صراع على الحياة: النائب احمد حاشد يواجه الحوثيين في معركة من أجل الحرية    شاهد:الحوثيون يرقصون على أنقاض دمت: جريمةٌ لا تُغتفر    ليست السعودية ولا الإمارات.. عيدروس الزبيدي يدعو هذه الدولة للتدخل وإنقاذ عدن    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    "امتحانات تحت سيف الحرمان": أهالي المخا يطالبون بتوفير الكهرباء لطلابهم    "جريمة إلكترونية تهزّ صنعاء:"الحوثيون يسرقون هوية صحفي يمني بمساعدة شركة اتصالات!"    "الحوثيون يزرعون الجوع في اليمن: اتهامات من الوية العمالقة "    البريمييرليغ: السيتي يستعيد الصدارة من ارسنال    زلزال كروي: مبابي يعتزم الانتقال للدوري السعودي!    الارياني: استنساخ مليشيا الحوثي "الصرخة الخمينية" يؤكد تبعيتها الكاملة لإيران    الوكيل مفتاح يتفقد نقطة الفلج ويؤكد أن كل الطرق من جانب مارب مفتوحة    الرئيس الزُبيدي يثمن الموقف البريطاني الأمريكي من القرصنة الحوثية    مانشستر يونايتد الإنجليزي يعلن رحيل لاعبه الفرنسي رافاييل فاران    الروح الرياضية تهزم الخلافات: الملاكمة المصرية ندى فهيم تعتذر للسعودية هتان السيف    ارتفاع طفيف لمعدل البطالة في بريطانيا خلال الربع الأول من العام الجاري    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزي في وفاة الشخصية الوطنية والقيادية محسن هائل السلامي    أمين عام الإصلاح يبحث مع سفير الصين جهود إحلال السلام ودعم الحكومة    كريستيانو رونالدو يسعى لتمديد عقده مع النصر السعودي    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    المنامة تحتضن قمة عربية    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    بريطانيا تؤكد دخول مئات السفن إلى موانئ الحوثيين دون تفتيش أممي خلال الأشهر الماضية مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الولايات المتحدة: هناك أدلة كثيرة على أن إيران توفر أسلحة متقدمة للمليشيات الحوثية    مجازر دموية لا تتوقف وحصيلة شهداء قطاع غزة تتجاوز ال35 ألفا    اليمن تسعى للاكتفاء الذاتي من الألبان    طعن مواطن حتى الموت على أيدي مدمن مخدرات جنوب غربي اليمن.. وأسرة الجاني تتخذ إجراء عاجل بشأنه    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بيان عاجل لإدارة أمن عدن بشأن الاحتجاجات الغاضبة والمدرعات تطارد المحتجين (فيديو)    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    استعدادات حوثية للاستيلاء على 4 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك بصنعاء    ما معنى الانفصال:    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    سيف العدالة يرتفع: قصاص القاتل يزلزل حضرموت    مقتل عنصر حوثي بمواجهات مع مواطنين في إب    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع ''صنعاء القديمة''    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة لواقع الأزمة السياسية منذ عام 1990 وحتى اليوم
نشر في الاشتراكي نت يوم 02 - 02 - 2011


كتب: طاهر شمسان -
" قاتلنا ضد الحزب الاشتراكي لأن بعض قياداته أعلنت الانفصال.مع أنني اليوم أكثر قناعة بأن إعلان الانفصال هذا قد يكون دفع إليه الحزب الاشتراكي بسبب بعض أعمال السلطة والتي لم تكن واضحة لدينا آنذاك.." الشيخ حميد عبد الله بن حسين الأحمر.
الوحدة لا تكون بين متحاربين وإنما بين متحابين تواقين إلى العيش المشترك..لكن الخطاب السياسي الرسمي في الشمال قبل الوحدة كان إذا أراد أن يبرهن على وحدويته يقول للناس:"إذا لم نتوحد سنظل نتحارب"..والوحدة التي يجري تسويغها بهذه الطريقة لا تنهي الحرب وإنما تغير شروطها..وهذا ما فعلته وحدة 22 مايو 1990 عندما نقلت السيادة على الجنوب من عدن إلى صنعاء وحولت الحرب الباردة - الساخنة أحيانا - بين النظامين الشطريين من حرب دولية إلى حرب داخلية استمرت باردة خلال الفترة الانتقالية لتتحول إلى ساخنة صيف 1994. ثم عادت حربا باردة من جديد.
قبل 22 مايو 1990 كان يبدو لنا أن طرف هذه الحرب من الناحية الجنوبية هو دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كنظام سياسي وحزب حاكم.. وقبل حرب صيف 1994 وأثناءها بدا هذا الطرف على أنه الحزب الاشتراكي.أما اليوم فالجنوب كله طرف في هذه الحرب بإستثناء شهود الزور المنتفعين من حكم العائلة!!!
قبل 22 مايو 1990 كان يقال للناس في صنعاء إن الحزب الاشتراكي يتهرب من الوحدة حتى يظل متحكما برقاب أبناء الشعب اليمني في الجنوب وإن الوحدة هي طريق خلاصهم الوحيد من هذا الكابوس..واليوم معظم الجنوب يطالب بحق تقرير المصير ومستاء من الحزب الإشتراكي الذي قاده إلى "كابوس الوحدة"!!!
خلال حرب صيف 1994 قيل إن الحزب الاشتراكي يريد أن يفرض الإنفصال بالقوة ضدا على إرادة أبناء الشعب اليمني في الجنوب..واليوم يتحدث الجنوب عن "إحتلال" فرض عليه بوضاعة الحرب لا عن وحدة جاءته بشرف الديمقراطية!!!
قبل 22 مايو 1990 لم يكن أحد في صنعاء أو عدن يتجرأ على رفع شعار" الوحدة أو الموت " لأنه شعار همجي مدان سياسيا ومستنكر أخلاقيا وغير مقبول دوليا. واليوم يجري تعميم هذا الشعار إجباريا على تلاميذ المدارس بعد 20 سنة من إعلان قيام الوحدة وبعد خمسة عشر عاما من " تعميدها – المزعوم - بالدم "..أقول "المزعوم" لأن الذي عمد بالدم هو حكم الفرد وعائلته.أما الوحدة أعلنت سلميا والدم ليس من جنسها على الإطلاق!!!
في 21 مايو 1994 وفي آخر مراحل الحرب استنجد البيض بقشة فك الإرتباط وقرأ إعلانا سياسيا أبقى على قضية الوحدة كهدف مستقبلي قابل للتحقيق عندما تتوفر شروطه السلمية والديمقراطية.واعتبر دستور الجمهورية اليمنية هو دستور دولة جمهورية اليمن الديمقراطية.كما اعتبر وثيقة العهد والاتفاق أساسا لبناء نظامها السياسي والاقتصادي..واليوم يتحدث طارق الفضلي- الذي خاض تلك الحرب تحت راية علي عبد الله صالح وبإسم الوحدة- عن مؤامرة ليمننة الجنوب العربي عمرها أكثر من ألف عام ويطالب برحيل الإحتلال!!!
كيف وصلنا إلى هذا الواقع المأزوم؟ ومن أوصلنا إليه؟ وكيف يمكن لنا أن نخرج منه؟..أعلم مسبقا أن معظمنا يملك إجابات على هذه الأسئلة..وما سأحاول فعله هنا هو نوع من تنشيط الذاكرة وتحفيزها على توسيع وتعميق مساحة الرد.
في كتابه "رياح الجنوب" نقل رياض الريس عن الرئيس صالح قوله:" قال البيض إنه يريد عهدا مني بأن لا أتخلى عنه وأن لا يخون أحدنا الثاني, وأن نعمل بروح الفريق الواحد وآليات القيادة الجماعية, وأقسمنا على ذلك"..قال صالح هذا الكلام في لحظة إنتشاء بعد حرب 1994 وفي سياق ذكرياته عن الأجواء التي أحاطت باتفاق 30 نوفمبر 1989..وقبل رحيله كشف الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر في مذكراته عن الخلفية السياسية لتأسيس التجمع اليمني للإصلاح بعد إعلان الوحدة على النحو التالي:"وطلب الرئيس منا بالذات مجموعة الإتجاه الإسلامي وأنا معهم أن نكون حزبا في الوقت الذي كنا لا نزال في المؤتمر.قال لنا:كونوا حزبا يكون رديف للمؤتمر ونحن وإياكم لن نفترق وسنكون كتلة واحدة ولن نختلف عليكم وسندعمكم مثلما المؤتمر.إضافة إلى أنه قال:إن الإتفاقية تمت بيني وبين الحزب الإشتراكي وهم يمثلون الحزب الإشتراكي والدولة التي كانت في الجنوب وأنا أمثل المؤتمر الشعبي والدولة التي في الشمال وبيننا إتفاقيات لا أستطيع أتململ منها.وفي ظل وجودكم كتنظيم قوي سوف ننسق معكم بحيث تتبنون مواقف معارضة ضد بعض النقاط أو الأمور التي إتفقنا عليها مع الحزب الإشتراكي وهي غير صائبة ونعرقل تنفيذها.وعلى هذا الأساس أنشأنا التجمع اليمني للإصلاح ".
لم يذكر الشيخ عبد الله "النقاط" التي أراد الرئيس صالح "عرقلتها" في اتفاق الوحدة لنحكم نحن على صوابيتها من عدمها..وفيما يتعلق بموقفه هو من الوحدة قال:إنه شخصيا كان يفضل أن تتأخر الوحدة على أن تقوم وفقا للأساس الذي قامت عليه..والأساس الذي يقصده الشيخ هو "الشراكة" لكنه يشير إليه بلفظ "التقاسم" الذي شوه الوحدة حسب تعبيره..ثم يستدرك قائلا:إن الرئيس كان أكثر حكمة وأبعد نظرا..والشيخ في هذه الإشادة يحيل إلى الإنتصار العسكري الذي تحقق في حرب 1994.حيث بقيت الوحدة وسقطت الشراكة..ومهما يكن من أمر فإن غايتنا هنا هي الكشف عن تفاصيل الإتفاق الذي تم بين صالح والبيض واستدعى تأسيس حزب الإصلاح لتعطيله والإنقلاب عليه ودوافع ذلك الإنقلاب ونتائجه وعلاقة ذلك كله بالمشهد السياسي الراهن في اليمن اليوم.
تظافر في إنجاز إتفاق 30 نوفمبر 1989 عاملان ذاتيان أحدهما تراكمي والآخر فردي إرتجالي.يضاف إليهما عامل موضوعي تمثل في أزمة النظامين الشطريين..العامل التراكمي أنجزته الحركة الوطنية اليمنية التي جعلت من الوحدة قدس الأقداس في الوعي الجمعي اليمني ولولاه ما كانت الوحدة ممكنة عمليا ولكانت العلاقة بين الشمال والجنوب كالعلاقة بين سوريا ولبنان في أحسن الأحوال.والعامل الفردي الإرتجالي أنجزه علي سالم البيض وعلي عبد الله صالح من موقعهما على رأس نظامين سياسيين مأزومين وبدافع الرغبة في أن يتخلص كل منهما من أزمة نظامه مع المحافظة على مستقبله السياسي المهدد بهذه الأزمة..لهذا أخذ إتفاق الوحدة شكل صفقة بين رجلين غير متجانسين من حيث التنشئة والثقافة السياسية..فالبيض إنتمى إلى الحركة الوطنية اليمنية قبل أن يطلع شعر شاربه وذهب إلى الثورة ضمن الصف الأول من قيادات الجبهة القومية.وهو يدين في ترقيه السياسي لإنتصار ثورة 14 اكتوبر التي أسقطت مشروع الجنوب العربي الإستعماري السلاطيني وثبتت الهوية الوطنية اليمنية للجنوب ووضعته على قطار الوحدة.والكل يعلم أنه أول وزير دفاع في حكومة الإستقلال عام 1967..وفي المقابل جاء صالح من خارج الحركة الوطنية اليمنية.والثورة هي التي ذهبت إليه مثلما ذهبت إلى ملايين اليمنيين.وانفتحت أمامه فرص التسلق السياسي مع هزيمة الحركة الوطنية اليمنية في أغسطس 1968 ومصادرة شيوخ القبائل للثورة والنظام الجمهوري وإعادة بناء جيش سبتمبر على أسس قبلية..ولولا تلك الهزيمة لكان صالح الآن وفي أحسن الأحوال مجرد ضابط مجهول يستلم راتبه التقاعدي من أقرب مكتب بريد..وهذه حقائق لن تطالها محاولات التزوير الرسمي للتاريخ.ولن يؤثر عليها الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي المنشغل منذ أكثر من ثلاثين عاما بصناعة القناع الذي يبرر وصول علي عبد الله صالح السريع والسهل والمريب إلى سدة الحكم في الشمال في وقت كانت فيه صنعاء مكشوفة كليا للرياض.والشيخ عبد الله يقول في مذكراته إنه لم يكن مقتنعا بعلي عبد الله صالح وإن السعودية هي التي أصرت عليه.
أسس إتفاق الوحدة على مبدأ التنازل المتبادل..يتنازل الحزب الإشتراكي عن نظامه السياسي لصالح النظام الديمقراطي المفترض لدولة الوحدة مقابل أن يقدم المؤتمر الشعبي العام أيضا التنازل نفسه..ومن الناحية النظرية إتفق الرجلان أن يسترشدا في بناء النظام السياسي الجديد بأربعة مفاهيم مدماكية متفاعلة تشكل مجتمعة منظومة بنائية واحدة..هذه المفاهيم هي:الشراكة.الديمقراطية.الإصلاح.التحالف..وعلى القارئ أن يعود إلى خطابات وأحاديث البيض خلال الفترة الممتدة من يوم 30 نوفمبر 1989 حتى يوم 21 مايو 1994 ليلاحظ الحضور الكثيف والمتكرر لهذه المفردات.
أولا:الشراكة..قامت الوحدة على الشراكة وليس على التقاسم كما يحلو للبعض أن يردد..فالشراكة وليس الديمقراطية هي الأصل في الوحدة.والعلاقة بينهما علاقة ضرورة وتلازم.إذ لا وحدة بلا شراكة ولاشراكة بلا وحدة.فهي المهر الذي توجب أن يدفعه النظامان الشطريان ليس من أجل إعلان الوحدة فحسب وإنما من أجل إستمرارها أيضا..والشراكة لا تعني التوزيع الشكلي للمناصب والمواقع القيادية بين شماليين وجنوبيين كما هو حاصل اليوم.وإنما التوزيع العادل للسلطة والثروة بين كل اليمنيين وفقا لمعايير سياسية إنتخابية ومعايير فنية تنموية بعيدا عن ثقافة الإستعلاء والإقصاء والإستئثار والحسابات الجهوية والقبلية والأسرية..هذه هي الشراكة كما توقعتها من الوحدة الأغلبية المغلوبة من اليمنيين..ولأن الوحدة أعلنت بين نظامين غير ديمقراطيين فقد بدأت الشراكة بالقسمة على إثنين ولم يكن هناك طرف ثالث يستطيع أن يقول أنا حاضر ويجب أن أدخل طرفا في قسمة السلطة والثروة..والقسمة على إثنين كانت محددة بفترة إنتقالية مدتها سنتان ونصف يعاد بعدها التوزيع الدوري بواسطة الديمقراطية عبر إنتخابات حرة ونزيهة ومتكافئة تحقق الشراكة الفعلية بين كل اليمنيين.
ثانيا:الديمقراطية..إذا كانت الشراكة غاية الوحدة فالديمقراطية هي آلية الإنتقال التدريجي والسلس بالشراكة من مستوى القسمة على إثنين إلى مستوى القسمة على الجميع..وهي بهذا المعنى لا تعني تداول السلطة وإنما توزيعها وإعادة توزيعها حتى تنضج شروط التداول..فهي ديمقراطية "توزيعية" إبتداء وليس تداولية..لأن التداول يحتاج إلى دولة محايدة تجاه الأحزاب ضامنة لتداول السلطة فيما بينها سلميا..ومثل هذه الدولة لم توجد في اليمن بعد لا في الشمال ولا في الجنوب.وهي غاية الوحدة باعتبارها حامل الشراكة وحاميها.ومن هنا جاءت أهمية "الإصلاح" على طريق بناء هذه الدولة.
ثالثا:الإصلاح..الإصلاح هنا يعني الهدم والبناء في آن واحد..هدم حقائق الدولتين الشطريتين في سياق بناء حقائق دولة الوحدة..إنه الهدم الإيجابي الذي يتضمن البناء الخلاق..فالمعروف أن لكل دولة حقائقها القانونية والسياسية والإقتصادية والإدارية والثقافية والتربوية والعسكرية والأمنية...الخ..وهذه الحقائق تكون عادة مكيفة لخدمة النظام السياسي للدولة..فحقائق دولة الجنوب كانت مكيفة لخدمة النظام السياسي الذي يهيمن عليه الحزب الإشتراكي.بينما كانت حقائق دولة الشمال مكيفة لخدمة النظام السياسي الذي تهيمن عليه مراكز النفوذ العسكرية والقبلية..والمطلوب الآن دمج هذه الحقائق وتكييفها لخدمة النظام السياسي لدولة الوحدة..ذلك أن الوحدة لم تقم منذ البداية على "الدمج" كما يعتقد خطأ وإنما على "المجاورة".فهي وحدة "تجاورية".كأن تأتي وحدة عسكرية من الجنوب لتجاور وحدة مناظرة لها في عمران وتذهب وحدة من الشمال لتجاور أخرى في أبين..وعلى هذا المنوال جاور الريال الدينار وطيران اليمدا جاور طيران اليمنية والجنوبيون جاوروا الشماليين في الحكومة والبرلمان. وهكذا على كل المستويات بما في ذلك مجلس الرئاسة.حتى قيل إن الوحدة لم تتحقق إلا من خلال العلم والنشيد الوطني..ومن أجل تحقيق الدمج كان لا بد من "تحالف" حقيقي وصادق بين حزبي المؤتمر والإشتراكي يرسخ عوامل الثقة بينهما فيأمن كل طرف من إنقلاب الطرف الآخر عليه ومن ثم تتضاءل وربما تتلاشى حاجة كل منهما إلى الإحتماء بحقائق دولته.
رابعا:التحالف..الهدف من التحالف تأمين مسار الإنتقال بالوحدة من طور "التجاور" إلى طور "الإندماج" أو من طور الإعلان إلى طور التحقق الكامل..والتحالف هنا غير مقيد بزمن وإنما بإنجاز بناء دولة الوحدة كمشترك وطني..وهو من هذا المنظور تحالف إستراتيجي بين الحزب الإشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام كشريكين في إعلان الوحدة..وقد أسس أخلاقيا على مبدأ " الوحدة تجب ما قبلها " الذي يعني الإلتفات إلى المستقبل وترك الماضي الصراعي وراء الظهر وتعويض الشعب اليمني ما خلفته سنوات التشطير من حرمان وبؤس..وهو ليس مغلقا على حزبي المؤتمر والإشتراكي وإنما نواة لتحالف أوسع يستقطب شركاء آخرين محتملين ستفرزهم العملية الديمقراطية الناشئة والإنفتاح السياسي.الأمر الذي سيؤدي إلى نشوء كتلة تاريخية تكون بمثابة الربان الذي سيوصل السفينة إلى شاطئ الأمان.أي دولة مدنية حديثة ذات نظام سياسي مؤهل لديمقراطية تداولية تسمح لأي حزب يخرج من السلطة بآلية الإنتخابات أن يعود إليها بالآلية نفسها.
هذا هو اتفاق الوحدة الذي أراد الرئيس صالح تعطيله في رواية الشيخ عبد الله.ولعل القارئ اللبيب يتذكر صاحب الفخامة عندما ظهر على شاشة قناة الجزيرة يفاخر بأن التجمع اليمني للإصلاح كان مجرد كرت بيده.هكذا من غير حياء.وكأن الوطن طاولة قمار وكل ما فوقه وما تحته كروت للتربح السياسي الرخيص الذي كلف الشعب اليمني عام 94 آلاف القتلى وأحد عشر مليار دولار ونقل وحدته الوطنية من حالة العافية إلى حالة المرض.
من الواضح أن إتفاق الوحدة تأسس على محورية دور الحزبين اللذين هيمنا على شطري اليمن قبل 22 مايو 1990.وصالح يعلم هذا منذ 30 نوفمبر 1989.ويعلم أن علي سالم البيض لن يقبل لنفسه ولا لحزبه بأقل من الشريك رقم (2) إلا في ظروف اشتغال ديموقراطي طبيعي لكل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.ودافعه في ذلك أن الجنوب هو صاحب التنازلات الكبرى من أجل الوحدة حيث قدم لها دولة كاملة السيادة وحدتها دماء شهداء ثورة اكتوبر بعد مئات السنين من التشظي.وقدم ثلثي الأرض والثروة.وقبل أن تكون صنعاء وليس عدن عاصمة للدولة الجديدة ورئيس الشمال رئيسا لها..وعلى كل هذا أخذ البيض الأيمان المغلظة من الرئيس صالح عشية التوقيع على اتفاق 30 نوفمبر1989.وهناك مؤشرات كثيرة يمكن أن يستدل منها على أنه رجح بعد هذه الإيمان ثقته بالرئيس صالح على محاذير رفاقه في المكتب السياسي ولجان الوحدة.حتى أنه ذهب إلى الوحدة قبل موعدها بستة أشهر مصدقا أنه بذلك سيقطع الطريق على إنقلاب يدبره الإسلاميون ضد الرئيس لتعطيل إعلان الوحدة..وبهذا التسريع جنب البيض صاحبه متاعب عرض دستورها على الإستفتاء الشعبي قبل إعلانها الذي كان مقررا في 30 نوفمبر 1990 ليتحمل هو هذه المتاعب نيابة عنه.
على القارئ الآن أن يلاحظ أنه لا توجد وثيقة مكتوبة وموقع عليها من الرجلين تتضمن الشراكة والديمقراطية والإصلاح والتحالف على النحو الذي بيناه أعلاه..هذه الوثيقة كتبت بأثر رجعي عشية الإنتخابات النيابية عام 1993.ووقع عليها في العاشر من مايو 1993..فبعد 22 مايو 1990 اكتشف البيض أن الوحدة لم "تجب ما قبلها" وأن الميراث التاريخي للصراع بين الشطرين يملأ شوارع العاصمة صنعاء ومساجدها وصحفها وجدران منازلها..فدستور دولة الوحدة "يفتح الباب أمام شركاء لله في الحكم.ويساوي بين من كان مؤمنا ومن كان كافرا.ويضمن وجود أحزاب مرتدة وكافرة.وينشرالإباحية.ويساوي بين الرجل والمرأة.ويلغي الزكاة ويتحدث فقط عن الضرائب"..والفترة الإنتقالية على قصرها "إنتقامية"..والشراكة "تقاسم غير عادل".. والحزب الإشتراكي "ملحد وقاتل العلماء"..والجنوب "جائع جاء يتطفل على خزائن الشمال بجيش جرار من الموظفين ومديونية عالية للخارج "..ومع كل طلقة رصاص يسكب فيها الدم كان يقال:"هذا ثأر إشتراكي-إشتراكي".هكذا من غير حاجة إلى تقديم الدليل.فالعاصمة تقرر كل شيء وتفرض إرادة المهيمنين على القادمين..وفي هذا المناخ المأزوم إختار الرئيس صالح مؤقتا أن يأكل الثوم بفم فقهاء التجمع اليمني للإصلاح ليبقى هو يتربص متدثرا بقميص الوسطية والإعتدال.
ارتاب البيض من "اعتدال ووسطية" الرئيس وذهب إلى معاشيق يمارس الإحتجاج الصامت فيما عرف ب"الإعتكاف".ولم يكد يطوي اعتكافه الأول حتى بدل الشريك مفهوم "الشراكة" ومفهوم "الدمج" وأذن في الناس أنه:لا شراكة إلا بدمج الإشتراكي والمؤتمر في حزب واحد..ووافق البيض من حيث المبدأ.لكنه فشل في إقناع حزبه..وحجة رفاقه أن الدمج يعني الإلتفاف على الديمقراطية والتعددية الحزبية وأنه يحمل مخاطر عودة الشمولية وإعادة إنتاج مآسي الماضي..ومع تزايد الضغوط عليه من هنا وهناك ذهب البيض إلى معاشيق يمارس اعتكافه الصامت الثاني..وفي هذه الأثناء كان موعد الإنتخابات النيابية يطرق الأبواب.ومعقل المؤتمر الشعبي العام يحتوي على 80% من دوائر الجمهورية.وهذا رقم يعول عليه في مخطط الإجهاز على الشراكة ويستحق أن يذهب الرئيس شخصيا إلى معاشيق يسترضي نائبه..ويبدو أن النائب قال له:لن تكون هناك إنتخابات حتى نوثق ما أقسمنا عليه بشأن "الشراكة" و"الديمقراطية"و "الإصلاح" و "التحالف"..فكانت "وثيقة التنسيق والتحالف على طريق التوحيد بين الحزب الإشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام" التي أنهت الإعتكاف الثاني وهيأت المناخ السياسي لإجراء انتخابات أبريل 1993 النيابية.
حاولت هذه الوثيقة أن توفق بين إرادة الرئيس في دمج الحزبين وإرادة النائب في التحالف بينهما فتحدثت عن تنسيق وتحالف تراكم خلاله شروط التوحيد مستقبلا.ونصت الوثيقة من بين ما نصت على أن يشكل الحزبان كتلة برلمانية واحدة بعد الإنتخابات وأن يجري بينهما تنسيق وثيق على مختلف المستويات القيادية.كما نصت على إدخال تعديلات جوهرية في الدستور تتضمن إلغاء مجلس الرئاسة واستبداله برئيس ونائب ينتخبان من الشعب في قائمة واحدة وتشكيل مجلس شورى تمثل فيه المحافظات بالتساوي ويشكل مع مجلس النواب جمعية وطنية يرأسها نائب الرئيس.ونصت أيضا على أن تتمتع المحافظات وما دونها بحكم محلي واسع الصلاحيات وأن يجري انتخاب المجالس المحلية فور استكمال التقسيم الإداري للبلاد..وعموما جسدت الوثيقة وفاء الحزبين المفترض لمبدأ الشراكة بينهما دون إنتقاص لمصالح الأطراف السياسية الأخرى التي انفتحت أمامها فرص الشراكة من خلال الإنتخابات.
جاءت نتائج الإنتخابات معبرة عن موازين القوى الفعلية في البلاد.وحصل حزب الرئيس على 40% من مقاعد البرلمان و29% من أصوات المقترعين..ويبدو أن هذه الأرقام كانت مخيفة لحسابات صالح.فحزبه لم يحصل إلا على 49% من مقاعد الشمال.وإذا استمرت الديموقراطية التوزيعية على هذا النحو وفي ظل التوازنات السياسية الحالية فمن المشكوك فيه أن يحقق هذا الحزب في الانتخابات القادمة النجاح ( المتواضع ) الذي حققه في هذه الانتخابات وهو في أوج شعبيته كشريك في إعلان الوحدة..وقد شكلت هذه القراءة غير المعلنة واحدة من أهم حوافز التسريع بحرب صيف 1994.
بعد الإنتخابات تشكلت حكومة إئتلافية من الثلاثة الأحزاب التي حازت على معظم المقاعد..وقام مجلس النواب المنتخب بالتمديد لمجلس الرئاسة لمدة خمسة أشهر يتاح خلالها الوقت الكافي لإجرا التعديلات الدستورية المتفق عليها بين الرئيس والنائب في "وثيقة التنسيق والتحالف"..وفي هذه الأثناء سافر البيض في رحلة علاجية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.وأثناء غيابه استثمر الرئيس صالح تحالفه القوي مع التجمع اليمني للإصلاح ونفذ إنقلابا أبيضا ضد "الشراكة" و "الديمقراطية" و "الإصلاح" و "التحالف".أو قل ضد أسس ومبادئ بناء دولة الوحدة ليدخل اليمن الموحد في أزمة لم يخرج منها إلى اليوم. فالتعديلات الدستورية تجاوزت كل ما أتفق عليه في "وثيقة التنسيق والتحالف" المشار إليها أعلاه.فلا صلاحيات دستورية للنائب.ولا إنتخاب للنائب مع الرئيس في قائمة واحدة.ولا جمعية وطنية يرأسها النائب..وفي هذه اللحظة بالذات تذكر البيض محاذير رفاقه واكتشف أنه وقع في شرك "الخناق بالعناق" ووصل إلى قناعة نهائية بأنه لم يقد الجنوب إلى الوحدة وإنما إلى بيت الطاعة.وعليه الآن أن يسلم بشروط أرباب البيت ويقبل بدور شاهد الزور على صحة وسلامة الوحدة مقابل تعيينه نائبا ينقل تحيات رئيسه للجماهير ويمثله في احتفالات الكشافة والمرشدات والأعراس الجماعية وإلا "فالصميل خرج من الجنة".
ولأنها شروط مهينة لثورة 14 اكتوبر وشهدائها وللجنوب وتاريخه الوطني ولشعب الجنوب وللبيض شخصيا تعذر عليه أن يقبل بها وبدا له أنه قادر على تصحيح مسار الوحدة بأثر رجعي فعاد من واشنطن إلى عدن.ومن هناك بدأ اعتكافا حركيا صاخبا هذه المرة وكشف عن وجود أزمة داخل الإئتلاف الثلاثي الحاكم أساسها عدم قدرة أطرافه على التوصل إلى تفاهم وتوافق حول بناء دولة الوحدة وقواعد اللعبة الديمقراطية فيها..وكان البرلمان المؤسسة المنتخبة الوحيدة التي يمكن أن يعول عليها في حل هذه الأزمة..لكن بما أن الوحدة لم تكن "إندماجية" وإنما "تجاورية" فقد إنعكس ذلك على إنتخابات أبريل 1993 النيابية التي أفرزت برلمانا تجاورت داخله أكثرية عددية شمالية مع أقلية عددية جنوبية..فبدا غير مندمج وطنيا وغير قادر على تجسيد إرادة الشعب اليمني في إرغام الرئيس ونائبه على الخضوع المتساوي للمصلحة الوطنية العليا في بناء الدولة..لهذا السبب كان ذلك البرلمان جزءا من المشكلة ولم يكن جزءا من الحل..وعندما طلب من البيض أن يحترم الشرعية التي جاءت بها الإنتخابات ويحتكم للديمقراطية أطلق صيحته الشهيرة :"أرفض الإستقواء بالأكثرية العددية"..والحقيقة أن الرجل كان على صواب في هذا الرفض لأن القضايا الخلافية حول بناء الدولة لا يمكن تسويتها بعد الأصوات داخل برلمان يتلقى التعليمات من خارجه وإنما بروح التفاهم والتوافق الوطني على النحو الذي يحقق المصلحة العليا للشعب اليمني بعيدا عن مفهوم الأغلبية والأقلية وحسابات الربح والخسارة..فبناء الدولة لا يندرج ضمن قضايا التنافس الحزبي العادي التي يمكن التباري حولها وحسمها برفع الأيدي في إطار دولة ديمقراطية تضمن شروطا متكافئة لكل فرقاء العملية السياسية بغض النظر عن أوزانهم النسبية في البرلمان..هذه الدولة لا وجود لها في اليمن بعد ولا يمكن أن توجد إلا بتوافق وطني.
وبما أن التوافق أصبح مستحيلا داخل الإئتلاف الثلاثي الحاكم أطلق الحزب الإشتراكي في اكتوبر 1993 مبادرة معلنة لحل الأزمة من 18 نقطة تضمنت إحداها إنتخاب مجلس رئاسة على أساس 2+2+1.فرد عليها المؤتمر الشعبي العام بمبادرة معلنة من 19 نقطة بدت في معظمها من قبيل المكايدة السياسية..وللتوفيق بين المبادرتين أعلن التكتل الوطني للمعارضة عن مبادرة من 16 نقطة..وفي هذه الأثناء بدت البلاد مقبلة على فراغ دستوري لأن فترة التمديد لمجلس الرئاسة أوشكت على الإنتهاء.ولتلافي هذا الفراغ إضطر تحالف المؤتمر والإصلاح إلى توجيه البرلمان بإنتخاب مجلس رئاسة وفقا للصيغة التي اقترحتها مبادرة الإشتراكي.فحل الشيخ عبد المجيد الزنداني عن التجمع اليمني للإصلاح محل المؤتمري القاضي عبد الكريم العرشي.
وبإنتخاب مجلس الرئاسة لمعت في الأفق بارقة أمل. لكنها سرعان ما تلاشت عندما أذاعت وسائل الإعلام الرسمية أن مجلس الرئاسة إنتخب علي عبد الله صالح رئيسا وأن الرئيس عين علي سالم البيض نائبا له.وذلك بالمخالفة لإتفاق كان قد توصل إليه الإشتراكي جار الله عمر والمؤتمري عبد الكريم الإرياني والإصلاحي عبد الوهاب الآنسي قضى بإخراج موقع نائب الرئيس على النحوالتالي: "إجتمع مجلس الرئاسة بأعضائه الخمسة وانتخب علي عبد الله صالح رئيسا وعلي سالم البيض نائبا للرئيس"..وقد ترتب على مخالفة هذا الإتفاق أن اعتذر البيض للنواب خطيا عن الحضور إلى صنعاء لأداء اليمين الدستورية يوم 16 اكتوبر 1993 لأسباب قال إنهم يعرفونها جيدا.
وأمام تمترس البيض في عدن أبدت قيادة المؤتمر موافقة مبدئية على النقاط ال 18 مشروطة بعودة البيض إلى صنعاء.إلا أن خبرة السنوات الماضية كانت فيما يبدو قد دمرت عوامل الثقة بين الرئيس ونائبه..وزاد الطين بلة أن مجلس النواب المنتخب لم يقف على مسافة واحدة من الرجلين وإنما تحول إلى ساحة إقتتال سياسي تصب الزيت في نار الأزمة بسيره على منوال قيادة حزبي المؤتمر والإصلاح في صرف أنظار الرأي العام عن طبيعة الأزمة وتحويلها من خلاف حول أسس بناء دولة الوحدة إلى خلاف حول الوحدة. ففي 5 نوفمبر 1993 أصدرالبرلمان بيانا سياسيا يعتبر كل من يفرط بالوحدة مرتكبا للخيانة العظمى.وبما أن عاصمة دولة الوحدة هي صنعاء وليس عدن فمن نافلة القول إن الحزب الإشتراكي هو المقصود بهذا الإتهام المبطن الذي يتضمن أيضا التهديد بالحرب.
ولأن البرلمان بدا مسيسا أكثر من اللازم أطلقت الدورة 31 للجنة المركزية للحزب الإشتراكي مبادرة سياسية لإخراج الأزمة من أقبية الإئتلاف الثلاثي إلى فضاء الحوار الوطني الموسع.ونتج عن ذلك تشكيل لجنة حوار القوى السياسية التي ضمت إلى جانب أطراف الإئتلاف الحاكم أحزاب المعارضة وشخصيات عامة ووجاهات إجتماعية وقبلية.وقد حظيت هذه اللجنة بمباركة خارجية وبتأييد شعبي واسع تحولت معه إلى شرعية موازية هي شرعية الإجماع الوطني التي شخصت بشجاعة الطابع الوطني العام للأزمة الناجمة عن مصادرة الثورة والجمهورية واختطاف مشروع الدولة وصاغت الحل في وثيقة العهد والإتفاق الموقع عليها بشكل نهائي في العاصمة الأردنية بتاريخ 20 فبراير 1994 بعد جدل طويل حول مكان التوقيع.فالبيض كان يريده في مقر الجامعة العربية وبرعاية إقليمية ودولية ضامنة.بينما كان صالح يصر على صنعاء متهما البيض بالسعي لتدويل الأزمة.
كانت وثيقة العهد والإتفاق بمثابة عقد إجتماعي جديد يلبي طموح كل اليمنيين في تأسيس دولة وطنية ديمقراطية حديثة قائمة على أساس اللامركزية المالية والإدارية والتقنين الدقيق لصلاحيات مؤسساتها والعلاقة فيما بينها على النحو الذي يضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة بين كل أبناء الوطن..غير أن ميزان القوى في البلاد لم يكن لصالح تنفيذ الوثيقة وبناء الدولة.
لم تتضمن وثيقة العهد والإتفاق خارطة طريق واضحة ودقيقة لآليات التنفيذ.وهذه ثغرة كبيرة نفذ منها الرئيس صالح.فلم يكد يوقع على الوثيقة في عمان حتى أعلن من هناك أن الأزمة إنتهت طالبا من نائبه أن يعود إلى صنعاء لينفذا الوثيقة معا من خلال هيئات الإئتلاف الثلاثي الحاكم.وفي المقابل اعتبر النائب توقيع الرئيس إعترافا منه بأزمة كان يتهرب منها وينكر طابعها الوطني العام ويتهمه بافتعالها للحصول على مكاسب أكبر من حجمه في البرلمان.ومن أجل العودة إلى صنعاء اشترط البيض على صالح أن ينفذ البند الأول من الوثيقة المتعلق بإلقاء القبض على المتهمين بالإغتيالات السياسية ومحاكمة مجموعة كان قد قبض عليها بالفعل حينها..وردا على هذا الإشتراط قال صالح إنه ليس شرطيا مع البيض وإنه لن يلقي القبض على أي متهم حتى وإن كان أمام دار الرئاسة ما لم يعد البيض إلى صنعاء وما لم تلتئم هيئات الإئتلاف الثلاثي.
لم يكن الشيخ عبد الله بن حسين مقتنعا بالوثيقة من حيث المبدأ..هذا ما أفصح عنه بشفافية في مذكراته..أما الرئيس صالح فقد ناور بالقبول بها ريثما يحدث إنفراج سياسي يهرب معه منها إلى الحرب دون أن يتحمل هو تبعات هروبه في حال أسفرت الحرب عن عودة التشطير.فالمهم بالنسبة له ولأركان جيشه أن يحافظوا على سلطتهم ونفوذهم ومصالحهم إما في يمن موحد خال من الحزب الإشتراكي.أو في يمن مشطر.لا فرق عندهم.
جاء الإنفراج السياسي الذي ينتظره الرئيس صالح عندما عاد البيض وقيادة الإشتراكي من عمان إلى عدن ولكن عبر السعودية ودول الخليج..وعند هذه اللحظة أخذت الآلة الإعلامية والدعائية في الشمال تهيئ الرأي العام جديا لتأييد قرار الحرب المضمرة منذ 30 نوفمبر 1989 كواحد من خيارات التعامل مع الحزب الإشتراكي بعد الوحدة..فقد أعلن أن البيض رفض العودة إلى صنعاء وذهب إلى السعودية ودول الخليج ليحشد التأييد الإقليمي من أجل إعلان الإنفصال وأن الوحدة اليمنية هي الفاتورة المطلوب من اليمن أن يدفعها عقابا له على موقفه من غزو الكويت وأن محور الخلاف بين الرئيس ونائبه هو الوحدة وليس بناء الدولة.
وجد هذا الخطاب صدى لدى بعض قطاعات الرأي العام في المحافظات الشمالية فقد كان الشعب اليمني يعلم حجم الكراهية التي يستحقها رئيسه في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب موقفه الغير متوقع والغير مبرر والغير مفهوم من غزو العراق للكويت.ويعلم أيضا أن السعودية بسبب ذلك الموقف عاقبت بقسوة أكثر من مليون يمني مغترب يعيلون ما لا يقل عن خمسة ملايين فاه في اليمن وحولتهم إلى فقراء معوزين..وقياسا على هذه السابقة المؤلمة أصبح من السهل أن يصدق الناس بأن السعودية ومعها دول الخليج ستذهب في معاقبة الشعب اليمني إلى ما هو أبعد من ذلك وستتآمر على أعز مكاسبه الوطنية..وقد استطاع الرئيس صالح أن يعمق هذا الشعور لدى مواطني المحافظات الشمالية مستفيدا من "وضعه التحالفي الممتاز مع التجمع اليمني للإصلاح وقدرة الطرفين على استخدام الدين والشعارات الوطنية ضد الخصوم" في مجتمع يفتقر إلى الحد الأدنى من الوعي السياسي الكافي للتمييز بين الزعم والحقيقة..وفي هذا المناخ تراجع الإهتمام العام بتطبيق وثيقة العهد والإتفاق وتوجهت الأنظار نحو درء الحرب خوفا على مصير الوحدة.
ومع تصاعد الأزمة وتعقدها زادت إحتمالات انفجار الموقف عسكريا بسبب تموضع قوات الطرفين بالقرب من بعضها البعض فضلا عن إعادة إنتشار بعض القوات على الحدود الشطرية السابقة.لذلك دخلت على الخط العديد من الوساطات نذكر منها هنا الوساطة المصرية الإماراتية التي بدأت مطلع الأسبوع الثاني من أبريل 1994 ودارت مقترحاتها لتسوية الأزمة حول محورين: الأول كيفية الحد من التداعيات العسكرية.والثاني كيفية إيجاد نظام جديد لدولة الوحدة يرضي جميع الأطراف..لكن هذه الوساطة لم تكن محل قبول من الجانب الذي فيه الرئيس لأن القرار هنا كان قد استقر على خيار الحرب والتخلص من الحزب الإشتراكي وتفضيله على الخيار السياسي.
وقبل نحو شهر من إندلاع الحرب الشاملة بدت قيادة الإشتراكي منقسمة إلى فريقين.الأول يشترط من أجل العودة إلى صنعاء والتئام هيئات الدولة أن يشرع الطرف الآخر في تنفيذ البند الأول من وثيقة العهد والإتفاق الخاص بإلقاء القبض على المتهمين بقضايا الإرهاب والإغتيالات السياسية ومحاكمة المقبوض عليهم..أما الفريق الثاني فقد رأى عدم التشدد في الجزئية الخاصة بالقضايا الأمنية لما تشكله من حساسية مفرطة للطرف الآخر.واقترح بدلا عن ذلك البدء بما يمكن تنفيذه من الوثيقة ولو بصورة جزئية وبخاصة الحكم المحلي..لكن عندما كانت قيادة الإشتراكي تناقش هذه الخيارات كان الجناح العسكري في المؤتمر الشعبي العام قد أصبح صاحب القرار بلا منازع ولم يعد أمامه إلا تحديد ساعة الصفر لجر البلاد بأسرها إلى الحرب.
بدأت ساعة الصفر بالنسبة للقوات الشمالية في وقت مبكر وتحديدا يوم 27 أبريل 1994 بعد ساعات من خطاب القاه الرئيس صالح في ميدان السبعين.وفي وقت كانت فيه الحرب بالنسبة لقيادة الإشتراكي مجرد إحتمال يمكن تجنبه..بينما بدأت بالنسبة للقوات الجنوبية يوم 4 مايو 1994 ولكن بعد أن فقد الجنوب كل قواته في الشمال.وكانت تتموضع في عمران وخولان وأرحب وذمار.وهذه مناطق غير ذات قيمة عسكرية وبعيدة جدا عن مناطق الإمداد.فضلا عن أن القوات الجنوبية فيها كانت مطوقة بقوات شمالية مناظرة قابلة للإمداد والإسناد السريع.
ويوم 4 مايو كان على القوات الجنوبية أن تفعل في وقت متأخر ما فعلته القوات الشمالية في وقت مبكر.أي أن تصفي القوات الشمالية في الجنوب ثم تنقل المعركة إلى الحدود الشطرية السابقة في مجهود دفاعي يمنع تقدم قوات الطرف الآخر ويرغمه على التسليم باستحالة الحل العسكري.ومن ثم العودة إلى الحلول السياسية للأزمة..وبإستثناء مدينة عدن لم تفلح القوات الجنوبية طيلة مراحل القتال في تحقيق هذا الهدف..والسبب أن خارطة تموضع القوات الشمالية في المحافظات الجنوبية أخذت في الإعتبار منذ البداية إمكانية حدوث مواجهات عسكرية واستعدت لها مبكرا بإقامة تحصينات دفاعية هائلة في أماكن تمركزها التي أختيرت بعناية يسهل معها في حال صمودها أن تتلقى الإمدادات.وهذا ما حصل بالفعل حيث اندفعت القوات الشمالية بسرعة من الجبال نحو السهول لتحقيق الإلتحام مع قواتها في الجنوب وقطع الطريق على إمكانية نقل المعارك إلى الحدود الشطرية وبالتالي منازلة القوات الجنوبية داخل أراضيها..لن نخوض في تفاصيل الحرب.ويكفي فقط أن نذكر بأنها سارت على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى(27 أبريل-4 مايو): وفيها أخذ الشمال زمام المبادأة دون أن يعلن عن حرب شاملة.وقام بتصفية لواء مدرع في عمران ولواء ميكانيكي في ذمار..بينما تكفلت القبائل في خولان وأرحب بحماية ضباط وأفراد لوائين مشاة رابطا في هاتين المنطقتين مقابل عدم إشتراكهما في الحرب وتسليم عتادهما للدولة.
المرحلة الثانية(4-19 مايو): هي مرحلة الزحف نحو الجنوب من الشرق ومن الغرب على عدة محاور إعتمدت فيها القوات الشمالية على تفوقها البشري ودفعت بأعداد هائلة من أفراد الجيش والإسلاميين والأفغان العرب.وفي هذه المرحلة دارت الحرب على أراضي الجنوب وأخذت فيها القوات الجنوبية وضعا دفاعيا قويا.وقد انتهت هذه المرحلة بسقوط قاعدة العند في 19 مايو 1994..وفي بداية هذه المرحلة من الحرب قدم علي سالم البيض مبادرة من ثمان نقاط تضمنت:وقف الحرب فورا..تشكيل حكومة إنقاذ وطني تزيل آثار الحرب..عدم التراجع عن الخيار الديموقراطي..عدم التراجع عن تنفيذ وثيقة العهد والاتفاق..تخويل حكومة الإنقاذ سلطة التحقيق مع المتسببين في الحرب....الخ غير أن الطرف الآخر لم يكن يقبل بأقل من أن " يسلم البيض نفسه لأقرب قسم شرطة.
المرحلة الثالثة(19 مايو-7 يوليو): وهي مرحلة الزحف الفعلي نحو عدن من أربعة محاور واجهت القوات الشمالية مقاومة قوية في بعضها ومحدودة في البعض الآخر وانتهت بسقوط عدن والمكلا يوم 7 يوليو 1994 وسط دهشة معظم المحللين الذين استبعدوا منذ البداية إمكانية الحسم العسكري للأزمة.
من وجهة نظر القانون الدولي كانت حرب 1994 حربا داخلية في شكلها..أما من حيث المضمون فقد جرت المواجهة بين حقائق دولتين شطريتين وجدت نفسها أمام خيارين:إما أن تندمج سلميا لصالح دولة الوحدة.وإما أن تتعايش حتى تتوفر إرادة الإندماج السلمي..الخيار الأول أعاقته أنانية الرئيس صالح وافتقاره إلى الحد الأدنى من الثقافة السياسية الوطنية التي تؤهله للقبول بالشراكة ورعاية مشروع الوحدة السلمية من موقعه كرئيس لليمن الموحد الذي لم يكن أحد لينافسه عليه بما في ذلك علي سالم البيض..أما خيار التعايش فلم يكن خيارا واقعيا بسبب الخلل الكبير في الميزان العسكري لصالح القوى المتنفذة في الشمال التي كانت قبل إعلان الوحدة قدراكمت مصالح غير مشروعة واستمرأت العيش في مناخات سياسية واجتماعية وثقافية ممانعة لبناء دولة قائمة ولو على الحد الأدنى من الشراكة الوطنية بين مكونات مجتمع الشمال.
أبرز حقائق الدولتين الشطريتين التي وجدت نفسها في حالة مواجهة أثناء الحرب هي مجلس الرئاسة الذي انقسم على أساس شطري.ومثل ذلك انفسمت الحكومة والبرلمان والجيش والأمن والإعلام..وكل حصص دولة الجنوب من هذه الحقائق تنتمي إلى الشرعية بغض النظر عن صغر وزنها النسبي الناجم عن التفاوت الكبير في تعداد سكان الشطرين لصالح دولة الشمال..لكن الخطاب السياسي والإعلامي لتحالف الحرب قام على نفي الشرعية عن حصص دولة الجنوب في حقائق دولة الوحدة وصادرها لصالح الطرف الأقوى في معادلة القوة مستفيدا من تظافر ثلاث مزايا لم يقدر علي سالم البيض خطورتها السياسية عندما تفاهم على إعلان الوحدة مع الرئيس صالح..هذه المزايا هي العاصمة التي أصبحت صنعاء وليس عدن.والرئاسة التي كانت لصالح وليس للبيض.ثم التفاوت الكبير في عدد السكان الذي منح تحالف الحرب النصيب الأكبر من حجم الشرعية داخل برلمان 1993 وأثار شهيتة الجهوية لشرعنة الحرب والإنقلاب على وحدة 22 مايو 1990 السلمية وبالتالي إبتلاع الجنوب بعد أن اختزل سياسيا في مجموعة متمردة على الشرعية وكأنه كتيبة عسكرية أو لواء في أحسن الأحوال وليس دولة ذهبت بكامل مقوماتها وحقائقها إلى الشراكة الوحدوية مع دولة الشمال..وكأنه قدر على الجنوب أن يدفع ثمن تعداد سكانه الصغير مقارنة بالشمال دون إلتفات إلى تفوقه الكبير في المساحة والثروة وإلى تنازلاته السياسية الكبيرة من أجل الوحدة.
إن تسويغ الحرب بإسم الشرعية ونفيها عن الطرف الآخر واختزاله في مجموعة متمردة على الشرعية وإصرار تحالف الحرب على تحقيق كامل أهدافة بواسطة القوة واقترابه من حصار عدن أيقظ عند الطرف الآخر فكرة الإستنجاد بفك الإرتباط في محاولة يائسة للحصول إعتراف إقليمي ودولي يوقف الحرب.وهذا ما حصل بالفعل يوم 21 مايو 1994 عندما قرأ علي سالم البيض إعلانه السياسي في الوقت الضائع دون علم منه أن قرار الحرب اتخذ بضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا اللتين شاركتا قبيل الحرب إلى جانب عمان والأردن في اللجنة العسكرية المكلفة "ظاهريا" بمنع الإحتكاك بين قوات الطرفين و"جوهريا" بالتعرف على ميزان القوى في الميدان وتقدير الزمن الفعلي الذي يحتاجه الرئيس صالح للتخلص من جيش "الحزب الإشتراكي" وعتاده العسكري..أما بالنسبة للسعودية فقد تطوع الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وكشف في مذكراته أن الملك فهد كان مع الإجهاز على جيش الجنوب وإغلاق ملف الحرب بأقصى سرعة ممكنة..أما ما قيل عن لقاء البيض بنائب الرئيس الأمريكي في واشنطن وعدم السماح للسفير محسن العيني بحضور ذلك اللقاء فيندرج في إطار تهيئة الرأي العام الداخلي لقبول قرار الحرب عندما يحين موعدها.
وفي سياق إشارتنا إلى الموقف الأمريكي والفرنسي من حرب 1994 يجدر بنا أن نذكر القارئ بقرار مجلس الأمن الدولي رقم (924) الذي صدر في 1/6/1994 ونص على وقف إطلاق النار وحضر توريد السلاح للطرفين وحثهما على الدخول فورا في مفاوضات سياسية لحل الأزمة,وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة إرسال بعثة تقصي حقائق إلى اليمن..وبعدها بعشرة أيام وصل الأخضر الإبراهيمي إلى اليمن وعاد دون أن يحقق شيئا مما تضمنه القرار الدولي.. و في 1 يوليو 1994 صدر قرار مجلس الأمن رقم ( 931) متضمنا تسع فقرات شملت أفكارا من قبيل إعادة المطالبة بوقف إطلاق النار فورا وبآلية مقبولة من الجانبين.التعبير عن الألم من جراء الإصابات التي تقع بين المدنيين في عدن.دعوة الأمين العام ومبعوثه الخاص إلى مواصلة المحادثات تحت رعايتهما.وأن الخلافات السياسية لا تحسم بالسلاح.أن يقدم الأمين العام تقريرا مرحليا عن تنفيذ القرار بأسرع ما يمكن.وأن تبقى المسألة قيد النظر..ومن الملاحظ أن القرارين صدرا في وقت بات فيه الواقع الميداني يوحي باقتراب سقوط عدن وأن أيا منهما لم يتضمن صيغة ملزمة توقف إطلاق أو تعتبر اجتياح الجنوب عسكريا أمرا غير مقبول..وفي اليوم التالي من صدور القرار الثاني استطاعت القوات الشمالية الدخول إلى عدن والسيطرة على نصفها في الوقت الذي كثفت فيه من هجومها على حضرموت.وعلى هذا الأساس تشكل على الأرض واقع جديد أصبح فيه التعامل على أساس وجود طرفين متقابلين غير ذي بال..ويوم 7 يوليو 1994 كان قادة الجنوب قد تركوا عدن والمكلا ولم يعد هناك من ينازع علي عبد الله صالح الشرعية في البلاد..أما علي سالم البيض فقد احتاج إلى خمسة عشر عاما من الصمت منتظرا السقوط الأخلاقي للحرب ليخرج شاهرا سيف الثأر الشخصي وهو بطبيعة الحال سيف أعمى لا يضع اعتبارا للتفريق بين المجرم والبريء.
أسس تحالف الحرب خطابه السياسي على مجموعة من الأفكار المحورية التي تخدم أهدافه وتبرر سلوكه.ويمكن إيجازها فيما يلي: الإعلان بسرعة وبعد ساعات من انفجار الوضع العسكري أن قوات" الشرعية" باتت على أبواب عدن وأن سقوط هذه المدينة أصبح وشيكا..الإسراع إلى الإعلان عن رفض أية وساطة عربية أو دولية واعتبار الأمر "مسألة داخلية"..رفض أية حلول سلمية وربط وقف إطلاق النار بتسليم "القيادة الانفصالية" نفسها لتحاكم محاكمة"عادلة" أو الخروج من البلاد بعد أن تلقي أسلحتها..رفض أي توصيف للحرب على أنها بين شماليين وجنوبيين والقول بأنها حرب بين "قوات الشرعية" وقوات "متمردة" على الشرعية..القول بأن "الانفصاليين" افتعلوا الأزمة السياسية لتحقيق الانفصال سلميا وعندما تعذر عليهم ذلك لجأوا إلى استخدام الورقة العسكرية على أمل حصول تدخل خارجي يطلب من كل جانب العودة لمواقعه قبل الوحدة..التأكيد على أن "قوات الشرعية" هي قوات كل اليمن وأنها تضم شماليين وجنوبيين وأن وزير الدفاع عبد ربه منصور هادي هو من محافظة أبين الجنوبية.
وبعد إعلان 21 مايو 1994 بيومين أصدر الرئيس صالح عفوا عاما ودخلت على الخطاب السابق بعض التعديلات والإضافات على النحو التالي: نستجيب لوقف إطلاق النار فور إلغاء إعلان الانفصال وإعلان" العناصر الوحدوية" في قيادة الاشتراكي الالتزام بالشرعية الدستورية..لا نريد فرض الوحدة بالقوة لأنها قائمة طوعا منذ أربع سنوات والطرف الآخر يريد فرض الانفصال بالقوة..نحاول فرض النظام والقانون في أرضنا وداخل حدودنا..لن نتعامل إلا مع العناصر غير الضالعة في المخطط الانفصالي.. البيض والعطاس يريدان الانفراد بمنطقة حضرموت لإقامة دولة انفصالية هناك..الحرب طالت لأننا لم نكن نعلم أن مجموعة الردة والانفصال لديها من الأسلحة ما اكتشفناه حاليا ولم نكن نعلم أنها تملك من القوة العسكرية الهامة التي أطالت أمد القتال وكانت تدخر ذلك ربما لفرض هيمنتها على كامل المنطقة وليس لتهديد معارضيها في اليمن فقط.. نعارض بحث مجلس الأمن ما يجري في اليمن باعتباره شأنا داخليا لكننا لا نستطيع منع مجلس الأمن بحكم الوضع العالمي الجديد..شرحنا موقفنا لعدد من دول مجلس الأمن. ثم أننا أخذنا بالديموقراطية كما نصحنا البعض, فكيف يمكن أن يأتوا الآن ليصدروا قرارا دوليا يتجاهلون فيه احترام الشرعية الدستورية.
وبينما اتسم خطاب القيادة الشمالية بطابع هجومي جاء خطاب القيادة الجنوبية دفاعيا وكأنه يعكس الأوضاع التي فرضتها الحرب على الأرض.فقبل إعلان الانفصال تضمن هذا الخطاب الأفكار التالية: نحن جزء من الشرعية ولم نأت من خارج الدولة أو السلطة..الانفصال لم يطرح في يوم من الأيام وكل ما طرحناه هو تصحيح الخلل القائم والأزمة التاريخية التي تؤثر على مسار الوحدة اليمنية, فالمنظومة والآلية القائمة في نظام الجمهورية اليمنية متخلفة وبحاجة إلى تغيير..لم نستطع خلال الفترة الانتقالية توحيد المؤسسات, فبقي هناك نظامان وجيشان, ومن أجل إنهاء هذا الوضع لابد من وجود اعتراف متبادل, وهذا ما يرفضه الطرف الآخر..شعرنا أن هناك التفافا على كل ما جاء في اتفاقية الوحدة..الصراع قائم بين عقليتين إحداهما تريد التحديث والأخرى تريد الإبقاء على هيمنة وسائل لم تعد صالحة..إن من يقف موقف الدفاع لا يستطيع أن يهاجم عسكريا..حاولنا بقدر الإمكان تغيير مواقع القوات بهدف إنهاء الوضع المتفجر, وطرحت ذلك أطراف عربية وأجنبية, ولكن الطرف الآخر أصر على تنفيذ خطته التي بدأت بتدمير لواء شلال في حرف سفيان في فبراير 1994م..من الذي فجر منازلنا في صنعاء واغتال وزراءنا وقام بعمليات تصفية جسدية لكوادرنا؟.
وبعد ما يسمى بإعلان الانفصال لم يتغير خطاب القيادة الجنوبية كثيرا إلا من حيث تبرير ذلك القرار.وقد تمحورت أهم أفكاره فيما يلي: الوحدة تمت بقرار سياسي وانتهت بقرار الحرب ضد الجنوب, والمطلوب وقف القتال وخلق ظروف طبيعية أولا, ثم إجراء المفاوضات بين طرفين متساويين في الحقوق والواجبات..صالح أعلن حالة الطوارئ وألغى العمل بالدستور من طرف واحد وقام بالحرب..الجنوب يدافع ولا يهاجم وما يحصل هو غزو يهدف إلى تدمير المؤسسات العسكرية والمدنية للجنوب ثم احتلاله وفرض نظام عسكري على اليمن بشطريه..التمسك بأية جهود عربية أو دولية من شأنها وقف الحرب بالمفاوضات أو بإرسال مراقبين أو قوات لحفظ السلام..رفض الضم والإلحاق الذي يتعامل مع الجنوب على أنه فرع التحق بالأصل.
كان الرئيس صالح حريصا على أن يثبت للمجتمع الدولي أنه يستحق النصر الذي حققه ضد شركاء الوحدة وعلى المجتمع الدولي الذي وافقه على إشعال الحرب أن يعترف له الآن بنتائجها ويستمر في دعمه ماديا ومعنويا..لذلك بعثت الحكومة اليمنية برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة يوم 7 يوليو 1994 أكدت فيها "التزامها الثابت بالنهج الديموقراطي والتعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان واعتزامها مواصلة الحوار الوطني في ظل الشرعية الدستورية والتزامها بما جاء في وثيقة العهد والاتفاق كأساس لبناء الدولة اليمنية الحديثة"..وتزامنا مع تلك الرسالة أخذ الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي الموجه إلى الداخل ينعت "وثيقة العهد والاتفاق" بأنها "وثيقة الخيانة" الأمر الذي حول الانتصار العسكري إلى هزيمة أخلاقية وكشف عن افتقار المنتصر إلى أي مشروع سياسي حقيقي يبرر التضحيات الجسام التي تكبدتها البلاد في الحرب.
ففيما يخص "مواصلة الحوار الوطني" الذي أشارت إلية الرسالة المذكورة لم يسجل حتى الآن ما يؤكد أن مثل هذا الحوار قد تم.وعلى العكس من ذلك لا يزال الرجل بعد ستة عشر عاما على انتهاء الحرب يتصرف كمنتصر ويضيق إلى أقصى حد بأي رأي مغاير..أما فيما يتعلق ب"الشرعية الدستورية" فقد جرى تكريسها في الممارسة العملية على أنها شرعية "القوة" و"الغلبة" وتعميم نظام الجمهورية العربية اليمنية على اليمن بأكمله مع الإبقاء على الوجود الشكلي لمؤسسات الديموقراطية كالتعددية الحزبية والصحفية والانتخابات ولكن بعد إفراغها من محتوياتها الحقيقية بحيث غدت نوعا من الديموقراطية المقيدة التي تضمن لحزب الحاكم أغلبية "مريحة" و"دائمة" في البرلمان.وهو ما استقر بالفعل منذ الانتخابات النيابية عام 1997 التي استحوذ فيها الحاكم على 226 مقعدا مقابل 122 مقعدا كانت له في برلمان 1993.
إن حرب 1994 كانت إنقلابا على وحدة 22 مايو السلمية بهدف إقصاء الجنوب من الشراكة الوطنية في السلطة والثروة وضمه قسرا ليلحق بمصير المحافظات الشمالية التي تخضع لمركزية عصبوية شديدة ولا تملك من أمرها شيئا..ومن بين أبرز نتائج هذه الحرب ما يلي:
1 – إلغاء دستور دولة الوحدة من طرف واحد تحت مسمى التعديل واستبداله بآخر يمنح سلطات مطلقة لحكم الفرد على حساب المؤسسات.
2 - بروز القضية الجنوبية كتعبير سياسي عن إقصاء الجنوبيين وتهميشهم وسلب حقوقهم وتسفيه تاريخهم ورموزهم. وتسريح أكثر من 80 ألف ضابط وجندي وأكثر من 160 ألف موظف مدني. ومصادرة القطاع العام لصالح متنفذين تحت مسمى الخصخصة ونهب الأراضي بالهكتارات...الخ
3 – قضية صعدة التي بدأت بدعم الشباب المؤمن نكاية بالتجمع اليمني للإصلاح وانتهت بتحول هذه المحافظة إلى منطقة حكم ذاتي غير معلن..وبين البداية والنهاية ست حروب وآلاف القتلى والجرحى والمعاقين.وتدمير البنى التحتية للمحافظة فضلا عن خراب مئات المنازل.ناهيك عن التشرد والنزوح الذي رافق الحرب.
4 - تحول علي عبد الله صالح إلى حاكم بأمره ومصادرته لثورتي سبتمبر واكتوبر وللنظام الجمهوري والوحدة والديمقراطية وتحويل اليمن إلى ملكية خاصة له ولعائلته وأصهاره ومن معهم من الفاسدين والعابثين بمقدرات الشعب اليمني ومكتسباته وحقه في حياة حرة كريمة مستقرة وآمنة..الأمر الذي تلاشت معه أية آمال في تنمية حقيقية وفي مشاركة سياسية فاعلة.ناهيك عن التداول السلمي للسلطة الذي غدا مجرد التفكير فيه من محاذير "الواقعية السياسية" في اليمن.
ومن تحول علي عبد الله صالح إلى حاكم بأمره كنتيجة من نتائج حرب 1994 انطلق مشروع رؤية الإنقاذ الوطني الصادر في 2009 عن مؤتمر التشاور الوطني في تشخيصه للأزمة السياسية الراهنة في اليمن معيدا جذرها إلى"الحكم الفردي المشخصن الذي حول الدولة اليمنية من مشروع سياسي وطني إلى مشروع عائلي ضيق"..ونحن نعتقد أن هذا التشخيص قام على إغفال البيئة التي أنتجت هذا الحاكم الفرد والتي بمقدورها أن تنتج غيره ما لم يتوافق اليمنيون على دولة وطنية ديمقراطية ذات نظام سياسي غير قابل موضوعيا لتكرار هذه الظاهرة بالإتكاء على أي من العصبيات القبلية أو الجهوية أو الحزبية..فعلي عبد الله صالح لا يتمتع على الصعيد الشخصي والتاريخي والثقافي بأي كارزمة أو مؤهلات إستثنائية يستطيع معها أن يخطف مشروع الدولة ويشخصنه.وهو في كل الأحوال نتاج تحالفات غير وطنية مكنته من مراكمة عوامل القوة المادية التي يتمتع بها الآن ويشهرها في وجه الجميع.
تأسيسا على كل ما تقدم نخلص إلى ما يلي:
أولا:خرجت الأزمة السياسية إلى العلن في أغسطس 1993 واعتقد كثيرون أنها انتهت بحرب 1994..غير أن الحرب لم تنه الأزمة وإنما عمقتها وأفرزت فاعلين سياسيين جددا وبدلت تموضعات فاعلين قدامى فبدت الآن أكثر تعقيدا حيث أصبحت الأغلبية الساحقة من أبناء الجنوب تجاهر في زمن الوحدة بما لم يهمس به أحد في زمن التشطير..وهذا دليل قاطع مانع على أن حرب 1994 أصابت الوحدة الوطنية للشعب اليمني بجروح لن تندمل إلا بتغيير النظام المنتج للحروب..
ثانيا:لم تكن الوحدة محل خلاف.ولهذا تم الإعلان عنها سلميا.وكان ذلك مناسبة فرائحية وصلت إلى كل بيت في اليمن..أما دولة الوحدة فقد كانت موضوع خلاف كشف عن نفسه بزمن قياسي.وبدلا من من التوافق الوطني على حل هذا الخلاف جرى الهروب إلى حرب 1994..ومهما تكن شعارات الحرب فالعبرة في النتائج..فإذا كانت نتائج الحرب خاطئة فلابد أن مقدماتها ومبرراتها كانت خاطئة أيضا..وإذا افترضنا أن حرب 1994 دارت بين شرعية وحدوية وإنفصاليين متمردين على الوحدة كما قيل ويقال إلى اليوم فلماذا تفاقمت أزمة الوحدة أكثر فأكثر وأصبحت الشرعية المنتصرة اليوم بحاجة إلى إغراق المحافظات الجنوبية بالمعسكرات لحماية الوحدة؟ وممن تحميها؟.وإذا افترضنا أن تلك الحرب لم تكن بسبب خلاف حول بناء دولة الوحدة فلماذا بقيت الدولة الغائب الأكبر عن حياة اليمنيين رغم الإنتصار العسكري الكاسح لما يسمى بقوات الشرعية؟ ولماذا تطالب أحزاب اللقاء المشترك اليوم بإصلاح النظام السياسي كإستحقاق وطني قبل الشروع في إجراء الإنتخابات النيابية التي يلح عليها المؤتمر الشعبي العام كإستحقاق دستوري؟
ثالثا: نتائج الحرب تؤكد أن دولة الوحدة وليس الوحدة هي موضوع الخلاف الذي كان..ومعنى ذلك أن ميزان القوى عند إعلان الوحدة كان ممانعا لبناء الدولة..وإذا كان الشمال حينها هو الطرف الأقوى في معادلة القوة فالممانعة كانت شمالية ومن قبل أطراف ومراكز نفوذ لها مصلحة في أن لا تكون هناك دولة تساوي بين كل اليمنيين..أما علي عبد الله صالح فهو إبتداء نتيجة لهذه الممانعة المبكرة التي سبق لها وأن أزهقت روح الحمدي وقضت على مشروعه الوطني لبناء الدولة.وهو انتهاء من جنى ثمار هذه الممانعة لصالح مشروعه الخاص ثم أدار ظهره للجميع.
رابعا: ما فعله علي سالم البيض قبل حرب 1994 تحاول أن تفعله أحزاب المشترك اليوم دون أن تعترف لدوره بالريادة أو تعيد له الإعتبار..وقد بنينا هذا الحكم الأخير على المقارنات التالية:
- في أغسطس 1993 أعلن البيض عن وجود أزمة سارع الطرف الآخر إلى إنكارها وقال إن البيض افتعلها لتحقيق مكاسب أكبر من حجمه في البرلمان..واليوم تتحدث أحزاب المشترك عن وجود أزمة يقول الطرف الآخر إنها غير موجودة إلا في أدمغة قادة المشترك الذين يخشون المنازلة الديمقراطية أمام صناديق الإقتراع.
- بالأمس رفض البيض الإستقواء بالأكثرية العددية في البرلمان.وكانت أكثرية شطرية ولاؤها لتحالف المؤتمر والإصلاح..واليوم ترفض أحزاب المشترك الإستقواء بالأكثرية المريحة التي لم تعد شطرية لكنها مملوكة لشخص الحاكم.
- بالأمس دعا البيض إلى حوار وطني موسع للتوافق على نظام سياسي يحل أزمات البلاد.فكانت لجنة حوار القوى السياسية التي أنتجت وثيقة العهد والإتفاق..واليوم تكرر أحزاب المشترك الدعوة نفسها وللغرض نفسه.
- بالأمس أنجزت لجنة حوار القوى السياسية وثيقة العهد والإتفاق التي تضمنت أسس بناء الدولة..واليوم تتطلع أحزاب المشترك إلى وثيقة مشابهة لإصلاح النظام السياسي تصدر عن مؤتمر حوار وطني يشمل كل الأطراف ويناقش كل القضايا وتستمد شرعيتها من إجماع وطني ملزم.
- بالأمس طالب البيض برعاية إقليمية ودولية للحوار ضامنة لتطبيق نتائجه.واليوم تفكر أحزاب المعارضة بضمانات من هذا القبيل.
- بالأمس اختلف صالح والبيض في تفسير معنى التوقيع على وثيقة العهد والإتفاق.واليوم تختلف المعارضة وحزب الحاكم حول تفسير ديباجة اتفاق فبراير.
- بالأمس وصف الرئيس وثيقة العهد والإتفاق بأنها وثيقة الخيانة..واليوم وصف اتفاق فبراير 2009 بأنه خطأ لا يجب أن يتكرر.
- بالأمس أقال الرئيس شركاء الوحدة بتهمة الإنفصال وأعلن حالة الطوارئ من طرف واحد وعلق الدستور وهرب من وثيقة العهد والإتفاق إلى الحرب..واليوم (نهاية الكتوبر 2010)أصدر الحاكم بيانا يتهم أحزاب المشترك بافتعال الأزمات لإدخال الوطن في متاهات الصراع والعنف وتعكير صفو السلم الإجتماعي وتشجيع العناصر الإنفصالية التي تدعو للإرتداد عن الوحدة وتفكيك مصادر الشرعية والتمرد على العملية الديمقراطية..ثم ألغى الحوار –الذي لم يبدأ بعد- من طرف واحد وهرب يحضر لإنتخابات إنفرادية.ويجري تعديلات دستورية لتأبيد حكمه وتوريثه.
بعد كل هذا العرض أمام أحزاب المشترك وحلفائها رأيان الأول نراه خاطئا والثاني نراه صائبا..وعلى الأخذ باي منهما تتوقف نتائج المعترك السياسي في هذا البلد.
الأول: هو الرأي القائل بأن حرب 1994 كانت بسبب خلاف حول الوحدة..وبالتالي كانت الحرب أمرا حتميا لا يمكن تجنبه..أما النتائج التي أفرزتها فسببها سوء إدارة قيادة المؤتمر الشعبي العام للبلاد بعد الحرب..وفي هذه الحالة من الصعب علينا أن نلوم قوى الحراك الجنوبي ومعارضة الخارج عندما يشككان في مصداقية المعارضة أو يضعانها مع السلطة في سلة واحدة.
الثاني: هو الرأي القائل بأن حرب 1994 كانت بسبب خلاف حول دولة الوحدة..وبالتالي كان من الممكن تجنبها بتقديم تنازلات لصالح الوطن ووحدته وأمنه واستقراره..وفي هذه الحالة يجب على القوى الحية في الشمال وفي المقدمة منها المشترك أن تتوجه بإدانة دامغة لحرب 1994 كخطوة لابد منها للسير على طريق المصالحة الوطنية الحقيقية مع الجنوب وقواه السياسية وعلى النحو الذي لا يدع مجالا في الجنوب للحديث عن هوية شمالية للحرب ولا يدع مجالا في الشمال عن هوية جنوبية للحراك.
يلي ذلك مباشرة مسيرة شعبية مليونية منظمة إلى عدن للتعبير عن إدانة الحرب ونتائجها تمثل فيها كل محافظات الشمال وقواه السياسية والإجتماعية وتحدد أهدافها بدقة..ومن غير ذلك من الصعب خلق اصطفاف وطني واسع ومتماسك قادر على إنجاز عملية التغيير في اليمن..كما أنه سيكون من الصعب على مؤتمر الحوار الوطني أن يحقق أهدافه قبل أن تبدأ أحزاب المشترك في الإدانة الصريحة والمعلنة لحرب 1994 وتحويلها من حرب خاضها الشمال ضد الجنوب- كما يعتقد الحراك- إلى حرب أشعلها علي عبد الله صالح ضد الوطن..ومن الدلات الرمزية الهامة للمصالحة الوطنية مع الجنوب أن ينعقد مؤتمر الحوار الوطني في عدن وليس في صنعاء وبمشاركة فاعلة من قوى الحراك ومعارضة الخارج والحوثيين..وبعد كل هذا يمكن الحديث عن معارضة يمنية ذات مصداقية عالية.
هذا التحليل ورد في ورقة قدمها الكاتب في ندوة نظمتها منظمة الحزب الاشتراكي اليمني بالعاصمة صنعاء يوم الاثنين 31 يناير بعنوان "قراءة في الأزمة السياسية منذ مايو 1990 حتى اليوم – الحلول والمعالجات".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.