تزامنت الذكرى الخامسة للغزو الأمريكي للعراق مع تخطى عدد قتلى الجنود الأمريكيين حاجز الأربعة آلاف قتيل وأكثر من 29 ألف جريح ومصاب من جراء العمليات العسكرية هناك. الخسائر البشرية ومستقبل القوات الأمريكية كانا محل اهتمام الإعلام الأمريكي هذا الأسبوع خصوصا مع اقتراب موعد جلسة الاستماع التي سيعقدها الكونجرس للجنرال ديفيد بيتراوس David Petraeus والسفير الأمريكي في العراق رايان كروكر Ryan Crocker في مطلع شهر ابريل القادم عن مدى التقدم الحادث في العراق. إعادة تقييم الوضع في العراق باربرا ستار Barbara Starr مراسلة شبكة CNN فقد أعدت تقريرا لبرنامج American Morning أشارت فيه إلى انه بعد هدوء الأوضاع نسبيا في العراق على مدار الفترة الماضية إلا أن الثلاثة أشهر الأخيرة شهدت مزيدا من التصعيد في الهجمات التي وقعت في الكثير من المناطق العراقية، الأمر الذي ينذر بتدهور الأوضاع مرة أخرى في العراق. هذه الحقائق على الأرض أدت بالقيادات العسكرية وعلى رأسها الجنرال ديفيد بيتراوس David Petraeus إلى اقتراح تأجيل عملية سحب القوات الأمريكية من العراق لفترة قليلة حتى تستطيع الولايات المتحدة إعادة تقييم الأوضاع الميدانية هناك والحفاظ على التقدم الذي حدث مؤخرا في الساحة العراقية على الصعيدين العسكري والسياسي. وعن ما يمثله زيادة القتلى ليس فقط في صفوف الجنود الأمريكيين وإنما أيضا في صفوف المدنيين العراقيين، أكدت باربرا Barbara انه إذا كانت القيادة العسكرية الأمريكية تتحدث عن حدوث تقدم في العراق الآن، إلا أن هذا التقدم لم يصل بعد إلى حد النجاح التام وهو الأمر الذي ما يزال بعيدا جدا. الانتخابات الأمريكية تزيد العنف في العراق وعن تفسيرها لمسألة زيادة حدة الهجمات التي حدثت مؤخر في العراق أشارت باربرا Barbara إلى أن احد الأسباب الأساسية في هذا الصدد تعود إلى اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية والمقرر إجرائها في نوفمبر القادم، والمتمردون في العراق يعلموا جيدا أن هذه الحرب هي من الموضوعات الرئيسية والحاسمة في الأجندة الانتخابية لمرشحي الرئاسة. الرئيس القادم يحدد مصير الحرب أما صحيفة النيويورك تايمز New York times فقد تناولت بالتحليل إعلان الرئيسي جورج بوش George W. Bush بقاء القوات الأمريكية عند المستوى الموجودة به حاليا في العراق وعدم تنفيذ أي انسحابات جديدة في الوقت الحالي. ومن ثم أشار كل من ستيفن لى مايرز Steven Lee Myers وتوم شانكرThom Shanker إلى أن قرار سحب المزيد من القوات الأمريكية من الساحة العراقية سوف يترك للرئيس الأمريكي القادم والذي سيخلف الرئيس الحالي جورج بوش George W. Bush بعد انتخابات الرئاسة فى نوفمبر القادم ، مما سيتحتم معه أن تكون هذه المسألة من الموضوعات الفاصلة في الانتخابات الأمريكية. ولفت الكاتبان الانتباه إلى أن الرئيس الأمريكي يعلم جيدا قلق الرأي العام الأمريكي من وضع القوات الأمريكية في العراق والخسائر البشرية الكبيرة التي منيت بها منذ دخولها العراق. مما قد يدفعه ذلك إلى اتخاذ القرار بسحب المزيد من القوات الأمريكية من العراق ، لأنه – من وجهة نظرهم – يريد أن ينهى فترة رئاسته بصورة جيدة ومشرفة وذلك بتحقيق نجاحا في العراق ، يحفظ ماء وجه الولايات المتحدة أمام الشعب الأمريكي وأمام العالم اجمع. مزيدا من الاستقطاب فى المجتمع وفى هذا السياق أعد أنتونى كوردسمان Anthony H. Cordesman تحليلا إخباريا عن التقارير التى أكدت مؤخرا أن عدد القتلى الأمريكيين فى العراق وصل إلى أربعة الآلاف قتيل منذ بداية الغزو الأمريكى للعراق فى مارس من عام 2003. حيث أشار التحليل الذى أذاعته شبكة ABC الإخبارية أن هذا العدد سوف يزيد من التكلفة الرمزية للحرب فى داخل الولايات المتحدة ، لأنه من المتوقع أن هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى سوف يزيد من حدة الاستقطاب حول الحرب بين صفوف الرأى العام وبين الحزبين الديمقراطى والجمهوري ، حيث سيعتبره الرافضين لهذه الحرب دافع نحو ضرورة إنهاء هذه الحرب فى أسرع وقت ممكن ، فى حين أن المؤيدين سوف يتمسكون بالتقدم العسكرى الذى حدث فى مسرح العمليات هناك ، مما يعنى أن التكلفة العسكرية لهذه الحرب سوف تنخفض فى المستقبل. موضوعات كثيرة مطروحة للنقاش ويلفت كوردسمان Cordesman الانتباه إلى أن هذا الاستقطاب يأتى فى سياق إثارة العديد من الموضوعات الساخنة المتعلقة بالحرب الأمريكية على العراق ، منها أن وصول عدد القتلى الأمريكيين إلى أربعة الآلاف يتزامن مع حلول الذكر الخامسة للحرب ، كما انه من المفترض أن يدلى الجنرال ديفيد بيتراوس David Petraeus قائد القوات الأمريكية فى العراق والسفير الأمريكى هناك رايان كروكر Ryan Crocker بشهادتهم أمام الكونجرس فى مطلع ابريل القادم عن مدى التقدم الحادث فى هذه الحرب. علاوة على الجدل المتعلق بالتكلفة المالية العالية التى تحملتها الولايات المتحدة حتى الآن ، والتى وصلت إلى ما يقارب الثلاثة تريليونات دولار. أيضا هناك الجدل المحتد والانتقادات التى يوجهها مرشحى الرئاسة الديمقراطيين لهذه الحرب وما آلت إليه من نتائج أضرت بمصالح الولايات المتحدة فى الخارج والمجتمع الأمريكى على حد سواء ، فضلا عن الحديث عن إجراءات المصالحة الوطنية العراقية والعمليات الانتحارية التى يقوم بها تنظيم القاعدة بصورة دورية. قتلى العراق: ولكن أمورا أخرى يجب ألا تنسى وأشار التحليل إلى أن هناك العديد من الموضوعات التى يجب أن تؤخذ فى الحسبان عند الحديث عن عدد القتلى الأمريكيين فى هذه الحرب ، على رأسها عدد الجرحى الأمريكيين ، فبالرغم من أن عدد الجرحى قد تخطى حاجز ال 29 ألف جريح من الجيش الأمريكى إلا أن وسائل الإعلام تركز اهتمامها فقط على القتلى دون سواهم ، وهذا بالطبع يعتبر تجاهل للآثار السلبية التى تتركها هذه الإصابات ، فهى بالطبع تجلب على أصحابها أثارا نفسية واجتماعية سيئة للغاية ، وتجعلهم يشعرون بان حياتهم قد تم تدميرها. على الجانب الأخر وبالرغم من هذه الخسائر الكبيرة يؤكد معد التحليل أنها لا تقارن بالخسائر البشرية التى منيت بها الولايات المتحدة فى حروب سابقة مثل الحروب الأمريكية فى فيتنام وكوريا ، حيث عدد القتلى والجرحى فى الحالة العراقية اقل بكثير من عدد القتلى والجرحى فى هذه الحروب. والفضل يعود إلى الأشخاص الذين استطاعوا أن يقللوا كثير من التكلفة البشرية للحرب ، وبالتالى فهو يؤكد أن هؤلاء الذين استطاعوا تقليل الخسائر الأمريكية ورفع مستويات الأمان البشرى فى الحروب يستحقوا هم الآخرين قدرا من الاهتمام والتركيز الإعلامى أيضا. مستقبل مبهم يشوبه الغموض يشير كوردسمان Cordesman إلى أنه لا يمكن التكهن بالخسائر الأمريكية خلال الفترة القادمة ، لأن عملية المصالحة السياسية فى العراق من الممكن أن تفشل وهذا بالتأكيد سيؤدى إلى تكبيد الولايات المتحدة مزيدا من الخسائر ، وبالرغم من انه يشير إلى أن احتمالات النجاح فى العراق الآن أعلى بكثير من احتمالات الفشل إلا أنه يعود ويؤكد انه ليس هناك شئ مؤكد فى هذه الحرب ، ولا يمكن التكهن بمستقبلها. فالبيانات القادمة من العراق تفصح عن انه منذ الصيف الماضى شهدت الساحة العراقية انخفاضا ملحوظا فى الخسائر على الجانبين ، إلا أن هناك احتمالات أن تتصاعد وتيرة وحدة الهجمات المسلحة مرة أخرى ، فتنظيم القاعدة وغيره من العناصر المتشددة والتى تتخذ من العراق ساحة لأنشطتها تمتلك العديد من الدوافع التى تشجعها على زيادة الهجمات ضد القوات الأمريكية من الآن وحتى نوفمبر القادم ، وزيادة معدلات التفجيرات التى تقوم بها وتكبيدها الخسائر أكثر وأكبر فى الأرواح والمعدات العسكرية. العراق: جدل النجاح والفشل أما برنامج Face The Nation الذى يذاع على شبكة CBS استضاف اثنين من أعضاء لجنة الخدمات العسكرية Armed Services Committee فى مجلس الشيوخ هما السيناتور الجمهورى ليندزى جراهام Lindsey Graham والسيناتور الديمقراطى جاك ريد Jack Reed. ومن جانبه أكد السيناتور الجمهورى ليندزى جراهام Lindsey Graham - والذى عاد من زيارة قام بها إلى العراق مؤخرا – أن الساحة العراقية سوف تشهد انجازا كبيرا فى الأسابيع القادمة ، خصوصا على طريق المصالحة الوطنية ، نتيجة للضغط الكبير الذى يضعه المواطنون العراقيون على السياسيين هناك. وعلى صعيد الجبهة العسكرية فيؤكد جراهام Graham أنه ما تزال مدن مثل الموصل تشهد معارك كبيرة ، أما الجنوب العراقى فهو غير مستقر هو الآخر ، والمليشيات الشيعية هناك هى السبب الرئيسى وراء هذه الفوضى والاضطراب فى هذه المنطقة ، أما إيران فتبذل جهود جبارة من اجل نشر مزيدا من الفوضى فى العراق بما يخدم مصالحها ، حيث أنها ترى – من وجهة نظر جراهام Graham – أن الولايات المتحدة تحقق انتصارات وانجازات كبيرة على ارض الواقع تضرها وتضر بمصالحها فى المستقبل. ولكن السيناتور الجمهورى يعود ويؤكد أن الرؤية الكلية للوضع فى العراق تشير إلى انجازا كبيرا وأداء رائعا يقوم به الجنرال ديفيد بيتراوس David Petraeus والقوات الأمريكية العاملة فى العراق. فعلى الجانب السياسى فقد تمت الموافقة على إعادة العبثيين مرة أخرى إلى الحياة السياسية ، بتمرير قانون المصالحة الوطنية والذى يسمح للكثير من قيادات وأعضاء حزب البعث - الذى حكم العراق تحت قيادة الرئيس العراقى الراحل صدام حسين - بان يستعيدوا بعضا من الوظائف التى فقدوها عقب حل الحزب بعدما استطاعت القوات الأمريكية السيطرة على مقاليد الأمور العراق. بالإضافة إلى ذلك تم الاتفاق على توزيع العوائد النفطية بين الطوائف العراقية المختلفة. فضلا عن أن قانون العفو الذى صدر أيضا يسمح للعديد من السجناء من أن يطلق سراحهم والعفو عما ارتكبوه بشرط التوقف عن القتال والمساعدة فى بناء العراق الجديد. هذا وسوف يشهد العراق انتخابات محلية فى أكتوبر المقبل. أما السيناتور جاك ريد Jack Reed والذى كان وما يزال يرفض الحرب منذ بدايتها فانه أكد انه ليس هناك أى تقدم قد حدث فى العراق. فهو يرى أن قانون المصالحة التى تحدث عنه السيناتور جراهام Graham لم يفعّل على أرض الواقع ، كما أن الحكومة المركزية لا تقوم بالمهام المنوطة بها على الوجه الأمثل ، والسبب فى ذلك – طبقا لما أورده ريد Reed - هو أن الحكومة العراقية تعتقد أن لديها مزيدا من الوقت طالما ظلت القوات الأمريكية هناك تؤمّن لها ما تريد من حماية. وبالتالى يؤكد ريد Reed انه لابد أن تبدأ الولايات المتحدة فى العمل على إعداد إستراتيجية خروج منظمة من العراق ، ملامح هذه الإستراتيجية سوف تتحدد بناءا على الحقائق على أرض الواقع ، ولذلك لابد من ممارسة مزيدا من الضغوط على الحكومة العراقية من اجل أن تقوم بالوظائف التى من المفترض أن تقوم بها من اجل مستقبل أفضل للعراق ، مشيرا إلى ضرورة تخفيف الاعتماد الكبير على القوات المسلحة الأمريكية لصالح قوات الأمن العراقية ، والعمل على تنظيم خروجها من الاراضى العراقية. (تقرير واشنطن)