نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    استمرار انهيار خدمة الكهرباء يعمّق معاناة المواطنين في ذروة الصيف في عدن    3 عمليات خلال ساعات.. لا مكان آمن للصهاينة    فعاليات للهيئة النسائية في حجة بذكرى الصرخة ووقفات تضامنية مع غزة    - اعلامية يمنية تكشف عن قصة رجل تزوج باختين خلال شهرين ولم يطلق احدهما    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    شاب يمني يدخل موسوعة غينيس للمرة الرابعة ويواصل تحطيم الأرقام القياسية في فن التوازن    بدعم كويتي وتنفيذ "التواصل للتنمية الإنسانية".. تدشين توزيع 100 حراثة يدوية لصغار المزارعين في سقطرى    قرار جمهوري بتعيين سالم بن بريك رئيساً لمجلس الوزراء خلفا لبن مبارك    غرفة تجارة أمانة العاصمة تُنشئ قطاعا للإعلان والتسويق    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    إنتر ميلان يعلن طبيعة إصابة مارتينيز قبل موقعة برشلونة    منتخب الحديدة (ب) يتوج بلقب بطولة الجمهورية للكرة الطائرة الشاطئية لمنتخبات المحافظات    أزمة اقتصادية بمناطق المرتزقة.. والمطاعم بحضرموت تبدأ البيع بالريال السعودي    عدوان أمريكي يستهدف محافظتي مأرب والحديدة    وزير الخارجية يلتقي رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    تدشين التنسيق والقبول بكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية الحكومية والأهلية للعام الجامعي 1447ه    وفاة عضو مجلس الشورى عبد الله المجاهد    اجتماع برئاسة الرباعي يناقش الإجراءات التنفيذية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية    الطيران الصهيوني يستبيح كامل سوريا    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    قرار بحظر صادرات النفط الخام الأمريكي    أزمة جديدة تواجه ريال مدريد في ضم أرنولد وليفربول يضع شرطين لانتقاله مبكرا    الحقيقة لا غير    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    سيراليون تسجل أكثر من ألف حالة إصابة بجدري القردة    - رئيسةأطباء بلاحدود الفرنسية تصل صنعاء وتلتقي بوزيري الخارجية والصحة واتفاق على ازالة العوائق لها!،    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    الجنوب يُنهش حتى العظم.. وعدن تلفظ أنفاسها الأخيرة    مليشيا الحوثي تتكبد خسائر فادحة في الجفرة جنوب مأرب    إعلان عدن التاريخي.. نقطة تحول في مسار الجنوب التحرري    المستشار سالم.. قائد عتيد قادم من زمن الجسارات    استشهاد نجل مستشار قائد محور تعز العميد عبده فرحان سالم في مواجهات مع المليشيا    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    الأرصاد يتوقع استمرار هطول الامطار ويحذر من التواجد في بطون الأودية    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    صحيفة: أزمة الخدمات تعجّل نهاية التعايش بين حكومة بن مبارك والانتقالي    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعلام اليمني بين الاحتكار والتعددية
نشر في التغيير يوم 27 - 08 - 2007

( ورقة لندوة : تحرير الإعلام في اليمنصنعاء 26 أغسطس 2007م – نظمها ملتقى المرأة وموقع التغيير )
التغيير – صنعاء:
عبد الباري طاهر
لم تعرف المتوكلية اليمنية 1918 1962 الإعلام الحديث إلا في حدوده الدنيا ومتأخراً .فقد ورثت المتوكلية من الأتراك المطبعة ذات الأحرف
والصف اليدوي . وطبعت بهذه المطبعة صحيفة الإيمان وفيما بعد النصر وسبأ وبعض الكتب ومجلة الإيمان 38 43 .
وعرفت عدن المطابع مبكرا وتحديدا منذ مطلع القرن العشرين . ولكن الصحافة العدنية كانت هي الأخرى بدايتها مع الحرب الكونية الثانية 39 45 0
كانت الأربعينيات بداية مؤشرات مهمة باتجاه نشأة التعددية السياسية والفكرية والصحافة الحرة . ففتاة الجزيرة وهي أول صحيفة أسبوعية في اليمن كلها قد صدرت في عدن في يناير 1940 وبعدها بست سنوات صدرت صوت اليمن لسان حال الجمعية اليمنية الكبرى } حزب الأحرار { .
وشهدت المهاجر صدور عدة صحف وإصدارات في بريطانيا السلام التي أصدرها الشيخ عبد الله علي الحكيمي 1948 . كما ولدت صحف المهاجر الحضرمية في شرق آسيا وكانت الفترة من 1940 وحتى استقلال جنوب الوطن الفترة الذهبية للتعددية السياسية والفكرية والنقابية وحرية الرأي والتعبير في الصحافة العدنية التي أسست للتعددية في اليمن كلها .
فقد سمحت الإدارة البريطانية بحق الإصدار للصحف والمجلات والإبلاغ بواسطة البريد لتأسيس الأحزاب والجمعيات والنقابات بدلا من حق التصريح المعمول به اليوم في الجمهورية اليمنية . فمجرد العلم والخبر كافٍ للإصدار أو التأسيس للحزب أو الجمعية أو النقابة أو الصحيفة .
الإعلام الحكومي
الإذاعة
عرفت اليمن البث الإذاعي لأول مرة عام 1940 عندما أنشأت الإدارة البريطانية محطة صغيرة في التواهي " عدن " لتغطية أخبار الحرب العالمية الثانية .
أما في صنعاء فقد أهدى وفد أميركي من شركة ارامكو جهازاً لاسلكيا يغطي في البدء خمس كيلو واط لإرسال البرقيات ويمكن استخدامه كإذاعة وذلك في العام 1946 . وكرست الإذاعة لقراءة القرآن والموشحات الدينية والمارشات العسكرية ونشر التعليمات والقرارات الأمامية وبعض الأغاني في مرحلة متأخرة . وقد تحولت وظيفة الاذاعة180 درجة بقيام ثورة ال 26 من سبتمبر 1962 . فالمتوكلية اليمنية كانت تعيش حالة نادرة فلا مواصلات حديثة ولا ترابط بين المناطق المختلفة ولا وسائل النقل باستثناء النقل التقليدي ولا خطوط هاتف . وكانت الإذاعة التي تبث لساعات محددة هي وسيلة الاتصال شبه الوحيدة بين المملكة الهرمة والمناطق والجهاز الإداري والعسكري والأمني بالمعنى المجازي غاية في الضعف .
من هنا كان الاستيلاء على الإذاعة أهم من الاستيلاء على قصر دار البشائر ( قصر الأمام الجديد محمد البدر) فالإمام عندما سمع بسقوط الإذاعة أيقن أن نصف دولته قد سقط . كما أن الشعب في مختلف المناطق والأرياف لا تربطه بالعاصمة إلا الإذاعة التي يسمع منها كل التبريكات والمبايعة والتهاني للإمام . وفجأة يسمع الناس البيانات العسكرية والإعلان عن قيام الجمهورية العربية اليمنية , فقد أصحبت الإذاعة نصف المعركة للشرعية الثورية الجديدة .
أما الصحافة في المتوكلية فقد كانت الأيمان وسبأ والنصر وهي اقرب للمناشير الدورية منها للصحافة . وكانت تصدر بضع مئات في بضع صفحات في نهاية كل شهر وتوزع فقط للإدارات الحكومية وكبار المسؤولين والمشتركين .
أما بعد ثورة سبتمبر 62م فقد صدرت صحيفة الثورة في تعز ثم انتقلت بعد عام إلى صنعاء وكانت الإذاعة بالدرجة الأولى إداة الشرعية الثورية الأهم في مجتمع تتجاوز فيه الأمية ال 90 % في الرجال وتقترب من ال 100 % في النساء.
في الجنوب وتحديدا بعد الاستقلال 39 نوفمبر 67 انفردت الجبهة القومية بالحكم وألغت التعددية السياسية والحزبية وهيمنت على الحياة ووسائل التعبير ومنها وسائل الإعلام التي أصبحت جزءاً من شرعية الحكم وأداة التحويل الثوري شأن الحزب نفسه .
إلغاء التعددية السياسية والحزبية والفكرية وتأميم واحتكار وسائل الإعلام كانت تمثل كعب أخيل في الثورة القومية الاستبدادية . وقد أضافت إليها الشيء الكثير من " دكتاتورية الحزب الفولاذي " الآتية من طبيعتها التمخلفة واللاديمقراطية ومن التجربة الستالينية أيضا .
اختلف النظامان في صنعاء وعدن على كل شيء في السياسية والاقتصاد والاجتماع والثقافة ولكنهما اتفقا على شيء واحد وحيد هو قمع الحريات ومصادرة الرأي الآخر .
كانت البداية الحقيقة مع إعلان دولة الوحدة عام 1990 فقد اقر بيان الثلاثين من نوفمبر 67 ودستور دولة الوحدة . بل قامت الوحدة في ال 22 من مايو 90 على حق التعددية السياسية والحزبية واحترام حرية الرأي والتعبير وبموجب المادة ( ) من الدستور فقد أعلنت الأحزاب السرية عن نفسها وتأسست أحزاب جديدة وصدرت عشرات الصحف كما جرى الترخيص لأكثر من مائة صحيفة . ولكن الأهم أن لا الدستور اليمني ولا قانون الصحافة قد تكلم عن تعددية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة . فقد توافق الحزبان الكبيران : المؤتمر الشعبي العام , والحزب الاشتراكي . وبالتالي حكومة الوحدة على بقاء الإذاعة والتلفزيون والصحف الحكومية التابعة لهما خارج التعددية تعود ملكيتها للدولة . فالتلفزيون في عدن القناة الثانية وتلفزيون صنعاء القناة الأولى وإذاعتي عدن وصنعاء إضافة إلى عدة إذاعات محلية في العديد من المحافظات والمدن الرئيسية ، بقيت مملوكة للدولة وممولة منها .
كما أن الصحف الحكومية هي الأخرى بقيت في ملكية الدولة وتدار بواسطة وزارة الإعلام رغم وجود مؤسسات خاصة بها : أكتوبر عدن , الجمهورية تعز والثورة صنعاء , إضافة إلى الوكالة الوحيدة بعد الوحدة " وكالة سبأ للأنباء "وتحتكر الوكالة الخبر ويعطى لها هذا الحق بموجب السياسات الإعلامية لوزارة الإعلام .
التلفزيون
شهدت عدن التلفزيون في العام 64 ويعتبر من أقدم التلفزيونات في الجزيرة والخريج وشرق أفريقيا . أما تلفزيون صنعاء فيعود إلى العام 1975 وكلا القناتين حكوميتان . ورغم التعددية السياسية والحزبية فان القناتين ظلتا بعيدتان عن الهامش الديمقراطي أو الحرية الإعلامية .
وتتعامل الدولة مع التلفزيون كأداة محتكرة للحكم وحزبه بعيدا عن أي تعدد أو قبول بالآخر أو بالمشاركة من أي نوع . والخبر الحكومي وتحركات كبار المسؤولين وبالأخص الرئيس ورجال الحكم له الأولوية على أي وظيفة أخرى اجتماعية أو ثقافية أو سياسية .
ولا تقبل الدولة الحديث مجرد الحديث بل ولا تتصور عن التخلي عن احتكار التلفزيون والإذاعة بصورة خاصة والصحافة الحكومية بصورة اعم . وللأسف الشديد فان المطالبة والدعوات إلى عدم احتكار وسائل الإعلام وبالأخص المسموعة والمقروءة ما تزال محدودة وضعيفة في مجتمع عربي تصل فيه الأمية الأبجدية إلى 60 % أما الأمية المعرفية فسيدة الموقف وتتجاوز ال 80 % ويكفي أن نعرف أن أعظم مفكر كطه حسين أو روائي كنجيب محفوظ أو شاعر كصلاح عبد الصبور أو البردوني أو درويش لا يطبع أكثر من خمسة آلاف نسخة .
وتعتبر الإذاعة والتلفزيون خطاً احمر في نظر الدولة العربية المستبدة وتحاذر المعارضة السياسية والنقابات الصحفية الرسمية وشبه الرسمية الاقتراب منه .
وحقيقة فان الدساتير الوطنية والقوانين في الوطن العربي أو الأوطان العربية , ومنها اليمن لا تطرح هذه القضية على الإطلاق .
تعددية وسائل الإعلام في الإعلان العالمي والعهدين الدوليين والإعلانات الدولية
حرية الإعلام
( لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير , ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء , واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها .. ) المادة التاسعة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
ومعروف أن معظم دساتير بلدان العالم الثالث وان أقرت بهذه الحرية إلا أنها غالبا لا تقبل بجوهر التعددية . ولا تقر بحرية الاعتقاد ولا تتيح تدفق المعلومة أو حق الحصول عليها وتحتكر وكالات الأنباء الخبر المحلي كما تحتكر أهم الوسائل الإعلامية , التلفزيون والإذاعة إضافة إلى امتلاك الصحف القومية الكبرى .
وتنص المادة ( 19 ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على : ( 1 ) لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة .
( 2 ) لكل إنسان الحق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود , سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى .
( 3 ) تستتبع هذا ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة " 2 " واجبات ومسؤوليات خاصة . وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود . ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وان تكون ضرورية . " 1 "
ودستور الدولة اليمنية وان نص على حرية الرأي والتعبير إلا انه لم يكن بمستوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو العهدين الدوليين . فهو قد تراجع في تعديلات ما بعد حرب 94م عن حرية الاعتقاد . كما أن قانون الصحافة ولائحته التنفيذية قد مثلا خطا راجعا عن ما نص عليه الدستور . فما بالنا بالإعلان العالمي المادة ( 19 ) . أو العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية .
ومعروف أن اليمن قد شاركت في صياغة الإعلان العالمي كما وقعت على العهدين الدوليين فإنها قد أبقت أو بالأحرى صاغت قوانين مقيدة للحريات ومصادرة وقامعة لها . كما أبقت على احتكارها لوسائل الإعلام المهمة . وقد نص الدستور اليمني المادة ( ) على الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان . وفي بلد كاليمن تتجاوز فيه الأمية ال 65 % في الرجال وال 70 % في النساء فان الحديث عن حرية رأي وتعبير مع احتكار الدولة لأهم وسائل الإعلام ، التلفزيون والإذاعة والصحف الحكومية هو حديث ملتبس ومنقوص . فهذه الأجهزة تلعب الدور الأساسي في تكريس رؤية الدولة وتسيير خطابها وفرض منطقها وسياساتها .
وبدون تفكيك احتكار الإعلام الرسمي فان الحريات الصحفية تبقى منقوصة وتجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل الحديث عن ديمقراطية حقيقية أو تداول سلمي للسلطة .
والدولة لا تحتكر الصحافة المسموعة والمرئية ولكنها أيضا تحتكر الوكالة الوحيدة للأنباء وتحرم الصحف الأهلية المستقلة والحزبية من الحصول الميسور على المعلومة وحق تلقيها . وهو ما يجعل الإعلام الرسمي هو الوسيلة أو القناة شبه الوحيدة للحصول على المعلومة .
ويتبوأ الإعلام المركز الثاني بعد الجيش والأمن في رؤية الدولة العربية وتعاملها. فإذا كان الجيش والأمن أداة السيطرة والقهر والغلبة المادية فان الإعلام أداة الهيمنة السياسية وتزويق السياسات والأخبار المدخولة والحديث الأبدي عن المعجزات والمنجزات .
تشير الباحثة الإعلامية الدكتورة عواطف عبد الرحمن في دراستها عن تاريخ الإعلام العربي , ونشأته على أيدي الحكام , وبالأخص الصحافة .
{ وقد سيطرة هذه الحقيقة التاريخية على نشأة وسائل الإعلام الأخرى المسموعة والمرئية } , إذ نشأت الإذاعات العربية في نهاية العشرينات من هذا القرن . ثم انتشرت انتشارا واسعا في سائر الدول العربية . فلم يكد ينتصف عام 1975 حتى كان لكل دولة عربية إذاعة خاصة بها . والنشأة الحكومية هي السمة الغالبة حتى اليوم . " 2 "
وهناك نمط واحد للملكية " الملكية الحكومية " للإذاعة والتلفزيون . وترى الدكتورة أن الأمر مختلف بالنسبة للصحف المقروءة رغم أن السمة الغالبة الملكية الحكومية مع وجود صحافة أهلية وحزبية بعضها مستقل . " 3 "
وتتدخل الحكومة باعتبارها المالكة الرئيسية لجميع وسائل الإعلام في تعيين الموظفين وتحديد مسؤولياتهم وحجم الميزانيات مما يؤثر على نوعية الرسائل الإعلامية والاختيارات المتاحة أمام مجالس التحرير في الصحف . كذلك يؤثر على نوعية الكوادر المؤهلة لقيادة المؤسسات الإعلامية . " 4 " ويتدخل الإعلان والدعم المرئي والمستتر في تكريس التبعية .
وقد تختلف أشكال القوانين واللوائح المنظمة للإعلام المطبوع من بلد إلى أخر , ولكنها تتفق في عدم انطباقها على الإذاعة والتلفزيون ووكالات الأنباء بسبب السيطرة الحكومية المباشرة على هذه الوسائل الإعلامية الحيوية . " 5 "
وتتخذ السيطرة الطابع المركزي , فالإرسال الإذاعي والتلفزيوني ينبع دائما من العاصمة الرسمية للدولة , أو إحدى المدن الرئيسية . وكذلك الإنتاج الإعلامي وخصوصا في البلدان العربية . " 6 "
وما يلاحظ عن الممارسات الإعلامية في الوطن العربي تركيزها على الجوانب السياسية والدعائية والتحرك في دائرة الحكام والرؤساء . وتسليط الأضواء على أنشطتهم وخطبهم السياسية وتنقلاتهم , مما يؤدي إلى إهمال الوظائف الأساسية للإعلام , وهي إحاطة المواطنين بمعلومات كاملة وأمينة عن كافة ما يدور حولهم محليا وعالميا . فضلا عن تجاهل التثقيف والتوعية القومية والاجتماعية . " 7 "
وقد تراجع كثير دور الصحافة في مرحلة ما بعد الاستقلال عن دورها قبله وأثناءه حيث جرى تغييب الحرية والديمقراطية واختزال وظيفتها في مدح الحكم والإشادة بالمنجزات .
وهناك مشاكل عديدة تترافق مع احتكار الدولة للصحافة المسموعة والمرئية كإنسياب الإعلام في اتجاه رأسي وقيامه بدور أساسي في عمليات الضغط الاجتماعية وحماية الأوضاع السياسية والاجتماعية القائمة في الوطن العربي . " 8 "
والرزية الكبرى أن " الإعلام العربي الضعيف والهش والمتخلف يخضع هو الآخر لاحتكار وهيمنة الإعلام الغربي الأقوى والأشد تفوقا تقنيا وتكنولوجيا وقدرة على الاتصال والتأثير" .
وقد تبني الأستاذ مختار امبو الأمين العام لليونسكو قضية " حرية الاتصال والتوازن الإعلامي " . وطرحت هذه القضية مبكرا منذ السبعينات ولا تزال موضع جدل وتحاور .
إن الإعلام اليمني أو بالأحرى الدولة اليمنية مطالبة بعدم احتكار وسائل الإعلام المرئية والمسموعة . ورفع يدها عن الإعلام المقروء الذي تصرف عليه الدولة الملايين وملايين الملايين من المال العام وضرائب المواطنين . ومطلوب أيضا التزام الدولة بإلغاء وزارة الإعلام وإعادة النظر في القوانين القامعة للحريات الصحفية وحرية الرأي والتعبير في قانون الصحافة والقوانين الأخرى المجرمة . مثل قانون الوثائق والمرافعات الجزائية والعقوبات وبعضها يحكم على الصحفي في مخالفة رأي أو إفشاء معلومات بالإعدام .
إن الدستور اليمني يلتزم بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما يلتزم بالإعلانات العالمية للإعلام ومنها إعلان صنعاء . وكلها تنص على عدم احتكار الدولة لوسائل الإعلام وبالأخص المسموعة والمرئية .
ومعروف أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين المصادق عليهما من قبل الحكومة اليمنية كلها تؤكد على حرية التعبير وعدم امتلاك الدولة لهذه الوسائل .
الهوامش
" 1 " دليل مقارن للمعايير الدولية لحرية التعبير وتداول المعلومات وحالة التشريعات اليمنية ص 3 إعداد عبد الله خليل .
" 2 "دراسات في الصحافة العربية المعاصرة ط دار الفارابي ص 28 بتصرف .
" 3 " مصدر سبقت الإشارة إليه بتصرف شديد ص 28 , 29
" 4 " مصدر سبقت الإشارة إليه ص 29 , 30
" 5 " مصدر سبقت الإشارة إليه ص 30
" 6 " مصدر سبقت الإشارة إليه ص 32
" 7 " مصدر سبقت الإشارة إليه ص 32 , 33
" 8 " مصدر سبقت الإشارة إليه ص 41


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.