كتب/ السفير/ نبيل خالد ميسري سنوات طويلة لم يصغ فرعون اليمن لدعوات ونصائح أبناء وطنه المخلصين الذين فقدوا الأمل في الاستجابة للإصلاح، واليوم ونحن نشاهد هروب فرعون تونس وتنحي فرعون مصر لن نقبل بما كنا ندعو إليه أو ننصح به لأننا فقدنا الثقة بنظام الصالح المستهتر بأنين الملايين، وليس أمامه إلا أيام لاختيار الهروب أو التنحي ويحق له اختيار النموذج الخاص به. فرعون تونس فهم الملايين بأقل من شهر وهرب ليوقف نزيف الدم بعد أن وصل عدد الشهداء إلى ما يقارب الثمانين أما فرعون مصر فحاول استخدام حيله كلها ولكنها لم تسعفه خاصة وأن دماء المصريين وخلال ثمانية عشر يوما راح ضحيتها أكثر من ثلاثمائة شهيد فداء لحرية خمسة وثمانين مليون نسمة، فهل يتعظ من النموذجين ويجنب شعبه ولو ضحية واحدة يمكن أن تجعله نموذجا ثالثا يحتذى به في العالم العربي أو يختار الإصرار والعناد الذي يدخل اليمن في قتال بين أبنائه، وفي النهاية مهما كانت التضحية فإنه وأسرته وحاشيته لن يكونوا في أمان وسيدفع الثمن غاليا. المشاهد العظيمة التي تابعناها في تونس ومصر أعادت الروح إلى الجسد الذي عانى ولعقود مرارة الظلم والقهر والحرمان من أنظمة الفساد، ولا يمكن الاستسلام مرة أخرى لأي نظام فاسد خاصة بعد أن كسر شباب تونس أولا وتلاهم شباب مصر حاجز الخوف الذي غرس بقوة البطش والفقر معا. واليوم لن يكون شباب اليمن أقل شجاعة ونضجا لانتزاع حقوقهم وحقوق آبائهم، ليس من خلال الإصلاح الكاذب، وإنما بالتغيير الجذري لمفاهيم وثقافة وسياسات العقود الثلاثة الماضية التي أوصلت اليمن إلى أسوأ مكانة. مبادرة فخامة الرئيس الأخيرة والتي رفضها سابقا أصبحت اليوم ميتة، فالحوار كان يمكن أن يجنب الوطن الكثير رغم عدم قبوله لأطراف عديدة نظرا لإهمال رؤيتها لمعالجة جذور الأزمات، أما اليوم فلا يمكن لأي طرف أن يخاطر بالعودة لحوار ليس لصالح الوطن بقدر ما هو إنقاذ لنظام لا بد من تغييره جذريا حتى يمكن بناء نظام جديد يتواكب مع ما يحدث في تونس ومصر نحو بناء دولة ديمقراطية حقيقية ويحكمها النظام والقانون وفي نفس الوقت إلغاء كل سلطات وأنظمة العهد القائم. ولكي نحافظ على أبناء اليمن بمن فيهم من في السلطة والحزب الحاكم خاصة الذين لم يتورطوا في استخدام السلطة لنهب ثروات الوطن لا سيما وأننا نشاهد ونسمع أن بن علي وأسرته ومبارك وأسرته يمتلكون المليارات من الدولارات، ولهذا فإن على الشرفاء في السلطة والحزب الحاكم أن يقفوا مع شعبهم صفا واحدا في هذه المرحلة ليتجنبوا غضب الشارع وأن لا يترددوا أو يضيعوا الفرصة السانحة للتخلص من القلة الفاسدة التي تتحمل المسئولية الكاملة لما آلت إليه الأوضاع. وعلى الأحزاب السياسية والشخصيات الاجتماعية تحمل المسئولية التاريخية لنجاح الثورة اليمنية على غرار الثورتين التونسية والمصرية ما لم فإن قادم الأيام لن يسعفها لمواكبة ثورة الشباب بصورة عامة وشباب قواعدها بصورة خاصة الذين يملكون العزيمة والرؤية نحو التغيير وليس الإصلاح. أما فخامة الأخ الرئيس الذي لا نعتقد أن الهروب كفرعون تونس يليق به ولا الإصرار والعناد ومن ثم التنحي كفرعون مصر يناسبه لذا فإن قدرته على اتخاذ القرار الصعب في اللحظة الحالية يمكن أن يكسبه غفران شعبه المتألم، ما لم فإن التأخير ولو لساعات ربما يكون في مكانة لا يتمناها، لهذا فالفرصة أمامه للإعلان عن فشل النظام الحالي ويطلب العفو من شعبه وفي نفس الوقت يعلن كافة الخطوات التي قامت بها تونس بعد إلغاء السلطات المزيفة وتجميد أو حل الحزب الحاكم نظرا لتشابه الحالتين التونسيةواليمنية كونهما ليسا في موقع حساس في الصراع العربي الإسرائيلي والذي فرض على الحالة المصرية قبول المجلس العسكري كمرحلة مؤقتة. نكرر للمرة الأخيرة أن بإمكان فخامة الرئيس أن يقدم نموذجا مختلفا إذا ما قام بعمل ما آلت إليه تونس ومصر ويقدم مبادرة متكاملة لا يستبعد مطلبا من طلبات الشعوب والتي كانت ترفعها كلما حاول بن علي ومبارك تقديمها متأخرا ولذلك فالإعلان عن مبادرة تعالج الوضع اليمني بشقيه، أولهما الشراكة المتساوية بين أبناء الشمال وأبناء الجنوب من خلال فيدرالية ثنائية وحكم محلي كامل الصلاحيات في إطار المحافظات وثانيهما تغيير النظام يبدأ بإعداد دستور جديد وتكليف حكومة غير حزبية مؤقتة من خيرة أبناء اليمن لمعالجة الملفات العاجلة ولتسيير الأعمال والإعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة ويكون ذلك متزامنا مع التنحي المبكر وتسليم الدولة لمجلس رئاسة مؤقت من خيرة أبناء شريكي الوحدة. إن المصالح الضيقة سواء للحاكم أو للمعارضة قد ولى عهدها، وأن ادعاء أي طرف منهما لحوار الإصلاحات الترقيعية يمكن أن يشوه ما تبقى، وخير ما يمكن القيام به في هذه المرحلة الحرجة هو تغيير جذري للنظام القائم وبناء نظام جديد أسوة بما تسير عليه تونس ومصر. وبهذا يكون الرئيس الصالح أثبت أنه صالح في الوقت المناسب وأنه قدم نموذجا ثالثا راقيا يمكن لبقية الشعوب الاقتداء به وأنه سيعيش مواطنا بين أهله في سنحان بقية عمره.