الإسماعيليون في نجران مواطنون سعوديون من الدرجة الثانية هذه العبارة عنوان لتقرير منظمة دولية تعنى بحقوق الإنسان والحريات العامة والذي يسرد وقائع مفجعة عن الانتهاكات الإنسانية التي يتعرض لها أبناء الطائفة الإسماعيلية جنوب المملكة. وعلى ما يبدو فإن كثيراً من الأنظمة القمعية في وطننا العربي ماتزال تمارس هواياتها في ظلم وقهر شعوبها متجاهلة الدروس والعبر التي حملتها رياح الربيع العربي في عدد من بلدان المنطقة. ويشكو الإسماعيليون في جنوب المملكة العربية السعودية من تعرضهم لأقسى أنواع البطش والتنكيل والاستهداف العلني لمذهبهم وقياداته.. وما يزال مصير الإمام حسين بن إسماعيل المكرمي زعيم الطائفة مجهولاً منذ حوالي عقد من الزمان وسط أنباء عن تواجده في معتقل سري بصنعاء بعد أن سلمته الأجهزة الأمنية السعودية لسلطات صنعاء في العام 2006م بعد اتفاق غير معلن لضرب قيادات وأبناء المذاهب الإسلامية ذات التوجهات الشيعية في البلدين كما يؤكد ذلك عدد كبير من الإسماعيليين في اليمن. تمييز رسمي ويقول التقرير الدولي الذي أعدته منظمة هيومن رايتس ووتش فإن أتباع الطائفة الإسماعيلية ذات الأصول التاريخية في منطقة نجرانجنوب غرب السعودية أصبحوا يواجهون تهديدات متزايدة لهويتهم نتيجة للتمييز الرسمي بحقهم.. مشيراً إلى أن هذا الاستهداف بلغ ذروته خلال العقد الماضي حيث يشمل التمييز الرسمي بحق الإسماعيليين العمل بالوظائف الرسمية والممارسات الدينية ونظام العدالة كما يستبعد المسئولون الحكوميون أتباع المذهب الإسماعيلي من دوائر صناعة القرار ويقللون من قيمة مذهبهم بشكل علني. وبالرغم من أن إعداد هذا التقرير الدولي كان قبل عدة سنوات إلا أن أتباع الطائفة الإسماعيلية يؤكدون بأن سياسة النظام السعودي إزاءهم تزداد حدة وضراوة مع مرور الوقت بل أن الاستهداف وسياسة التفريق وزرع الفتن والقلاقل بين أبناء الطائفة بات يأخذ أشكالاً عديدة ولا يتوقف عند حدود.. تاريخ التحامل وتعد نجران منطقة سهول خصبة تمتد على الحدود مع اليمن وقد دخلت ضمن الحكم السعودي في عام 1934م (قبل ذلك هي اراضي يمنية)وهي المركز الروحاني للسليمانية الإسماعيلية التي يقدر أعداد أتباعها بمئات الآلاف وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش فإن تاريخ التحامل السعودي على الأقليات الدينية في البلاد يعود لعقود من الزمن إلا أن هذا التحامل لم يحدث فرقاً كبيراً في حياة أتباع الإسماعيلية المقيمين في نجران مالم يغادر المنطقة لأداء فريضة الحج في مكة أو في المدينة أو سعياً لتحصيل العلم أو العمل في مدن أخرى إلا أن العقد الأخير شهد تدهوراً كبيراً للأوضاع ففي البداية كما يؤكد التقرير الدولي قلل المسئولون علناً من قيمة أتباع الإسماعيلية واستبعدوهم من المشاركة في دوائر صناعة القرار المحلية ثم تم استبعاد الإسماعيلية من مجالات وظيفية معينة ومن الترقية للمناصب الرفيعة وبعد ذلك فرض القيود المنشودة على حريتهم الدينية كما يواجه الإسماعيليون في ظل نظام العدالة الذي يستمد الشرعية من الدين والذي لا مجال فيه للممارسات غير الوهابية يواجهون الاعتقال دون أسباب وعقوبات أقسى من تلك التي يتم فرضها على غيرهم من السعوديين. انتهاكات متواصلة وتتواصل الانتهاكات الإنسانية الخطيرة لأبناء المذهب الإسماعيلي جنوب المملكة وتنفرد أشكال وأنماط تلك الانتهاكات ومن هذه الممارسات كما تقول المنظمة الدولية إغلاق المساجد التابعة للإسماعيليين كما حدث في العام 2000م واعتقال قيادات المذهب ورموزه الدينية وتعذيب المعتقلين كما أعطت السلطات لرجال الدين المعينين من قبل الحكومة وأصحاب المناصب القضائية العليا الضوء الأخضر بالهاجمة العلنية للطائفة الإسماعيلية وتكفيرهم جهاراً. ويضيف التقرير الدولي الحقوقي لقد واجه أتباع المذهب الإسماعيلي خلال السنوات الماضية تمييزاً متزايداً في العمل الحكومي وهناك العديد من الإسماعيليين لايمكنهم تأمين وظائف مما يضطرهم إلى مغادرة نجران لأن السلطات أعطت حق شغل المناصب الحكومية لأتباع المذهب الوهابي وتحديد حدٍ أقصى للإسماعيليين في الترقيات الوظيفية لا يمكنهم تجاوزه حتى في الوظائف العسكرية يحرم الإسماعيليون من الترقيات كما يحظر على أكثرهم الانضمام إلى المعاهد والكليات العسكرية. قيود دينية ويتحدث التقرير الدولي عن القيود الدينية المفروضة على أبناء المذهب الإسماعيلي فلا يحق لهم زيارة قائدهم الديني لتلقى التعاليم منه كما تفرض عليهم قيوداً لدى محاولتهم بناء المساجد الخاصة بهم أو توسيع القائمة منها فيما تزدهر المساجد الوهابية بمساعدة الدولة كما لا يحق للإسماعيليين طباعة أو نشر كتب أدعية الطائفة في المدارس الحكومية حيث تشكل المواد الدينية ثلث المناهج كما يتم الاستهزاء بالأطفال أتباع الطائفة الإسماعيلية بسبب معتقداتهم الدينية فيما يتم تدريس الفكر الوهابي. ويشير التقرير إلى أن عدم توفر المعلومات عن الانتهاكات العديدة والخطيرة التي تواجه أبناء المذهب الإسماعيلي. وفي ختام تناولنا لهذا الموضوع الهام والخطير لا بد من التأكيد على ضرورة أن يتنبه الأشقاء في السعودية إلى المخاطر والآثار الخطيرة المترتبة على هذه الانتهاكات لإحدى المكونات الأساسية للمجتمع السعودي وأن يستفيدوا من عِبر الربيع العربي وإعادة النظر في هذه السياسة القائمة على القهر والتهميش والإقصاء وإلا فإن هذا الكبت والحرمان قد ينفجر في أية لحطة ولا شك ستكون عواقبه وخيمة على أمن واستقرار هذا البلد العزيز.