يواجه الرئيس نتائج سياسته التي انتهجها خلال أكثر من ثلاثة عقود وابتنت على أساس المصلحة لا على المبادئ أو حتى الإيمان بذات الرؤى.. بدا النظام وكأنه كان قائما على أرض متحركة سرعان ما تشققت لتتهاوى ليست أركانه فقط وإنما المنتفعون منه والمحسوبون عليه الذين أثروا وكبروا بسبب مساحة الفساد الذي وفرها هذا النظام وفقا لسياسة "العين لا تعلو على الحاجب" وكون هؤلاء هم من سيدافعون عن نظام سيفقدون مصالحهم بدونه، وتغافل من أن نوعية كهذه رابطها يتحدد وفق مصالحها التي لا يمكن أن تكون إلا مع القوي قبل أن يصيبه الوهن، فإذا أصابه تكون هي أول من يتآمر ويضربه من الخلف لتغادر السفينة قبل غرقها ولذا فإن كثيرين قفزوا من عليها اليوم إلى ظهر الثورة في محاولة لتبديل جلودهم وإعادة الكرة بجلود غيرها.. منذ ما بعد حرب 94م لم يقم الرئيس بتجديد بناء نظامه أو حتى إعادة ترميمه بقدر ما سعى إلى نقضه تماما دون أن تكون لديه أدوات البناء السليمة والصلبة. وفي تطور لافت يشكل حدثاً بارزاً في مسيرة ثورة الشباب وانحياز القيادات الحكومية والعسكرية لمطالبهم بإسقاط نظام علي صالح وربما في إطار ترتيب خارجي للسعودية دور فيه ، أعلن اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية قائد الفرقة الأولى مدرع دعمه وتأييده لثورة الشباب السلمية وقد تبعته سلسلة من الانضمامات للقيادات العسكرية الكبيرة والاستقالات من الحكومة التي كان حاول صالح قطع الطريق أمامها بإقالتها وتكليفها بتصريف أعمالها ،فضلاً عن تأييد معظم السفراء وانضمامهم إلى ثورة الشباب. مع أن هذه الاستقالات لم تكن لتؤثر على نجاح ثورة الشباب في حال انعدامها. لكن النظام وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة يحاول إبداء قدر من الاستماتة، إذ أوفد وزير الخارجية إلى السعودية حاملاً رسالة إلى الملك عبدالله للتوسط ودفع بوزير الدفاع لإلقاء بيان يؤكد فيه وقوف القوات المسلحة مع ما وصفها بشرعية الرئيس وضد أي من المخططات الانقلابية على الشرعية الدستورية. ويسود عموم المحافظات حالة غضب عارمة بعد استشهاد ما يقارب ال62 شاباً ظهر الجمعة الفائتة ، في إطلاق نار من آليات قناصة محترفين استهدفت المعتصمين في ساحة التغيير في العاصمة صنعاء الذين رفعوا سقف مطالبهم من رحيل الرئيس إلى محاكمته وأفراد عائلته في مؤسسات الجيش والأمن. لم يكن أحد يتوقع أن يصل الأمر بالنظام إلى ارتكاب مجزرة بهذا الشكل من أجل إيقاف تمدد المعتصمين ، لقد أكد الرئيس ذلك وهو يحاول أن ينفي التهمة عن قواه وتحميلها أهالي الحي المجاور لساحة الاعتصام ، دون أن يتذكر أنه في إحدى خطاباته الأخيرة أبدى غضبه من تزايد الخيام ورفض المشترك العودة للحوار ، بل إن إيقاف الاعتصامات تعد أهم بنود مبادراته . صحيح أن روايات المشهد الدموي تعددت لكن جميعها تشير إلى وقوف النظام وأنصاره وراءه، فضلا عن الحديث عن قوى أخرى لم يكشف عنها حتى الآن مستفيدة من دفع موقف التصعيد إلى سدته. وبحسب تلك الروايات فان الرصاص الذي قتل عشرات المتظاهرين لم يصدر فقط من منزل محافظ المحويت ، فقد رصد شهود عيان مسلحين وهم يطلقون الرصاص من خمسة مواقع على الأقل، الأول من على مبنى بنك الإنشاء والتعمير، وهو يقع في ركن جولة الرباط، والمواقع الأخرى تمثلت في مبنى معهد الرسالة للغات والتدريب، ومفروشات الجوبي ومنزل المحافظ، ومبنى في جولة القادسية أمام سيتى مارت مكون من طابق واحد فيه مكتبة واتصالات ومطعم. المستشفى الميداني واجه صعوبة شديدة في التعامل مع الحالات المصابة التي قدرت بالمئات ، ووجه نداء استغاثة للمستشفيات الخاصة باستقبال بعض الحالات وإرسال فرق طبية مساعدة ، إلا أنه لم يُستجب لهذه الاستغاثة .. لقد عُمم على عدد منها تحذيرات أمنية بعدم استقبال المصابين ، في حين باص الإسعاف الوحيد التابع لوزارة الصحة المرابط في شارع الرباط اختفى عقب الحادثة مباشرة ، مع أنه لم تكن هناك ثقة لدى المعتصمين في الإعانات المقدمة من وزارة الصحة والذين قالوا إن الأمن حاول استغلال دورها في خطف المصابين وأخذ جثث القتلى لإخفائها بهدف التقليل من الأعداد أمام وسائل الإعلام ونشطاء حقوق الانسان والمنظمات الحقوقية . وبينما يؤكد المعتصمون في ساحة التغيير على قيام سيارات إسعاف حكومية -وبذريعة الإسعاف- باختطاف مصابين وجثث للقتلى من المستشفى الميداني بعد تمكنهم من إلقاء القبض على احد من يوصفون بالبلاطجة وهو يحاول تهريب جثة من المستشفى الميداني بذريعة أنه ولده، اتهم مصدر مسؤول بوزارة الصحة العامة والسكان، المعتصمين أمام جامعة صنعاء, بعدم السماح بدخول سيارات الإسعاف التابعة للوزارة ومستشفياتها إلى المستشفى الميداني في ساحة الاعتصام لأداء مهامها الإنسانية وإسعاف المصابين إلى المستشفيات وتقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم. وبقدر بشاعة الحادثة الدموية ، فقد كانت الرواية الرسمية والتعامل الإعلامي الحكومي والموالي موازية لتلك المجزرة ، في حين استبق الرئيس علي عبدالله صالح نتائج تحقيقات لجنته التي لم تكن قد بدأت مهامها باتهام المواطنين ومعتصمي ساحة التغيير بالتسبب في المجزرة الدموية التي وقعت بحقهم. ولم يكتف صالح - الذي كان يتحدث للصحفين- باتهاماته تلك، بل زاد على ذلك دفاعه عن عناصر الأمن والشرطة عندما أكد أن "الشرطة لم تطلق أية رصاصة واحدة كونها من قوات فض الشغب ولا تحمل أية أسلحة". علي عبدالله صالح الذي بدا متناقضا في خطابه أمام الصحفيين برر جريمة عناصره التي كان بعض أفرادها يعتلي أسطح المنازل، عندما قال إنه "يأسف لتمدد الاعتصامات وتوسعها في الأحياء وهو مايسبب إزعاجاً للمواطنين في مأكلهم وفي مشربهم ودراستهم وصحتهم ويعيق حركتهم الاعتيادية اليومية".ويقول متابعون: إن تصريحات صالح تؤكد علمه المسبق بالمجزرة، ومعرفته بتفاصيلها مسبقا، وأن المجزرة هدفها فض الاعتصام أو نقله إلى مكان آخر. واعتبروا أن مطالبة صالح للمعتصمين بنقل اعتصامهم دليل على انزعاج السلطة من هذا الاعتصام ما دفعها لارتكاب المجزرة، كما أنه يكشف عن نية وتحذير مسبقين يؤكد أن نظام صالح سيقدم أيضا على ارتكاب مزيد من المجازر بحق المعتصمين. خطاب صالح بدا متناقضا أيضا مع خطابات سابقة قللت من شأن الاعتصامات، فقد اعترف لأول مرة بمدى توسع الاعتصام إلى داخل الأحياء السكنية والشوارع، مع أنه في وقت سابق قال إن تحركات المعتصمين لاتزيد عن 100 إلى 150 شخصاً. حاول الرئيس ايضاً أن يربط الحادثة بنشاط طرف ثالث يعمل على إفشال مساع خليجية لحقن الدماء في الساحة اليمنية بقوله " كان هناك تواصل بين اليمن والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي لإجراء وساطة لرأب الصدع بين أطراف العمل السياسي في اليمن" وأن ما حدث الجمعة الماضية أفشل تلك المساعي . وفيما بدت السلطات أكثر ارباكاً في إيجاد مخرج يبعد التهمة عن النظام ، قدم وزير الداخلية تقريراً أعاد فيه ما جرى إلى انه وبعد الانتهاء من صلاة الجمعة التي ألقى فيها الخطيب خطبة تحريضية هيجت المعتصمين وحمستهم للزحف نحو منازل المواطنين، كما قامت مجاميع من المعتصمين باقتحام بعض المنازل ونهبها وإحراقها ورمي احد المواطنين من منزله وهو ما أدى إلى حدوث اشتباكات بين المواطنين والمعتصمين استخدمت فيها العصي والأحجار والرصاص مما أسفر عن سقوط ضحايا. كما أن الرئيس الذي أبدى أسفه لسقوط ضحايا أظهر مدى استرخاصه لدماء اليمنيين عندما قال إنه سيعوض أسر القتلى مع اعتبارهم شهداء ديمقراطية ، في حين أن إعلانه عن تشكيل لجنة تحقيق في الحادثة ليس سوى للاستهلاك الإعلامي، خاصة أن لجنة التحقيق في اعتداء الأسبوع الماضي لم تقم بشيء. يذكر أن تجارب الرئيس في لجان التحقيق مخيبة، وغالبا ما يكلف لجان تحقيق في قضايا طارئة تخرج بتوصيات، إلا أنها تقابل برفض النظام. ومن أشهر لجان التحقيق التي ووجهت بتصلب الرئيس لجنة نهب الأراضي في المحافظات الجنوبية، حيث كشفت عن أسماء 15 ناهبا للأراضي كانوا سببا في إثارة المظاهرات والاحتجاجات في المحافظات الجنوبية، وأوصى التقرير بإعادة الأراضي المنهوبة وإبعاد هؤلاء ال 15 حفاظا على الوحدة إلا أن التقرير أدخل الأدراج إلى اليوم. ويشتهر صالح أيضا بالانقلاب على لجان التحقيق والوساطة التي يكلفها وقد برز ذلك جليا خلال الحروب الست التي قادها في صعدة، حيث كان يقوم بتكليف لجان للوساطة وأخرى للتحقيق، وعندما تقترب تلك اللجان من تحقيق نتائج عملية تفاجأ بإيقاف الرئيس لمهامها وتكليف أخرى. وليست لجنة العلماء التي التقى بها الرئيس مؤخرا وكلفها بعمل اللازم إزاء الوضع وتقديم النصح عن هذا الأمر ببعيد، فبعد أن توصلت اللجنة إلى عدد من المقترحات ومن ضمنها الانتقال السلمي والسلس للسلطة انقلب الرئيس على اللجنة ورفض كل النتائج التي توصلت إليها. وفي تصعيد للأزمة، أصدر الرئيس علي عبدالله صالح قراراً بإعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثين يوماً ابتداءً من مساء الجمعة الفائتة وذلك بعد ساعات من مجرزة ساحة التغيير بصنعاء. وتعد هذه هي المرة الثانية التي يعلن فيها نظام صالح حالة الطوارئ في البلاد بعد أحداث 94. وقد اعتبرت بأنها غير دستورية، كون المطالبة بالتغيير والاعتصام حقاً دستورياً ولا يمنح الدستور اليمني رئيس الجمهورية إعلان حالة الطوارئ إلا في حالة الحرب والفتنة الداخلية والكوارث الطبيعية، على أن يدعو مجلس النواب للموافقة على الإعلان خلال أسبوع واحد من الإعلان، كما يحدد الدستور الفترة التي تعلن فيها حالة الطوارئ ولا يجوز تمديدها إلا بموافقة مجلس النواب. في حين جاء قرار إعلان فرض الطوارئ مبرراً بأنه ونظراً "لقيام حالة شغب في بعض المدن اليمنية واعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة مما يشكل فتنة داخلية تهدد الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي ولضرورة الحفاظ على الأمن ووحدة الوطن وحماية المواطنين ". وفي أول رد داخلي على إعلان حالة الطوارئ، قالت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني إن علي عبدالله صالح لم يعد مؤهلاً لاتخاذ أي قرارات تخص الشأن العام في البلد بعد المجزرة التي ارتكبت بحق المعتصمين السلميين. وأشارت إلى أن هذه المجزرة أفقدت صالح ما تبقى له من شرعية وأن الشعب قد خلعه وعليه الاستجابة الفورية لمطالب اليمنيين بالرحيل. وفي حين توالت الإدانات الدولية والمحلية للجريمة المرتكبة بحق معتصمي ساحة التغيير بصنعاء ، بقي السجال الإعلامي على أشده بين النظام وحميد الأحمر ،فبعد مجزرة ساحة التغيير وصف الأخير الرئيس بالقاتل وجرده من شرعية الحكم وقال إن مكانه الصحيح السجن هو وعائلته، وبالمقابل اتهم الإعلام الرسمي حميد الأحمر بالوقوف وراء تلك المجزرة وزاد عليها أيضا أن حمله مسؤولية غيرها من دماء المواطنين التي قال إنها سفكت في عدد من المحافظات ، نتيجة لما قال إن الأحمر يقوم به من أعمال خارجة على القانون وإنفاق الأموال للتحريض على العنف والفوضى والتخريب وزرع الفتنة في المجتمع والإضرار بالسلم الاجتماعي. ردود الأفعال الخارجية بدأت بتنديد وانزعاج الرئيس الأمريكي باراك أوباما بماحدث للمتظاهرين من أعمال عنف وقتل ، ومرورا بإدانة الأمين العام للأمم المتحدة ومطالبته بوقف العنف بحق المتظاهرين وانتهاء بدعوة الاتحاد الأوروبي لوقف فوري للعنف ومارافقه من شجب فرنسي قوي ودعوة قطرية للتحلي بالحكمة وتغليب مصلحة الوطن وإدانة لسقوط مدنيين برصاص الأمن. وأقر مجلس حقوق الإنسان بالأممالمتحدة تشكيل لجنة تحقيق دولية للنظر في الجرائم المرتكبة بحق المعتصمين السلميين بصنعاء. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون طالبت ب"إنهاء العنف" في اليمن وذلك ردا على سؤال بشأن مقتل عشرات المتظاهرين في صنعاء. من جهته أدان جون برينان مستشار الرئيس باراك أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب، "بأشد العبارات" إطلاق أنصار النظام اليمني النار على تظاهرة ضد السلطة في صنعاء مما أوقع عشرات القتلى. وفي الغضون، أعلنت وزارة الخارجية الألمانية عن صدمتها من أعمال العنف التي شهدها اليمن وأدت إلى مقتل وجرح المئات.وقال وكيل وزارة الخارجية الألمانية في بيان صحافي إن حكومة بلاده "تشعر بصدمة كبيرة" من استخدام أعمال العنف ضد شرائح عريضة من المجتمع اليمني، قائلا إن فتح النار على متظاهرين مسالمين "ليس مقبولا قط" وان الحكومة الألمانية "تدين هذه التصرفات". الحكومة اليمنية المقالة وفي تعليقها على الإدانة الدولية الواسعة لما جرى في ساحة التغيير بصنعاء اعتبرت "تصريحات أوباما وعدد من الدول بشأنها تنم عن حرص على معرفة الحقيقة" وحسب مصدر مسؤول بوزارة الخارجية فقد اعتبرت الحكومة اليمنية ما جاء في تصريحات للرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، وكذلك في بيانات صادرة عن عدد من الحكومات الشقيقة والصديقة بشأن الأحداث المؤسفة التي شهدها حي جامعة صنعاء بعد ظهر الجمعة الماضية، ونتج عنها سقوط عدد من الشهداء والجرحى, بأنها تصريحات تنم عن الحرص على معرفة الحقيقة ومعرفة المسؤولين عن هذه الأحداث. أما الحزب الحاكم فقد استغل الحادثة للمكايدة السياسية وباستخفاف بشع لدماء المواطنين، محملاً -عبر مصدر مسؤول في أمانته العامة- قيادات أحزاب اللقاء المشترك ومن حالفهم مسؤولية ما نتج وينتج عن ذلك من سقوط للضحايا وتهييجهم للشارع . لكن المشترك كان أكثر تحديداً في توجيه التهمة لمن أسماها ب"السلطة الدموية بقيادة الرئيس صالح وأولاده وأولاد أخيه على ارتكاب مجزرة بحق المعتصمين" موجهاً الدعوة للمجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي لتحمل مسئولية سياسية وأخلاقية في اتخاذ الإجراءات والتدابير واستخدام الآليات الدولية لحماية المدنيين العزل، وإجبار السلطة على التخلي عن نهجها الدموي وحماية حق اليمنيين في التعبير السلمي عن مطالبهم وطموحاتهم في التغيير. من جانبها اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية الشعبية بصنعاء دانت المجزرة التي "ارتكبها علي عبد الله صالح ونظامه بحق المعتصمين المطالبين بإسقاط النظام سلميا في ميدان التغيير بصنعاء، والتي راح ضحيتها 62 شهيداً، و200 جريح". وحملت اللجنة التنظيمية "علي عبد الله صالح" وأبناءه وأبناء إخوته المسؤولين عن الأجهزة الأمنية والعسكرية وعلى رأسهم "احمد علي عبد الله صالح ويحيى محمد عبد الله صالح وعمار محمد عبد الله صالح وطارق محمد عبد الله صالح" كافة المسؤولية على ارتكابهم هذه الجرائم ضد الإنسانية.ودعت في بلاغ صحفي إلى محاكمة صالح وأقاربه داخليا وخارجيا، داعية في السياق ذاته المجتمع الدولي إلى التعامل معهم كفاقدي مشروعية ومجرمي حرب وإلى تجميد أرصدتهم فوراً. وعاهدت اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية الشعبية الشهداء بأنها لن تغادر ساحة التغيير حتى يتم الزحف صوب القصر والأوكار الأمنية ويسقط النظام ويحاكم الرئيس وأبناؤه وأبناء إخوته. وتوالت الاستقالات من الحزب الحاكم والحكومة وذلك احتجاجا على ارتكاب قوات من الحرس الجمهوري والأمن ومسلحين بلباس مدني مذبحة بحق المعتصمين في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء والمحافظات الأخرى. حيث استقال وزير السياحة نبيل حسن الفقيه من منصبه ومن الحزب الحاكم ليصبح ثاني وزير يستقيل من الحكومة خلال الأزمة بعد استقالة حمود الهتار وزير الأوقاف والإرشاد السابق. وكان الوزير الفقيه اقترح على الرئيس علي عبدالله صالح قبل أكثر من شهر إجراء انتخابات رئاسية مبكرة لا يرشح نفسه فيها، لتهدئة المطالب المتصاعدة بإسقاط نظامه. كما استقال سفير اليمن لدى بيروت فيصل أمين أبو راس والدكتور عبدالله الصايدي ممثل اليمن لدى الأممالمتحدة والوزيرة المفوضة في وزارة الخارجية جميلة علي رجاء ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الجمهورية للصحافة سمير اليوسفي وعبدالرحمن بجاش مدير تحرير صحيفة الثورة ورئيس مجلس إدارة وكالة الانباء اليمنية "سبأ" الذي استقال من منصبه الحكومي والمؤتمر الشعبي العام ،فضلاً عن استقالة الدكتور محمد عبدالمجيد قباطي من الحزب الحاكم الذي يتولى فيه رئاسة دائرة العلاقات الخارجية. وظهر الدكتور القباطي على قناة بي بي سي العربية من لندن مطالباً النظام بالرحيل فوراً، ومتوعداً بالمشاركة في ملاحقته قضائياً على المجازر التي ارتكبها. وأعلنت وزيرة حقوق الإنسان هدى البان ومدير مكتبها عادل اليزيدي ووكيل الوزارة استقالتهم.كما أعلن وزيرا الزراعة والثقافة السابقين (الدكتور جلال فقيرة، الدكتور عبدالوهاب الروحاني) استقالتيهما من الحزب الحاكم. وللأسباب ذاتها قدم "عبد الملك الإرياني" نجل الرئيس الأسبق القاضي عبد الرحمن الإرياني استقالته من مجلس الشورى الذي عُين عضوا فيه بقرار جمهوري مساء السبت الماضي. وقال الوزير والسفير السابق "عبد الملك الإرياني" في بلاغ صحفي "فوجئت مساء السبت 19/3/2011م بقرار تعييني عضوا بمجلس الشورى، وأجد في هذا الوقت الذي تسفك فيه الدماء اليمنية البريئة دون ذنب ولا جريرة، أن ضميري ينأى بهذا التعيين ويتوجب علي الإعلان عن عدم قبولي له "، في حين كان خالد الرويشان قد قدم استقالته من عضوية مجلس الشورى . ويفقد الرئيس صالح، الذي يواجه أكبر موجة احتجاجات ضده، الكثير من حلفائه كلما استخدمت قواته العنف ضد المعتصمين المطالبين بإسقاط نظامه. الأمر لم يتوقف عند ذلك ، فقد طالب سفراء اليمن في كل من كندا وألمانيا وفرنسا وروسيا وسويسرا والهند والجزائر والنمسا والتشيك بإجراء تحقيق مستقل ومحايد في الجريمة الإرهابية بحق المعتصمين السلميين بساحة التغيير بصنعاء. وأكدوا في رسالة مشتركة للرئيس صالح أنهم يواجهون صعوبة بالغة في استيعاب ماحدث يوم الجمعة، والذي جاء في أعقاب حوادث مماثلة في عدنوتعز والمكلا والبيضاء وغيرها من مدن الجمهورية بالرغم من التوجيهات بحماية المتظاهرين وعدم الاعتداء عليهم. واستغرب السفراء التفسير الرسمي لما حدث وقالوا إنه لن يستقيم ويصبح مقبولاً أخلاقياً أمام العالم إلا بتقديم الجناة والمحرضين لينالوا جزاءهم الرادع.وحذروا من أن عدم تقديم الجناة للعدالة يجعل من الصعب عليهم الدفاع عن التفسيرات الرسمية لها. وفيما كان من المتوقع أن يكتفي النظام بمجزرة صنعاء الأخيرة وما سبقها من اعتداءات بالرصاص الحي على المعتصمين المطالبين برحيل الرئيس ، إلا أن آلة القتل ظلت موجهة لصدور عارية خرجت تمارس حقها في الاعتصام والتظاهر . في اليوم التالي لمجزرة ساحة التغيير بصنعاء ، كانت ذات آلة القتل تحصد أرواح المتظاهرين من أبناء محافظة عدن ، حيث نشر الأمن والجيش قواته على مداخل وشوارع المدينة التي أفاقت على أصوات القنابل والرصاص. وعندما فشلت قوات الأمن في إجبار عدد من الشباب المعتصم في المعلا على إخلاء الساحة وفتح الشوارع في مديرية المعلا أطلقت النار الحي والقنابل المسيلة للدموع باتجاههم ما أسفر عن سقوط أربعة قتلى وعدد من الجرحى. وفي تعز تسود أجواء من الحذر والترقب، رغم انسحاب المصفحات العسكرية التي انتشرت عقب صلاة الجمعة من الجهة الشمالية لساحة الحرية، التي يعتصم فيها الآلاف من المواطنين المطالبين برحيل صالح. ويحاول النظام استخدام كل أوراقه المتهالكة لإخلاء المعتصمين من الساحة، وقد حاول نهاية الأسبوع الفائت الاتكاء على ورقة القاعدة كمبرر لاقتحام ساحات الاعتصامات بالقوة والذي كان مهد له بإعلان أجهزة الأمن القبض على المسؤول الإعلامي لتنظيم القاعدة في مدينة تعز والإدعاء بأنه كان متجهاً إلى ساحة الحرية.