قبل ساعات من الانتخابات الرئاسية المبكرة التي تشهدها اليمن في يوم الثلاثاء 21 فبراير- شباط الجاري، تبدو الأوضاع الأمنية في العاصمة صنعاء ومعظم المحافظات، أكثر استقراراً مما كان يتوقعه الكثيرون قبل شهر تقريباً. فقد احتشدت وسائل الإعلام المملوكة لقوى نظام الرئيس علي عبدالله صالح، وتلك التابعة للقوى المناوئة للنظام، في الفترة الماضية بجملة من الاتهامات المتبادلة حول التخطيط لتفجير الوضع عسكريا وامنياً وإدخال البلاد في موجة جديدة من أعمال العنف بهدف عرقلة الانتخابات، الأمر الذي آثار مخاوف كبيرة من عودة البلاد الى مربع العنف الاقتتال. ومع ذلك فان الأوضاع الأمنية الراهنة تشوبها بعض أعمال العنف والنزاعات المسلحة، المستمرة، أو الناشئة، في عدة مناطق في اليمن، والتي يخشى تطورها في الأيام المقبلة على خلفية تباين الرؤى والمواقف من الانتخابات الرئاسية. مناطق التوتر وتأتي في مقدمة المناطق المرشحة لأعمال العنف، المحافظات الجنوبية حيث تنشط قوى الحراك الجنوبي المطالبة بالانفصال، ومحافظة صعدة التي يسيطر الحوثيون على أجزاء هامة منها، وكذا محافظة أبين التي يبسط جهاديو "أنصار الشريعة" المقربون من تنظيم القاعدة المسيطرة على عاصمتها وعدة مناطق فيها منذ العام الماضي، وكذالك مدينة رداع التي شهدت الأسبوع الماضي أحداثاً دامية. بل أن بعض هذه المناطق بدأت بالفعل تشهد أعمال عنف ومصادمات، ذات صلة بالانتخابات، وتعيش في الوقت الحاضر توتراً شديداً وترقباً لاحتمال وقوع المزيد من المصادمات في ظل انقسام واضح بين كتلتي المؤيدين والمعارضين، وحشد قوات كبيرة من الجيش وقوى الأمن لتأمين الانتخابات. مناطق الجنوب رأت قوى الحراك الجنوبي، التي تعتبر أن الجنوب محتلاً من قبل الشمال، أن الانتخابات الرئاسية هي شأن يخص اليمن الشمالي ولا يهم الجنوب ولا يعالج قضيته، ومن ثم فقد أكدت عزمها على منع إجرائها في الجنوب، ودعت الجنوبيين "للتصدي لها بأي ثمن"، كما دعا فصيل جنوبي يتبنى العمل المسلح إلى مواجهة الانتخابات بالقوة. وشهدت الأيام الماضية وقوع مصادمات بين حشود من المتظاهرين المؤيدين للانتخابات وحشود من الرافضين لها في محافظتي عدنوحضرموت قتل فيها اثنان وأصيب العشرات، كما قام بعض الرافضين بمهاجمة عدد من المراكز الانتخابية في عدة محافظات جنوبية، ومضايقة وطرد أعضاء اللجان الانتخابية واختطاف بعض أعضائها، والاعتداء على آخرين، منهم، ونصب نقاط مسلحة في عدة مواقع لمنع دخول اللجان الانتخابية. لكن السفير قاسم عسكر جبران الأمين العام للمجلس الأعلى للحراك السلمي الجنوبي، نفى إن يكون العنف هو وسيلتهم لمنع وإفشال الانتخابات في الجنوب، وأكد، في حديث هاتفي من عدن لإذاعة هولندا العالمية، أن العمل السلمي هو نهج إستراتيجي للحراك، وهو أداتهم لمقاومة هذه الانتخابات عبر وسائل التوعية وتنظيم المسيرات والمهرجانات الحاشدة. ولم ينف جبران طرد بعض اللجان الانتخابية، أو منع وصولها إلى المراكز الانتخابي، ولكنه قال أن ذلك جرى بصورة سلمية من قبل المواطنين، وأضاف: "كما أن الكثير من الأعضاء الجنوبيين في هذه اللجان انسحبوا منها". كذلك رأى الصحفيان المستقلان علوى بن سميط من حضرموت، وفراس اليافعي من عدن، أن الحراك الجنوبي بقياداته المعروفة وقواه الرئيسية لم يكن وراء عمال العنف التي وقعت، واستبعدا أن يتورط الحراك في مثل هذه الأعمال لمنع الانتخابات، لكن بن سميط أشار في حديثه للإذاعة إلى "وجود قوى خفيه في الحراك" تجنح للعنف ولا تخضع لرأي القيادات. وهذا تقريباً نفس ما رآه اليافعي عندما قال إن هناك عناصر دخيلة في قوى الحراك، وفي القوى المؤيدة للانتخابات، ممثلة في أحزاب اللقاء المشترك، تتبنى العنف، وتقود الفريقين للتصادم. عشية الانتخابات عشية الانتخابات يصف السفير جبران الأوضاع في الجنوب بأنها تشهد حالة من التوتر الشديد والترقب الحذر، ويقول أن هناك حشد عسكري واسع النطاق ومدجج بكافة الأسلحة، خاصة في عدنوحضرموت، إضافة إلى حشد آخرين بلباس مدني قال إنه تم جلبهم من محافظات الشمال لإظهارهم في مراكز الانتخابات وكأنهم من أبناء الجنوب، وعبر جبران عن قلقه من أن يؤدي ذلك إلى حدوث أعمال عنف واسعة، وأكد أن العنف إذا انفجر فلن يكون بين الجنوبيين ضد بعضهم البعض، بل بين الجنوبيين وتلك الحشود من العسكريين والمدنيين، خاصة في ظل ما وصفه بغياب السلطة الحقيقة، وافتقاد السيطرة على أجهزة الأمن، وعدم تحمل "سلطات الاحتلال" لأي مسؤولية حيال الجنوبيين. العنف القادم كذلك لم يستبعد اليافعي وبن سميط أن تشهد فترة العملية الانتخابية وما بعدها أعمال عنف، وقال الأول أن هناك طرفاً ثالثاً غير قوى الحراك، وأحزاب المشترك، هو الذي يقوم بمثل هذه العمليات لعرقلة تنفيذ المبادرة الخليجية ومنع انتقال السلطة من الرئيس صالح إلى عبد ربه منصور هادي. أما بن سميط فتوقع أن تنفجر أعمال العنف الأكبر والأخطر بالجنوب في الفترة بعد الانتخابات بين قوى الحراك الجنوبي وأنصار "المشترك"، وقال إن الحراك ربما يرفض استمرار وجود أحزاب المشترك في ساحات الاعتصام التي أقاموها إبان فترة الاحتجاجات ضد النظام، على اعتبار أن "المشترك" هو الآن جزء من حكومة الوفاق الوطني، وأنجز مهمة الانتخابات التي ارتضاها لنقل السلطة من صالح إلى هادي، ومن ثم فان استمرار وجوده في الساحات يشير إلى رغبته في تحجيم القوى الأخرى، وفي مقدمتها الحراك الجنوبي، وإحباط تناميها المستمر. وتوقع بن علوي أن يكون "أنصار الشريعة" في أبين جزءاً من أطراف العنف المتوقع، بسبب رفضهم الديني للانتخابات، واعتبارها بدعة غربية لا يجوز للمسلمين إتباعها. مناطق الحوثيين أعلن الحوثيون مقاطعتهم للانتخابات، ونادوا باستمرار الثورة الشعبية حتى إسقاط النظام بكل أركانه.. لكن زعيمهم عبدالملك الحوثي أكد أنهم لن يمنعوا قيام الانتخابات في المناطق التي يسيطرون عليها (ويتركز معظمها في محافظة صعدة، وبعض مناطق محافظتي عمرانوحجة). ومع ذلك فقد اتهمت مصادر إعلامية الحوثيين بتحذير المواطنين في صعدة من المشاركة في الانتخابات، وتهديد اللجان الانتخابية، وحظرالنشاط السياسي لحزب الإصلاح (الأخوان المسلمين) المؤيد لترشيح هادي، ويخشى أن تتطور مثل هذه الأحداث، كما يخشى أن يودي التوتر في المناطق التي تشهد اشتباكات مسلحة بين الحوثيين والسلفيين في صعدة، وبين الحوثيين وبعض القبائل الموالية لحزب الإصلاح في محافظة حجة الى تعطيل الانتخابات في تلك المناطق. مدينة رداع تضاف مدينة رداع بمحافظة البيضاء إلى مناطق التوتر التي يخشى تعرض العملية الانتخابية لصعوبات في بعض أجزائها، بعد أن جرى في يومالأربعاء الماضي اغتيال رئيسي اللجنة الإشرافية واللجنة الأمنية للانتخابات واثنين من مرافقيهم على يد مسلحين وصفتهم السلطات بأنهم إرهابيون هدفوا لإفشال الانتخابات الرئاسية، كما لا زال التوتر مستمر في المدينة إثر نشوب قتال عنيف فيها الأسبوع الماضي بين مجموعة من رجال القبائل ومسلحين جهاديين كانوا قد سيطروا لمدة 12 يوماً تقريباً على مواقع مهمة برداع في يناير- كانون الثاني الماضي. نجاح الانتخابات عبدربه منصور هادي هو المرشح الوحيد في انتخابات اليمن المبكرة بموجب اتفاق الطرفين الموقعين على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومن ثم فان هذه الانتخابات هي مجرد إجراء شكلي، لنقل السلطة من صالح الى هادي، وهي نتيجة ستتحقق أيا كانت نسبة ونطاق المشاركة في الانتخابات، ولا يبدو حتى الآن أن أعمال العنف الحادثة، أو المتوقعة، ستعطل تنفيذ هذا الهدف، إلا إذا حدث ما لم يكن في الحسبان.