يقول الدكتور منصور الزنداني شقيق الشيخ عبد المجيد الزنداني، رئيس مجلس شورى التجمع اليمني للإصلاح، إن الأميركيين عندما التقطوا صوراً من الجو لجامعة الإيمان ظهرت في صورهم آليات تابعة للجيش اليمني في المعسكر المقام على تلة مجاورة للجامعة، تطل عليها. ويشير منصور وهو عضو في البرلمان اليمني إلى أن الصور من الجو لا تُظهر الحدود بين الجامعة ومعسكر الجيش وربما اعتقد الأميركيون بأن الآليات العسكرية موجودة في حرم الجامعة وربما أيضا بنوا على ذلك كي يطلبوا من مجلس الأمن وضع الجامعة على لائحة المؤسسات الداعمة لتنظيم «القاعدة» ولحركة «طالبان». جامعة الإيمان الشهيرة التي يجاورها معسكر للجيش اليمني، منشأة تربوية على رغم كل ما يشاع عنها وهو في معظمه غير صحيح، كما يؤكد الدكتور منصور. الجامعة منشأة على مساحة كبيرة في غرب صنعاء. جدار طويل وتلال ترابية تفصل بين مباني الجامعة والشارع المؤدي إلى مطار صنعاء. الانعطاف من الشارع باتجاه الجامعة يتطلب سلوك طريق ترابي يتوسطه حاجز حديد غير محكم الإقفال. عبور السيارات ينفث غيوماً ترابية تغطي وجوه الطلاب العابرين. وفي نهاية هذا الطريق تظهر منشآت الجامعة المثيرة للجدل التي يعتبرها الأميركيون احد الأماكن التي يُنتج فيها التيار الإسلامي المتشدد ليس في اليمن فحسب وإنما في المنطقة. فهي ضمت قبل مباشرة الدولة اليمنية إجراءات متشددة بحقها، طلاباً من أكثر من خمسين دولة. أما في هذه السنة فلا يتعدى عدد جنسيات طلابها العشر. إذا كي تظهر منشآت الجامعة يتطلب الأمر تجاوز مسافة تبلغ بضع مئات من الأمتار، وتخطي حاجز حديد يقف أمامه حراس الجامعة. بعد ذلك تظهر المنشآت في منخفض متشكل من ارتفاع هضاب ترابية بيض في محيطها، أي تلك التي اختارت الفرقة المدرعة الأولى في الجيش اليمني واحدة منها لتقيم معسكرها عليها. تبدو مباني الجامعة من التلة الواطئة التي يفضي إليها الطريق، مقيمة عند السفوح العارية والغبارية للتلال المحيطة. من جهة اليمين مبانٍ سكنية من طابقين أو ثلاثة يقيم فيها الطلاب من غير اليمنيين أو من غير أهل صنعاء. ومن الشمال «هنغارات» وغرف كبيرة هي قاعات التدريس، فيما الطرق التي تفصل بين الأقسام ترابية، يتكاثف على جنباتها الطلاب بأزيائهم اليمنية التقليدية أو تلك الثياب «الشرعية». وقسم آخر من الطلاب اختار الثياب العادية. للقاعات أسماء كما للمنشآت الأخرى وكلها استُمد من التاريخ الإسلامي: قاعة أبو بكر الصديق وجناح خالد بن الوليد وقاعة أبو عبيدة... وكلها فسيحة تتسع الواحدة منها لمئات الطلاب، وفي داخل القاعة منبر مخصص للمدرِّس يتيح له النظر إلى آخر القاعة التي غالباً ما يصعب الوصول إليها من خلال النظر. مرافقنا في أرجاء الجامعة لطالما دعانا إلى رصد الفروق بين الطلاب، من حيث طول لحاهم أو تفاوت أزيائهم في محاولة لطرد النموذج النمطي الذي يقول انه رسم لطالب جامعة الإيمان. وتبدو إشارة المرافق جديرة هنا، إذ ثمة فروق فعلية بين أزياء الطلاب كما بين مقاسات لحاهم، ولكن، يمكن زائر الجامعة أيضاً أن يميز بين أصحاب السراويل القصيرة وغيرهم من أصحاب السراويل الطويلة، لكن من الصعب أن يعني ذلك أننا حيال صرح تربوي عادي. يبلغ عدد طلاب جامعة الإيمان نحو خمسة آلاف، وتهدف بحسب إدارتها «أولاً، إلى تخريج العلماء العاملين الأتقياء المؤهلين للاجتهاد وحمل رسالة الإيمان في مختلف التخصصات. ثانياً إلى تخريج العالمات الربانيات... وتربية المرأة على الإيمان وتأهيلها لأداء واجبها بما يناسب فطرتها ووظيفتها». يمكن الاستنتاج من هذه الأهداف إن في الجامعة قسماً نسائياً، وطبعاً لا يمكن رصده من خلال زيارتها، إذ أن القسم النسائي فيها في منطقة بعيدة من الأروقة العامة. ويشير احد الإداريين إلى تدريس النساء عبر شاشات التلفزيون التي تبث لهن في صفوفهن صورة المحاضر الذي يكون جالساً في قاعة الطلاب الذكور. أما التواصل مع الأستاذ واستيضاحه فعبر كتابة الأسئلة والاستيضاحات على أوراق ترسل إليه عبر السكرتاريا ويرد عليها هو في الحصص اللاحقة. يؤكد عدد من الطلاب اليمنيين الذين خاضوا تجارب انتساب إلى جامعة الإيمان، وهم من البيئة الإسلامية في اليمن، أن مشكلتهم في الجامعة لم تكن مع مناهج التدريس، فالجامعة تعتمد المناهج التقليدية وكتب المذاهب القديمة والتراث. ويشيرون إلى أن بين المدرسين شخصيات مهمة في مجالات الفقه الديني مثل الشيخ محمد إسماعيل العمراني، ما جعل الاستمرار في الحياة الطلابية أمرا صعباً بحسب أكثر من طالب سابق في الجامعة، يتمثل في المناخ الذي يعيشه الطلاب. قانون الجامعة، يقول احد هؤلاء، لا يمنع الطالب من ارتداء سروال عادي، لكن الجو العام يطبع من يرتدي سروالاً عادياً بأنه ليس على الطريق الصحيح، وبأن «التزامه لم يكتمل بعد». طالب آخر يقول: «الجامعة منطقة مغلقة تماماً ليس فيها أي مجال للحوار. يتناقش الطلاب في قضايا لا تمت إلى حياتنا الحديثة بصلة». ويشير الطالب إلى أن «النظام اليومي الذي يعيشونه يختلف على نحو جوهري عن نظام الحياة العادية، فالطلاب يستيقظون قبل صلاة الفجر ويصطبحون قبل طلوع الشمس ويتغدون قبل الظهر ويتعشون قبل المغرب وينامون بعد العشاء. يعيش الطالب في جامعة الإيمان على هذه الوتيرة لمدة سبع سنوات». يشير طلاب في الجامعة إلى أن الأجواء الدينية لا تقتصر على مريدي رئيسها الشيخ عبد المجيد الزنداني، ففي أحيان كثيرة تخرج دعاوى تتعدى ما يفتي به. ويشير احدهم إلى حادثة تؤكد هذا الافتراض «فقد نشرت جريدة الصحوة الناطقة باسم التجمع اليمني للإصلاح الذي يترأس الزنداني مجلس الشورى فيه، قصيدة لشاعرة تضمنت وجداً صوفياً في علاقتها بالخالق. وبما أن كثيرين من طلاب الجامعة يعتبرون أنفسهم بين القيمين على دين الله، ألقى احدهم خطبة في الجامعة قال فيها: «قاتل الله هذه الشاعرة»... وكلاماً آخر اعتبر أن القصيدة تتضمن غزلاً، علماً أن جريدة الصحوة تعتبر احد منابر الإسلاميين في اليمن. الحكومة اليمنية اتخذت إجراءات لمراقبة أداء الجامعة، خصوصاً بعدما أثير حول طلابها ومناهجها، ومن هذه الإجراءات إلزام طلابها من غير اليمنيين الحصول على موافقة حكوماتهم على الانتساب إليها. رئيس الحكومة عبد القادر باجمال قال ل «الحياة» إن «طريقة الدراسة في جامعة الإيمان لا تتطابق كثيراً مع كلمة جامعة. المناهج والكليات الموجودة فيها تداخلات غريبة. لم تأخذ بنظام الأزهر ولا بأي نظام آخر، ونوع الشهادات التي تعطيها لا ينتمي إلى نوع الشهادات المعروفة. لها أسماء خاصة وربما كانت سلفية، بالتالي لا نستطيع أن نقبل بأمور في هذا الشكل». وأضاف: «أصدرنا قانوناً اسمه قانون الجامعات الأهلية، وعلى جامعة الإيمان أن توائم أمورها بما يتناسب معه وقواعده تتمثل بوضوح مصادر التمويل وتحديد أهداف الجامعة والسياسات الخاصة بالمناهج. هذا الأمر ينطبق على كل الجامعات وبدأنا بتطبيقه على جامعات الطب وعلى الجميع الالتزام به وإلا سنتدخل». ما أشار إليه باجمال لجهة نوع الشهادات التي تمنحها الجامعة تحدث عنه الطالب السابق في الجامعة بصيغة أخرى، إذ لفت إلى أن الدراسات العليا مثلاً خاضعة لتوجهات المشرفين ولاعتقاداتهم الدينية وان الخروج عن هذه الاعتقادات في رسائل الطلاب ومناقشاتهم يعرض الفاعل لاحتمالات عدم القبول برسالته... علماً أن القبول في الجامعة يحتاج إلى شهادة ثانوية أو يمكن الاستعاضة عنها بأن يكون المتقدم حفظ القرآن. وتؤكد إدارة الجامعة أنها حصلت على موافقة الجهات المعنية في الحكومة اليمنية على هذه الشروط. تقدم الجامعة لطلابها بحسب الإدارة «كل احتياجاتهم التربوية والتطبيقية مع السكن والإعاشة... ولا تتقاضى أي رسوم في مقابل ذلك، بتكلفة إجمالية سنوية مقدارها 2650 دولاراً للطالب. أما متوسط كلفة المدرس فهي 18 ألف دولار سنوياً. وفي السنوات الأولى من تأسيسها كانت الجامعة تعطي رواتب للطلاب تعينهم على نفقات العيش، علماً أنها تؤمن مسكناً للطلاب غير المتزوجين وللمتزوجين في مساكنها، وثمة مساكن مخصصة للمتزوجين من أكثر من زوجة. تشكل جامعة الإيمان احد موضوعات النقاش البارزة في اليمن. ثمة متحفظون كثر في صنعاء على دور الجامعة. وبين هؤلاء إسلاميون يعتبرون أن إدارتها تدفع باتجاه جعل فهمها الخاص للإسلام هو الحقيقة، فيُتهم من يعتقد بفهم آخر بأنه خارج على الإسلام. الحكومة اليمنية التي كانت أجازت إنشاء الجامعة، في مرحلة تحالفها مع الإسلاميين، تبدو اليوم أكثر ضيقاً بما تسببت لها فيه الجامعة، خصوصاً بعد إدراجها في لوائح مجلس الأمن ضمن المؤسسات الداعمة ل «طالبان» و «القاعدة». فإدارة الجامعة لطالما ذكرت بفضائل الدولة اليمنية عليها، وبأن الاحتفالات الرسمية فيها تنظم برعاية رسمية دائماً، وهو صحيح، لكن اليمن تغير، وعلى الحكومة أن تخضع لشروط المجتمع الدولي. حازم الأمين " الحياة " اللندنية