بات من الواضح أن محافظة تعز تتعرض لحالة انتقام حادة لتدمير مدنيتها من قبل السلطة وقوى التقليد في المعارضة، وإلا ما دلالة أن تتوقف المواجهات المسلحة في صنعاء التي كانت على أشدها بين القوات الحكومية وأنصار الشيخ الأحمر، لتزداد الأعمال المسلحة والنهب ضراوة في هذه المحافظة التي ظلت محافظة على سلمية نضالها طوال الأربعة الأشهر الماضية؟!. لقد تصاعدت الأحداث بشكل دراماتيكي في تعز لتستقر على مدينة خارجة عن السيطرة بعد أن كانت ثورتها تمثل النموذج الأول لثورات ربيع التغيير. منذ الأسبوع الفائت تعيش تعز حياة مفرغة من مدنيتها .. الجماعات المسلحة من بلاطجة الحزب الحاكم وبمقابلهم المليشيات المسلحة التي تشكلت بقيادة قوى القبيلة تتقاسم المدينة التي شهدت انسحابا مفاجئا لكل قوى الجيش والأمن من مختلف شوارعها ومراكزها واختفاء للنقاط العسكرية والأمنية التي كانت تفرض قبضة حديدية على المدينة حتى يوم الجمعة الماضية لتندلع على اثر هذا الوضع أعمال نهب طالت عددا من المنشات العامة والخاصة. بالعودة إلى الوراء قليلاً إلى حيث بداية انطلاق الثورة الشبابية ومقارنته بما يجري الآن ندرك تماماً أن ما تتعرض له تعز مقصود به تدمير مدنيتها والانتقام من تاريخ أبنائها النضالي.. في ليلة تنحي الرئيس المصري حسني مبارك مساء الحادي عشر من فبراير الماضي خرج أعداد من شباب تعز من المنازل للاحتفاء بسقوط الصنم ولم يعودوا إلى منازلهم تلك الليلة حيث واصلوا احتفالهم حتى الصباح، ومنهم من غفا على الرصيف دون لحاف. كانت تلك الاحتفائية إيذانا بانطلاق ثورة التغيير في اليمن من تعز العاصمة الثقافية لليمن ومخزن الأدمغة التي حرص النظام طوال العقود الماضية على أن يسلبها هويتها المحترمة ويحول أهلها إلى مجاميع من "المصفقين" كما فعل مع سائر المحافظات وتم له ذلك لكن بشكل مؤقت . من هذه المحافظة بزغت طلائع التنوير والفكر في اليمن ونبتت التنظيمات والأحزاب السياسية بمختلف اتجاهاتها الفكرية والأيديولوجية لتنتشر أشعة التنوير والمدنية لكل أرجاء اليمن، ولأنها ارتبطت بتاريخ النظام السياسي الحديث في اليمن كمحطة انطلاق للرئيس صالح والساحة التي شهدت أول تجمع هتف لتأييد صالح بمجرد وصوله إلى صنعاء، فقد حمل شباب التغيير على عاتقهم التكفير عن خطيئة ارتكبها جيل سابق وأرسلوا صيحتهم المدوية من هناك "يا علي ارحل ارحل.. الكرسي تحتك ذحل" لتعم أرجاء اليمن. كان شباب تعز سباقين حتى لأقرانهم في العاصمة صنعاء بفترة تزيد عن 10 أيام وتمكنوا من جر قيادات أحزاب المشترك إلى الشارع مبكرا وسطروا صموداً أسطوريا ورقيا لثورتهم حال دون تمكن السلطات المحلية من استخدام العنف، بل إن قدرتهم على الحشد وإيصال رسالتهم لكل أبناء تعز أفسد على محترفي البلطجة استعمال هذا الأسلوب لمهاجمة المعتصمين الذين يصل عددهم في أيام الحشد إلى المليون.. وقمعوا محاولات البلطجة في مهدها، غير أنها أُعيدت من البوابة القبلية. وعلى الرغم أن النظام والإقطاعيين المحليين شعروا بالذل إزاء ما عدوا أنه تمرد مفاجئ للمحافظة المسالمة ليقرر الحاكم مجروح الكبرياء عقب مضي ما يقارب الشهر والنصف على انطلاق الثورة أن يرسل لمدينة تعز رجل العنف ذائع الصيت وصاحب التاريخ الأسود في عدن العميد عبدالله قيران مديرا لأمنها لتدخل الثورة السلمية في تعز مرحلة جديدة بطلها المطلوب للعدالة قيران وإلى جواره قائد الحرس الجمهوري مراد العوبلي . بعد يومين فقط من تعيين قيران نفذ محاولة لاقتحام ساحة الحرية التي تتسع كل يوم وألقى على المعتصمين قنابل الغاز السام ومسيلات الدموع لكن محاولته باءت بالفشل أمام صمود شباب الثورة وانتهت المحاولة الفاشلة بإصابة حوالي مئة شخص من المعتصمين باختناق. بعدها نفذ محاولات عدة كان أخرها ليل الأحد من الأسبوع قبل الماضي حيث قامت قوات من الحرس الجمهوري والأمن العام والمركزي وشرطة النجدة بتنفيذ هجوم على الساحة وإحراق الخيام بمن فيها وقتل وجرح مئات المعتصمين وسلب ونهب كل متعلقات الساحة والمشفى الميداني للساحة ومستشفى الصفوة وفندق المجيدي. هذا الهجوم الوحشي نجح في تحويل المدينة إلى ساحة لمعركة متواصلة بين قوات الحكومة ومسلحين لأنصار الحزب الحاكم وبين جموع مسلحة تم استقدامها من الأرياف بقيادة الشيخ الإصلاحي حمود سعيد المخلافي والشيخ سلطان السامعي عضو مجلس التضامن الوطني التابع لحسين الأحمر. وتدور مواجهات عنيفة بين قوات الحرس الجمهوري ومسلحين يطلقون على أنفسهم «صقور حماية الثورة في تعز»، امتدت إلى محيط القصر الجمهوري في محاولة منهم للسيطرة عليه، سقط خلالها 4 قتلى من الحرس ومدني، وذلك بعد أن حاولت قواته اقتحام ساحة الاعتصام الرئيسة مرة أخرى. وقال المرصد اليمني لحقوق الإنسان إنه تبين أن الأعمال التي تشهدها مدينة تعز تحمل طابعاً مناطقياً، وذلك من خلال عدد من الممارسات التي تقوم بها قوات الجيش والأمن منذ الأسبوع الماضي، ولاحظ أنها تستعين بمأجورين قادمين من محافظات أخرى يقومون بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، ويطلقون شتائم تحتوي على تمييز مناطقي ضد أهالي المدينة. وكان اللواء 33 مشاة - من أهم الألوية المرابطة في تعز- أعلن انضمامه للثورة بعد تنفيذه ما يشبه الانقلاب على قيادته لكنه لم يقم بأي فعل واقعي حتى الآن يثبت فيه انضمامه للثورة كحماية المعتصمين أو حماية المدنية من السلب والنهب. حيث لا تزال حالة من الانفلات تخيم على تعز التي شهدت عمليات سلب ونهب في ظل غياب تام لقوى الأمن والجيش التي انسحبت من المدينة فيما المحلات التجارية مغلقة، والمواطنون يعيشون في رعب حقيقي ترجموه بطلب التدخل العاجل من قوات الجيش المؤيدة للثورة لإعادة الأمن وحماية المؤسسات الحكومية والأهلية من النهب. وتبادلت السلطة وأحزاب اللقاء المشترك الاتهامات، بنهب وتدمير المنشآت العامة والخاصة وقال مصدر مسئول في السلطة المحلية بمحافظة تعز إن مجاميع مسلحة تابعة لمن أسماهم الإخوان المسلمين وأحزاب اللقاء المشترك بالاعتداء على النقاط الأمنية والمؤسسات الحكومية. ووفقا لوكالة سبأ ذكر المصدر أن تلك المجاميع قامت بنهب طقمين عسكريين وثلاث سيارات حكومية كما قامت باقتحام ونهب نيابة صبر ومبنى الهيئة العامة للموارد المائية ومحطة كهرباء الحوجلة ومبنى مكتب الزراعة والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ونيابة الأموال العامة وفرع الاتحاد العام لنساء اليمن. وحمل المصدر أحزاب اللقاء المشترك المسئولية القانونية تجاه تلك الجرائم التي قامت بارتكابها وزعزعة الأمن والاستقرار وإقلاق السكينة العامة. مؤكداً أن رجال الأمن لن يقفوا مكتوفي الأيدي وسيتصدون لكل الأعمال الخارجة عن النظام والقانون ومعهم كل أبناء المحافظة الشرفاء. غير أن أحزاب المشترك اتهمت السلطة بالوقوف وراء عمليات الاقتحام والنهب. وقال القيادي في مشترك تعز عبدالعزيز الرميمة إن السلطة أفرغت المؤسسات من رجال الأمن وتركتها بدون حراسة وأعدت العملية للقيام بعملية السطو والنهب. إلى ذلك أدان المركز القانوني لمناصرة الثورة بتعز اقتحام نيابة شرق تعز ووكالة سبأ للإنباء من قبل من أطلق عليهم" بلاطجه".. وحمل المركز المعتدين مسئولية القيام بهذه العملية. ووجه المركز اتهاماته للنظام، معتبرا مثل هذه الأعمال محاوله فاشلة من قبل النظام لتشويه الثورة ونسب مثل هذه الأعمال للشباب السلميين. كما دعا المركز الشباب والموطنين إلى تشكيل لجان شعبية لحماية الممتلكات العامة والأحياء ومقر النيابات والمحاكم. وفي السياق دعت اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية الشعبية المواطنين إلى تشكيل لجان حماية شعبية في مختلف المحافظات لحماية الممتلكات العامة والخاصة والتصدي لما أسمتها "لأي محاولات تخريبية أو سلب أو نهب من قبل بلاطجة السلطة". وقد بدأت ائتلافات ساحة الحرية بتشكيل لجان شعبية لحماية الممتلكات العامة والخاصة ومواجهة حالة الفوضى والانفلات. وشكل الشباب لجان شعبية في عدد من الحارات بهدف حمايتها وخاصة في شارع جمال الشارع الرئيس في المدينة حيث يضم عددا من المرافق الحكومية أهمها شركة النفط وشركة التبغ والكبريت والخدمة المدنية ومبنى السلطة المحلية إضافة إلى ثمانية بنوك حكومية وخاصة وعدد من محلات الصرافة. ويقول شباب الثورة إن من ينفذون أعمال النهب هم بلاطجة ولا يستبعدون تواطؤ أجهزة الأمن معهم أو أن يكون انسحاب قوى الأمن من المدينة تمهيدا متعمدا لهذه الأعمال بهدف خلق حالة فوضى كعقاب للمدينة الثائرة.