يبدي اليمنيون تخوفهم من استمرار حالة الانفلات الأمني بعد عام حافل بالأرقام القياسية لعدد الاغتيالات التي طالت سياسيين وقادة عسكريين وأمنيين، وارتفاع مؤشرات الجريمة المنظمة وضحايا القتل العمد، إضافة إلى عمليات القاعدة وحوادث الاختطافات وأعمال التخريب التي تتعرض لها باستمرار خطوط إمداد الطاقة والكهرباء وشبكات الاتصالات. وكان العام المنصرم 2012 قد شهد اغتيال 73 شخصية قيادية في الجيش والأمن، إضافة إلى 63 ضابط مخابرات، بحسب إحصاءات رسمية أشارت إلى محاولات اغتيال أخرى استهدفت وزير الدفاع اللواء محمد ناصر أحمد، ووزير النقل واعد باذيب، ووزير الإعلام علي العمراني، وقيادات حزبية وسياسية، أبرزها الأمين العام للحزب الاشتراكي الدكتور ياسين سعيد نعمان، والأمين العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي، والقيادي البارز في الحراك الجنوبي محمد علي أحمد. وفي تقرير أصدرته اليوم الأحد، قالت وزارة الداخلية اليمنية، إن جرائم قتل العمد خلال 2012 تسببت في مقتل 1529 شخصاً، بينهم 102 طفل و89 أنثى. انفلات أمني في العام المنصرم وأشار تقرير مركز الإعلام الأمني بوزارة الداخلية إلى أن الأجهزة الأمنية تمكنت خلال نفس الفترة من ضبط 1463 متهماً من أصل 2361 متهماً بجرائم قتل عمد، مشيراً إلى أن "الثأر" كان الدافع لارتكاب 202 جريمة قتل عمد، في حين كانت الخلافات والمشاكل الأُسرية وراء 182 جريمة، كما نفذت 73 جريمة بدوافع إرهابية وتخريبية، و254 جريمة نتيجة خلافات أراض وعقارات، و34 حادثة سببها اختلالات نفسية، و29 جريمة بدوافع السرقة، مقابل 265 جريمة مجهولة الدوافع حتى الآن. وينظر سياسيون ومحللون إلى أن الانفلات الأمني الذي شهده البلد العام المنصرم بصورة غير مسبوقة يعود إلى كون قوات الجيش والأمن ظلت منقسمة، وأبرزها تحت امرأة أقارب الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي ما زال نجله يقود قوات الحرس الجمهوري، كما أن عدداً آخر من أبناء وإخوة وأبناء شقيق صالح ظلوا حتى نهاية 2012 على رأس وحدات عسكرية وأمنية واستخباراتية بارزة قبل أن يصدر الرئيس عبد ربه منصور هادي قرارات جمهورية بإقالتهم. وفي هذا السياق، تحدث ل"العربية.نت" عبدالوهاب طواف، المستشار السياسي للقائد العسكري البارز اللواء علي محسن صالح الأحمر الذي يتولى قيادة المنطقة الشمالية الغربية والفرقة الأولى مدرع، حيث قال: للأسف الشديد أن القوات المسلحة المدربة والمجهزة تجهيزاً عالياً، وخصوصاً قوات الحرس الجمهوري وقوات الأمن وأيضاً قوات مكافحة الإرهاب ظلت في خدمة الرئيس السابق، ويديرها أقاربه وكانت مهمتها حماية النظام في العاصمة. الانقسام في الجيش سبب الفراغ وأوضح أنه لم تشارك في أي من المواجهات سواء ضد عناصر القاعدة أو لوقف تمدد الحوثيين، وعندما جاءت أحداث الربيع العربي في 2011 كاد يصبح الوضع شبيهاً بسوريا، وكان جيش النظام العائلي متأهباً لخوض حرب مع الشعب الثائر لولا عناية الله وانضمام الشرفاء، وخصوصاً الفرقة الأولى مدرع وعناصر وحدات أخرى كونوا جيش الثورة الذي حمى المتظاهرين السلميين المطالبين بالتغيير. وأضاف طواف: "الانقسام في الجيش والأمن أدى إلى ترك البلد في حالة فراغ أمني وبلغ التشتت أن يعمل جهازا المخابرات "الأمن القومي والأمن السياسي" في مسارين متناقضين. ومع أن العام الماضي شهد اغتيال 63 ضابطاً في جهاز الأمن السياسي إلا أنه لم يتم إلقاء القبض على أحد من المنفذين، وهذا شيء كارثي. ولفت إلى أنه رغم ذلك فإن الحال اليوم أفضل بكثير، مشيراً إلى أن قرارات الرئيس هادي بهيكلة الجيش بدأت تؤتي ثمارها، كما أن قرار هيكلة وزارة الداخلية الذي ينتظر صدوره خلال الأيام القادمة خطوة تصحيحية تعيد الأمور إلى نصابها. ومن جانبه، يرى الباحث في الشؤون الأمنية، صادق الهمداني، أن الوضع الأمني أصبح جزءاً من اللعبة السياسية، حيث "باتت بعض الجماعات والأحزاب والحركات تتبنى تنفيذ عمليات للتعبير عن وجودها ويدها الطولى، وتريد أن توصل رسالة بأنها قادرة على الوصول إلى أي مكان، فقامت بقطع الطرق، وضرب أبراج الكهرباء وأنابيب النفط والغاز واستهداف قادة عسكريين كبار وشخصيات سياسية، إضافة إلى تكوين عصابات مسلحة". وفي مقابل ذلك تحدث ل"العربية.نت" السكرتير الصحافي لوزير الداخلية، العقيد محمد الماوري، قائلاً: مؤشرات الوضع الأمني خلال العام 2012 لا تعني عجز وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية بقدر ما أن الأمر يرجع إلى تأثيرات الأزمة التي شهدها البلد والتي ألقت بظلالها على مختلف الصعدة، ولدى وزارة الداخلية خطط لتعزيز الحالة الأمنية وسيلمسها المواطنون خلال الفترة القليلة القادمة، كما أن قرار هيكلة وزارة الداخلية المرتقب صدوره سيقود إلى نتائج إيجابية وسينهي كافة الاختلالات. ونوه بأن الوضع الأمني تحسن منذ بداية العام الحالي، مشيراً إلى أنه تم خلال النصف الأول من يناير/كانون الثاني ضبط 200 قطعة سلاح في العاصمة صنعاء، إضافة إلى عدد من المطلوبين أمنياً، وكذا أكثر من 2000 دراجة نارية بعد أن كان شهد العام الماضي اغتيال 40 ضابطاً بواسطة دراجات نارية.