في ظل وضع إنساني يزداد حرجا بفعل المعارك الضارية تبدو محافظة صعدة مرشحة لمزيد من المعارك العنيفة بين السلطة والحوثيين من خلال اتخاذ الحرب السادسة التي تدور رحاها منذ عدة أسابيع شكلا مغايرا للحروب السابقة يعتمد أسلوب الاشتباكات المتقطعة من منطقة لأخرى ونصب نقاط قطع الطرقات والحصار المطول. ويواصل الطرفان تبادل الاتهامات بالتنصل عن اتفاق السلام وممارسة الاعتداءات بنية استمرار الحرب، وفي ظل وضع كهذا والتعتيم الحاصل -باستثناء ما يأتي عن طريقهم- فإنه يصعب معرفة حقيقة ما يدور على الواقع. غير أن ما يمكن تأكيده هو أن معارك عنيفة تشهدها مناطق متفرقة في محافظة صعدة منذ أسبوعين بين قوات الجيش وأتباع جماعة الحوثي سقط خلالها عشرات القتلى والجرحى. وبحسب مصادر محلية فإن المواجهات تجددت مطلع الأسبوع الحالي في مديرية شدا ومديرية المهاذر وسوق الليل ومنطقة عين ولا تزال مستمرة، مشيرة إلى أن الجيش صد محاولة للحوثيين للسيطرة على مركز مديرية شدا والذين تمكنوا أواخر الأسبوع المنصرم من الاستيلاء على موقع عسكري في منطقة الحصامة القريبة من الحدود مع السعودية بعد مواجهات استخدم فيها مختلف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وسقط خلالها أكثر من عشرين قتيلا.. ويبدي الحوثيون توجسا من مباغتة قوات الجيش لأنصارهم في مديرية المهاذر، حيث تشهد المنطقة تعزيزات عسكرية مستمرة. وذكر مصدر حوثي أنهم علموا بتوجيه مدير مديرية سحار إنذارا لأبناء المهاذر بإخلاء المنطقة تمهيدا لقصفها حتى لا يتمكن أتباع الحوثي من التنقل فيها، مشيرا إلى أن عقال المنطقة ردوا على إنذار مدير الناحية بأن الدولة تستهدف المواطنين وليس الحوثيين كما تقول وأنهم حذروها من مغبة تدمير منزل أي مواطن، كونهم سيضطرون للدفاع عن أنفسهم والانخراط مع الحوثيين". وكعادة الحوثيين فإنهم يعتبرون أن خوضهم لمعارك مع الدولة تأتي في إطار الدفاع عن النفس، متهمين قوات الجيش ببدء الاعتداء عليهم وهو ما يقومون بتضمينه في تقاريرهم الإعلامية اليومية والتي رصدوا فيها هذا الأسبوع قيام المواقع العسكرية المحيطة (بمنطقة الحصامة) من جهة الملاحيظ بضرب مكثف للمنطقة، مستخدمة جميع أنواع الأسلحة. وأن مواقع أسفل مران (المجرم، ولحمان) قامت بضرب منطقة مران، مستهدفة البيوت والخط الرئيسي. وأضاف التقرير اليومي للحوثيين "أن المواقع العسكرية في منطقة المهاذر تواصل استهداف المواطنين، حيث قام موقع حريس بضرب الطريق الرئيسي ومنازل المواطنين وأن السلطة استحدثت موقعا عسكريا جديدا في سوق الليل". وذكر التقرير قيام موقع الصمع في منطقة بني معاذ بقطع الطريق وضرب المارين فيه، إضافة إلى قيام نقطة الضرائب في الملاحيظ بقطع الخط الرئيسي بمحافظة صعدة من الجهة الغربية والذي يربط (صعدة - ساقين- حيدان- مران- الملاحيظ- حرض- الحديدة) موضحا أنه تم منع مئات السيارات من المرور والتي تقف حاليا بجانب النقطة العسكرية وهي محملة بالمواد الغذائية والخضروات والفواكه التي تصدرها صعدة إلى المحافظات الأخرى. وفيما اعتبر الحوثيون قطع الطريق "عملا إجراميا وعقابا جماعيا تفرضه السلطة على أبناء صعدة" قال إن أربعة أطقم عسكرية قادمة من الملاحيظ باتجاه نقطة الضرائب أخذت عدداً من السيارات التابعة للمواطنين. وأكد التقرير مواصلة المواقع العسكرية المشترك (تويلق) الواقع بالقرب من الحدود اليمنية السعودية قصفه لمنطقة الحصامة ومديرية شدا، بينما انقطع الخط الرئيسي (رازح ، شدا - الملاحيظ) بسبب الضرب المكثف الذي استهدف الطريق لغرض حصار محافظة صعدة من جميع الاتجاهات. بالمقابل جددت السلطة اتهامها "لعناصر التمرد والإرهاب الحوثية بمواصلة خروقاتها وعدم التزامها بالاتفاقيات التي تشرف على تنفيذها اللجنة الرئاسية بالمحافظة، حيث تقوم تلك العناصر من خلالها بأعمالها الإرهابية في بعض المديريات بممارسة أعمال القتل للمواطنين الأبرياء وتدمير الممتلكات والاعتداء على القوات المسلحة والأمن". ونقلت صحيفة الجيش عن مصدر مسئول في السلطة المحلية بالمحافظة قوله: إن اشتباكات قد حدثت خلال الأيام القليلة الماضية بعدما هاجم فيها متمردون مراكز للجيش في منطقتي المهاذر وكتاف، مقرا بوقوع ضحايا وأسرى دون أن يذكر عددهم". هذه التهم سارع الحوثيون إلى نفيها وقالوا في بيان النفي "ما تردده السلطة من أكاذيب وخرافات باستهدافنا للمواطنين واحتجازهم أمر سخيف للغاية وفيه من الكذب ما لا يخفى على أحد". وقال البيان: إن السلطة تحاول من ذلك قلب الحقائق الناصعة، فهي من تضرب بيوت المواطنين بالدبابات والصواريخ وتقتل النساء والأطفال". تصعيد الحوثيين للأوضاع هذه المرة جاء بأساليب جديدة وكأنهم يحكمون دولة لا يربطها باليمن سوى حدود، فبعد استيلائهم على مناطق الحصامة وشدا وغمر قاموا الجمعة الفائتة بتنفيذ ما وصفوها بمناورة عسكرية في مناطق مطرة حيث معقلهم الرئيس واعتبرها مراقبون رسالة للسلطة من قبل الحوثيين بأنهم على أتم الاستعداد للحرب. وذكر مصدر حوثي بأن مناورتهم هذه قام بها مئات المقاتلين وتمت بسلاح "محلي الصنع" عدا بعض الآليات التي تستخدم في ذلك بينما قالت مصادر أخرى أن الحوثيين حصلوا على شاحنات كبيرة من الأسلحة من المواقع العسكرية التي كانت في الحصامة وشدا وغمر والتي استولوا عليها في المواجهات الأخيرة. وبعد ما يقارب الأسبوع على إصدار الحوثيين بياناً يهدد فيه بالرد على ما اسماه "أي عدوان" يأتي من داخل الأراضي السعودية تحدث موقع إخباري تابع للحوثيين عن لقاء لقادة ميدانيين حوثيين وسعوديين في المنطقة الحدودية من جهة منطقة الحصامة. وأنهم تبادلوا الحديث الأمني الذي يهم الطرفين"، معتبرا ذلك أول لقاء بين السعوديين والحوثيين لبحث الخلافات والمسائل العالقة بين الطرفين، وهو ما يعد رسالة للدولة مفادها أن الحوثيين سيلبون للسعودية ما لم تلبه السلطة في منع عمليات التهرب إلى أراضيها مقابل عدم تعرضهم لأي هجوم من داخل السعودية، وعلق الموقع الإخباري التابع للحوثيين على ذلك قائلا: "إنه وبعكس المتوقع وما يردد في الإعلام من سوء تفاهم "سعودي حوثي" إلا أنه حصل تفاهم ودي وحديث إيجابي بين الطرفين" مذكرا بالعلاقات السعودية الحوثية التي ازدادت سوءا عقب الحرب الرابعة بعد اتهام الحوثي للسعودية بالتعاون مع السلطات اليمنية في الحرب عليهم" وفي اليوم التالي من بث خبر اللقاء قال الحوثيون إن إحدى الفرق العسكرية لجأت إلى داخل الأراضي السعودية لتنفيذ ما قالوا إنها عملية التفافيه ضد مقاتليهم في الحصامة بهدف استعادة المنطقة وهو ما كذبته السلطات على لسان مسئول عسكري والذي نفى ما وصفه بالمزاعم التي أطلقها زعيم المتمردين الحوثيين الجمعة الماضية عن دخول القوات الحكومية إلى الأراضي السعودية لمهاجمة مواقع سيطر عليها المتمردون في منطقة الحصامة الحدودية. وأضاف المسئول العسكري ل"الشرق الأوسط" بأن الدولة قادرة على قمع المتمردين في شمال البلاد والانفصاليين في جنوبها في وقت وجيز". لكنه أردف قائلا: "إن الخيار السلمي ما زال في المقدمة". ومع استمرار المواجهات فإن الوضع الإنساني زاد تعقيدا، حيث أفادت المنظمات العامة في صعدة بارتفاع عدد النازحين بشكل ملحوظ خلال الشهرين الماضيين متجاوزا 100.000 نازح. وسجل برنامج الأغذية العالمي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين خلال شهر يونيو الفائت حوالي 5000 نازح جديد متوقعا أن يكون عددها أكثر من هذا الرقم بكثير. "المعلومات عن النازحين بسبب النزاع في صعدة تبقى محدودة نظرا لصعوبة الوضع وعدم استكمال عملية التحديد والحصر". وكانت السلطة قالت إن أتباع عبدالملك الحوثي قاموا بقتل أكثر من 300 شخص وجرح المئات وتشريد آلاف الأسر خلال عام واحد فقط، مشيرة إلى أن المواطنين الأبرياء الذين قلتوا برصاص مسلحين حوثيين وصل عددهم إلى 300 قتيل فضلا عن قتل 28 امرأة وجرح أكثر من 200 شخص. ونقل موقع الجيش عن مصدر محلي قوله إن الحوثيين قاموا خلال ذات الفترة باختطاف أكثر من 500 مواطن بينهم أطفال وكبار في السن ومعاقون ونساء إضافة إلى قيامهم بقتل عدد من الجرحى. غير أن الحوثيين نفوا ذلك وتحدوا السلطة بالكشف عن أسماء 50 شخصا منهم فقط.