مادتان دفعتا القوى الإسلامية ومناوئيهم في مؤتمر الحوار إلى واجهة المعترك السياسي مرة أخرى، لم تنقضِ سوى 21 سنة منذ العام 93م من الحشد الذي قادته قوى الإسلام السياسي ضد رفض الحزب الاشتراكي أن تكون المادة الثانية من الدستور "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريعات"، غير أن تثبيتها بعد انهزام المعسكر الجنوبي أمام المعسكر الشمالي في 94م؛ استقوى الإسلاميون بالموقف، وأذعن حزب المؤتمر صاحب السلطة لمطالب الإسلاميين في هذا المادة. غير أن مؤتمر الحوار وبما أثاره فريق بناء الدولة يوم الأربعاء الماضي حول المادتين الثانية والثالثة من الدستور دحرجت صخرة إلى بركة ماء راكدة لتستفز بها قوى الإسلاميين وتثير حفيظتهم على الأغلبية التي وقف أمامها الإسلاميون مشدوهين من إلغاء المادتين، إذ تعتبر القوى الإسلامية السياسية - حزبا الإصلاح والرشاد - أن مسألة المادتين قد أفرغ حلها النقاش، ولا تحتاج لتجييش ثانٍ بعد الذي صنعته في 93م، إضافة إلى ما أقرته القوى السياسية التي كانت شريكًا سياسيًا لحزب الإصلاح وهي الاشتراكي والناصري بالرؤى المقدمة لفريق بناء الدولة قبل أكثر من شهر على "أن الاسلام دين الدولة والشريعة المصدر الرئيسي لجميع التشريعات". تفجير الموقف في يوم الأربعاء الماضي فجر تصويت على المادتين الأولى والثانية من الدستور خلافا بين أعضاء فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار، وصوت 84% من الأعضاء على أن دين الدولة هو الشعب وأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريعات، وهو ما فاجأ حزب الإصلاح ممن كان قد اتفق مع شركائه السياسيين في حزب الاشتراكي والناصري في رؤيتهم حول هوية الدولة، وهي أن تبقى المادتان كما هي دون تغيير، وهو ما دفع حزب الإصلاح والرشاد السلفي إلى تسجيل موقف من التصويت وانسحابهم من الفريق. لم تكتفِ القوى الإسلامية في الفريق على الانسحاب، بل صعدت من الموقف فأصدر كمال بامخرمة بيانا وهو من المكونات المدنية التي تشارك في مؤتمر الحوار عن جمعية الإحسان السلفية، وقال إن قرار التصويت "يكرِّس الشرك بالله ويشرعنه"، واتهم أعضاء الفريق فيما أصدره بامخرمة في بيانه الذي نشره يوم الجمعة الماضية أن فيه تجنيا على الفريق وتكفيرا لموقفهم من المادتين. غير أن بيان كمال بامخرمة أفسح مجالا للشيخ عبدالمجيد الزنداني - أحد قيادات جماعة الإخوان في اليمن - ليشد من عضد البيان الأول، وأبدى الزنداني في أول كلمته التي ألقاها يوم السبت إعجابا بما قدمه بامخرمة من موقف ضد تصويت الفريق بشأن تعديل المادتين، واعتبر الزنداني أن إلغاء مؤتمر الحوار لإسلامية الدولة اليمنية إقصاء للدين، وهو أمر مرفوض وأن الشعب اليمني سيتصدى له وسينتصر لدينه، حسب قوله. وأن "الدستور القائم هو الدستور الشرعي الذي يحكم بلادنا وقد تم الاستفتاء عليه من قبل الشعب اليمني". كملة الزنداني التي أصدرها بعد أن غاب على المشهد السياسي أكثر من شهور، دفعت بردود فعل من القوى المدنية ضد ما أسموه "الفتاوى التكفيرية" لفريق بناء الدولة، وأن هذه "الحملة كشفت عن مدى اختراق التيارات الدينية المتشددة لمؤتمر الحوار عبر مكونات المجتمع المدني، حيث وصل رجل دين متشدد وتكفيري إلى فريق بناء الدولة، عبر هذه المكون". وعلى خلفية بيان بامخرمة علق فريق بناء الدولة بمؤتمر الحوار الوطني اجتماعاته يوم السبت وأعلن كل من نائب رئيس الفريق وعضو الفريق علي أبو حليقة - أعلنا استقالتهما من الفريق احتجاجا على بيان كمال بامخرمة، والذي قالوا "إنه تم تكفير أعضاء الفريق". فيما تحولت المسألة من نقاش المادتين إلى ردود فعل شخصية بين القوى وهو ما دفع رئاسة مؤتمر الحوار لإصدار بيان يوم السبت، والذي دان فيه الهجمات التحريضية ضد أعضاء مؤتمر الحوار من فريق بناء الدولة، واعتبرت رئاسة المؤتمر تلك الهجمات تزييفا للوقائع وتصويرا للنقاشات التي حدثت في الفريق وكأنها بين من هو مع الدين وبين من هو ضده، وهذا تصوير خاطئ لحقيقة النقاشات ومحاكمة للنوايا. وأكد البيان الصادر عن الرئاسة "أنها إذ تدين تلك البيانات والتناولات الإعلامية المجافية للحقيقة، فإنها تؤكد على أن الإسلام والهوية العربية والإسلامية للدولة والمجتمع ليستا قضية خلافية مطروحة للنقاش، وأن مثل تلك البيانات ما هي إلا محاولة لجر مؤتمر الحوار الوطني إلى معارك جانبية خارج إطار مهمته الرئيسة والمتمثلة بالتعاطي مع مطالب الشعب اليمني في بناء دولة العدالة والحرية والديمقراطية وبلورة رؤى من شأنها معالجة الإشكالات والقضايا الوطنية وصولاً الى يمن جديد تتحقق فيه المواطنة المتساوية وينعم أبناؤه بالأمن والاستقرار وتفتح فيه الأبواب مشرعة لتحقيق تنمية مستدامة شاملة تُلحق اليمن بركب العصر". في المقابل دافعت القوى الإسلامية في مؤتمر الحوار عن موقفها فيما يحدث في فريق بناء الدولة، وأن ما يعرضه البعض هو "ادعاءات" حسب وصف الدكتور العامري بما صورته على الشيخ الزنداني بأنه يعمل على التحريض والتكفير، وقال محمد العامري، وهو عضو في لجنة التوفيق بمؤتمر الحوار: "وقفت على بيانه - الزنداني- ولم أجد فيه ما يتهم به، ولكن هناك خلفيات سياسية الكل يعرفها، ونقول: طالما الحرية مكفولة للجميع فمن باب أولى أن يكون العالم ليس على قوله وصاية أو حجر، وأعتقد أن كثيراً من الناس يحاولون تسييس الأمور، وأن يحملوا الكلام ما لا يحتمل،الشيخ عبدالمجيد بالنهاية عالِم ومن حق العالم أن يبدي رأيه". ووصف العامري الحملة التي تُشن ضد الزنداني بأنها من باب المزايدات الحزبية والسياسية الهادفة لإسكات أصوات العلماء والحد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، - حسب ما نقل عنه موقع الخبر - معتبراً هذه الحملة تجنيا وتعديا على حق الرأي ورسالة العالم التي من المفترض أن يقولها". حيثيات الخلاف على الرغم من تراجع بامخرمة من البيان الذي فجر خلافا بين مؤتمر الحوار واعتذاره لأعضاء الفريق حسب ما نقل عنه إلا أن حيثيات الخلاف حول المادتين ما زالت هي أصل المشكلة، وما هي المبررات التي استند عليها أعضاء الفريق حول تعديل المادتين، إذ يعتبر حزب الإصلاح أن الحل يقتضي "وضع أسس دستورية لا تتعارض مع ثوابت الإسلام والاتفاق على رؤية مناسبة لمخرجات الدستور القادم تحظى بقبول الشعب. ويقلل أحمد عطية - ممثل الإصلاح في فريق بناء الدولة - من الخلاف الحاصل، حيث يقول - كما نقل عنه "الجزيرة نت ": إن أعضاء الفريق عندهم الحب الكامل في أن تكون المرجعية في القوانين هي الشريعة دون استثناء"، فيما تستند جماعة الحوثي على أن هناك "تعارضًا بين أن يكون الإسلام هو دين الدولة، وأن مطالبة أن يكون الإسلام دين الدولة هي اعتبارية افتراضية شأنها شأن المؤسسات والهيئات الأخرى، بينما الدين لا يكون إلا للشخص الحقيقي ممثلاً بالشعب". وأكد عبدالكريم جدبان ممثل الحوثيين في مؤتمر الحوار أنهم "طالبوا أن تلتزم سلطات الدولة الممثلة للشعب بثوابت الإسلام وتكون المذاهب فيها معتبرة ". وتستند جماعة الحوثي "أنصار الله"، وهي أحد المكونات التي صوت ممثلوها على التعديل في المادتين، أن إقرار مادة "الشريعة المصدر الوحيد" يتناقض مع المادة التي تنص على أن "الشعب مالك السلطة ومصدرها"، والتي أسندت التشريع لجهات أخرى إلى جانب الشريعة، وكيف يتم إقرار الشريعة كمصدر وحيد للتشريع في حين يمارس الشعب حالياً التشريع الخاص عن طريق النواب في البرلمان، وهناك تشريع اللوائح الذي تضعه السلطة التنفيذية للدولة. وأما حزب المؤتمر فليس له مبرر يستند على إيديولوجية في التعديل حول المادتين، إلا أنه ينطلق من معارضة سياسية حزب الإصلاح، وهو ما بينته أغلب الرؤى التي قدمها في مؤتمر الحوار، وأظهرت هجوما متبادلا لاسيما في فريق القضية الجنوبية وصعدة وبناء الدولة، غير أن بقية القوى كالاشتراكيين والناصرين لم يكن لديهم أي مبرر أيضا أثناء التصويت للتعديل على المادتين، على الرغم من إقرار رؤيتهم المشتركة بالمادتين، وفي ذلك يدفع بالسؤال عن خلفية انقلاب الحزب الاشتراكي والناصري الذي صدم حزب الإصلاح، حلفاؤه في السياسة منذ ما يقارب السبع سنوات. أبعاد الانقلاب على الإصلاح لم يكن يتوقع الإصلاح أن ينقلب عليه الحزب الاشتراكي والناصري في فض ما اتفق عليه حول تجميد المادتين دون تغييرها، وهو ما عبر عنه ممثلو الإصلاح في فريق بناء الدولة وانسحابهم بعد الاصطدام باتفاق حزب المؤتمر والاشتراكيين والناصريين والحوثيين وبقية القوى المدنية على تعديل المادتين، إذ يبرز أولا هذا التحول تزامنا مع ما أفرزته الأحداث في مصر مكونة نشوة انتصار القوى المعارضة وفي مقدمتها اليساريون والناصريون على جماعة الإخوان، وباعتبار أن ما يحدث في مصر لا يكون في منأى عن اليمن، وأنها ستكون فرصة سانحة للضغط على الإسلاميين في اليمن. وبعد الحملة التي أثارها رموز دينية مثل عبدالمجيد الزنداني، وتحركات الإصلاح والتواصل مع قيادات الاشتراكي والناصري؛ تراجع الحزبان ورضخا لمطلب أن تبقى المادتان دون التعديل عليها، حيث تم التفاهم داخل اجتماع لتكتل اللقاء المشترك مطلع الاسبوع الجاري في ضوء الاتفاق السابق على أن الثلاث مواد في الباب الأول من الدستور لا يتم المساس بها، وأن لجنة التوفيق التابعة لمؤتمر الحوار حسب ما نقلته "صحيفة البيان"، والتي رفعت إليها هذه النقاط ستعيدها إلى فريق بناء الدولة بعد أن تم التفاهم مع ممثلي اللقاء المشترك فيه على ألا يتم الخروج عما تم الاتفاق عليه، وأن تكون الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات. مبادرة جديدة ليس بعيدا عما يدور في فريق بناء الدولة الذي تصدر المشهد السياسي خلال هذه الأسبوع، فقد كشف وزير التعليم العالي اليمني السابق عضو مؤتمر الحوار صالح باصرة، أنه سيتم قريبا توقيع مبادرة إضافية من قبل القوى السياسية اليمنية التي وقعت المبادرة الخليجية، تنص على الموافقة على أن تكون الدولة المقبلة دولة اتحادية من أقاليم وتوزيع عادل للسلطة والثروة بين الأقاليم، وعلى أساس أن المبادرة الإضافية بعد توقيعها سيطلب من المكونات التي لم توقع على المبادرة الخليجية، أن توقع عليها أو تدعمها، وتكون عاملا مساعدا لخروج مؤتمر الحوار من أزمة القضية الجنوبية وأزمة صعدة. وأضاف باصرة: "سيتم إجراء انتخابات لرئيس الجمهورية وتشكيل جمعية تأسيسية بالتساوي بين الجنوب والشمال, بحيث تتولى هذه الجمعية سلطتين هما التشريعي خلال المرحلة الانتقالية الثانية بهدف نقل الدولة من الدولة البسيطة إلى الدولة المركبة، والثاني استكمال إعداد الدستور وإجراء الاستفتاء عليه". وفيما يتعلق بالجانب التشريعي حسب ما نقلت عنه "السياسية" أوضح أن الجانب التشريعي يتمثل في إصدار القوانين بعد الاستفتاء على الدستور للدولة الجديدة، على أن تكون الحكومة حكومة كفاءات فنية من جميع الأطراف تقوم بعملية نقل الدولة خلال فترة انتقالية من ثلاث إلى أربع سنوات، لنقلها من الدولة المركبة إلى الدولة البسيطة بحيث تتم مناقشة تحديد عدد الأقاليم، ولفت إلى أن "بعض العقلاء في السلطة والأحزاب السياسية هم من يرتبون لهذه المبادرة، ويتوقع أن تستكمل الموافقة عليها خلال الأيام المقبلة بحيث يدعم هذا التوجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورعاة المبادرة الخليجية العشرة".