رسائل الآستاذ النعمان من الماضي إلى حاضر لم يكد يتغير. أطلت علينا الذكرى السابعة عشر لرحيل الأستاذ أحمد محمد والوطن اليمني ليس أفضل كثيرا مما كان عليه في زمن الأستاذ، إذ يبدو أن اليمنيين يعيدون تاريخهم بطريقة مشابهة ضدا على مقولة إن التاريخ لايعيد نفسه. الوسط في هذه المناسبة تستعيد جزءا من رسائله التي كان بعثها لأشخاص وقادة في الدولة يبدو قادة يمن اليوم أكثر حاجة لاستذكارها وفهمها لعل الله يهدي بها قوما ضالين رغم ماعاناه الرعيل المناظل الأول من تجاهل الجهلاء في هذا العصر. وفي رسالة نقتطف منها مرارة نكران من تربعوا على السلطة في هذا الجيل دون نضال يذكر أو كفاءة ترجى وعبر عنها الأستاذ في رسالة إلى الحاج عبدالله عثمان عام 1982م قال فيها: .. لا تشرك بالأبطال المسلحين أحدا ولا تنافسهم ولا تنتظر إنصافا وأنت ضعيف ولا حقا وأنت أعزل ولا ذكرا حسنا وأنت لا تحمل السلاح ولا تنتمى لفئة من الفئات التى تحمل السلاح والكرباج... .... لقد امتد بنا العمر إلى جيل يستكثر علينا مجرد الحياة، جيل لايرحمنا ولا يقدر ظروفنا ولا السنين التي مرت بنا ولا الأهوال التي طحنتنا ولا الآلام النفسية والجسدية التي أنهكتنا وأرهقتنا ولا المصائب والنكبات التي نزلت بنا جيل لايدرك أننا نتجلد ونصبر ونعاني ونضحك وصدورنا مشحونة بالأحزان وقلوبنا تنزف دما. من كتب هذه الرسالة في هذا العمر هو نفسه من سطر رسائل العز وكلمات الحكمة فيم يلي من نصوص خالدة. في رسالة إلى بعض المهاجرين الأحرار عام 1958م: الخارج لا يستطيع أن يتولى الكفاح عنكم واليمنيون يجب أن يفقهوا محنتهم ... إنه منذ اليوم لا حاجة لإقناع العالم الخارجي بسوء الأحوال وفساد الأوضاع في اليمن وكسب عطفه ومساعدته ولكن الواجب هو إقناع اليمنيين أنفسهم بضرورة العمل للخلاص مما هم فيه.. اليمنيون في الداخل والخارج هم الذين يجب أن يفقهوا محنتهم وقضيتهم ويتكتلون ويتحدون ويؤمنون بأن لهم حقاً في الحياة وفي الأرض التي ولدوا فيها واختصهم الله بها يعيشون فيها أحراراً كراماً تسعد بهم بلادهم وتنتفع الإنسانية بهم. اليمنيون اليوم هم المسئولون وحدهم ونحن لم نصدر كتاب (سوريا واليمن) إلا لكي نقول لأبناء اليمن إن العالم كله ينكر الأوضاع في بلادكم ويعرف سوء الأحوال أكثر مما تعرفون وأنه مستعد لمعاونتكم وتوجيهكم والأخذ بيدكم. ولكن هذا العالم الخارجي لا يستطيع بحال من الأحوال أن يتولى الكفاح عنكم داخل بلادكم وقد قال البيطار وزير خارجية سوريا بالحرف الواحد: (ولكن علينا أن نعلم بأن نهضة اليمن لا يمكن أن تقوم إلا على اليمانيين أنفسهم، وأن تكون مساعدتنا لهم في حدود التوجيه والتعليم والتدريب). من كلمته كأول رئيس لمجلس الشورى عام 1964م: كيف يمكن أن يتم تصفية ميراث التاريخ الطويل والبلاد تعيش في حرب حقيقية..؟.. إن أعضاء مجلس الشورى يجب أن يكونوا على مستوى عال من الخلق والإخلاص والعلم والفهم والإدراك التام لمشاكل اليمن والإحساس بمطالبها وأمانيها وأحلامها قادرين على التعبير عنها باحثين عن الوسائل التي تحل بها المشاكل وتحقق المطالب مجندين قوى الشعب كلها للعمل والبناء. أيها المواطنون: إن العضوية في مجلس الشورى وكالة عن الأمة كلها، والوكيل يجب أن يتصف بالأمانة والصدق والكفاءة ومن لم يجد في نفسه الأهلية للقيام بهذه الوكالة فحرام عليه أن يقحم نفسه ويحملها ما لا تطيق. حرام عليه أن يحول دون من يستطيعون القيام بتلك الوكالة حرام عليه أن يظلم شعبه ويفوت عليه الاستفادة من جهود القادرين المخلصين العاملين. ألا فليعلم كل مواطن أن العضوية في مجلس الشورى ليست منصباً ولا مرتباً ولا مغنماً. لا. لا. لن تكون ذلك أبداً، ولكنها سهر وتعب وتجرد تام للخدمة العامة ودرس لمشاكل اليمن كلها داخلية وخارجية ورقابة صارمة أمينة على الحكومة وعلى أعمالها وإنجازاتها ومختلف مصالحها. أيها المواطنون: لقد كان العهد الذي قطعته على نفسي وعاهدت الله والشعب عليه يوم أسندت إلي رئاسة مجلس الشورى، كان العهد كما يأتي: (أقسم بالله العظيم. أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري وأن أرعى مصالح الشعب وسلامة الوطن وأن أحترم الدستور والقانون). وبناءً على هذا العهد أشهد الله والشعب مرة أخرى أنه إذا كان مجلس الشورى سيصبح مجرد مصلحة من المصالح التي يزدحم الناس على أبوابها للحصول على الوظائف وعلى المعاشات ولا شيء غير ذلك. أشهد الله أنني سأكون أول من ينسحب من هذا المجلس حتى لا أنقض العهد أو أضلل الشعب وأغشه وأخادعه. من كلمته بعد توليه رئاسة الحكومة ودعوته إلى السلام عام 1965م: .... إننا لا نستطيع بحال من الأحوال أن نتوجه لحشد قوى الشعب جميعه لمواجهة المشاكل، إذا لم تكن قوى الشعب متحدة منسجمة، تعيش في سلام ومحبة وإخاء. كيف يمكن أن يتم تصفية ميراث التاريخ الطويل من العهود جميعاً، والبلاد تعيش في حرب حقيقية..؟ كيف يمكن أن نقضي على شيء مما نشكوه، ونحن متناحرون متخاصمون، عاكفون على الكيد لبعضنا؟. إنني أقولها صريحة محددة: لم آتِ للحكم كي أحكم. ولكني جئتُ للحكم أساساً من أجل العمل للسلام. ذاك هو هدفي الأول والأخير في هذه المرحلة. ولم أكن مؤمناً أبداً أن الحرب وسيلة للسلام بين المواطنين أبداً. إنها وسيلة سلام بين الأعداء. أما بين المواطنين فالحب والمودة والإخاء والتفاهم. التفاهم والتفاهم والتفاهم هو سبيل السلام. وإيماناً مني بهذه الوسيلة الإنسانية المسالمة حددت الطريق إلى السلام بالالتقاء بين كافة العناصر الشعبية القيادية في مؤتمر وطني يبحث فيه مشايخ القبائل والطلائع المستنيرة الأسس الكفيلة بإحلال السلام الدائم في ربوع بلادنا، ووضع القواعد السليمة لحل المشاكل بالطرق السلمية. والذين يعيشون على هذا المستوى. الذين يجندون أنفسهم لإطفاء الحريقة الكبرى التي تشتعل بها بلادهم. لا يستطيعون بحال أن يلتفتوا لخلافات شخصية عابرة، أو ينفعلوا بأحقاد تافهة، أو يجعلوا من خلاف في الرأي بينهم وبين غيرهم معركتهم الأساسية. إننا لندعو للسلام بالسلام. حتى أولئك الناقمين والحاقدين والمعادين لن يجدوا منا غير السلام. فالسلام غايتنا. والسلام وسيلتنا. (لئن بسطت يدك إلي لتقتلني، ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين، إني أريد أن تبوء بإثمي فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين). من رسالته إلى الرئيس قحطان الشعبي في اليمن الجنوبي عام 1967م: العزل السياسي لمن أجرم في حق الشعب عامداً متعمداً متروك للعدالة. كونوا مدرسة أخلاقية إنسانية واضربوا المثل للذين يتخذون من السلطة وسيلة للانتقام والبطش واعلنوا في هذه اللحظة التي تنتصرون فيها أن الجنوب لأبنائه جميعاً وأن المسؤولية يتحملها القادرون عليها جميعاً وأن الاستبعاد لأي مواطن لا يجوز أما العزل السياسي لمن أجرم في حق الشعب عامداً متعمداً ومحاسبته وعقابه فهذا متروك للعدالة. اشعروا الجميع حتى الذين اختلفوا معكم وناصبوكم العداء أنكم فوق الخصومات وفوق الخلافات. اجعلوا المخطئين يشعرون أنهم ليسوا أول من أخطأ أو ضلّ أو خدع أو غررت به الدعايات المضللة والشعارات الزائفة. أرجو ألا تستبد بنا نشوة الانتصار على إخواننا ومواطنينا مهما كان الخلاف فإن أكثر الخلافات كما نعرف جميعاً كانت تغذى من خارج بلادنا، ومن غير طبيعتنا وأخلاقنا. انتصروا على أنفسكم وأهوائكم في هذه اللحظة وهذا هو الانتصار الحقيقي، إن المسؤولية هي الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً. لا تحرموا الوطن من أي عنصر يصلح لخدمته ويسد فراغاً ولو كان من ألد خصومكم، فمن الخدمة للوطن والوفاء له الإنصاف، الإنصاف (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، إعدلوا هو أقرب للتقوى). من رسالة إلى النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب عام 1968م: الإختلاف في الرأي أو المذهب لن يحول دون التعايش في سلام وعدالة ومساواة.. إن الذين عاشوا في الماضي كان لهم عذرهم في التعصب واحتكار السلطات والاستغلال والارتزاق بالسلاح.. ولكنا في العصر الحاضر عصر العلم والتحرر والتطور والحضارة لا يقبل منا ما كان يقبل ممن عاشوا في الماضي ولا نعذر كما يعذرون. إن واجبنا ما دامت الفرصة بين أيدينا أن نعلم أولئك الذين حكمونا بالأساليب الظالمة القاسية.. نعلمهم كيف ينهجون السبيل القويم سبيل الرفق والإنصاف.. لا سبيل العنف والإجحاف، حتى يتأثروا بسلوكنا وأسلوبنا ويعاملوننا بنفس المعاملة فيما لو فشلنا وأصبحنا تحت رحمتهم من جديد.. علينا أن نعلم الآخرين كيف يتعاملون مع كل المواطنين وأن نرسم لهم الطريق الصحيح لتحقيق الوحدة الوطنية الشاملة وتبادل الثقة وحسن الظن وإزالة الشكوك، ونبين لهم أن الإختلاف في الرأي أو المذهب وحتى في الدين لن يحول دون التعارف والتفاهم والتعايش في سلام واستقرار وعدالة ومساواة.. من رسالة إلى القاضي الإرياني عام 1970م: واجبنا ألا نستسلم لضغط أولئك الحريصين على استمرارنا في الحكم. قد تكون السلطة أخاذة، جذابة، تسحر العقول والقلوب والأبصار، وتغري بالحرص عليها والإصرار على البقاء فيها والتمتع بمظاهرها ومباهجها، وحماية أشخاصنا من التعرض لكل ما يؤذينا من جديد ماديا وأدبيا، ولكنا ممن روضوا أنفسهم على الخشونة والتقشف والجوع والصبر والجلد، فإننا لم نولد وملاعق الذهب في أفواهنا والحرير الديباج في مهادنا والزهور والورود مفروشة في طريقنا.. ... واجبنا ألا نستسلم لضغط أولئك الحريصين على استمرارنا في الحكم، وأن نتحرر من مجاملتهم والاستجابة لرغبتهم، فهم وإن كانوا بمشاعرهم وعواطفهم معنا، ولكن عقولهم لا تقبل أو لا تدرك حتى الآن المصلحة العامة.. إنها بعيدة عن أفهامهم وغير معقولة لديهم إذ لم يجربوها ولن يؤمنوا بمن جربها قبلهم. من رسالة إلى رئيس مجلس الشورى الشيخ عبدالله الأحمر يسحب ترشيحه لعضوية المجلس الجمهوري عام 1972م: عودت نفسي أن أتخلى عن المناصب براحة ضمير كلما شعرت أن بقائي فيها قد يثير خلافاً.. ... إن اليمن ووحدتها ومصلحتها فوق المصالح الشخصية والكراسي والمناصب والأهواء والأغراض. إن الأفراد زائلون والشعوب باقية. وحسبي أن أرضي ضميري بعدم المنافسة على عضوية المجلس الجمهوري التي رشحني لها من أعتز بثقتهم بي من أعضاء مجلس الشورى ومنحوني أصواتهم في السر والعلن وبصدق ورجولة... ولقد عودت نفسي أن أتخلى عن المناصب براحة ضمير وسلامة صدر كلما شعرت أن بقائي في المنصب قد يثير خلافاً، أو يفرض علي سياسة لا أرضاها. وسبق لي أن استقلت: من رئاسة مجلس الشورى عام 1964، ومن رئاسة الحكومة بعد مؤتمر خمر عام 1965، ومن عضوية المجلس الجمهوري عام 1967، ومن رئاسة الحكومة مرة ثانية عام 1971م. وما وجدت إلا التقدير والاحترام والوفاء من الإخوة والأبناء في مختلف الحالات سواء كنت في السلطة أو خارجها. من كلمته عقب اغتيال الشيخ محمد علي عثمان عام 1973م: الشعوب لا تهزم من الخارج ولكنها تهزم من الداخل أيها الإخوة والأبناء.. إن الحاقدين والمرجفين والمفسدين يستغلون لحظات الفزع والجزع الذي يستبد بالناس عند المصائب فيندسون في الصفوف يلبسون مسوح الرهبان الغيورين المصلحين ويركزون الهجوم على القيادات ويرمونها بالتهم ويلصقون بها صفات العجز، وهدفهم إثارة الشك في نفوسكم ونزع الثقة من صدوركم وإيجاد هوة سحيقة بينكم وبين قيادتكم، وهذا ما يهدف له أعداء الحياة، احذروا هؤلاء الحاقدين الذين لا يقل خطرهم عن خطر الذين يباشرون التخريب وزرع الألغام لقد هدد الله المرجفين والمنافقين قائلاً: "لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً سنة الله في الذين خلوا من قبل لن تجد لسنة الله تبديلا". هؤلاء دعاة الهزيمة ودعاة الرعب والخوف موجودون في كل أمة وفي كل زمن حتى زمن النبوة لم يخل من ذلك, إن المحن والكوارث يستقبلها العقلاء بشجاعة وإيمان وثبات، وأية بلاد لم تنكب بالمخربين والمفسدين والمتسللين من الخارج لنشر الفوضى والفتنة ولكن ذلك لا يفت في عضد الرجال ولا يزلزل ثقتهم بالله ولا بأنفسهم, إن الشعوب لا تهزم من الخارج ولكنها تهزم من الداخل, فإذا حصنتم أنفسكم بالإيمان والثقة ببعضكم البعض ووقفتم صفاً واحداً كالبنيان المرصوص فلن تهزموا أبداً. من كلمته بعد أدائه اليمين الدستورية كعضو بالمجلس الجمهوري في نوفمبر 1973م: إن اليمنيين في الشمال والجنوب سيحلون مشاكلهم وخلافاتهم بأنفسهم ... إن الحاضر الحسن يطمس الماضي السيء ويمحوه "إن الحسنات يذهبن السيئات" وكما قلت آنفاً إن الناس لا يفكرون في سيئات الماضي إذا وجدوا حاضراً حسناً، وهكذا الخصومات لا يفكرون الناس بماضيها إذا تفاهموا واتفقوا وتعاونوا وكما يجب الإسلام ما قبله فإن التفاهم يجب الخصام والوفاق يقضي على الخلاف. إن العالم اليوم بعد انقسامه الخطير الذي جلب الحروب والكوارث للشعوب لم يجد حلاً لمشاكله لا بالحرب الباردة ولا بالحرب الساخنة ولم يجد الحل الحقيقي إلا في التعايش السلمي وفي التسامح والتنازلات. إن الأعداء أصبحوا أصدقاء لأنهم يسيرون في سياستهم على العقل والمصلحة لا على العاطفة والمزاج، وأنا لا أستطرد هذا القول لتشبيه والعياذ بالله فإنه ليس من أبناء شعبنا عداوات ولا حروب ولكن هناك خلافات يوسعها التباعد وعدم اللقاءات ويغذيها الجهل أحياناً والخوف أحياناً إلا إني على ثقة من الله أن اليمنيين في الشمال والجنوب، وهم كما قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم "أرق أفئدة وألين قلوباً"، سيحلون مشاكلهم وخلافاتهم بأنفسهم ويجمعون كلمتهم ويعتصمون بحبل الله جميعاً ولا يتفرقون "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا". بلدي الغالي قد دخل صراع العصر، أرجو أن يحفظه الله. من رسالة إلى الشيخ عبدالعزيز التويجري نائب رئيس الحرس الوطني السعودي عام 1985م: اليوم، ويدي صفر من نتيجة آمالنا الكبار التي سقط من أجلها الشهداء في اليمن، وفي الوطن العربي الكبير وسائر أقطار الإسلام، لاشيء أقول إلا: اللهم لطفك ورحمتك بعبادك الضعفاء! فعالم الأقوياء والسّفهاء والمجانين والمتطرفين والحاقدين والدجالين والمنافقين والعصابات الإرهابية والزعامات الصارخة المجنونة التي خرجت من المجهول في القرن العشرين، والتي لانعرف من أين أتت وفي أي تربة نبتت.. هذا العالم بكل هذه الفئات يكاد يعصف بإيمان أشد الناس إيماناً، ويزلزل يقينهم كما زلزلت البأساء والضراء أنبياء الله ورسله(أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين أمنوا معه متى نصر الله)..(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون).. .. وأئمتنا في اليمن، رحمهم الله، عاشوا الحياة كما فهموها وكما ورثوها، بل وكما عاشها الحاكمون في الماضي، عاشوا تقاليدهم وعزلتهم.. أوحشتهم الحضارة المعاصرة التي لم يعرفوها ولم يألفوها، وشعروا أنهم غرباء عنها، وهكذا وقع الإنشقاق بين مفهوم ومفهوم وجيل وجيل. واليوم، وبلدي الغالي قد دخل صراع العصر، أرجو أن يحفظه الله، وأرجو من الله أن يحفظ جزيرة العرب التي تتداعى الأمم على خيراتها كما تداعى الأكلة على القصعة والتي تقع مسئوليتكم أنتم عليها بالدرجة الأولى.. ومن في اليمن وغيرها من شعوب الجزيرة هم إخوانكم وأبناؤكم وآباؤكم، كما أنكم أنتم لهم كذلك، فتعاونوا وتراحموا فيما بينكم وكونوا عوناً لبعضكم بعضا!!