كتب/أ.د. مبارك قاسم البطاطي إن التحالفات في العمل السياسي أمر مشروع ، وكثيراً ما يحصل ، رغم وجود الفروق والخلافات في النظرة أو التحليل أو الدوافع لهذا التحالف . لكن باعتبار أن هذه الصيغ غير واضحه في الوقت الحاضر بين الثوار والقوى السياسية التقليدية ، ولا ترتكز ، إلى أسس محددة وقوية ، أو إلى عدم فهم بين الثوار في ساحات التغيير والقوى السياسية إضافة إلى البراعة والمناورة واستغلال الظروف من قبل السياسيين ، ولذلك كثيراً ما انتهت هذه الصيغ إلى إضاعة الفرصة التي كان من الممكن أن تتبلور ويستفاد منها . إن قيام التحالفات ، يجب أن لا يحجب نقاط الخلاف ، ويجب أن لا يمنع النقد أيضاً لكن ما يحصل الآن غالباً أن السياسيين يريدون إخضاع الثوار لقبول الصيغ أو المبادرات القائمة الآن والمطروحة من كثير من الجهات الإقليمية والدولية وتبريرها والدفاع عنها ولذلك يفقد الثوار دورهم وتميزهم ويصبحون تابعين وليسوا شركاء ، بالرغم من أنهم صانعو الحدث الثوري العظيم . ونظراً لانتفاء الممارسة الديمقراطية ، داخل المؤسسات السياسية بما فيها أحزاب التحالف السياسي مع طلائع الثورة ، فإن الرأي الآخر ، المختلف ، لا يملك القدرة على الوصول ، بل أكثر من ذلك يتعرض للتشويه والقمع والتجريم ، ومن شأن هذا أن يحد من الحوار الداخلي وحتى يلغيه ، وبالتالي يسود الرأي الواحد ، وهو رأي صاحب القرار السياسي (المخضرم) ويخضع الثوار لصاحب القرار وربما يصبحون أداة بيده لذلك تزداد الشقة بُعداً بين الطرفين ، ويحصل التباعد وربما الافتراق ، فهل يمكن أن يحدث التجديد ، ولكي نثق بأن جديداً في العمل السياسي الحزبي يولد وينهض فوق هذا الركام من الإرث القديم الذي تتسم به الحركة السياسية الوطنية ؟ فلابد أن يتجدد هؤلاء القدماء ؟ فإذا تركنا جانباً القوى الثائرة الجديدة ، باعتبار أنها لا تزال وليدة كما يرى البعض ونحن لا نوافقهم هذا الرأي ولا تستطيع أن تعبر عن نفسها ، وتثبت جدارتها ، فهل القديم من السياسيين وأحزابهم أي ما هو قائم من حياة سياسية حزبية ؟ على توافق ووفاق مع الثوار ؟ وهل يستطيع هؤلاء أن يقدموا الدليل الملموس على أنهم تجاوزوا الماضي ؟ وقادرون على تحمل أعباء الثورة والتفاعل مع فعلها الحي ورؤاها المستقبلية ، وهذا يقتضي منهم الالتحام بالثورة والثوار وأن يكونوا قادرين على تحمل أعباء المستقبل وعليهم أيضاً أن يقوموا بعملية نقد ذاتي أن يقولوا بصراحة أين أخطأوا وأين عجزوا وأين تجاوزوا . إن النقد والنقد الذاتي عملية لها وجهان : الأول أن تعيد قراءة مرحلة ، بكل ما فيها من مشاكل ومصاعب وقوى ، وكيف تم التعامل معها ، وما أدت إليه من نتائج ، والثاني : أن تقوم كل قوى تطرح نفسها للمستقبل بعملية نقد ذاتي جريئة وصريحة لمسيرتها السابقة ، وأن تعترف ، وبصوت عالٍ ، بالأخطاء التي وقعت فيها ، والنواقص التي شابت عملها ، والدوافع التي دعتها لاتخاذ هذا القرار أو ذاك . إن إحدى الأسباب الرئيسية في ضعف العمل السياسي ، وابتعاد الكثيرين عن الانخراط في الأحزاب أو مغادرتهم هذه الأحزاب بعد أن كانوا فيها ، أو مؤيدين لها ، واهتزاز ، و تصدع الثقة والمصداقية في هذه الأحزاب ، واعتبارها غير مؤهلة أو غير جادة بما فيه الكفاية للقيادة وتحمل المسؤولية ، فحين تنتفي الديمقراطية داخل هذه الأحزاب ، وتتأبد القيادات ، وتغيب الرقابة والمحاسبة ، وتتأرجح السياسات والمواقف دون تعليل واضح ، هنا يبرز العجز عن اللحاق بالفعل الثوري والاستجابة لرؤاه الحالية والمستقبلية ، فإن الثقة بين الطرفين تضعف وقد يشوبها نوع من الريبة والحذر ، والاقتناع بالتجديد والاختلاف والتغيير الثوري أمر بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً . من هنا تبرز الأهمية الاستثنائية ، الآن ، في مرحلة التغييرات الثورية العميقة التي تجتاح هذا البلد إلى ضرورة التصدي بشجاعة إلى ممارسة النقد والنقد الذاتي كخطوة أولى ورئيسية قبل التصدي لمهمات جديدة أو اقتراحات جديدة . قد لا يختلف اثنان حول ما وصل إليه الوضع الراهن فقد ثبت بالملموس أن القوى السياسية التقليدية أعجز من مواجهة متطلبات المرحلة الثورية الجديدة وانتزاع زمام الأمور وفقاً لرؤى الطلائع الثورية صاحبة الحدث الأكبر في التغيير، فالأحزاب السياسية المعارضة تطرح نفسها كبديل للنظام الذي أسقطت الثورة رأسه وبقيت جيوبه وبقاياه ، هكذا تطرح نفسها وهكذا يفترض الكثيرون ، فإلى أي حد تعتبر هذه الأحزاب قادرة على القيام بهذا العبء ؟ أن أي حزب بمفرده عاجز بالمطلق عن القيام بمهمة التغيير لأسباب كثيرة لا يسع المجال هنا لشرحها; أما إذا انتقلنا إلى الصيغة التي يمكن أن ترمم هذا النقص ، نجد أن العلاقات بين القوى السياسية يسودها الارتباك والتباعد ، وحتى الاختلاف إلى درجة تعجز معها عن الوصول إلى تحليل مشترك ، أو تقييم مشترك للسلطة التي كانت تعارضها قبل إسقاطها من قبل الثوار في ساحات التغيير وشل حركتها بالفعل الثوري وفي مختلف الساحات ولذلك لم تستطع هذه القوى السياسية أن تطور العلاقات فيما بينها إلى مستوى الاتفاق أو التنسيق وظل ما يجمعها مجرد العداء للسلطة التي تقوم بقمع الجميع ، فهل من شأن علاقات بهذا المستوى ، أو من هذا النوع أن تتجاوز إطاراتها التنظيمية ومنطلقاتها الفكرية لتتصل بالحركة الثورية ومنطلقاتها الفكرية للوصول إلى صياغة نظرية ثورية جديدة ... إن طموحات من هذا النوع ، بالإضافة إلى إمكانية عدم تحقيقه ضمن الشروط الراهنة ، فإنه يضيف إلى جملة المصاعب والعقبات القائمة صعوبة وعقبة جديدة ، خاصة وأن المطلوب ، والممكن في الوقت نفسه ، لا يتعدى ، كمرحلة أولى ، تجاوز الحالة السلبية الراكدة الآن إلى حالة من التفاعل والاتفاق على مجموعة من الخطوات وفي المقدمة منها الحسم الثوري الذي ينادي به الثوار على امتداد ساحات التغيير .. ثانياً وقف الحوار الذي يجري خلف الأبواب الموصدة ، وإن كنا لا نمانع من إيجاد حوار شريطة أن توافق على أطرافه وفاعليه الطلائع الثورية إن هم رغبوا في ذلك بعد تحديد الأسس والمقدمات التي يراها الثوار منطلقاً لذلك الحوار حتى إذا ما تحققت هذه المطالب ضمن برنامج عمل ، يمكن أن تؤدي إلى صيغة أولية من صيغ التحالف يرتضيها الثوار . إن هذا كله وعلى صعيد الواقع الملموس لم يتم التوصل إليه أو الحوار حوله على حد علمنا حتى الآن، وذلك نظراً لاختلاف المنطلقات والدوافع . لذلك فإن صيغة التحالف ، تمثل الحد الأقصى في الظروف الراهنة ، مع التأكيد مجدداً أن التحالفات لا تلغي الخلاف النظري والنقد ، ليس بهدف تقويض التحالف وإنما لتعزيزه ، ولكي يبقى أطول مدة ممكنة ، ما دامت الشروط التي أملت وجوده قائمة . فإذا أخذنا ظروف المناخ المسيطر من حيث انعدام الجو الديمقراطي على كافة المستويات ، وبين أطراف التحالف ، وداخل المؤسسة الحزبية الواحدة ، فإن العوامل السلبية المشار إليها تلعب دوراً قارضاً .. أو فارضاً لشروط جديدة تلائم قناعتها ومصالحها ، وهذا ما يتيح للقوى المتحكمة داخل التحالف أن تبقى وحدها صاحبة القرار ، ... دون أن تخشى النتائج . في ظل هذا الوضع ، والانتقال من حالة الإحباط التي بدأت تدبُ في الصفوف ، فلابد من توفر مجموعة من الشروط : منها طرح المشاكل الحقيقية بصراحة بين الطلائع الثورية وحلفائهم من الساسة وأحزاب المشترك على وجه الخصوص ومن في مستواهم في هذا التحالف ، . وذلك من خلال أسئلة صحيحة وجدية. توفر المصداقية والجرأه في من يطرح الأسئلة ومن يقدم الإجابات عنها أو الحلول لها ... الاعتراف بالأخطاء والنواقص من خلال عملية مراجعة ونقد ذاتي ... ، وضع صيغ عملية لمتابعة أي حوار أو أي مهمات أخرى سواء كان ذلك على مستوى الداخل أو الإقليم أو القوى الدولية أو الصديقة كما يطرح عادة ... وأخيراً العقلانية في التعامل مع الآخر ومع التوافق سواء في وضع البرامج أو تحديد المطالب ... ضمن هذا الوضع المليء بالمصاعب والسلبيات فإن أقصى ما يمكن الوصول إليه هو التحالف العريض، أي اتفاق القوى السياسية الأساسية مع الطلائع الثورية على قضايا مشتركة ، وعدم انفراد القوى والأحزاب السياسية باتخاذ القرار بمفردها دون إجماع الثوار كما حدث في تشكيل المجلس الوطني الذي ولد مشوهاً وغير مكتمل البنيان وسيظل كذلك ؟ كما يجب الاحتفاظ بالفروق وحق كل قوى بالاستقلال والنقد ، وحتى الاختلاف ، ولكن ضمن ضوابط متفق عليها.. وفقنا الله جميعاً لما فيه الخير وتغليب المصلحة العليا على الأنانية الذاتية .