كتب/علي محسن حميد الثورات لاتستأذن أحدا ولاترهن مصيرها لما يقرره الخارج وهي بالمجمل مصلحة وطنية صرفة ولاشأن لها باستقامة أو خلل موازين القوى الإقليمية والدولية أو أي مصالح تتعارض مع أهدافها مهما تكن أهميتها. وهذا لايعني أن الباب مفتوح لها على مصراعيه للإضرار بمصالح الغير. وثورة شباب اليمن التي أبهرت العالم بسلميتها وبصمود وجلد فتيانها وفتياتها حتى اليوم أمام محاولات الإساءة إليها وتشويهها والقضاء عليها من داخل الساحات والميادين ومن خارجها لم تحظ بتغطية إعلامية غربية مناسبة وبمواقف سياسية قوية كما هو حال ثورتي ليبيا وسوريا وقبلهما ثورتا تونس ومصر. ويبدو أن الفقر يلاحق اليمنيين حتى في الاهتمام بثورتهم إعلاميا. هذه الحالة لا تخلو من ميزة تؤكد أن الإعلام الخارجي لايصنع الثورات وأن الثورات صناعة وطنية.السلطة اليمنية استماتت لكي لاتسمع الثورة ولاترى خارج اليمن ومنعت مراسلين أجانب من دخول اليمن وبعضهم أعادته من المطار. وقبل إغلاق مكتب قناة الجزيرة ومنعها من العمل طرد مراسلين من مراسليها، بعد أن لم يفلح استنجاد الرئيس المبكر بأمير قطر شاكيا "تأجيج الجزيرة وابتعادها عن المهنية وتزييفها للحقائق التي تنعكس بنتائجها سلبا على الوطن العربي وإحداث التصدع في المجتمعات العربية والإضرار بوحدتها وتماسكها والتشجيع على أعمال الفوضى والعنف والتخريب وأن تلك الممارسات لاتخدم سوى الأهداف الصهيونية والجماعات الإرهابية من تنظيم القاعدة وأعداء الأمة العربية عموما" (صحيفة الثورة28 يناير). هذا كله مجتمعا تقوم به هذه القناة طبقا للرئيس . الرئيس الذي لم يعنه الله على صدق القول ندعو الله أن يعينه على اتخاذ القرارالسليم بترك السلطة لتجنيب اليمن المزيد من كوارث سلطته ومن كوارث قد تطال أسرته، كان قلقا من تكرار ماحدث في تونس وفي هذا التاريخ لم يكن نظام مبارك قد سقط. وحديثه الذي خلا من لغة التخاطب الراقية بين رؤساء الدول لم يكن حكيما وعبر عن عصبية وإدراك لسوء المآل بعد سقوط نظام بن علي . واليمنيون يعلمون أن اتصالاته المسائية لاتخلو من تجاوزات كثيرة وكبيرة. الرئيس تجنب الإشارة إلى مايحدث في اليمن وفشل في توصيل رسالته بطريقة لائقة ليضمن تحقيق كل أو بعض مايريد وتحدث باسم الحكام العرب بدون تفويض منهم متجاهلا في نفس الوقت مأزقه.وقطعا لم يكن في ذاكرته سوى تونس وخشيته من تكرار ماحدث فيها في عقر داره. ووقتها كان دائم التواصل مع الرؤساء الذين يواجهون ثورات شعبية.وكان الإعلام الرسمي يتعمد نشر صور وأخبار سلبية عن ثورتي تونس ومصر. واستمر هذا حتى 4 يونيو حينما بثت الفضائية اليمنية صورا تحت عنوان "تونس بعد الثورة" قبل نشرة التاسعة مساء أساءت للثورة التونسية والقصد كان واضحا وهو أن مصيركم يامن تصدقون أن نظامكم جمهوري وتخرجون عن طاعة ولي الأمر، الخليفة الراشد السادس، الصادق الأمين، كمصير تونس. أين نحن في اليمن من تونس؟ فتونس فيها ماء وكهرباء وغاز وبترول ومواد غذائية ولم يدمر أحد أحياء عاصمتها ويجوّع سكانها .وحنقا من نجاحه المتفاوت في نقل صور حية عن الثورة تتهم السلطة الإعلام العربي بأنه لا يتحرى الحقائق وأن السلطة في جعبتها وحدها هذه الحقائق. أما الإعلام الغربي وهو الذي تخشاه السلطة أكثر من غيره فلم يغط أحداث الثورة اليمنية كما يجب فهو يركز على الربيع العربي في ليبيا وسوريا. وهذا طبيعي لأن الإعلام يتبع السياسة والمصالح ويخدم أهدافهما وهوليس محايدا ومصالح الغرب المباشرة وغير المباشرة في سوريا وليبيا أكبر من مصالحه في اليمن الذي تحول إلى شحات لديه بفعل افتقار السلطة لأي سياسة تنموية وتفشي الفساد الذي التهم المال العام. وكعينة فإن السيد ستيفن ساكر مقدم برنامج Hard talk " حديث صعب" في فضائية البي بي سي لم يخطر على باله أن يسأل وزير خارجية بريطانيا السيد وليم هيج في برنامج 7 يوليو الذي كان عنوانه الربيع العربي عن ربيع اليمن وثورته كما أن هيج لم يتحدث عن اليمن إلا في سياق رده على التدخل العسكري للسعودية والإمارات في البحرين عندما أوضح الأسباب الأمنية للتدخل وربط ذلك باليمن عندما قال بأن بريطانيا والسعودية تنسقان سياستيهما إزاء اليمن مختزلا الوضع في اليمن في النطاق الأمني البحت المقلق لبلاده " اليمن خطر كبير على الاستقرار العالمي والطريق لتحقيق الاستقرار فيه هو العمل مع السعودية" . بعد ذلك قفز السيد ساكر من ليبيا وسوريا إلى افغانستان التي ليست من دول الربيع العربي وليست عربية أصلا. ثورة شباب اليمن أمامها تحد كبير وهو إقناع الخارج قريبه وبعيده بأنها ليست ضد مصالحهم ولن تثير إشكالات لهم وهي غير قابلة للتصدير وأهدافها ليست عابرة للحدود لكي لا تكون كلفة التغيير باهظة جدا كما حدث بعد ثورة 1962. ولأن لكل ثورة بيئتها وطبيعتها الخاصة فإن لها محيطا جغرافيا قد يكون صديقا أو عدوا . واليمن كجزء من محيط جغرافي كبير وغني وشقيق ويقع في خاصرة أكبر مستودع للنفط في العالم ويتمتع بموقع استراتيجي هام يجعل التغيير لديه غير مهضوم من قبل الآخرين . وهذا هو المحيط الذي لم يقبل بسهولة ثورة الشمال وتحفظ بشدة على استقلال الجنوب ويتردد في قبول اليمن في مجلس التعاون الخليجي ليس بسبب اختلاف النظم وإنما لأسباب أخرى من بينها وصولنا إلى عتبات الدولة الفاشلة المتسولة التي تجعل العضوية فيه عبئا وقد تمكن عناصر القاعدة التي تتذبذب صلتها بالنظام ورعايته لها من التنقل بحرية في كل الخليج .هذا المحيط يتمتع أيضا باستقرار مشهود ويخشى على هذا الاستقرار ونجح في خلق قناعات بأن أنظمته أفضل حالا من أنظمة الشعارات الكبيرة ذات الممارسات المغايرة تماما التي تحولت من جمهورية نتيجة غياب الديمقراطية الحزبية والعامة وهيمنة "العائلة الثورية المقدسة" إلى أنظمة وراثية الولاء فيها ليس للجمهورية والدستور ولكن للقائد الفذ الرمز والضرورة التاريخية التي تشرق الدنيا بنوره ويسبح المنتفعون بحمده والذي لا محالة سيخرج من التاريخ فور تركه السلطة. دساتير بعض هذه الأنظمة أمكن تغيير موادها لتناسب التوريث. ( سوريا عدلت المادة 83 في عام 2000 واليمن عدلت المادة 12 في يناير 2011 ثم تراجعت سلطته التشريعية عن التعديل الذي كان وراءه المفتونون بآل البيت تنفيذا لتوجيه خفي) . دول الجوار تبدو أمورها طبيعية ولاتثير أي فضول فهي في الأصل دول ملكية وراثية أنجزت الكثير لشعوبها في مجالات معينة ، بينما تحجب عنها حقوقا طبيعية في جوانب أخرى من بينها الديمقراطية والمحاسبة والحريات العامة وبعضها حقق فعلا في الاقتصاد مايشبه المعجزات في غضون أربعة عقود وحول الصحراء إلى جنة على الأرض والرمال إلى ثروة تستثمر. ومثلما أن التغيير لم يعد يتم بانقلاب يخطط له جيدا لضمان نجاحه لأن الفشل فيه يعني مصيرا أسودا فإن التغيير بالإرادة الشعبية ليس سهلا ويقاوم بقوة ويطعن في نبل مقاصده دفاعا عن مصالح غير مشروعة. لذلك لابد من الانتباه إلى دور الخارج وعدم إغفاله لئلا يتحالف مع الداخل المقاوم للتغيير . لقد كان للدور الخارجي تأثيره الملموس في التسريع برحيل بن علي ومبارك. خذ مثلا ماقالته الإدارة الأمريكية على لسان اوباما وكلينتون ثم أردوغان عن وجوب ترك مبارك والقذافي للسلطة وماقاله وليم هيج عن عدم وجود مستقبل قابل للحياة للقذافي وأن القذافي يهدد استقرار مصر وتونس وأن بشار يفقد شرعيته وأن على بشار أن يصلح أو يتنحى. مثل هذا الكلام لم نسمعه فيما يخص ثورة اليمن وغاية مايقال في أكثر من عاصمة غربية هو ضرورة الاسراع بنقل السلطة وتكرار المطالبة بالحوار مع سلطة تغتال نتائج كل حوار.وفي اليمن لم يكن يتصور أن الخارج سيترك العنان لسلطة عفا عليها الزمن ويحاول إشراك نظام مرفوض شعبيا في صنع التغيير الذي يستهدفه. وعندما قاوم النظام سنة من سنن الحياة واختار وأد الثورة بالمجازر الكبيرة والصغيرة في ساحات وميادين تعزعدن وإب وصنعاء والحديدة والبيضاء وذمار وغيرها صوّر الثورة في خطابيه السياسي والإعلامي كعمل تخريبي ومؤامرة خارجية تستهدف الثلاثي الأثير لديه (الوحدة والاستقرار والأمن) الذي لم يعمل شيئا إيجابيا واحدا لمده بأسباب البقاء والنماء تديرها غرفة في إسرائيل يشرف عليها البيت الأبيض( حديث الرئيس في جامعة صنعاء في 3 مارس) كان يدرك قيمة الدور الخارجي. ومداراة لإفلاسه داخليا لجأ إلى التوظيف المفرط لمقولة نشر الفوضى الخلاقة لإدارة بوش المحافظة التي ليس للإدارة الديمقراطية الحالية صلة بها وليست في جدول أعمالها .وللمفارقة فإن هذه المقولة يرددها مثقفون عرباً يحاربون النظام السوري الذي يسترخص دم الشعب هناك كل يوم ويقصف مساجده كما قصف الحجاج الكعبة. حتى الآن لم تنحز أي دولة لثورة اليمن وتقول للرئيس ماتقوله للقذافي وللأسد وحتى الأممالمتحدة تسير على نفس المنوال وهذا يتطلب من قوى الثورة جميعا التواصل مع صناع القرار في الخارج وزيارة عواصم عربية وغربية وموسكو وبكين وعدم الاكتفاء بالتحاور مع السفراء في صنعاء . [email protected]