل عائلة ال خليفة السنية, وهي حليف مقرب لسلالات حاكمة سنية أخرى في الخليج. وتطالب المعارضة ببرلمان منتخب بصلاحيات تشريعية حقيقية دون إعاقة من مجلس الشورى المعين من قبل الملك, ويملك حق تشكيل مجلس الوزراء فيما يسمونه "ملكية دستورية". لكن الحكومة قالت ان المتظاهربين الشيعة يتحركون بدوافع طائفية. كما قال الأستاد أحمد عتيق, الخبير في مجال علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء, إن الاضطرابات في العالم العربي ستستمر خلال السنوات المقبلة على الأقل لأن غياب الإصلاحات الجوهرية والمؤسسية فى الدول التي مزقتها الاضطرابات يجعل الأمر اكثر صعوبة لتهدئة الجمهور الناقم على الصعوبات الاقتصادية وعدم المساواة الاجتماعية .