صنعاء التغيير وهيب النصاري: دخلت الفضائيات اليمنية مجال المنافسة مع الفضائيات العربية خلال شهر رمضان لتقديم مسلسلات وبرامج متنوعة لإشباع رغبة المشاهد. ويرى بعض اليمنيين أن المسلسلات التاريخية تنال إعجابهم، والدراما السورية بالذات. بينما يرى البعض الآخر مسلسلي "عيني عينك" في قناة "اليمن" و"كيني ميني" في قناة "السعيدة" الأكثر منافسة للمسلسلات القادمة من الدراما العربية الأخرى هذا العام. بيد أن هناك إجماعا على أن الدراما المحلية لم تتمكن من منافسة الدراما العربية، لأسباب مادية ومهنية. مأمونة أخلاقيا.. لكنها مقلدة ناصر حسين، من صنعاء، يرى أن القنوات اليمنية أكثر قدرة على جذبه في رمضان. كما أن له حججا أخرى تجعله لا يفكر بمشاهدة قنوات خارجية: "الفضائية اليمنية تناقش مشاكل الحياة اليومية بلهجة محلية، وأنا رفضت شراء ريسيفر لمشاهدة قنوات أخرى؛ لأنها تفسد أخلاق الأولاد". ورغم ذلك هناك أحكام مسبقة لدى كثير من المشاهدين اليمنيين حول برامج ومسلسلات الفضائيات اليمنية. تقول "أم تمارى" (مدرّسة في أمانة العاصمة): "أعتقد أن الإعلام اليمني المرئي أساء كثيرا إلى اليمنيين، ولم يستطع أن يفرق بين ما يجب أن يعرض للمشاهد المحلي وبين ما يجب أن يراه المشاهد العربي". وترى أن "تطوير الإعلام المرئي اليمني لن يتأتى إلا من خلال الاستعانة بخبرات عربية أو أجنبية مؤهلة قادرة على عكس صورة متحضرة وجذابة عبر الاهتمام بالصورة الجمالية، لأن ذلك يساعد الكادر اليمني، فيستفيد من تلك الخبرات التي استفادت منها تلفزيونات عربية أخرى، الخليجية بالذات". هاني عبد الرحمن (موظف في مركز اتصالات) هو الآخر ينتقد الدراما اليمنية، ويقول: "البرامج التي تعرض في قنواتنا المحلية معظمها مقلدة أو مقتبسة من الفضائيات الأخرى". أما عبد الله دبوان (جندي في الداخلية) فيفضل متابعة القنوات الإخبارية العربية، خاصة قناتي "الجزيرة" و"العربية". لكن دبوان لا يهجر الفضائية اليمنية؛ فهو يقول: "أتابع المسلسلات التاريخية في القنوات المحلية والعربية". الدراما اليمنية عاجزة عن المنافسة "هيفاء" (باحثة اجتماعية) تحرص على متابعة المسلسلات الكوميدية اليمنية، ومسلسلي "عيني عينك" و"كيني ميني"بالذات. وتقول: "بعد الإفطار نحتاج إلى الضحك. وبغض النظر عن مضمون تلك المسلسلات، التي نادرا ما تناقش قضايا المجتمع، إلا أن لها جمهورها اليمني في الداخل والخارج". وتشير إلى أن الفضائيات اليمنية بعيدة عن المشاهد المحلي من خلال برامجها الرمضانية التي "لا نجد فيها الجديد". وتقول: "المشاهد اليمني ينجر وراء المسلسلات التاريخية السورية التي تعرض في بعض القنوات العربية، لأنها تناقش فترة سابقة بأسلوب جميل وجذاب". نبيلة هادي (خريجة كلية الإعلام بجامعة صنعاء) تقول: "الإعلام المرئي اليمني غير قادر على منافسة ومواكبة القنوات الأخرى، في كافة المجالات، سواء من حيث الكادر المتميز أم من حيث البرامج الجيدة التي تنال استحسان ومتابعة المشاهد اليمني والعربي". وتضيف: "القائمون على القنوات المحلية اليمنية يتعاملون مع المشاهد بطريقة تقليدية بعيدة عن القضايا التي تهمه في حياته اليومية". وترى أن "الإمكانات المادية لها دور في تطوير الفضائيات اليمنية، وأن أسلوب التقليد هو الذي نفّر المشاهد اليمني وجعله يصدر أحكاما مسبقة، خاصة في رمضان". الامكانيات المادية اهم اسباب العجز الكاتب والصحفي المسرحي فكري قاسم أرجع عدم قدرة القنوات اليمنية على منافسة القنوات العربية إلى: أولا: الإمكانيات المادية مقارنة بما تنفقه القنوات العربية لإنجاح برامجها وأعمالها، وثانيا: مساحة الحرية السياسية والاجتماعية والدينية. فيقول: "أعمالنا اليمنية ما زالت تخاطب جمهور الداخل أو المغترب اليمني، والداخل مليء بالمحظورات الاجتماعية والدينية والسياسية، وهو ما يشكل عائقاً ينبغي أن يتم تجاوزه بأعمال ذكية". أما السبب الثالث فيتمثل في "انعدام الكادر المؤهل، الذي يجعل من أعمالنا المحلية رتيبة". ويستدرك قائلا: "الخطأ ليس في قدرات الكادر الموجود، الذي يبذل جهودا متميزة، خاصة كادر الأعمال الدرامية؛ لكن غياب نشاط المسرح والمعاهد الفنية المتخصصة وعدم وجود أكاديمية للفنون، باستثناء الدور الخجول الذي تلعبه كلية الفنون الجميلة الوحيدة في الحديدة، ما دون ذلك لا يوجد شيء يمكن اعتباره تأهيلاً يضمن تقديم أعمال جديرة بالمنافسة". ويضيف: "أصبح المشاهد اليمني يفضل الأطباق الهوائية، وهو مثل السمكة إن هرب من الشبك يحتاج إلى مهارة اصطياد أخرى". ورغم الانتقاد الذي يوجهه قاسم للفضائيات اليمنية فهو يقول: "قناتا اليمن والسعيدة مقارنة بإمكانيات الفضائيات العربية الأخرى تبذلان جهداً طيبا ينبغي تشجيعه لتقديم الأفضل". وعن الدراما اليمنية يقول: "الدراما اليمنية -على رأي الكوميدي البديع عادل سمنان- مثل السنبوسة: تأتي من رمضان إلى رمضان. وهو محق في تشخيص الخلل. ولغياب نشاط المسرح بدرجة أساس فإن الفنان اليمني لا يستفيد من التجارب لتقوية مهاراته الإبداعية، كون الأعمال موسمية، وهذا بحد ذاته يجعل الأداء بالنسبة للغالبية شيئاً من الصراخ والرتابة والزعيق أكثر مما يمكن اعتباره أداء مريحاً فيه كثير من الإبداع. ولكن المشاهد لا علاقة له بمشاكل الفنان أو بالظروف التي تساعد الفنان على الإبداع". ويؤكد أن الدراما اليمنية "تحاول الخروج من هذا الطوق الرتيب والقاسي". غياب التقييم يسهم في استمرار العجز من جهته يؤكد مؤلف مسلسل "عيني عينك"، محمد الحبيشي، أن هناك أعمالا وبرامج في الفضائية اليمنية جيدة تستحق المشاهدة ولديها جمهور واسع داخل الوطن وخارجه، وأن المشكلة في "الأحكام المسبقة". ويقول الحبيشي: "غياب النقد الفني الموضوعي لتقييم البرامج ساهم بهروب المشاهد اليمني من متابعة القنوات المحلية". وشدد على "ضرورة التقييم والنقد من قبل متخصصين دون مجاملة، وبغير هذا لن تتطور الأعمال التلفزيونية". ويقول الحبيشي: "القنوات المحلية تتحمل مسؤولية أنها لا تلبي رغبة المشاهد، إضافة إلى أن العلاقة مع الجمهور يجب أن تكون جيدة باحترامها لوقتهم والقضايا التي تطرح وغيرها". ويرى أن منافسة الفضائيات العربية لن يتم إلا بإشراك القطاع الخاص مع العام لتقديم وتمويل عمل إنتاجي مشترك. ويقول: "هذا الأسلوب ناجح لتطوير الأعمال، ونحن بحاجة للوصول إلى الآخرين، فالدراما الخليجية لم تتطور إلا عندما أدخلت في تلك الأعمال فنانين مشهورين وخاصة بطل أي عمل، وهو ما نحتاجه لتطوير الأعمال المحلية ونعيد المشاهد اليمني والعربي".خطوط حمراء واعلام مقول بأستاذ الإذاعة والتلفزيون بجامعة صنعاء، الدكتور على البريهي، يقول: "المشاهد اليمني يعيش حالة إشكالية مع الإعلام المرئي الممل، والثقة بين المشاهد والتلفزيون تكاد تكون مفقودة، لأن الأول يهتم بالمضمون الذي يلبي احتياجاته وليس بالمسميات". ويرى البريهي أن إشكالية الإعلام اليمني في المنافسة تعود إلى أنه "إعلام مقولب يعيد إنتاج نفسه بعقلية تؤمن بالخطوط الحمراء أكثر من العمل الإبداعي، حيث أن الإعلام لدينا وظيفة وليس إبداعا، والكادر الإعلامي اليمني يتم التعامل معه على أنه موظف وليس مبدعا، وهو يحتاج إلى رعاية وتأهيل ومساحة حرية، لا أن يعمل موظفا في مؤسسة لا تنتج ولا تعتمد على الإبداع، كما أن الحرية مازالت في حدها الأدنى". وعمّا يتم عرضه في رمضان يقول البريهي: "لا بد من الاهتمام بالإنتاج والدراما، خصوصا في ظل فقدان المشاهد اليمني، وأصبحت البرامج امتدادا لقنوات أخرى، ولذلك في رمضان القنوات العربية هي التي تستحوذ على ذائقة المشاهد اليمني وتخلق علاقة ود للحفاظ عليه وبذلك يصبح منسجما ومنجذبا لتلك القنوات ومخاصما للقنوات اليمنية.