كتب/د. ناصر محمد ناصر سبق للحسم العسكري أن اخذ مكانه في عام 2004م، حين وصل الجيش إلى عقر دار الحوثية وتمكن من أسر وقتل مؤسس الحركة الحوثية حسين الحوثي، ولكن المشكلة لم تنته بل عادت بشكل أكثر عنفواناً وقوة من ذي قبل، فيا ترى ما هي الأسباب التي أدت إلى ذلك؟ للإجابة على هذا السؤال دعونا ننظر في الآتي: أعتقد أن هناك عوامل اجتماعية وثقافية وسياسية ستبقي الحركة على قيد الحياة حتى لو منيت بهزيمة عسكرية أمام الجيش، وهذه العوامل هي: 1-أن الحوثية حركة سياسية ذات قاعدة اجتماعية راسخة، فالمذهب الزيدي في محافظة صعدة والمناطق المجاورة لها، له وجود اجتماعي قار في المنطقة، وقد أخذ على يد الحوثية منحى أكثر تشدداً، حيث أصبحت أدبياته وشعاراته أقرب إلى أدبيات وشعارات الثورة الإيرانية. 2-أن الأيدلوجية الشيعية الحوثية لها امتداد داخل الأراضي السعودية، المحاددة لليمن وبالذات في منطقة نجران، حيث توجد فيها شريحة اجتماعية شيعية تعتنق الإسماعيلية وهي متعاطفة مع الحوثية، ومتذمرة من قمع السلطة السعودية لها وعدم السماح لها بالتعبير عن معتقداتها، وهذا الرديف النائم يشكل خميرة لإمكانية انتشار الحوثية وامتدادها إلى داخل الأراضي السعودية متى وجدت الظروف المناسبة، التي هي غير متوفرة في الوقت الراهن بسب الوضع المعيشي الجيد في السعودية، وبسبب القبضة الحديدية للحكومة السعودية. 3-أن معتنقي المذهب الزيدي في محافظة صعدة والمناطق المجاورة لها يعتقدون أنهم كانوا ولا زالوا محل اضطهاد وقمع وتسفيه من قبل التيار السني السلفي الغالب في كل من اليمن والسعودية، ومن قبل الجماعات السلفية الوهابية الأكثر تشدداً والمدعومة من المملكة، وبالذات أولئك الذين تخرجوا من الجامعات الدينية السعودية، والذين عادوا إلى منطقة صعدة وبتوجيه من بعض دوائر النظام اليمني وأسسوا مدارس دينية سلفية متشددة، تسفه أتباع المذهب الزيدي وترمي بهم إلى مربع المغايرة وتطالبهم بالعودة إلى ما تعتبره الدين الصحيح، مثل المعاهد الدينية التي أسسها مقبل الوادعي، ومعاهد دماج السلفية المتشددة، والتي كرس وجودها مشاعر متنامية من الكراهية والعداء لكل من السلفية والسعودية والنظام في تلك المناطق في أوساط معتنقي المذهب الزيدي. 4-أن الحكومة اليمنية لا تسيطر سيطرة تامة إلا على عاصمة الدولة وعواصم المحافظات، مع وجود شكلي في عواصم المديريات بمساندة الموالين لها من شيوخ القبائل، أما المناطق الريفية التي تشكل معظم مساحة اليمن فلا وجود للسلطة فيها على الإطلاق إلا فيما ندر، الأمر الذي يعطي الحوثيين وكل من أراد الخروج على الدولة مساحات شاسعة للتدريب والتخفي وبناء القوة بعيداً عن أي سلطة أو رقابة. 5- أن هناك أطرافاً داخل النظام السياسي، وداخل المجتمع تدفع نحو استمرار الحرب، بهدف إضعاف النظام وإخضاعه لأي مطالب مستقبلية، تطرح من قبلها، وهذه الأطراف هي التي تسمح بتوصيل المال والسلاح إلى الحوثي، وعبر منافذ وقنوات الدولة نفسها، كما حدث في ظرف الأسابيع القليلة الماضية، في قضية الباخرة الصينية، وفي قضية الشاحنة المحملة بأسلحة للحوثي والمتجهة من صنعاء إلى صعدة، فلو كان من يقوم بهذه الأعمال مواطنون لا يحظون بالسطوة والقوة والنفوذ التي لا يحظى بها إلا أركان وأقطاب النظام، لأحيلوا إلى القضاء ولأنزلت بهم أشد العقوبات. إن التكتم على مثل هذه القضايا برهان ساطع على صحة ما أذهب إليه. 6-أن طبوغرافية منطقة صعدة والمناطق المحيطة بها تعد أكثر ملاءمة لحركات التمرد من أفغانستان نفسها، فصعدة ومحيطها تتوزع معظم أراضيها بين جبال شاهقة ووديان سحيقة تغطي أراضيها مزارع الحمضيات الممتدة بطول تلك الوديان، مما يجعل الرهان على الأداة العسكرية وحدها أمراً غير عملي، وتقديري بناءً على ما سبق من أسباب هو أن الحوثية كحركة سياسية وعسكرية ومذهبية لن تنتهي ولن يتم القضاء عليها حتى لو منيت بهزيمة عسكرية كما حدث من قبل، ولكنها في نفس الوقت لن تتوسع ولن تستطيع تجاوز حدود محافظة صعدة ومحيطها، كونها مرفوضة فكرياً وسياسياً من قبل الغالبية العظمى من اليمنيين الذين ينتسبون إلى المذهب السني، بل إنها مرفوضة حتى في أوساط من يعتنقون المذهب الزيدي نفسه الذي عرف بنزعته نحو التسامح والقبول بالآخر، أي أن الحوثية ستبقى ورقة قابلة للتوظيف وستبقى مشكلة مزمنة لكل من اليمن والسعودية والمنطقة برمتها. وبناءً على ما سبق أعتقد أن الحسم على صعوبته حتى في حالة حلوله فإنه لن ينهي المشكلة وفي أفضل الحالات سوف يحول المواجهة المباشرة الحالية بين الجيش والحوثية إلى حرب عصابات أكثر تعقيداً، وأكثر امتداداً على كل من الصعيدين الجغرافي والزمني. Dr.Naser [email protected]