كتب/ علي محسن حميد هدد وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور صالح باصرة علنا في الأسبوع الماضي بسحب تراخيص الجامعات الأهلية المخالفة التي "تعلن عن فتح باب القبول في عدد من التخصصات والبرامج العلمية وتعمد إلى تضليل الطلاب والطالبات والكذب عليهم بإعلانها عن فتح باب القبول في طب الأسنان والطب البشري وبرامج التعليم عن بعد والتعليم المفتوح وبرامج الدراسات العليا". ولقد اتهم الوزير هذه الجامعات بعدم الالتزام بالتوجيهات والقرارات بما يعني أنها تعمل وفق أهوائها والأساليب التي تحقق لها أقصى الأرباح وليس أفضل النتائج العلمية. إن من يوجه هذا الاتهام الخطير هو رجل يتحمل مسئولية التعليم العالي والبحث العلمي ورجل تربوي يعرف ما يقول ويدرك مواطن الخلل في العملية التعليمية .الوزيرأشار بأصابع اتهامه إلى بعض الجامعات الخاصة المشكوك دوما وعلى المستوى العام في توخيها الأهداف التي تتبناها وتعلن عنها وخاصة مع كل بدء عام دراسي عندما يرفع بعضهااليافطات الإعلانية في الشوارع للدعوة للالتحاق بها كأي متجر أو شركة وهو أمر نادر الوجود في الدول الأخرى.القائمون على إدارة هذا النوع من التعليم يركزون حتى الآن على تحقيق الربح ولو عن طريق التضليل والكذب كما أفصح عن ذلك الوزير.التعليم الجامعي الأهلي بدأ بمعاهد لارقيب عليها وتفتقر إلى الشروط العلمية والبيئية في شقق ومن استهل هذا النشاط الذي خرب التعليم الجامعي بعض الأساتذة الذين وجدوا فراغا قانونينا وضميريا وأهملوا واجباتهم الأساسية في الجامعات الحكومية لكي يتربحوا من عملهم الجديد الذي لم يكن مرخصا له أو يعمل وفق ضوابط علمية .. إقرأوا معي هذا الإعلان: معهد البروفسور للغات والعلوم. هذا إعلان لمعهد في شقة فوق ورشة قبل سوق بني حشيش قرأته عام 2002ولاأدري إذا كان المعهد حقيقيا أم مثل أمثاله في العاصمة. والكارثة تكبر عندما نعلم أن في اليمن ثمان جامعات أهلية تضم 112 كلية بها 53 تخصصا في مجال العلوم التطبيقية!!! و59 تخصصا في مجال العلوم الإنسانية. (سبأ نت 19/05 2009) والتخصصات الأخيرة لانحتاج منها إلى كليات محدودة إذ يجب طبقا للدكتور بدر الأغبري أن تكون معظمها كليات تقنية والقليل كليات مجتمع إذا أردنا التغلب على التخلف والفقر والتبعية . ( من محاضرة للدكتور في مؤسسة العفيف في 6/8/ 2002.قطعا يوجد بين الجامعات الخاصة جامعات لاتضلل ولاتكذب ولكن لاشك أن مستوى التعليم فيها دون المتوسط. أو غير مختلف كثيراعن التعليم الحكومي . وبصورة عامة فالتعليم الجامعي في اليمن ضعيف ولم ينقذ بعض جامعاته إلا الاهتمام مؤخرا بتدريس علم الحاسوب الذي تعتبره هذه الجامعات التكنولوجيا كلها ولذلك تركز في دعاياتها على أنها تدرس التكنولوجيا! ، أي تكنولوجيا المعلومات التي تؤهل خريجيها للعمل في البنوك والشركات أما تدريس التكنولوجيا بشموليتها فهوغائب . عندما بدأ السماح للتعليم الخاص في مصر صدرت قوانين تلزمه بالجودة ومراعاة ألا يكون الربح هو هدفه الرئيس. صحيح أن هناك من يتحايل على القوانين بسبب ضعف البنية القانونية في الدولة وغياب الرقابة إلا أن في مصر جامعات أهلية رغم حداثة نشأتها لايوجد لها نظير في اليمن وصحيح أن بعض هذه الجامعات محل طعن ونقد ولكن ما ساعد على نشوء مثلها هو تردي التعليم الجامعي الحكومي ونوعية المدخلات وبعضها وافد لايقبل في جامعات بلده (في هذه الجامعات 16000 من دولة خليجية واحدة) . لقد وضع الوزير باصرة إصبعه على الجرح.ولوكان ماقاله الوزير باصرة غير دقيق لهاجت الجامعات الخاصة ضده وطالبته بالاعتذارأو بسحب اتهاماته أو بالتحقيق فيما نسب إليها مع استعدادها لفتح أبواب بيوتها الجامعية وملفاتها وأشركت الطلاب وهيئات التدريس وأولياء الأمور والرأي العام في الدفاع عنها لدحض هذه الاتهامات غير المسبوقة بداية صحوة: . الوزير ووزارته مسئولان عن مستقبل اليمن ومن مهامهما الرقابة وإصلاح المعوج وغلق أي جامعة تتحول إلى بقالة والمعوج كثير في المنظومة التعليمية اليمنية ابتداء من التعليم الأساسي وحتى الجامعي الحكومي والخاص معا. شكوى الوزير من بعض الجامعات التي لم ترفع رأس وزارته هي بداية صحوة ولكن هذه الصيحة يجب أن تطال الجامعات الحكومية المبتلاة أيضا بالفساد وبتدخل في شئونها من خارجها وتعاني أحيانا من ضغوط لإنجاح بعض طلابها الفاشلين بالأوامر. ستظل صيحة الوزير صيحة في واد سحيق إذا لم يتبعها نزول ميداني من قبله إلى هذه الجامعات ومراقبة أدائها مراقبة دقيقة واستطلاع رأي الطلاب في مناهجها وفي قدرات أساتذتهم وكفاءاتهم العلمية والتربوية ووضع قائمة سنوية بأفضل الجامعات الخاصة والحكومية التي تتبع معايير تعليمية صارمة وفحص شروط القبول .إن المجتمع هو الذي يتحمل الكلفة الاجتماعية لهذا السياب وعدم المسئولية لأنه لامفر من أن يكون في أوساطنا طبيب ومهندس غير مؤهلين علميا ومهنيا تخرجا من هذه الجامعات وهذا الطبيب لن يأمنه أحد على صحته وعلى حياته كما لن يطمئن أحد إلى مهندس يعرف أنه التحق بجامعة تراخت منذ اليوم الأول في إعداده الإعداد العلمي والمهني المناسبين وأنها غرست في وجدانه عدم المبالاة وولدت لديه قناعات بأنه اشترى مقعده الدراسي بإمكانياته المالية وليس بتحصيله التعليمي الجيد وهو ماسيحمله معه في حياته العملية والعائلية ويكون ضحية كل ذلك المجتمع الذي سيبني له هذا المهندس جسرا أو مدرسة أو بيتا. إن الوزير باصرة يحمل تركة حقبة ماضية ثقيلة وطويلة التاريخ في الإخفاق وكان ينبغي عليه دق الجرس وإعلان عدم رضاه منذ وقت مبكر .إن من واجباته إنشاء إدارة لمراقبة أداء التعليم الجامعي وزيارة كل جامعة حكومية وخاصة مرتين سنويا على الأقل لمتابعة أدائها والتأكد من التزامها بضوابط الوزارة والقوانين الناظمة لنشاطها وإشراك منظمات المجتمع المدني في هذا الشأن ومساعدة بعض من تطفل على التعليم العالي وأصبح قدرا لاراد له على أن يكون في مستوى المسئولية والمهام المناطة بجامعته لكي يرتقي أداؤها. جامعة الإيمان: الدين في خدمة السياسة بداية نلاحظ استمرار توظيف الدين لأهداف سياسية والإيحاء بأن التعليم الآخر غير إيماني.والحقيقة أن شكوكا ثقيلة تحيط و بهذه الجامعة الغامضة والمنغلقة على نفسها التي لايقترب منها أحد ولايعرف عنها إلا القليل وتديرها شخصية سياسية غير أكاديمية، إدارة تقليدية لاتمت بصلة لمتطلبات التعليم الجامعي الحديث ومقتضياته ، قد يكون الاقتراب من هذه الجامعة خطا أحمر وقد يعرض من يتصدى لها لمشاكل آنية أو بعيدة يستخدم فيها الدين كالتكفير مثلا ،ومع هذا لابد أن يكون في بال وزير التعليم العالي أن تكون هذه الجامعة ضمن مهام وزارته وألا تستثنى. هذه الجامعة تذكرنا باتهام التعليم الأساسي الحكومي بالكفر في العقود الثلاثة من القرن الماضي في فترة ازدهار ماكان يسمى بالمعاهد "العلمية" التي لم يكن لها صلة بالعلم وكان أصحابها الذين هيمنوا على التعليم الأساسي من الحصافة بحيث أحجموا عن تسميتها بالمعاهد الدينية أو المعاهد المذهبية إذا أردنا الدقة. هذه الجامعة بحسب ملصق الصقته في شوارع صنعاء في صيف 2003 سمت نفسها آنذاك ب "الجامعة الإسلامية الخيرية العالمية" أي أنها جامعة غير يمنية وهويتها غير وطنية أو عابرة للجنسيات والحدود . وكجامعة خيرية فالولاية عليها تعود إلى وزارة الشئون الاجتماعية والعمل التي تشرف على النشاطات الخيرية الوطنية بما في ذلك تلك التي تحصل على تمويل من الخارج وليس لوزارة التعليم العالي .قد يكون تغيير ما قد حدث ومياه كثيرة قد جرت منذ ذلك التاريخ والاعلان بعد الاتهامات التي وجهت إليها مثل أنها بؤرة للإرهاب وللقيمين عليها بدعمهم للإرهاب التي نتج عنهاطرد مئات من الطلبة غير اليمنيين منها تحت ضغط خارجي. هذه الجامعة أعادتنا إلى مربع التعليم الموازي الذي تخلصت منه البلد في الوقت المناسب قبيل أحداث 11/9 عندما ألغت المعاهد المذهبية بقرار جريئ انتظرناه زمنا طويلا والذي لو لم يصدر لواجه اليمن مشاكل جمة تحت ذريعة محاربة الإرهاب الدولي الذي زعم البعض في الغرب أنه يعشعش ويبذر بذوره في المدارس والكتاتيب الدينية في باكستان وأفغانستان واليمن بصورة أ ساسية وتطور في اليمن مع ضعف الدولة وغياب الضوابط واستمرار سياسة إرضاء مراكز القوى القبلية والسياسية على حساب المصلحة الوطنية ومستقبل الوطن. ويبرز التعليم الموازي الآن الذي يلتف على القوانين كما كان حال المعاهد (1980 -2001) في كليات تحفيظ القرآن الكريم العليا وغير العليا التي حضر الوزير باصرة حفل تخرج لإحداها قبل ثلاثة أسابيع. والحديث ينسحب على مدارس تحفيظ القرآن التي يبلغ عددها ثلاثة آلاف مدرسة تضاف إلى الكم التعليمي الذي سيرفد سوق البطالة بهذه الأعداد القابلة للتكاثر. القبول في جامعة الإيمان تنفرد جامعة الإيمان بنظام للقبول لايوجد له نظير لا في اليمن ولافي غيره .في إعلان نشرته الجامعة في جريدة 26 سبتمبر في 16 يوليو 2009 حددت بعض شروط القبول في العام الدراسي 2009/2010بمايلي: - أن تتحقق في الطالب المتقدم صفات طالب العلم الملتزم بالآداب الشرعية - أن يكون حاصلا على الشهادة الثانوية العامة أو مايعادلها - إحضار تزكيتين من شخصيتين معروفتين هذه الشروط الثلاثة تجعل هذه الجامعة جامعة غير ملتزمة بشروط القبول المتعارف عليها في العالم كله منذ أن بدأ التعليم العام في أروبا في القرن التاسع عشر وأقرب إلى جامعة فئوية أوحزبية ،فالالتزام بالآداب الشرعية سلاح ذو حدين يمكن أن يستخدم تعسفا ضد من لايريد صاحب القرار قبوله في الجامعة وهو شرط غير موضوعي، فالآداب الشرعية تحتاج إلى مخبرين للوثوق من حسن سلوك المتقدم للالتحاق بالجامعة وفوق هذا فإن القبول له شروطه التي تحددها الوزارة وليست الجامعة إلا إذا كانت تشعر أنها مستقلة عن أي إشراف حكومي أو مجتمعي.من جهة أخرى لدينا نظام الأزهر الشريف الذي يخلو من مثل هذا الشرط الذي تنفرد به هذه الجامعة لغرض في نفس آل يعقوب. أما الشهادة المعادلة لشهادة الثانوية العامة فقد ولى زمانها فهذه الشهادات كانت مدخلا للفساد في التعليم والتوظيف في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي واستمرارها يعني أن الجامعة تقبل من لايحمل الثانوية العامة كخريجي مدارس وكليات تحفيظ القرآن الكريم أو أي شهادة صادرة من زاوية دينية.أما إحضار تزكيتين من شخصيتين معروفتين فهو إبتداع غير مسبوق في التعليم العالي ، ففي الغالب ستكون هاتان الشخصيتان من خارج الوسط الجامعي الذي يرعى هذه الجامعة ويجد فيها تعويضا عن خسارته للمعاهد "العلمية" الذي كان التجييش الحزبي فيها يسير على قدم وساق إضافة إلى التدريبات العسكرية السرية. هذه الجامعة- الجزيرة - يمكن للمجتمع التعايش معها ودعمها وإزالة أي شكوك حول أهدافهاإذا مااتسم عملها بالشفافية وتعمل في إطار قوانين المنظومة التعليمية الوطنية ولاتخرج عليها أو تعترض عليها كما كان يفعل المرحوم القاضي يحي الفسيل مسئول المعاهد "العلمية " الذي أباح نهب صنعاء إبان حصار السبعين وكان يرفض بل ويحرض هو وصحبه ضدالوقوف في طابور الصباح تحية للعلم في المدارس ، وتقبل بالرقابة المهنية لوزارة التعليم العالي وكل المهتمين بالتعليم من منظمات المجتمع المدني ذات الاختصاص وأولياء الأمور وأن تخضع كغيرها من الجامعات للقرار الجمهوري رقم 210 لسنة 2009 الصادر في 26/ 8/ 2009الذي قضى بإنشاء مجلس للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم العالي وألا يستمر استثناؤها من الرقابة خاصة أنها تتسلم مخصصاتها المالية من ميزانية الدولة أي من المال العام الذي لارقيب عليه فيها ويجب حسن توظيفه لأنه أمانة.ومن واجب الجامعة أيضا ولمصلحتها المساعدة على إزالة القلق العام وهو قلق مكبوت خوفا من سيف التكفير حول هويتها ورسالتها وأهدافها لأن البعض لايرى فيها سوى مؤسسة تعليمية تضيف سنويا خريجين إلى جيش العاطلين في بلد تكثر فيه إلى حد غير مقبول ولامعقول كليات الشريعة، وباختصار يرى البعض أن هذه الجامعة لالزوم لها.