وجدت في 9 اكتوبر ثلاثة رؤوس منفصلة عن الأجساد في مدينة مأرب التي يفتخر اليمنيون بملكتها الديمقراطية بلقيس وبالحضارة السبئية وبأقدم سد في العالم بني فيها . وهذه ليست أول مرة تفصل عناصر من القاعدة الرؤوس عن الأجساد فقد فعلوا ذلك في أبين عندما قتلوا مدنيين مسالمين في عرس، وفي 21 مايو قتلوا أيضا شباباً أبرياء في صنعاء. بالدم يُعبد هؤلاء طريقهم إلى الجنة والحور العين.. وفي هذا الصدد يقول العالم الإسلامي التركي فتح الله جولن "من يقتل لايدخل الجنة". القتلة الذين مارسوا شهوة القتل مرارا من قبل يرون أنهم يقتربون من الله بقتل الأبرياء وأن الجنة لامحالة من نصيبهم، أوهكذا تم إرشادهم إلى جنة مغمسة بالدم وبآلام أسر الشهداء الكفار في نظرهم. مأرب مركز الحضارة السبئية للمفارقة عاش فيها أبو الحسن المصري الذي كنى نفسه بالمأربي ليتمكن من نشر رسالة تسمى بهتانا الدعوة ويقوم بها دعاة ممن لم نعرفهم من قبل ويمارسون أعمالهم كما لو كنا مجتمعا وثنيا. وحقيقة لم يكن أهل مأرب ذوي الأوليات الحياتية البسيطة المختلفة جذريا عن أولويات المأربي الربانية بحاجة للمأربي الغازي الذي زرعه نظام صالح لأغراض سياسية .المأربي عاد إلى وطنه مصر بعد حياة حافلة بالجهاد! في صحراء مأرب كان من أبرز محطاتها جهاده لنصرة الرئيس السابق علي عبدالله صالح بفتواه بتكفير من ينافسه في الانتخابات الرئاسية عام 2006. لا أظن أن أحدا قد نسي هذه الفتوى وشقيقاتها فتاوى حرب 1994 ضد الجنوب.كان للمأربي رفيق هو السيد وجدي غنيم وهو مصري أيضا أمر صالح بأن يحاضر في المساء في جامع قريب من جامعة صنعاء لكي تصل رسالته ورسالة صالح إلى شباب الجامعة وسكان حيها . غنيم قام لسنوات بالمهمة خير قيام وكفر معظم أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) وأثناءها أطل علينا في برنامج تلفزيوني ليرشدنا عن النظافة وحسن السلوك. غنيم بعد عودته إلى مصر بفضل ثورة 25 يناير صدم أبناء وطنه بتكفير كل ليبرالي وعلماني وأثناء الانتخابات البرلمانية في مصر طلب من المسلمين عدم التصويت للمرشحين المسيحيين. وهنا يتساوى المأربي وغنيم وغيرهما ممن زرعوا فتنا صامتة لن تثمر سوى مآس و دماء في المستقبل. وفي سوات الباكستانية التي تحررت من سيطرة طالبان قبل ثلاث سنوات وكانت نموذجا صارخا للانغلاق والتحجر والتمييز ضد المرأة والعنف الدموي وتكديس السلاح في بيوت الله التي يأبى الله أن تكون مخازن سلاح لقتل المسلمين قامت حفنة من "جند الله" الدمويين بإطلاق الرصاص على رأس شابة في الرابعة عشر من عمرها تدعى "مالالا ضياء الدين يوسفزاي"، عمرها البريئ يعفيها من تطبيق أي قوانين سماوية أو وضعية لأنها لم تبلغ سن الرشد. مالالا وهي في الحادية عشرة قاومت منع طالبان تعليم البنات في سوات وكان كل همها أن تتعلم وألا يحرمها سدنة الجهل والتخلف من التعليم لأن الله خلقها أنثى. والمقاومة في هذه السن المبكرة وفي بيئة سوات القاسية هبة إلهية. لم يشفع لمالالا حجابها ولا سنها وباسم الإسلام وجهت رصاصات إلى رأسها أمام زميلاتها في باص الطالبات الذي ينقلهن وهن عائدات من المدرسة . الحجة أن مالالا ذات الأربعة عشر ربيعا متغربنة Westernized وتدعو إلى العلمانية. أفي هذا السن؟ وفي سوات؟ لا يصدق العقل أن فتاة بالذات تنادي بالعلمانية التي لو فقه الطالبانيون مقاصدها لما عادوها ونبذوا ماهم عليه من أفكار وممارسات تقودهم إلى جهنم. من صوب الرصاص إلى مالالا قد يكون تتلمذ على يد شيوخ يمنيين عاشوا في بيشاور لسنين طويلة أثناء حرب الارتزاق ضد الوجود العسكري السوفيتي في افغانستان وأسهموا في وضع بذور الإرهاب الذي عانت منه اليمن والجزائر وباكستان ومصر والسعودية وغيرها وروجوا لخرافات بطولية للمجاهدين الأفغان لايقبلها العقل.في اليمن كانوا أصحاب مشروع تصفوي للحزب الاشتراكي 1990- و1993باسم الجهاد وشاركوا بهمة عالية في حرب1994، وغنموا ماغنموا من سلاح وأموال عامة وخاصة تحت عين وبصر السلطة وصالح شخصيا . والآن يجاهدون في اليمن من أجل إعادة خلافة إسلامية تعتبر الدولة التي قامت على أنقاضها نفسها دولة أوروبية وتتطلع إلى اوروبا أكثر من تطلعها إلى العالم الإسلامي وفيها وهي تركيا يعزى فشل نجم الدين أربكان إلى أنه توجه إلى حسن البناء وليس إلى اوروبا كما يفعل حزب العدالة والتنمية الآن بقيادة طيب رجب أردوغان. لا أحد يذكر الخلافة في عالم الإسلام الواسع وخاصة في أكبر الدول الإسلامية سكانا ، إندونيسيا وباكستان وبنجلادش وتركيا، وهي ليست حتى موضوعا لخطبة جمعة واحدة هناك. أصحاب الفراغ والأوهام من أبناء أوطاننا العربية الذين فوضوا أنفسهم للحديث باسم المسلمين كافة وهم أقلية (20%) هم من يحلمون بعودتها في عصر العولمة والتقنية والسماوات المفتوحة والتحدي الإسرائيلي الذي يجب أن يقابل بالعلم وبالعمل وليس بالمشاريع غير القابلة للتحقق وتضييع الوقت والموارد فيما لاطائل منه.هؤلاء يعيشون خارج التاريخ ولايقبلون بالديمقراطية ويقترحون بدلا منها تطبيق مبدأ الحاكمية لله لكي يمارسوها بصفتهم الحصرية أهل الحل والعقد نيابة عن الله سبحانه وتعالى وبدون تفويض من الشعب الذي لاقيمة له في نظرهم والذين ينكرون عليه أن يكون مصدر السلطات.هؤلاء لايقارنون بين أحوالنا وأحوال غيرنا ويجيبون على سؤال محوري وهو لماذا نحن متخلفون ؟ وهم في قوقعتهم وكهوفهم لا يتأملون مثلا في أحوال الهند العلمانية المستقرة التي تشكل مع الصين والبرازيل التحدي القادم للغرب ويعتبر مسلموها - الهند- أكثر الطوائف تمسكا بالنظام العلماني ودفاعا عنه .هناك لم تمنع علمانية الدولة التي عنوانها الرئيسي الديمقراطية والتعددية الدينية والسياسية أن يذهب رئيس الجمهورية بعد انتخابه إلى المعبد لنيل البركة. وفي الهند أيضا وردا على من يقول أن العلمانية ضد الغيب لم يشكل رئيس الوزراء الراحل ناراسيمها راو حكومته إلا بعد أن استشار المنجمين ،وهناك لايخاصم العلماني الهندي الهندوسية وفي منزله تمثال لإلهه. وللتاريخ فإن من وقف متضامنا مع المسلمين في وجه حزب الشعب اليميني المتطرف بعد هدم مسجد البابري في ديسمبر 1992 هم العلمانيون من الهندوس. العلمانية أشكال وأنواع ولا تحصر في تجربتين متطرفتين في تركيا وتونس. وليتذكر هؤلاء أنه لو كانت الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا غير علمانية لما استوطن فيها قرابة عشرين مليون مسلم وحملوا جنسياتها يفدون أوطانهم الجديدة بدمائهم.هل للطالبان شريعة غير الشريعة التي تقرها كل المذاهب الإسلامية التي لاتحرم تعليم الفتيات ؟ انتصرت مالالا وتعلمت الفتيات وفتحت المدارس بعد طرد طالبان من وادي سوات عام 2009م، ولكن طالبان لم تقبل بالهزيمة ولم تبرح شهوة القتل عقول إرهابييها، كما هو حال أشباههم في مأرب. في سوات قال أولياء أمور الطالبات وهم مسلمون إن بناتهم سيذهبن إلى المدارس وإنهم لن يستسلموا للإرهاب الطالباني. الجرثومة الإرهابية تم بذرها في بيشاورعن طريق "المدارس"Madrasas التي تساءل عنها مهاتير محمد بعد هجمات 11/9 الإرهابية، مستنكرا ومتألما لأنها مدارس بالاسم.. تلك المدارس لاتختلف عن كتاتيب الأئمة في اليمن الذين ثرنا عليهم عام 1962 سوى أن الأخيرة كانت غير مسيسة.. هذه المدارس تنتشر في اليمن باسم مدارس تحفيظ القرآن الكريم التي لايخفى هدفها السياسي واحتمال تنشئتها لعناصر بريئة اليوم ولكنها قد ترتكب أعمالا إرهابية في المستقبل لأن مدخلاتها التعليمية خارج المنهج التعليمي وقد تحتوي على مكونات تكفيرية وعلى كراهية الغير. في مأرب كان القاتل هو القاضي والمنفذ وكذلك في سوات.. ليرفع الإرهابيون أيديهم عن الزناد ليدخلوا الجنة مع عباد الله المسالمين الصالحين وفق الدين الوسط الذي لم نعد نستطيع الدفاع عن وسطيته بسبب هؤلاء المنحرفين. وليرفع أساتذتهم في باكستان واليمن وصايتهم على الإسلام ويصمتوا خيرا لهم وللإسلام، وكفاهم ما حل بنا من خراب بسبب فتاواهم. نجود اليمنية أين هي؟ ماحدث في سنوات حدث بشكل مختلف لطفلة يمنية تدعى نجود رفضت الأمر الواقع وقاومت زواجها وهي طفلة وحصلت قبل سنوات قليلة على جائزة دولية في الشجاعة وكان آخر خبر عنها هو منعها من السفر من مطار صنعاء في عهد الرئيس السابق صالح لأنها "تفضحنا خارج اليمن" وفق مانشر وقتها. ثم اختفت أخبار نجود نهائيا.. الإرهاب الفكري والديني هو هو سواء في باكستان أو في اليمن ومهما توارت نجود فقضيتها وقضية مالالا واحدة ونضالهما من أجل حقوق متساوية للمرأة لن يهزم . ولكن أين نجود؟ هل من مجيب؟.