رصد : رشيد الحداد الثورة مستمرة حتى رحيل النظام وتحقيق الهدف الذي لايقبل القسمة بالمطلق، فحقيقة الواقع الثوري في ميادين التغيير تقول كل الاحتمالات واردة ولأخوف منها فالترهيب والترغيب قد يكونان سلاحا أشد فتكا من رصاصات البلطجية أو قنابل النظام التى فشلت في إعادة استقرار النظام النفسي والسياسي الذي بات بعد مايزيد عن 90يوما خال من الأعمدة والأركان القى خلالها صالح 75خطابا هجوميا بعد ان فشل في إدارة الازمة بالأزمات ، بينما تنامت معنويات شباب الثورة الذين تلقوا الرصاصات الخارقة والحارقة بصدور عارية تخفي خلف سياجها إرادة قوية تعززها الذات بمكامن القوة وتستسقي هويتها من ظلم الماضي الأسود لنظام حكم اليمن بالحديد والنار كما يقول ثوار اليمن الذين أهدرت ملكاتهم وإبداعاتهم وافنوا جزءاً من شبابهم في سبيل الصراع مع الحياة وتحمل عجاج السنين ، فصبروا وتمنوا ولكن آمالهم البسيطة التى لم تتجاوز حياة كريمة وآمنة أحرقت في محرقة الاستبداد الجديد الذي يرتدي من الديمقراطية الشكلية جلبابا لإعادة إنتاج نفسه ولكن لسان حال الواقع الثوري أحلت عبارة (الصبر حكمة) محل عبارة (للصبر حدود) تبدو حدوده مخلفات الماضي القريب ، ويتضح ان محدداته المستقبلية إسقاط النظام الذي أدار البلاد بالازمات واربكه الطوفان الشعبي الغاضب في المواجهة كما أربك نظام بن على ومبارك من قبله وهما النظامان اللذان استجابا للضغوط الشعبية في أيام معدودات خلافا لثورة شباب اليمن التى تعدت الأيام والشهور ولكنها تطوي في كل يوم صفحة من صفحات الماضي بالتزامن مع تساقط أوراق النظام أمام زفير الثوار المتصاعد الى التفاصيل : فقد النظام معظم مراكز قواه في 90يوماً بينما لم يفقد شباب الثورة ثوريتهم وفقد النظام توازنه السياسي على كافة المستويات الداخلية والخارجية بينما حققت ثورة الشباب مكاسب على مختلف الأصعدة، فشباب اليمن الذين افترشوا الأرض والتحفوا السماء لم يفشلوا ولم يتم إفشالهم بل زادهم الرهان على الوقت الذي كان أزمة في الماضي السياسي القريب بين أحزاب ترتضي الصفقات وتتعايش مع الحلول الجزئية وتتواطأ مع الحاكم دون ان تضع أدنى اعتبار لحق المحكوم الذي عايش الذل والحرمان والويل والثبور من أعاصير الجرع الاقتصادية وتمسك بعسي ولعل ليجدها قشة لاجدوى لها في عهد غريب لا حق فيه للمحكوم على الحاكم والقادة فيه يولدون ولا يصنعون ، ذلك العهد ليس نموذجا في اليمن الذي فقد سعادته من عقود وعايش التخلف الإداري والاقتصادي والسياسي بل في دول أخرى في المنطقة العربية. ثورة الستين اكبر من السبعين لاتعنى الثورة بأي حال من الأحوال الصراع السياسي باى معنى ولا تعني كما يحلو للبعض تسميتها بالاحتقان السياسي بين طرفين متعادلين في ميزان القوة بل الثورة اكبر من كل المفاهيم، فهي طوفان بشري يعيش هيجان الحرية والتحرر من حاضره البائس ذلك الطوفان يتوقف بتحقق الهدف الأسمى له وحالما توقف يغير التاريخ فتشرق شمس الحرية في المساء كما أشرقت في تونس أو في المغرب كما هو حال الثورة المصرية وعلى طريقها تتبدل الحسابات وتتهالك الخطط والسياسات وتفشل الإدارات وتتقلص الخيارات ويصبح الرحيل الايجابي ابرز حلول الأزمة، في جمعة الفرصة الأخيرة التى دعا إليها ثوار اليمن الجمعة الماضية غيرت كل المعادلات، كما يقول محمد الصباحي احد شباب الثورة الذي قال يكفي فخرا شباب اليمن ان غيروا تاريخ الرياضيات لأول مرة في التاريخ في جمعتهم التى أثبتت أن الستين اكبر من السبعين وغيرت القوانين المتعارف عليها عالميا وموازين القوى 75خطابا هجومياً في زمن الثورات يصبح تحليل مضمون الخطاب السياسي أداة أساسية لقياس مدى القوة والضعف، ففي مصر مبارك لم يتجاوز الخطاب السياسي الأعداد الفردية، فثلاثة خطابات رابعهما خطاب التنحي الشهير وهو ذات العدد في ثورة البوعزيزى ، أما نحن في اليمن السعيد التى يحكمها نظام حكم لم تنطبق عليه مصطلحات السياسة باستثناء النظام الأسري الغريب فقد تجاوز الخطاب السياسي ال75خطابا سياسياً في اقل من 90يوما، من تلك الخطابات السياسية 48خطابا حاكى بها صالح القبيلة و10خاطب بها الحزب الحاكم و14خطاباً وجهها صالح بلغة عسكرية دون ان يرتدي بزته باستثناء خطاب القاه وهو يرتدى خنجره التقليدي ومن خلال مضمون تلك الخطابات الكمية فان 85%منها كانت هجومية و15%منها يندرج مضمونها في إدارة الأزمات عديمة الجدوى سيما وان الكثير من ذلك المضمون الذي كان صالح يحاكي فيه حل الأزمة يتم الغاؤة بعبارة التأكد من عدم الجدوى لدى الطرف الآخر مثل المبادرات التي قدمها في بعض الخطابات السياسية وكان يختم الخطاب بعبارة التأكد من رفضها من قبل الطرف الآخر ومثالا على ذلك مبادرة 10/فبراير التى دعا خلالها صالح معارضيه يقصد تكتل اللقاء المشترك إلى إعداد دستور جديد للبلاد والانتقال إلى النظام البرلماني والحكم المحلي كامل الصلاحيات وقبل ان يختتم المبادرة خاطب مناصريه في الصالة المغلقة قائلاً: أنا متأكد أنهم لن يقبلوا بهذه المبادرة للخروج من الأزمة لأنهم انقلابين.. لينسف كل الجوانب الايجابية في الخطاب والمبادرة ، ومن خلال مضمون خطاب صالح يتضح بجلاء وجود جوانب دفاعية في الخطابات التى أعقبت أعمال العنف التى أودت بحياة 20شابا من شباب الثورة في المعلا في محافظة عدن وكذلك الخطابات التى تلت جمعة الكرامة وغيرها والتي يعبر فيها عن أسفه ويحمل الضحية المسؤولية. فشل إدارة الأزمة بلازمات أدار النظام الأزمة بالأزمات وهو ذات النهج الذي اتبعه خلال السنوات الماضية فعقب انشقاقات حزبه وتفككه من الداخل سعى صالح إلى عقد أربعة اجتماعات مع حزبه لبحث المستجدات إلا انه في ذات الوقت سعى إلى اتباع أسلوب التهديد والاتهامات للمنشقين من حزبه، ففي الوقت الذي تم فيه تشكيل لجنة لإدارة الأزمة من قبل أعضاء برلمانيين في الحزب الحاكم لاحتواء الازمة الداخلية في الحزب سعى صالح الى اتهام المنشقين عن حزبه في خطاب الاحتواء بالفساد وهدد بفتح الملفات السوداء واتهمهم باللهث وراء المناصب ولم ينس التذكير بماضيهم السياسي ذي النفس الاخواني باعتبارهم خلايا اخوانية نائمة وهو مازاد الأمور تشنجا لدى عدد من تلك القيادات التى سعت الى إيجاد البديل القادم للحزب الحاكم حيث شكل المستقلون من الحزب الحاكم بعد تصاعد الخطاب التصعيدي لصالح لتشكيل كتلة التغيير والبناء كحزب سياسي بديل للمؤتمر الحاكم من قبل ابرز القيادات المستقيلة التى وجهت رسالة واضحة كان لها صدى كبيراً لدى الرئيس صالح شن هجوما لاذعا على تلك القيادات بصورة مباشرة متهما إياها بأنها مرجفعة وأنها قيادات تهاوت ولا تستطيع الوقوف على رأس أقدامها في اللحظات الحاسمة، لذلك يقف المستقيلون من الحزب الحاكم أنفسهم في الصف الأول من المواجهة مع حزبهم القديم الذي كال إليهم مختلف الاتهامات عبر وسائل إعلامه المختلفة وهو ما أثار انزعاجا كبيراً لدى الكثير من الشخصيات القيادية السابقة ومنهم الدكتور عبد الولي الشميري الذي أبدى استغرابه من التصعيد شديد اللهجة من قبل الحزب الحاكم ومن الرئيس شخصيا، حيث قال في إحدى مداخلاته على صفحته الخاصة على شبكة الفيس بوك ( مدحتك سنوات وعندما وقفت ضدك مرة نسفت كل شيئ) ، والملاحظ من خلال مضمون الخطاب السياسي ان كل الاتجاهات تشير الى فقدان نظام صالح كل توازنه في إدارة الأزمات ، فالنظام الذي سعى الى حل العديد من الأزمات في الوطن العربي وفي دول القرن الإفريقي كإدارة الازمة بين الفصائل الفلسطينية والتوسط بين ارتيريا وجيبوتى عام 2010 م أصبح فاقداً كل القدرات على إدارة ابسط الأزمات الداخلية في حزبه في ظل تصاعد الزخم الثوري في ميادين التغيير. صالح يعترف بثورة الشباب من خلال العدد الكمي من تلك الخطابات التى ألقاها صالح منذ بداية الازمة خاطب فيها الشباب في ستة خطابات فقط، الخطاب الأول في تاريخ 23مارس الماضي والذي ابدى فيه صالح تعاطفه مع مطالب الشباب دون ان يذكر نوعيتها داعيا إياهم الى العودة الى الحوار وهو مايعد اعترافاً رسمياً بوجودهم كقوة سياسية كبيرة في الساحة اليمنية واداركه المسبق باستقلاليتهم وشرعية مطالبهم وكان الخطاب الموجه حصريا للشباب في تاريخ 25مارس حين جدد دعوته للشباب الى الحوار وتشكيل حزب سياسي والملاحظ من خلال رصد تلك الخطابات التى حاكى فيها صالح شباب الثورة انه دعاهم في الشق الأول من الخطاب وكال لهم الاتهامات في الشق الآخر منه ليجسد الثقافة الاستعلائية في الخطاب السياسي، ففي إحدى خطاباته التى حاول ان يدير جانب الازمة وان يجد مخرجا لها بالحوار حسب مضمون الخطاب اتهم شباب الثورة بالعمل بأسلوب الريموت كنترول بل وهاجمهم في خطابات عدة دون إدراك لتناقض الخطاب ، الا ان قوة الشباب وقدرتهم الفائقة على إيصال الرسائل القوية التى أربكت صالح منذ بداية الثورة الشبابية فرضت نفسها عليه وانتزعت اعترافاً رسميا بتاريخ 23ابريل الجاري حين ألقى صالح خطابا هجوميا أمام ضباط وطلاب الكلية الحربية السبت الماضي، حيث اعترف بثورة الشباب لأول مرة حيث قال ( نحن نحيي الشباب في حي الجامعة.. الشباب النظيف المستقل وسبق ورحبنا بهم ونرحب بهم ومستعدون ان نتفهم مطالبهم في إطار الدستور والقانون ولا بأس ان ينشئوا لهم حزبا سياسيا طبقا للدستور ولكنني متأكد تماما إنهم ليسوا الشباب، هم أحزاب اللقاء المشترك الذين يركبون ما يسمى بثورة الشباب ) ، وفي ذات ما عده مراقبون محاولات إيحائية بان نظام صالح سيلبي مطالب الشباب أعلنت وزارة الخدمة المدنية نزول 60 ألف وظيفة دون سابق إنذار بدلا عن 50 ألف المعلن عنها ، سيما وان حكومة تصريف الأعمال ومجلس النواب ووزارة المالية قد أكدت في وقت سابق عدم قدرتها على تلبية المخصصات المالية ل50 ألف وظيفة تم التوجيه بها من قبل الرئيس في يناير الماضي في سياق تنفيس الازمة وامتصاص غضب الشباب ، ويرى مراقبون أن إعلان ملف التوظيف لايهدف الى إرضاء شباب الثورة بل ان 50% من الوظائف المعلن عنها تخدم أنصار نظام صالح بالدرجة الأولى. القبيلة واللجان الشعبية 48خطابا ألقاها الرئيس صالح أمام مشائخ واعيان وشخصيات اجتماعية حيث دشن لقاءاته القبلية بالقبائل المتواجدة على مايسمي الحزام الامنى للعاصمة، حيث حظيت الخطابات التى وجهها أمام حشود قبلية من انصاره بنصيب الأسد في شهر فبراير الماضي، حيث كثف صالح لقاءاته بقبائل متعددة من عمرانوصنعاء منذ ان بدأ العد العكسي لنظام حكمه كما يرى المراقبون السياسيون، ففي3 فبراير تاريخ انطلاق الثورة الشبابية الشعبية دشن صالح لقاءاته اليومية بقبائل محافظة عمران ثم انتقل الى قبائل محافظة صنعاء ابتداء بالحيمتين وخولان وهمدان وبني حشيش وبني مطر وغيرها من القبائل التى انضم معظمها الى الثورة بعد تلك اللقاءات إلا ان صالح استطاع حشد 8 تجمعات قبلية مدفوعة الأجر في العاصمة منها في عصر وأخرى بالقرب من القصر الجمهوري وهناك تجمعان بالقرب من شركة ( سبأ فون) وتجمع في التحرير وجميع التجمعات تندرج في إطار خطة اللجان الشعبية التى حصلت على المال والسلاح تحت مبرر الدفاع عن المصالح العامة والخاصة في تناقض واضح مع المهام الأمنية لوزارتي الداخلية والدفاع واعتراف ضمني بفشل تلك المؤسستين في القيام بدورها الأساسي ، الجدير ذكره ان فشل صالح في استمالة القبائل المحيطة بالعاصمة الى صفه سعي الى توظيف مشائخ واعيان بعض المناطق الوسطى الذين تربطهم بنظام صالح مصالح مشتركة وهم أقلية قليلة التأثير في مجتمعاتها بسبب قيام العلاقة بينهم وبين الأغلبية الساحقة من مواطني المناطق الوسطى خصوصا شريحة الشباب الذين يناهضون نظام صالح ويرون في هيمنة معظم المشائخ امتدادا لنظام استبدادي عاث في البلاد فسادا، ولذلك فشل صالح في الحصول على تضامن أبناء مجتمع المناطق الوسطي وكل من وقف الى جانب نظامه ليس سوى أقلية بسيطة تجمعها بنظام صالح مصالح مشتركة. إسقاط النظام وليس إسقاط الرئيس من خلال الرصد كرر صالح في75خطاباً أحزاب اللقاء المشترك فيما يزيد عن 200عبارة مركزا كل اهتمامه باتجاه المشترك كمحرك لثورة الشباب وسعي الى تهويل دور المشترك في كل الخطابات دون ان يدرك ان المشترك ليس سوى مكون من مكونات الثورة الشبابية، انضم إليها لاحقا ولم يكن له الدور الريادي في قيادتها، كما ان دوره تصادمي مع أهداف الشباب التى على رأسها هدف إسقاط النظام وليس إسقاط الرئيس، فالهدف العام الذي ينطوي في اطاره كل التكتلات الشبابية في ثورة 3فبراير إسقاط نموذج لنظام حكم ، وكان لدخول المشترك وبعض المحسوبين عليه دور كبير في إتاحة هامش المناورة أمام نظام صالح الذي حاول صرعنة المشترك والشباب وفشل في شق التلاحم كون فاقد الشيء لايعطيه. الحرب الأهلية الكثير من الأوراق أحرقت وأخرى سقطت رغم التلويح بها، فالخطاب السياسي الكمي لم يتضمن مفهوم القاعدة في الشهرين الأول والثاني كما هو حال مفهوم الحرب الأهلية الذي احتل مكانا واسعا في اهتمامات المراقب السياسي والشرائح الاجتماعية، ففي الخطاب رقم73من خطابات ال90يوماً والذي كان في جمعة أطلق عليها جمعة التصالح لوح صالح بالتحدي وكرر العبارة لأكثر من مرة بصورة تتناقض مع مسمى جمع السبعين الثالث الذي خلط فيه عدة لغات كالتهديد والترهيب ، وعقب جمعة التحدي التي قابلتها جمعة الفرصة الأخيرة التي أبرزت الحجم الحقيقي لشباب الثورة في العاصمة فقط ، لوح صالح بخطابه السبت الماضي بالحرب الأهلية والتي يرى مراقبون أنها آخر الأوراق وأسوأها على الإطلاق في حالة استخدامها لإجهاض الثورة والدفاع عن مايسمى بالشرعية الدستورية وعلى الرغم من بدء الاستعدادات من جانب أنصار النظام لإشعال حرب أهلية محتملة والتي اتضحت من خلال تحويل عدد من أسراب الطائرات الى العديد من المطارات كمطار تعز ومطار الغيضة ومطار العند ، إلا ان صالح لم يرتد البزة العسكرية حتى الآن، فهل سينهي صالح عهده السياسي بالتنحي استجابة للإرادة الشعبية أم أنه سيرتدي بزته العسكرية ويعلن المواجهة مع أبناء شعبه حفاظا على كرسيه ومصالح انصاره.