الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    الشهادة منحة إلهية    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    في وقفات شعبية وفاءً لدماء الشهداء واستمرارًا في التعبئة والجهوزية..قبائل اليمن تؤكد الوقوف في وجه قوى الطاغوت والاستكبار العالمي    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    الدوري الانكليزي: مان سيتي يسترجع امجاد الماضي بثلاثية مدوية امام ليفربول    نجاة برلماني من محاولة اغتيال في تعز    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    الأهلي يتوج بلقب بطل كأس السوبر المصري على حساب الزمالك    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    عين الوطن الساهرة (1)    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    نائب وزير الشباب يؤكد المضي في توسيع قاعدة الأنشطة وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية    الدوري الانكليزي الممتاز: تشيلسي يعمق جراحات وولفرهامبتون ويبقيه بدون اي فوز    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحاكم ضرب لنا مثلاً ونسي شريكه.. الوطن ينتظر مخاضاً جديداً
نشر في الوطن يوم 24 - 01 - 2008

فيصل مكرم* - الحزب الاشتراكي شريك في تحقيق الوحدة وقيام الدولة اليمنية الجديدة في 22 مايو 90.. وهذه الشراكة لا بد وأن يكن لها الشريك الآخر الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) التقدير والاعتراف الذي تستحق، بغض النظر عما حدث من خلافات وأزمات سياسية بين الشريكين خلال سنوات المرحلة الانتقالية لدولة الوحدة، مروراً بأول انتخابات نيابية في 27 أبريل 93 وانتهاءً بحرب صيف 94 وما خلفته من آثار، حيث بات اليمنيون اليوم وبعد مرور 14 عاماً مستعدين تماماً لطي صفحاتها وإغلاق ملفها المؤلم في إطار الحفاظ على الوحدة الوطنية وترتيب البيت اليمني من الداخل، ناهيك عن مواجهة التحديات الراهنة والاستحقاقات المستقبلية لهذا البلد العربي العريق.
ومما لا شك فيه أن الحزب "الاشتراكي" عانى كثيراً منذ حرب 94 وحتى اليوم.. ذلك أنه تحمل على كاهله نتائج الحرب على حساب تاريخه الوطني الوحدوي، وواجه بصبر كل محاولات هدفت إلى مصادرة دوره كشريك في تحقيق حلم كل اليمنيين المتمثل في الوحدة، سواء من جانب الشريك الآخر وحلفائه أو التي استهدفت الحزب من داخله ومن بين جناحيه والمتمثلة في تيارات الدعوة إلى تكريس "الانفصالية" في منهج "الاشتراكي" وفي خطابه السياسي، بحجة مقاومة الظلم والتهميش الذي لحق بالحزب منذ حرب 94، غير أن "الاشتراكي" لا يزال صامداً وثابتاً على شراكته وهويته الوحدوية، ومن هنا يتوجب على الشريك الآخر (الحزب الحاكم) مراجعة مواقفه وفتح صفحة جديدة مع "الاشتراكي" انطلاقاً من دوره الوطني وشراكته في الوحدة، وتجسيداً لقيم التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد.. هذا التعايش الذي لا يمكن أن يستقيم حاله ويدوم مستقراً ما لم تطو صفحات الماضي، بل وتحرق لتصبح رماداً تذروه الرياح.
والشاهد أن التاريخ يؤكد أن توارث الشعوب والأجيال للصراعات والثارات والحروب لا بد وأن يكون سبباً في إنهاك أي بلد وتخلفها وضعفها، وسبب عجزها عن اللحاق بركب الشعوب التي طوت خلافاتها وتجاهلت موروثاتها الكئيبة، ذلك أن لكل شعوب المعمورة ودولها إرثها الخاص بها من الصراعات والحروب والمنازعات، سواء كانت أثنية أو سياسية.. غير أن الشعوب التي أمكن لها تجاوز المحن وطي صفحاتها وجعلها من الماضي هي التي باتت اليوم دولاً كبرى وشعوباً متقدمة ومزدهرة.
وتأسيساً على ذلك فإن الوحدة اليمنية أحوج اليوم إلى شريكي تحقيقها للذود عنها، كما أن استقرار الوطن وازدهاره بحاجة إلى جهود كل أبنائه دون إقصاء أو استثناء.
إن عودة الحزب "الاشتراكي" إلى مربع الشراكة مع المؤتمر (الحاكم) أصبح ضرورة تفرضها وقائع وتطورات المشهد السياسي اليمني الراهن، بل ونوايا الرئيس علي عبدالله صالح في إغلاق ملفات الصراع السياسي، بما فيها ملف حرب صيف 1994، والتي أكدها عشية احتفالات الوطن بالذكرى ال 40 لاستقلال الجنوب من التاج البريطاني في خطابه بالمناسبة في عدن، والذي تضمن دعوته لقيادات الاشتراكي (المعارضة) في الخارج للعودة إلى الوطن، وتكليف مستشاره سالم صالح محمد علي رأس لجنة لإنهاء ما خلفته حرب 94 وطي ملفها.
وأياً كانت ردود فعل قيادات الخارج من دعوة الرئيس فهي متوقعة، انطلاقاً من مخاوف تلك القيادات، ناهيك عن حساباتها الخاصة، وربما كان للبعض مصلحة أو دوافع انتقامية من رفض التجاوب مع دعوة الرئيس ورفع سقف المعارضة من الخارج للحكم في الداخل من خلال الشعارات المناهضة للوحدة والداعية لاصطفاف "جنوبي"، ولعمري أن هذه الشعارات والدعوات تسيء لأصحابها وتترك لدى متابعيها انطباعاً غالبه الاستهجان من تصرفات يقدم عليها يمنيون تخدش انتماءهم وهويتهم الوطنية.
من هنا تأتي حتمية عودة "الاشتراكي" إلى موقع الشريك في تحقيق الوحدة، بحيث يتمكن من القيام بالدور المنوط به للجم هذه الأصوات والدفاع عن وحدة وطن حمل شعارها عبر تاريخه، وشارك في تحقيقها بإيمان وقناعة خالصين تعبيراً عن إرادة شعب بأكمله لتصبح مكسباً لكل الأجيال القادمة كمنجز تاريخي يعتز به كل اليمنيين.
إن الأصوات المناهضة لوحدة الوطن واستقراره ليست مثار قلق الحزب الحاكم بقدر ما تعمل على إنهاك الحزب "الاشتراكي" من داخله، بهدف إزاحته عن خطه الوطني وتحويله إلى حزب (انعزالي) متأثراً بالثقافة "الانتقامية" تعبيراً عن رفضه لسياسة الإلغاء ومصادرة دوره كشريك في تحقيق الوحدة وليس شريكاً في السلطة بالضرورة، ذلك أن "الاشتراكي" لا يزال قادراً على تحمل مسؤولية التزاماته التاريخية والوطنية والدستورية تجاه وحدة الوطن ونهوضه واستقراره انطلاقاً من حقيقة شراكته ووعيه الكامل بأهمية الحفاظ على هويته السياسية المرتكزة على نضالات أجياله وزعاماته التاريخية من أجل تحقيق الوحدة اليمنية، حتى وإن أنكرها عليه شريكه على خلفية حرب 94 وإعلان الانفصال آنذاك.. ذلك أن موقف الشريك (الحاكم) لا يتعدى كونه موقفاً سياسياً ينطلق من حرصه على تأكيد شرعية الحرب دفاعاً عن الوحدة وشرعية الانتصار لإرادة الشعب اليمني على مؤامرة الانفصال التي لو انتصرت لعاد اليمن يمنين، وربما أصبح أكثر عدداً.
والمؤسف أن "الاشتراكي" لما حاول التغلب على عثراته بعد الحرب لم يساعده شريكه لكي ينهض مستنداً على كونه شريكاً في تحقيق الوحدة، وإنما زاده إحباطاً وارتباكاً..
وانطلاقاً من هذه المعطيات فإنه يفترض بالحزب الحاكم أن يراجع مواقفه وطريقة تعاطيه مع الحزب "الاشتراكي" مراجعة دقيقة خلال 14 عاماً مضت على حرب 94، منطلقاً من التزاماته كحزب يتحمل مسؤولية الحكم، وكحزب ينبغي أن يفي بالتزاماته الديمقراطية والسياسية تجاه شركائه السياسيين في المعارضة ما دام متمسكاً بما يدعي أنه "رائد التسامح الوطني" والمجسد لمقاصده والمؤسس لهكذا ثقافة في منهاجه وفي خطابه السياسي، بحيث لا يضرب مثالاً في سجاياه ناسياً شريكه الذي يفترض أن يكون الأول بهكذا ثقافة.
إن عديد تطورات أحدثت متغيرات مهمة على المشهد السياسي والديمقراطي اليمني منذ نهاية حرب صيف 94 ينبغي قراءتها جيداً ونحن على مقربة من صيف العام 2008، ولعل أهمها أن حزب التجمع اليمني للإصلاح حليف الحاكم السياسي والعسكري في تلك الحرب، فقد كان (الإصلاح) يطالب باستتابة "الاشتراكي" وطنياً وتوبة الاشتراكيين توبة (دينية) نصوحاً لسنوات ما بعد الحرب ليمنع حليفه (الاستراتيجي) "المؤتمر الشعبي العام" من الإقدام على أي خطوة باتجاه شريكه في الوحدة وشريكه السابق في الحكم، حيث انتهج الإصلاح موقفاً متشدداً تعثرت أمامه كل محاولة للتقارب بين شريكي الوحدة، مكرساً ثقافة تقول بأن الانتصار في الحرب جاء من خلال الشراكة الفعلية بين حليفي الانتصار وما دونها ملغي بشرعية المنتصرين، وهي من مفهوم "الإصلاح" و"المؤتمر" آنذاك طاغية وغالبة على ثقافة التسامح ولاغية لما قبلها.. وكان غالبية قادة "الإصلاح" يعتبرون الانتصار في حرب 94 هو مبتدأ الوحدة اليمنية ومقدماً على وحدة اليمن في 22 مايو 1990 باتفاق الشريكين المؤتمر – والاشتراكي.
في الانتخابات النيابية عام 97 كان "الاشتراكي" مقاطعاً، في حين كان "الإصلاح" مستعداً للتعاطي مع أي سقف يحدده الحاكم ويحفظ له مكاسب انتخابات 1993، ويضمن له البقاء حليفاً في إطار الشراكة في السلطة، وعندما شعر "الإصلاح" أنه يغرد خارج سرب "المؤتمر" وأن قبوله بما يقترحه الحليف الأكبر مرفوض من جانب هذا الحليف قرر أن يمضي عملياً في تكريس الطلاق (الباين) بين حليفي الحرب، مستفيداً من أخطاء الحاكم وتكرار نكوثه بحلفائه وشركائه، وبالتالي استفاد "الإصلاح" من هوة الخلاف وتباعد المسافات بين المؤتمر – والاشتراكي، والتي ساهم في تكريسها أثناء تحالفه (الاستراتيجي مع المؤتمر) لكي ينتقل بسلاسة إلى مربع "المعارضة" وإقناع "الاشتراكي" بأن ثمة قواسم مشتركة بيننا يتوجب اللقاء عندها والتحاور على صيغة جديدة تتولد منها علاقة أقرب إلى التنسيق عنها إلى التحالف.. وبالتالي وجد "الاشتراكي" نفسه مدفوعاً بمعاناته إلى تطوير هذا التنسيق ليصبح تحالفاً فيما بعد واصطفافاً بات اليوم يعرف بتحالف "اللقاء المشترك"..
وكنت التقيت بالشهيد الراحل جار الله عمر قبل اغتياله على يد علي جار الله، وسألته عن ما هية رؤية "الاشتراكي" من التحالف مع "الإصلاح" في جبهة "اللقاء المشترك"، أجابني بصراحته المعهودة: يا أخي يسألونك أيش أجبرك على المر فأقول اللي أمر منه.. وأضاف: التحالف مع "الإصلاح" ليس وليد رؤية سياسية مرسومة للاشتراكي، غير أن ما لحق بالحزب وبقياداته وقواعده وأدواره النضالية من ظلم ومن واقتصاص منظم من قبل الحاكم منذ اندلاع حرب 94 وما بعدها دفع بالحزب إلى خيارات لم تكن ضمن أجندته السياسية، مؤكداً أن هذا أحد الأسباب، وملمحاً إلى أسباب أخرى قال بأن قادم الأيام كفيلة بكشفها.
ربما كان جار الله عمر رحمه الله يحاول لفت انتباه الشريك الحاكم قبل فوات الأوان، غير أن الأخير لم يكن مستعداً لأن يلتقط فحوى الرسالة حتى.. ولو أنه أدركها في حينه لتجنب الكثير من عواقب الخطأ، ولجنب البلد تشوهات الاحتقان السياسي وإفرازاته المعقدة تالياً.
وفي هذا السياق يلازمني الاعتقاد أن رؤية "الإصلاح" اعتمدت على قراءة جيدة قراءته لطبيعة المتغيرات التي كان البلد تحت تأثيرها بعد 94 من منظور "برجماتي" جعلته متقبلاً لمعطيات الطلاق مع حليفه "المؤتمر" بمغادرة السلطة بهدوء وسلاسة بعد انتخابات 97 المتفق على تسميتها (انتخابات الطلاق والأغلبية الساحقة) معاً.. ورغم أن "الإصلاح" قفز إلى الخلف خطوات غير متوقعة عندما أعلن في أول انتخابات رئاسية عام 99 بأن الرئيس علي عبدالله صالح هو مرشحه الوحيد، إلا أنه اتضح فيما بعد أنه قفز إلى الأمام عشرين خطوة بحيث تمكن من إقناع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله بأن المؤتمر قرر الطلاق مبكراً ولا فائدة من محاولة ثنيه عن ذلك، وبالتالي كان "الإصلاح" سجل موقفاً مرضياً للشيخ الراحل عبدالله الأحمر تمثل في اعتبار الرئيس صالح مرشحه الرئاسي، ونجح في حجب أصوات أنصاره وأعضائه في تلك الانتخابات التي يمكن وصفها بأنها كانت انتخابات مؤتمرية 99 في المئة.
إن أي خطاب متشدد (سياسياً) لا بد وأن يخفي مشروعاً متشدداً، وبالتالي فإن تفوق "الإصلاح" من حيث التنظيم الحزبي المتقن والمتوافق مع طموحات مشروعه السياسي كحزب قادر على الاستحواذ على مكاسب الأحزاب الأخرى يؤكده المشهد الراهن، حيث أن "الإصلاح" عملياً يدين حرب 94 ونتائجها ويتحدث عن الظلم الذي لحق بحليفه الجديد الحزب "الاشتراكي" وأبناء الجنوب نتيجة سياسة الحكم بعد الحرب، وانبرى بعض قادته في المحافظات الجنوبية يتحدثون عن القضية الجنوبية بلهجة متعصبة إلى الدرجة التي يطالب فيها رئيس فرعه في حضرموت الشماليين بالرحيل من الجنوب بلغة افتقرت الكياسة والسياسة، وكانت أقرب إلى الفجاجة والتعصب الأهوج تحت مبرر سحب البساط من "الجنوبيين" المتشددين.
إن أخطاء الحكم عديدة وفي بعضها "كارثية"، خصوصاً عندما يقدم على إصلاح خطأ بخطأ أفدح، غير أنه اليوم مطالب بخطوة -ربما إن قرر اتخاذها- تصلح له بعض أخطائه وتقيه عواقبها مستقبلاً، وتسد بعض ثغرات من حوله وتقلل من عديد جبهات مفتوحة على كل الخيارات باستثناء الخيار الأفضل.
نعم.. الرئيس متسامح.. نعم المؤتمر مظلة لعديد تيارات بما فيها انتهازيون.. وانتقاميون.. وباعة أحزابهم، وفيه ولا شك تيارات وشخصيات قيادية وسياسية محنكة ومجربة، غير أن بعضها الآخر محبط وعاجز ولا تملك الجرأة للاقتراب من دفة القيادة أو حتى تحريكها إلى الوجهة الأفضل.. إن المؤتمر بكل بساطة يمتلك الصفات والمواصفات التي يطلقها أشد المنتمين إليه، غير أنه لا يدري لماذا يمتلك تلك الصفات ولا يستطيع أن يترجمها أداء وحراكاً سياسياً لمصلحته.
اليوم وبعد مرور 14 عاماً على حرب 94 يجدر بالحاكم أن يراجع حساباته وأن يعيد لشريكه "الاشتراكي" بعض امتيازات الشريك إن لم نقل كلها.. ليس مطلوباً عودة "الاشتراكي" شريكاً في الحكم أو شريكاً في الثروة والمناصب الحكومية، وإنما شريكاً وطنياً يمتلك الثقة لكي يتمكن من الوفاء بكل التزاماته ويقوم بدوره في الدفاع عن وحدة هو شريك في تحقيقها ومشارك في إعادة ترتيب البيت اليمني من الداخل باعتراف الشريك الآخر وقناعته المطلقة.
اليوم وقد عاد أحمد عبيد بن دغر من الخارج إلى قمة هرم الحزب الحاكم ومتحدثاً باسمه، وهو أحد المدرجين في قائمة ال 16 متهماً بخيانة الوطن والتآمر على الوحدة في حرب 94، وأصبح زعيم حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) عبد الرحمن الجفري العضو في نفس القائمة ونائب رئيس الدولة الانفصالية في طليعة حلفاء الحاكم.
اليوم وقد تحول "النوبة" بطلاً في نظر نفسه وبعض المعجبين بحديثه عن معاناة الجنوبيين والقضية الجنوبية بسبب أخطاء الحاكم، وهي نفسها الأخطاء التي أنجبت للبلاد "حوثياً" في صعدة يتمرد بسلاح الدولة ويقاتلها بأخطائها ويحتل الجبال على جثث جنودها ودماء الأبرياء من أبناء شعبها، ثم تسعى لمحاورته بدلاً من إخماد تمرده، بل وأحياناً تستجديه ليلتقي بوسطائها بغية إقناعه بالحوار لحقن دماء الأبرياء، وبالتالي يأبى "الحوثي" أن يحاور إذ لا يحاور من يزهو بعلو كعبه طرفاً منه أدنى أو هكذا علمتنا الحروب والمحن.
اليوم وأمام كل هذه المتغيرات الواضحة على المشهد السياسي العام في اليمن ألا يستحق الحزب "الاشتراكي" أن توجه إليه الدعوة الخالصة من المؤتمر الشعبي للعودة إلى موقع الشريك "الفعلي" وليس الشريك "الافتراضي" في تحقيق الوحدة، بحيث يسهم كلاهما في تقريب بقية شركاء العملية السياسية إلى طاولة اللعبة الديمقراطية دون مصادرة ولا مساومات ولا تنازلات على حساب المبادئ وقيم الانتماء الوطني.. الحوار ليس من أجل الحوار، وإنما الحوار من أجل الخروج بأجندة وطنية تحفظ لكل طرف حقوقه في المنافسة والاستقطاب الجماهيري تحت مظلة الدستور وراية الوطن الواحد.. أعتقد أن الرئيس علي عبدالله صالح لا يزال يمسك زمام المبادرة ويدرك أن وطناً موحداً ومتماسكاً يستوعب علي سالم البيض وعلي ناصر والعطاس وكل أبنائه في الداخل والخارج، ولا يتأثر "بنوبة" ولا يجزع "لحوثي" هو خير من وطن مهدد بالأخطاء أو موعود بولادة متعسرة قد تنجب فأراً، أو كما قالت العرب تمخض الجبل... الخ.. ذلك أن ثقافة التسامح التي يدعي الحزب الحاكم بأنها ثقافته التي أعادت بن دغر، ومحمد أبو لحوم، ومجاهد الكهالي إلى أعلى هرم قياداته وكانوا أشد خصومه، أليس الوطن بأكمله جديراً بهذه الثقافة ليستوعب كل أبنائه ورحباً في رعاية شركاء منجزاته واستقراره؟
وقبل الختام، أتذكر كلمة قالها الأمين العام للحزب "الاشتراكي" السابق علي صالح عباد (مقبل) تعليقاً على الانتخابات الرئاسية الأولى عام 99 عندما رفض "الإصلاح" و "المؤتمر" منحه أصوات التزكية لخوض تلك الانتخابات ممثلاً للاشتراكي في مجلس النواب، حيث قال رداً على سؤال لأحد الزملاء الصحافيين في مؤتمر صحافي عقد في مقر اللجنة المركزية للاشتراكي بصنعاء إن هذه الانتخابات هي بين الحصان وذيله.. أتذكرها متذكراً طرافة الرجل (وليس دقة تعبيره) وكلي أمل بأن تأتي الانتخابات القادمة بدون ذيل، وأن لا ينتج عنها حصاناً يسابق نفسه وحيداً، حيث أننا أحوج ما يكون إلى انتخابات ينتج عنها مزيد من المؤسسات الداعمة للديمقراطية ومفاهيم بديلة لما هو قائم، بحيث لا يستحوذ المنتصر على كل شيء، ويخسر المهزوم كل شيء وفقاً لنصيحة أسدى بها للنخبة اليمنية مدير المعهد الديمقراطي الأميركي قبل أيام في صنعاء.
*رئيس تحرير صحيفة الغد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.