كتب/د. عبدالرزاق مسعد سلام لمن يعلمون ولمن لا يعلمون فإن نهج الإرهاب الرسمي للدولة على أبناء الجنوب كان فلسفة للنظام في الجمهورية العربية اليمنية منذ قيام النظام قبل قيام الوحدة اليمنية السلمية والديمقراطية الفوقية بين قيادة دولتي الشطرين المحققة على أساسها في الثاني والعشرين من مايو المجيد، وتجلى الإرهاب الرسمي للدولة في مظاهر ونتائج الحروب الداخلية في الشمال والمظاهر الداخلية في الجنوب ،وكذا في الصراع الدائم بينهما (أي بين الشمال والجنوب) اللذان شهدا حروباً وصراعات علنية وخفية لإلغاء بعضهما بعضا تحت شعارات أيدلوجية عفا عليها الزمن!!. لكن الجنوب المثالي بقوته السياسية والشعبية اعتبر الوحدة اليمنية لأول مرة بين الشمال والجنوب هي وحدة حقيقية فوق كل الحروب وفوق كل مآسي وماضي حروب الإلغاء السابقة من الزمن الماضي وبأن الوحدة اليمنية هي وحدة أخوة و دين وقوة وعدالة وشراكة سياسية وشعبية في الحكم والثروة وبمساواة مقدسة لا نكوص عن ذلك أبدا وعلى أساس من العدل الذي يؤمن لكل ذي حق حقه في أرضه وموطنه.. وكان ذلك دليلا عمليا على أن الجنوب الشعبي والسياسي قد تخلى عن موروثاته الثقافية والسياسية والايدلويجة والإلغائية بمثالية الأطهار والحكماء الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة، وكأننا بهم الأقرب إلى تمثل رسالات الأنبياء والرسل!. ولكن ما حصل من قبل النظام الرسمي المسنود شعبيا قسرا طوعاً وباستفادته من التحالف الغربي بإمكانيات الحرب الباردة المتراكمة، وبطريقة تراجيدية وعلى طريقة حروب وغزوات ملوك أوربا في القرون الوسطى منذ القرن الخامس عشر وحتى السابع عشر منه وعلى طريقة غزوات القبائل العربية في زمن الجاهلية الأولى، تغزو القبائل الأخرى لنهب خيراتها ومالها وقتل أهلها الأقل قوة وعددا حتى مجئ الدين الإسلامي الحميد وانتهت تلك العادات تدريجيا بعد أن وجه سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام القبائل العربية نحو الجهاد مما ساعد على إنهاء هذه الظاهرة الوثنية المقيتة واستبدالها بالقوة الإيمانية. كما أن أوربا مثلا على شعوب الأرض قد تخطت ذلك منذ ما بعد منتصف القرن السابع عشر بفعل معاهدة ( ويستفاليا 1648م) وبنتائج مؤتمر فينا 1815م، وحتى بداية القرن العشرين .. حيث أخذت شعوب أوربا بالتدرج نحو العلاقات السلمية والدبلوماسية والاقتصادية ..الخ، بين الأمم والشعوب والأقليات والأكثريات القومية والدينية والأثنية .. ، ولما كان الجشع والطمع سمة البشر إضافة إلى عوامل التطور الاقتصادي الرأسمالي الموضوعية والذاتية لعدد من دول الغرب فقد قامت حربان طاحنتين شهدهما العالم الأولى انتهت بقيام عصبة الأمم مع نهاية هذه الحرب وانتهت مع نهاية عام 1936م ، وفي الثانية شهد العالم ،حربا أكثر تدميرا لعدد من دول العالم وخسرت البشرية . أكثر من ثمانين مليون انسان ودمار هائل للبلدان المشاركة فيها وكان ضياء الإنسانية فيها إقامة منظمة الأممالمتحدة هو الخيار الذي قامت عليه المنظمة العالمية في مدينة سان فرنسيسكو الأمريكية عام 1945م، ويعتبر ذلك أحد أهم وأرفع إنجازات البشرية على الرغم من العثرات المعترضة لها ولأعمالها الجليلة بفعل عملية الصراع والطموح الذي لم يتوقف لقوى العالم للهيمنة العالمية مثل ما تعمل أمريكا اليوم وما تعمله إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني والعرب منذ أكثر من خمسة وسبعين عاما وأمثلة عربية وإسلامية أخرى.. وفي بلادنا اليمنية ومنذ أن حكمته الإمامة الزيدية وبالذات في شمال اليمن الغالي وبتأثير مذهبي لموروثات الخلافة الإسلامية الغير راشدة وبتأثير السياسة العثمانية التركية والسياسة المملوكية كان للإمامة الزيدية اسلوبا واحدا ورئيسا في الحكم بعد أن لعبوا دورا تاريخيا في تحرير اليمن من الاستعمار التركي .. ذلك الأسلوب هو القمع والقوة والقهر والإرهاب الرسمي الثقافي والديني لإخضاع القبائل اليمنية (( وما يبرر ذلك فقط هو الزمن والوضع العالمي المحدد المعرفة والعلوم التي حكمت فيهم الإمامة )) وكانت القبضة الحديدية عبر مراحل الإمامة القانون الأساسي لإرهاب الدولة الرسمي.. وسنرى اليوم بأن هذا النهج والقانون ملازمان لفترات الحكم الجمهوري في الشمال والجنوب بشكله الآخر الذي عاش ديمقراطية هشة والذي استطاع بالقوة ونهج القوة القضاء على كل منافسه بشكله وخصائصه الجنوبية العادلة حتى الوحدة اليمنية. لقد تفاءل المجتمع الدولي والعربي والإسلامي بقيام الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب ولكن - رحم الله الإمام واسرته - ظل الموروث السياسي لهم يتجلى في انصع صورة لأنه الثورة السبتمبرية حكمت اليمن الشمالي بالقوة والقمع وإدارة البلاد بعد إنقلابات عدة داخل الثورة عبر الإرهاب الرسمي للدولة ووسائل قمعية متنوعة. ونظرا لنجاح هذا الموروث في تثبيت دولة الجمهورية العربية اليمنية وبالرغم من توقيع وقيام وحدة الثاني والعشرين من مايو في عام 90م بطريقة سلمية وديمقراطية بين قيادتي الشطرين فقد برز بوضوح لا جدال فيه الموروث السيئ .. لسلطة شمال اليمن عندما أعلنت وحضرت لحربها الشاملة مستقوية بالعددية السكانية الكبيرة للشمال على الأقلية السكانية للجنوب تحت مبرر القضاء على الاشتراكية وماذا بعد؟؟ قضى على الاشتراكية والاشتراكيين والتهم الجنوب والجنوبيين بثروتهم وأرضهم واقصي من الحكم والإدارة كل ما هو جنوبي معترض على نتائج حرب صيف 94م، المدمرة للوحدة اليمنية ومنذ السابع من يوليو 94م تمارس الدولة الإرهاب الرسمي والقهر الشامل،مستخدمة كل وسائل القوة المقززة التي لا يقبلها كائن من كان ، ويواجه الحراك السياسي والجماهيري المعترض والمطالب بحلول جذرية سلمية بنتائج الحرب المهولة والمستمرة بأشكال الجيش وأجهزة الأمن المعلنة والمخفية. ولا زال الإرهاب الرسمي للدولة هو المنهج الذي لم تخرج عنه هذه الدولة ولو سنتيمترات في مواجهة الجماهير الشعبية العريضة في الجنوب وقادة حراكها وفعالياتها السلمية التي نص عليها الدستور اليمني والقوانين والمواثيق الدولية .. والمطالبة حقا وعدلا بحلول جذرية لآثار ونتائج حرب 94م، المدمرة للوحدة اليمنية الأخوية .. بعد ان توقفت حرب صعدة المدمرة لأهلها بعد أن قتل اليمني أخاه وخلالها دمرت القرى والمدن وسحقت الجبال وشرد أكثر من مائتين وخمسين ألف نازح.. لقد تعشم العالم اليوم وبعد مؤتمر لندن ومؤتمر الرياض من عامنا هذا وبعد إيقاف حرب صعدة و تعشم الجنوبيين حلاً لقضيتهم وإعادة بناء الوحدة اليمنية على أساس مشاريع سياسية جديدة تعطي للجنوبيين حقهم وتعطي للشماليين حقهم والبدئ الفوري بعيد عن البذاءات الإعلامية والغطرسة والتعالي الممقوتين عند الله والشعب والأمة بعيدا عن إرهاب الدولة الرسمي بالقوة العسكرية المفرطة وإراقة الدماء المستمرة في جنوباليمن العزيز - القيام بمصالحة وطنية بين أبناء الشمال فيما بينهم والاستمرار بها بعد أن بدأت في صعدة والقيام بمعالجة وطنية بين أبناء الجنوب وممثليهم من كل الأطياف ومصالحة حقيقية بين الشمال والجنوب على أساس من الاحترام المتبادل والاعتراف بالآخر وحقه في أرضه وأمل ويأمل الجنوبيون بإشراف ومشاركة عربية و إقليمية ودولية لتحيق ذلك.. خلال ثلاثة أعوام منذ أوائل عام 2007م وحتى أوائل العام الحالي 2010م شهدت محافظات الجنوبعدن والضالع و ردفان وحضرموت ولحج بمديرياتها الحوطة وكرش والصبيحة والعند كذا مدينة حضرموت ومدينتي زنجبار وجعار في أبين وشبوة والمهرة شهدت تلك المحافظات والمديريات أياما دامية قتل فيها العديد من الشهداء وجرح المئات واعتقل المئات من القيادات السياسية للحراك ومن الجماهير الشعبية المشاركين في الحراك السلمي المنصوص عليه في الدستور والقانون والشرائع السماوية والأرضية وقد كان أكبر ضحايا الاحتجاجات السلمية على سبيل المثال تلك المجزرة البشعة وراح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى ينتمون إلى عدد من محافظات الجنوب من مديريات محافظات أبين والضالع ولحج ويافع وكانت المجزرة شنيعة بحق الإنسانية اليمنيةالجنوبية وبحق العزل من المشاركين بالنضال السلمي في يوليو من العام الماضي أمام منزل الشيخ طارق الفضلي .. وهناك مجزرة ردفان ومجازر الضالع والشيخ عثمان .الخ. لا زالت الدولة اليمنية توسع قبضتها الحديدية العسكرية والأمنية المعلنة الخفية حيث تنتشر عشرات الآلاف من الجنود المدججين بالسلاح الخفيف والثقيل بما في ذلك الدبابات والأطقم وهناك الجيش المرابط في صحاري ووديان وجبال الجنوب والمدن معززاً بعشرات الآلاف من التابعين لأجهزة الأمن السياسي والأمن القومي والتي زادت من شراستها وتضييقها على كل أشكال الحياة الإنسانية في البلاد وما تقوم به اليوم من قبضة حديدية على الضالع وغيرها من انتشار واسع للجيش والأمن واستحداث المواقع العسكرية على الجبال والآكام إنما هو استمرار لتعزيز جبروتها وقوتها على أبناء الشعب حيث ازدادت قوات الأمن في الضالع وحشية منذ انعقاد مؤتمر لندن حيث تقوم المواقع العسكرية بإطلاق الرصاص والقذائف على المنازل والممرات والمتاجر بشكل جنوني وهستيري وشبه يومي وتسبب ذلك بجرح عدة أشخاص بينهم أطفال وأحرقت عدد من المنازل وأصيبت بأضرار كبيرة ومتوسطة ،و مما له دلالة خطيرة جدا هو استمرار قطع الاتصالات الهاتفية من الأربع الشركات المسيطرة ام تي ان و سبأ فون ويمن موبايل و واي ، عن عدد من المحافظات الجنوبية كالضالع ويافع وأبين والحوطة ..الخ. إن المراقبين والسياسيين والأمنيين والدوليون منهم يعرفون ماذا يعني هذا ، إنه نوايا فضيعة لأجهزة الدولة العسكرية نحو أهلنا المناضلين سلميا لعودة وإحقاق العدل في هذه البلاد التي تعاني من استمرار الحرب منذ ستة عشرعاما .. وتزداد أساليبها قهرا وقوة اليوم بتلك التعزيزات والأساليب العسكرية والأمنية القسرية الجديدة.. الإعلام المستقل والإرهاب الرسمي وعلى الوتيرة نفسها فما زالت الصحافة الحرة المستقلة تشهد انتهاكات خطيرة ومرعبة، ففي وقت تتعرض فيه عدد من الصحف للرقابة المباشرة وغير المباشرة عبر استخدام السلطة نهجها المعتاد طوعا او قسرا للرقابة على الصحافة او مصادرة أعدادها... ويتعرض صحافيون للقتل مثل الصحفي (الربوعي)ويتعرض كتاب وطنيون أجلاء للاختطاف والتعذيب اللانساني مثل الأستاذ القدير والوطني الجليل محمد محمد المقالح وبعد إعلان الدولة عن اخفائه لمدة ثلاثة أشهر تجري محاكمته بطريقة لا تنم عن أي مسئولية وطنية.. ومع إطلالة العام الميلادي الجديد 2010م تم جهارا نهارا مساء وفجرا اقتحام مقر صحية الايام استخدمت فيه القوة العسكرية المفرطة من الأطقم الى الأر بي جي الى الرصاص الخفيف وفي ليلة ويوم تحولت مدينة كريتر الى مدينة خالية من حركة الناس خوفا ورعبا مما دار في تلك المعركة الأمنية على صحيفة الأيام وصاحبيها الوطنيين الجليلين هشام باشراحيل وأفراد اسرته وتمام باشراحيل واسرته وأولئك الذين اختبأوا في الأيام من قادة الرأي الذين عاشت عائلاتهم وأصدقاؤهم حالة من الخوف والرعب بمزيد من الألم والمعاناة.. ولا زالت العديد من الصحف تتعرض للانتهاكات الخطيرة مثل النداء والوسط والشارع وصحيفة الطريق العدنية وأصبحت السلطة توجه سهامها نحوها . وأكثرها صحيفة الأيام.. إن محاولة انتهاك مقرات قناة الجزيرة ومصادرة أجهزتها في تعتيم أجهزة السلطة لما يمكنها فعله وشعبنا بشكل مغلول .. وإن جميع تلك الأعمال الرسمية للدولة هو إثبات أخلاقي وديني وسياسي وعلمي على أن هذه الدولة لم تتخل عن دورها في القمع والقتل عبر الإرهاب الرسمي للدولة وبأنه لم يعد هناك وجود للمثالية الوطنية والشعبية .. وبما أن الأمر جلل فإننا نطلب من كل عقلاء النظام وفي مقدمتهم فخامة الرئيس إيقاف ذلك الأسلوب القمعي المدمر لوحدة الشعب اليمني،وإيقاف الإعلام الرسمي المحرض على الشعب والإعلام والصحافة، لأن هذا الأسلوب لا ولم يكن ولن يكون أبدا هو الحل لقضايا الشعب اليمني،فالحل هو بالاعتراف بحق الجنوبيين بالاعتراف بقضيتهم وحلها حلا سلميا على طاولة الحوار بين النظام وممثلي الجنوب والقيام بمصالحة تاريخية وتنفيذ الإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل على طريق القضاء على الفساد.