قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    34 ألف شهيد في غزة منذ بداية الحرب والمجازر متواصلة    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    الريال ينتظر هدية جيرونا لحسم لقب الدوري الإسباني أمام قادش    أول تعليق من رونالدو بعد التأهل لنهائي كأس الملك    جامعة صنعاء تثير السخرية بعد إعلانها إستقبال طلاب الجامعات الأمريكية مجانا (وثيقة)    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    مقتل واصابة 30 في حادث سير مروع بمحافظة عمران    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    الانتقالي يتراجع عن الانقلاب على الشرعية في عدن.. ويكشف عن قرار لعيدروس الزبيدي    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    غارسيا يتحدث عن مستقبله    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    الكشف عن قضية الصحفي صالح الحنشي عقب تعرضه للمضايقات    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    الرئيس الزُبيدي يعزي رئيس الإمارات بوفاة عمه    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مأرب ..ورشة عمل ل 20 شخصية من المؤثرين والفاعلين في ملف الطرقات المغلقة    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    رئيس الوزراء يؤكد الحرص على حل مشاكل العمال وإنصافهم وتخفيف معاناتهم    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    التعادل يحسم قمة البايرن ضد الريال فى دورى أبطال أوروبا    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«زواج المقايضة» في اليمن... قنبلة موقوتة
مآسيه تنتشر في أعماق المجتمع... و94 % من الحالات تنتهي بالفشل وكوارث إنسانية
نشر في التغيير يوم 16 - 02 - 2018

قبل 22 عاماً، أجبرت فاطمة على الزواج من شخص لا تعرفه حين كانت في التاسعة عشرة، من عمرها مقابل اقتران شقيقها بأخت عريسها، في سياق ما يطلق عليه زواج «الشغار» أو «المقايضة».
لم يؤخذ رأي فاطمة في تلك الزيجة في محافظة ريمة (200 كلم جنوب غربي العاصمة صنعاء)، ولم تكن الفتاة تملك قرار الموافقة أو الرفض؛ فوالدها وشقيقها يقرران مصيرها ومستقبلها المجهول. إذ أجبراها على الزواج من شخص اختير ضمن تقليد ريفي؛ ليوفر لشقيقها زوجة مقابلها، وكأنها سلعة للمبادلة دون ثمن.
زواج «الشغار» مشكلة أزلية تتغلغل في أعماق المجتمع اليمني رغم تبعاته التي لا تتوقف عند حد إجبار الزوجين على الانفصال، بل تمتد إلى إلحاق الضرر البالغ بالأبناء. ويتعارض هذا النوع من الزواج، المسمّى «الشغار» أو «الزقار» باللهجة العامية، مع النصوص الدينية. ومع ذلك لا يزال قائماً في مجتمع يعد من أكثر المجتمعات العربية تديناً.
زواج يبدأ بالتوافق بين رجلين على منح كل منهما ابنته أو أخته للآخر دون مهر، لينتهي غالباً بإجبار أحد الطرفين على الطلاق، كنتيجة حتمية لفشل زواج الطرف الآخر، دون أي اعتبار لمشاعر الزوجين أو الأثر السلبي للطلاق على الأبناء.
ويفرض الذكور هذه «المقايضة» في غالبية محافظات اليمن من خلال التحايل على قانون الأحوال الشخصية - الذي يشترط دفع مهر للعروس - مستغلّين عدم وجود نص قانوني يعاقب المخالفين وتجاهل السلطات لعواقبه. واستمرت فاطمة في منزل الزوجية 17 عاماً، أنجبت خلالها خمسة أبناء (ثلاثة ذكور وطفلتان). تقول: «مع الأيام تكيفت مع الوضع الجديد، ورضيت بنصيبي، فعشت مع زوجي حياة طبيعية. ولم تكن تحدث بيننا أي مشكلات، وكنت سعيدة جداً مع أولادي، وأعد الأيام والشهور كي أراهم كباراً». لكن حلمها تبدّد فجأة. مثابرة فاطمة اليومية في رعاية الأبناء أوقفت إجبارياً، لتتحول من ربة منزل إلى امرأة معلقة من دون ذنب – لا مطلقة ولا متزوجة. «طلّق شقيقي زوجته، وكرد فعل انتقامي هجرني زوجي وأخذ أولادي» منذ خمس سنوات.
لكنّها لم تستسلم: «رفعت الآن دعوى أمام محكمة غرب الأمانة ضد زوجي للمطالبة بالطلاق منه، واسترجاع أطفالي الذين لم أرهم منذ عودتي لمنزل أسرتي».
فاطمة التي تنتظر حكم القضاء تنتمي لشريحة تضم آلاف الفتيات اليمنيات اللاتي يجبرن على زواج «الشغار»؛ ما يؤدي إلى اختزال طفولتهن، حرمانهن من التعليم وكذلك من المهر، وإجبارهن لاحقاً على الطلاق مع خسارة رعاية أبنائهن أو رؤيتهم.
* مشاريع قران فاشلة
مسح ميداني أجراه معد التحقيق على 50 قراناً على مدى خمسة أشهر (38 رجلاً و12 امرأة) في خمس محافظات من أصل 22 محافظة يمنية، أظهر أن 94 في المائة من زيجات «الشغار» تنتهي بالفشل. فمقابل ثلاث زيجات فقط من عينة المسح لا تزال مستمرة، تفكّكت 47 أسرة؛ نصفها بالطلاق الإجباري، وتشتت 77 طفلاً وطفلة أنجبتهم العائلات المنهارة.
ووفقاً لنتائج المسح الذي تم خلال الفترة بين مايو (أيار) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2017، فإن المدى الزمني المتوسط لعمر هذا النوع من الزيجات لا يتجاوز أربع سنوات ونصف السنة؛ ما يدمر حياة الفتيات بدرجة رئيسية. أظهر المسح أيضاً، أن 53 في المائة من العينة يحملون شهادة الثانوية العامة، 26 في المائة لديهم شهادة إعدادية، 18 في المائة لا يحملون أي شهادة، و3 في المائة فقط لديهم شهادة جامعية. وتوزعت عينة المسح على محافظة إب بنسبة 26 في المائة، تليها محافظة صنعاء 23 في المائة، ومحافظة الحديدة 19 في المائة، ومحافظة ذمار 17 في المائة، وأخيراً محافظة حجّة 15 في المائة.
المأساة واحدة
في أطراف محافظة حجّة الشمالية، وتحديداً في مدينة عبس (250 كيلومتراً) شمال العاصمة صنعاء، أجبرت عائشة (19 عاماً) قبل ثلاثة أعوام على الزواج من ابن خالها الكفيف أحمد (26 عاماً) مقابل زواج شقيقها بأخته. اليوم تعيش حياة قاسية بعد أن استلب منها زواج «الشغار» سعادتها وتركها كومة بشرية محطّمة جل أحلامها العودة إلى مسار الحياة الطبيعية. عائشة تحدثت إلى معد التحقيق بعد التزامه بعدم تسجيل صوتها أو إظهارها في الفيديو. تقول: «وقع والدي تحت ضغط قرض حصل عليه من خالي. وكنت بين خيارين كل منهما أسوأ من الآخر. فإما أقبل بالزواج وأنسف حياتي وكل أحلامي، أو أترك والدي لتعصف به مشاكل القرض مع خالي». بيد أنها سرعان ما حسمت الأمر ضد مصلحتها: «وافقت على الزواج وأنا مجبرة، وكنت أتمنى الموت. في ليلة الدخلة شعرت بأنه وحش وليس شريك حياة، وكنت أبكي بحرقة، وفكرت في الانتحار، لكني تراجعت عن ذلك».
قران عائشة من بين الحالات النادرة التي لا تزال قائمة: «رغم انفصال الشق الثاني من الزواج، فإنني أعيش مع زوجي حياة عادية خالية من المشاعر، لكن الطفل الذي أنجبته يهوّن على مصيبتي، ويجعلني سعيدة إلى حد ما».
في مديرية زبيد محافظة الحديدة (266 كيلومتراً) غرب العاصمة صنعاء، تزوج عبيد سعيد محبوب (51 عاماً) بالطريقة ذاتها (قبل 27 عاماً)، في حين زوّجت شقيقته وهي في ال13 من العمر من شقيق زوجته. لكن بعد عشرة أشهر، انفصلت شقيقة عبيد عن زوجها الذي يكبرها 11 عاماً، على وقع خلافات كانت تنتهي غالباً بتعرضها للضرب والتحقير.
بعد أيام تفاجأ عبيد بأهل زوجته يطلبون طلاقها. ورغم رفضه ذلك، فإنه طلّق زوجته مرغماً، بعد أن اعتدى عليه أهلها بالضرب أكثر من مرة. ومن ثمّ منعوا الزوجة من الذهاب لمنزل زوجها لأكثر من عامين، وصادروا جميع مجوهراتها.
عبيد يؤكد لمعد التحقيق أنه يحب زوجته وأنها كانت تبادله المشاعر ذاتها، ولم تكن ترغب في الطلاق منه. حاول الرجال إيفاد وساطات من أعيان المنطقة إلى أهل زوجته إلا أنهم رفضوا أي وساطة.
* خطأ واحد لا يكفي
يستسهل الكثير من الشباب زواج «الشغار»، لكنهم يدركون لاحقاً حجم الخطأ الذي وقعوا فيه وهم يجبرون على الطلاق بدواعي المماثلة. غير أن (ع. م) الذي يسكن العاصمة صنعاء لم يتعظ وخاض هذه التجربة مرتين. هذا الرجل البالغ من العمر الآن 65 عاماً، تزوج في المرة الأولى عام 1970 بشقيقة زوج أخته تحت ضغط والده. يقول: «عشت مع زوجتي حياة مستقرة وسعيدة لعامين كاملين، وكنت أحبها كثيراً، وأنتظر أن يرزقني الله منها بالأولاد».
إلا أن شقيقته اختلفت مع زوجها، وعادت إلى منزل والدها لتطلب الطلاق، وبذلك انهارت حياتها الزوجية. «أيام قليلة مضت فإذا بوالد زوجتي يرسل وساطة قبلية لتقنعني بطلاق زوجتي، باعتبار أنني تزوجتها مقابل زواج أختي من ابنه، واحدة بواحدة»، حسبما يستذكر (ع. م). «لا أعرف ما حل بزوجتي السابقة، لكني أتمنى لها السعادة مع زوجها وأولادها إن كانت قد تزوجت وأنجبت».
ورغم تجربته القاسية، فإن (ع. م) لم يتعظ، فتزوج بالطريقة ذاتها بعد أقل من عام. إذ وافق والده على زواج ابنته من شخص آخر، بشرط الموافقة على زواج شقيقته بابنه.
ويؤكد (ع. م) أنه «عاش مع زوجته الجديدة عاماً واحداً، قبل أن تبدأ المشاكل بينهما، ووصلت حد الطلاق؛ ما دفع والده للمطالبة بطلاق ابنته أيضاً».
ورغم رفض زوجها الطلاق، وتقديمه للمبررات، وأنه غير مسؤول عن فشل زواج شقيقته، فإن ضغوط الوسطاء التي استمرت لأشهر أجبرته أخيراً على الطلاق وفقاَ لمبدأ «واحدة بواحدة».
* عوامل اقتصادية واجتماعية
الشاب اليمني يقع فريسة البطالة وارتفاع المهور إلى معدل مليون ونصف المليون ريال (5 آلاف دولار أميركي)، في بلد تعصف به الحروب، حيث يقدر معدل دخل الفرد فيه ب1250 دولاراً سنوياً، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2012؛ لذا فإن الكثير من الأسر تلجأ إلى هذا التقليد. ويقول (ع.م): إن التجربة كشفت «فشل الكثير من الزيجات التي تمت تحت هذا المسمى، (الشغار)»، وأكد أن انتشار زواج البدل في المجتمعات الريفية بفعل الأمية وتدني مكانة المرأة، وارتفاع مستوى الفقر وانعدام استقلالية الشباب في اتخاذ القرار والجهل بتعارضه مع الدين الإسلامي.
محامي الأحوال الشخصية حميد الحجيلي يعدّد عيوب «الشغار» وفشله، ويشبه الوضع بمثابة لغم مؤقت قد ينفجر في أي وقت ليطيح بعلاقات الزواج المتشابكة، فيدمر أسراً سعيدة هانئة ذنبها أنها أحد أطراف هذا الزواج».
يقول الدكتور عبد الكريم غانم، الباحث في علم الاجتماع: إن «(الشغار) يضع المرأة في موضع السلعة التي يمكن مقايضتها بسلعة أخرى. والأخطر أن مستقبل نجاح إحدى الزيجتين يظل مرهوناً بنجاح الأخرى، خصوصاً في السنوات الأولى من الزواج». كل ذلك «يهدّد كيان الأسرة بالانفصال وينسف الاستقرار الذي يحتاج إليه الأطفال في السنوات الأولى من عمرهم من أجل اكتمال نموهم النفسي والبدني على النحو المطلوب».
* جهود مجتمعية
منظمات يمنية، في مقدمتها اتحاد نساء اليمن واللجنة الوطنية للمرأة كهيئة حكومية، سعت للحد من زواج «الشغار» إلا أنها اصطدمت بمجتمع عنيد لا يتنازل عن عاداته بسهولة. المسؤولة القانونية لاتحاد نساء اليمن، نجلاء اللساني، تعدّد عواقب «الشغار»، في مقدمتها تفكّك الأسر والتأثير السلبي على الأطفال.
* قصور قانوني
يخلو القانون اليمني من أي نص يمنع زواج «الشغار»، لكنه يلزم بتسمية المهر وتسجيله أثناء عقد الزواج، وفق الفقرة الأولى من المادة (33) من قانون الأحوال الشخصية رقم 20 لعام 1992 وتعديلاته. «يلزم المهر المعقود بها بعقد صحيح، وهو ما حصل عليه التراضي معيناً مالاً أو منفعة، فإذا لم يسم تسمية صحيحة أو نسي ما سمى بحيث لم يعرف وجب مهر المثل». وتؤكد الفقرة الثانية، أن «المهر ملك للمرأة تتصرف فيه كيفما شاءت ولا يعتد بأي شرط مخالف». غير أن الكثير من الأسر اليمنية في زواج «الشغار» تتجاوز الاشتراط القانوني، بتسمية مهر وهمي في العقد؛ ما يجنبها الوقوع تحت الطائلة القانونية.
وتجيز المادة (39) من القانون ذاته للمرأة الامتناع عن «الدخول إلى زوجها إلى أن يسمّي لها مهراً ويسلم ما لم يؤجل منه، فإذا أجّل لمدة معلومة أو بحسب ما جرى عليه العرف فليس لها الامتناع قبل حلول الأجل». إلا أن المرأة اليمنية تعجز عن اتخاذ مثل هذا القرار؛ كونها تعيش وسط مجتمع ذكوري يرفض أي إرادة حرة لها، فضلاً عن الأمية وغياب الوعي القانوني لدى معظم النساء.
محامي الأحوال الشخصية حميد الحجيلي يأسف لعدم وجود نص قانوني يجرّم هذه الظاهرة ويعاقب مرتكبيها. ويطالب الحجيلي بإضافة مواد إلى قانون الأحوال الشخصية تمنع هذا النوع من الزواج وتتضمن عقوبات صريحة بحق المخالفين، سواء بشكل مباشر أو بالتحايل، من خلال قيام طرفي الزواج بمنح العروسين مبلغاً زهيداً بصفته مهراً؛ حتى لا يكون الزواج «شغاراً». كما يدعو إلى إضافة نص قانوني يحدد ضوابط صارمة تمنع طلاق الزوجة كإجراء مماثل لانفصال من فشلت حياتهما الزوجية، وتتضمن عقوبات تعزيرية ومالية بحق من يقوم بذلك.
ويؤكد المحامي الحجيلي عدم وصول مثل هذه القضايا إلى القضاء إلا في حالات نادرة واستثنائية. ويوافقه في الرأي المحامي أكرم نعمان «أغلب القضايا التي تصل القضاء هي قضايا فسخ أو طلاق أو مطالبة بميراث، ليظهر فيما بعد أنها في الأساس كانت قضايا زواج بدل».
رغم استمرار هذه الظاهرة، فإن وزارة العدل اليمنية المعنية بتوثيق عقود الزواج تنفي وصول عقود «الشغار» إليها، حسبما يقول القاضي إسماعيل المتوكل، كبير مراقبي عقود الزواج في الوزارة.
رغم التحريم الديني والمشكلات الاجتماعية الخطيرة لزواج «الشغار»، فإن غياب دور المؤسسات، وعدم تعاطيها الجاد مع هذه القضية يساعد على استمرار هذا النوع من الزواج في مجتمع يغض الطرف عن تحريمه وعواقبه عمداً أو جهلاً. مجتمع لا يكترث للتداعيات الخطيرة لهذه الزيجات، التي تحول المرأة إلى سلعة بتاريخ صلاحية يحدّده أحد الطرفين، لينسف معه زيجة الطرف الآخر، فيحيل ألفة الزواج إلى خصومة وعداء يفكّك الأسر ويقضي على مستقبل الأبناء الذين يمزقّهم الطلاق بين الأب والأم.
مقارنة مع دولة عربية
هذه الظاهرة ليست يمنية خالصة. يستذكر رجال ونساء في مقتبل العمر أن هذه الظاهرة كانت منتشرة في المجتمع الأردني ذات الطبيعة العشائرية المشابهة لليمن قبل... عاماً. لكنها تلاشت بحكم سرعة تطور مؤسسات المجتمع ولا سيما الأسرة، ومستوى التعليم عموماً والانتقال من البادية والريف نحو الحضر بحسب الدكتور حسين محادين قسم علم الاجتماع - جامعة مؤتة.
كما ساهم في تراجع هذه الظاهرة الروابط العشائرية وحملات التوعية الإعلامية، وتعمق سيادة القانون، وبروز الاستقلال الاقتصادي للنساء (وبخاصة الزوجات) مع دخول المرأة سوق العمل، والتنوع السكاني نتيجة الهجرات التي استقبلها المجتمع الأردني..
الموقف الشرعي
يحرّم الدين الإسلامي زواج «البدل» في الحديث الوارد في صحيح مسلم: «لا شغار في الإسلام». وفي المرجع ذاته عَنْ أَبِي هُرَيْرَة، رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ الشِّغَارِ». وزَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ: «وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرجل لِلرجل: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي».
وأما علة فساده، فذكرها جمع من العلماء، ومنهم الشوكاني في نيل الأوطار، وهي خلو بضع كل منهما من الصداق، وليس المقتضي للبطلان عندهم مجرد ترك ذكر الصداق؛ لأن النكاح يصح من دون تسميته، بل المقتضي لذلك جعل البضع صداقاً.
نقلا عن "الشرق الاوسط"
* * تم إنجاز هذا التحقيق بدعم من شبكة «إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية» وبإشراف الزميل خالد الهروجي

..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.