شهر رمضان المبارك؛ بما له من صلات روحية ودينية ببيت الله الحرام، يلقي على عاتق الدولة السعودية مسؤولية ديني ة وسياسية وإنسانية، يفترض فيها أن تكافئ ما للشهر والبيت من معانٍ قدسية في قلوب وعقول المسلمين في العالم أجمع. وكالعادة، تستقبل سفارات الممكلة العربية السعودية عشرات ومئات الآلاف من المسلمين الذين أرادوا ممارسة طقوسهم الدينية من تسبيح وصيام وقيام في شهر رمضان برحاب بيت الله الطاهر، تعظيماً منهم للشهر، والبيت والشعائر. موسم العمرة لدى العديد من دول العالم الإسلامي، ومنها اليمن، لاتقف أهميته عند ما يعنيه من قداسة، بل إن جانباً من الأهمية يكمن في ما هو مشهود فيه من موسم للاستثمار السياحي، إن جاز التعبير. وكالات السياحة والسفر تعده موسماً استثمارياً يدر أرباحاً طائلة يفترض في حدها الأدنى امتصاص ما يزيد أو يقارب 15 ألف شاب يعملون في هذا الحقل. وسواء أكان ذلك بعيداً أو قريباً مما تعلنه الحكومة اليمنية من توجهات ترمي الى تمكين الشباب اقتصادياً وتنموياً في إطار مشاريع استثمارية، فإن هذا الموسم من شأنه تخفيف وطأة الفقر والبطالة للعديد من الأسر، وإن موسمياً. بيد أن الاستفادة لاتتحقق كما يجب إلا وفق أداء ناجح وعلاقات وتأهيل جيدين بين الوكالات وبينهما من ناحية، ثم بينها وبين الجهات الرسمية المعنية، ثم بمدى قدرة هذه الأخيرة في تحقيق الأهداف المرجوة استثمارياً واقتصادياً وسياسياً مع الجانب السعودي، الذي بلا شك قد أعلن عن تسهيلات ومساعدات لاتلقى في المقابل منها جهات مؤهلة لاستقبالها والاستفادة منها كما يجب. أخطاء الهتار هذا العام، نالت اليمن 250 ألف تأشيرة عمرة، وهو ما يعني أن فرصاً استثمارية عالية السقف مطروحة في مرمى الجانب اليمني، وبإمكانه الاستفادة منها على مستويات عدة. في حين أن عدد المعتمرين في العام الماضي، بلغ 80 ألف معتمر، والقنصل السعودي في صنعاء يتوقع هذا العام نصف العدد.. ما المشكلة إذن؟ ثمة معلومات أفادت بأن أزمة حادة نشبت بين وزارة الأوقاف والإرشاد ومعها وزارة السياحة على طرف، ووكالات السياحة والسفر التي تحمل منها اسم «وكالات الحج والعمرة». ومن خلال اقترابنا من أغوار هذه الأزمة وخفاياها، اتضح أن مسؤولين في الوزارتين (الأوقاف والسياحة) ونافذين من خارجهما خربوا أرضية العلاقة مع الوكالات المعنية كقطاع خاص، إذ لم تكن العلاقة قد نسفت نسفاً، وبتغير وزير الأوقاف هذا العام يقال أن العلاقة تغيرت مع الوكالات الأمر الذي انعكس سلباً على مستوى التنسيق والتعامل مع الجانب السعودي الذي بدت أمامه الصورة ضبابية يكتنفها الكثير من الغموض، ولاسيما أن وزارة الأوقاف لم توافِ السفارة السعودية بأسماء وكالات السياحة والسفر المعتمدة إلا في شهر شعبان، ناهيك عن عدم وضوح الآلية التي بدت مغايرة للعام الماضي. وهو فشل لاتشفعه لباقة وحصافة القاضي الهتار التي يظهرها عندما يتعلق الأمر بحواراته مع «متطرفين خلف القضبان»، أو أفكاره الباهرة في ما يتعلق بسن قوانين مسجدية لفرض كبح جماح مدارس دينية لاتروق للسلطة. الأمر هنا يحث القاضي حمود الهتار وزير الأوقاف، على التعامل بلغة الفائدة الانسانية التي يراعى فيها استفادة عشرات الأسر وآلاف الشباب المالك والعامل في وكالات العمرة. وهو بذلك سيخدم المعتمرين أيضاً، لاسيما وقد علمنا من مصادر مؤكدة ما يعانيه العديد من المعتمرين لمجرد وصولهم مكةالمكرمة، عندما لاتفي الوكالات بالتزاماتها إزاءهم، وهو ناتج عن غياب المعايير العادلة لانتقائها واعتمادها من الأوقاف، وغياب تأهيلها من وزارة السياحة. في السفارة السعودية ما لاحظناه ونحن في مهمة صحافية في السفارة السعودية بصنعاء، وكذا جمعية وكالات السياحة والسفر، أن أكواماً من الوثائق من جوازات وأخرى مرفقة تجرى معاملاتها في غرف القنصلية المعدة لهذا الغرض، والمكتظة بعشرات العاملين، عديدهم يعمل لدى جمعية السياحة والسفر؛ الجهة المنظمة لنشاط الوكالات. المعاملات رغم حجم الضغط الهائل والزحمة البالغة، تسري بشكل جيد من حيث التنظيم والتقنية وسلاسة الإجراءات. وهذا ليس مستغرباً بالنظر الى كون السفارة استعدت لاستقبال 250 ألف تأشيرة عمرة، قوبلت من الأوقاف ب 20 وكالة معتمدة من بين ما يزيد عن 100 وكالة أعدت نفسها لهذا الغرض. القنصل السعودي الذي قرر عدم الخوض في أية تفاصيل في ما يتعلق بالجانب اليمني، أكد أن مهمة السفارة لاتعدو عن كونها تنفيذية لما يهم بلدها فقط، وأن خدمتها مجانية. وخلافاً للقاعدة العامة التي تقضي بتنظيم العمرة عبر وكالات السفر، أوضح القنصل أن هناك تأشيرات «المجاملة»، وهي التي تُمنح لكبار الشخصيات اليمنية التي تبحث عن خدمات استثنائية متميزة، الوكالات ليست مؤهلة لتقديمها. وكالات أُطيح بها إذن، فالحال في أروقة السفارة السعودية، حسب ما لاحظناه، يكشف لنا مشكلات جمة لا صلة لها بالسفارة لاستعداداتها والقدرة الاستيعابية للمعتمرين اليمنيين. المشكلات القائمة يمنية بامتياز، وهي مشكلات ناجمة عن فشل العلاقات بين مكون الجهات اليمنية القائم على الفساد. وبعيداً عن كل ما يجري، هذا العام يبدو أسوأ بكثير عن العام الماضي. ويؤكد مسؤولون في جمعية وكالات السياحة والسفر أن أداء الوكالات وآلياتها ومستواها الكلي يعاني الكثير من القصور. والوكالات على ضعف مستواها تواجه مشاكل معقدة مع وزارتي السياحة والأوقاف، وهما جهتان رسميتان يقع على عاتقهما تأهيل هذه الوكالات، فضلاً عن خلقهما نظاماً إدارياً ولائحياً تضمن تكافؤ الفرص بين الوكالات، ويعيد تموضعها بعيداً عن أي تدخلات تزيد من مشكلات هذه الوكالات الأمر الذي أطاح بكبريات الوكالات التي كانت أكثر تأهيلاً، وأظهرت الكثير من النجاحات. وبإقصائها وجه للاستثمار ضربة قاصمة. الوضع يبدو على نحو فاشل، ولا مجال لما يدعو القاضي الهتار ووكلاءه لتطويع الأمور لما يزيد من المشكلات بقدر ما هو مطلوب منهم خلق نظام إداري ولائحي يؤدي الى وضع أفضل.. ممكن. إذ أن أوضاع البلاد ما عادت تسمح لمزيد من الأداء الكارزمي الفردي المعطل للمؤسسات. ولم يعد الرجاء أن يقال هذا الوزير «طحطوح»، بقدر ما يقال هذه الوزارة ناجحة بكل مرفقاتها وإداراتها.