أثار إعلان الحكومة اليمنية إحالة ملفات وزراء متهمين بالفساد جدلاً واسعاً على الساحتين الوطنية والخارجية كونها المرة الأولى التي تشهد فيه اليمن اتهامات رسمية لمسئولين حكوميين بدرجة وزير بالفساد . هذا الإعلان الأول من نوعه متزامناً مع تعديل وزاري شمل حقائب حكومية في مقدمتها النفط والكهرباء والمغتربين التي يرجح أن القائمين عليها هم المشمولين بالاتهام الذي اعتبره بعض المتهمين زلة سياسية وإدانة استبقت القضاء لابتزاز الوزراء المبعدين . هيئة محاربة الفساد التي أنشئت منذ نصف عام تقريباً اعتبرت هذه الإعلان الذي أعقب التعديل الوزاري خطوة مهمة تؤكد التوجهات الجدية للقيادة السياسية بمحاربة الفساد على أعلى المستويات . فيما اعتبره عضو الهيئة عز الدين على سعيد بلاغاً من الحكومة عن قضايا فساد لوزراء والذي اعتبرته الأوساط السياسية نفياً بطريقة غير مباشرة لإعلان الحكومة إحالة ملفات الوزراء إلى الهيئة . وسائل إعلام رسمية وتابعة للحزب الحاكم ذهبت إلى أبعد من ذلك هو تدشين نهج جديد يتمثل بمحاربة الفساد في الحكومة بعد توعد بتطهير المرافق الحكومية من الفاسدين، فيما ألمحت اللجنة إلى أن هذه الإطاحة بالفاسدين يعد من صلب البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية . إلا أن الرئيس صالح عز هذه التوجهات بتحذير المحافظين والوزراء من الفساد والمجاملات والرشاوي والتلفونات الليلية واعتراض استقلالية القضاء ومحاربة الفاسدين في المكاتب الحكومية على مستوى المحافظات كونه من صلب مهام المجالس المحلية والمحافظين المنتخبين الذين سيكون انتخابهم في المرحلة القادمة مباشرة من المواطنين . ووسط هذا الجدل المحتدم بين جدية هذه التوجهات كما يؤكد الحزب الحاكم وتقليل المعارضة منها ظهر وزير شئون المغتربين صالح سميع في أول رد فعل على هذه التصريحات متحدياً قدرة الحكومة والهيئة على إدانته بالفساد مهتماً شخصيات نافذة في وزارته بالتلاعب بأموال الوزارة التي ظل طيلة نصف عام يبحث عنها في أروقة وزارة المالية كون وزارته مستحدثة في التشكيلة الحكومية السابقة . تجدر الإشارة إلى أن إعلان الحكومة إحالة ملفات وزراء فاسدين إلى الهيئة للتحقيق فيها ورفعها للقضاء يحيطه الكثير من الغموض لاسيما مع تصريحات الهيئة مؤخرا بأن اعلان الحكومة بمثابة بلاغ رسمي سيجري التحقيق فيه دونما اشارة الى وجود ملفات فساد تتعلق بالوزراء المقصيين الامر الذي يضع علامات استفهام كثيرة حول ذلك . وعلى الرغم من ذلك فان توغل الفساد في كل مرافق الدولة مسنوداً بنافذين ومسئولين حكوميين صار من السهولة بمكان الاستدلال على وجوده في اختلالات مشاريع الطرقات والتعليم والمناقصات تسخير المناصب لخدمة الأغراض الشخصية فيما أصبحت المناصب أيضا حكراً على أصحاب الوساطات وقائمة على المراضاة، إضافة إلى أن الفساد الحكومي كان السبب في استمرار اشتعال المواجهات في صعدة واندلاع أحداث العنف في الضالع ولحج وشعور أبناء المحافظات الجنوبية بالظلم ونهب الأراضي وتلاشي سلطة الدولة . ويعتقد الكثيرون أن الرئيس على عبد الله صالح استطاع تحقيق الكثير من الانجازات في مختلف المجالات وفي مقدمتها إعادة تحقيق الوحدة اليمنية كمنجز تاريخي إلا أن ابرز المطالب الملحة التي ينتظرونها من الرئيس صالح تزعم ثورة شاملة لمحاربة الفساد مستبشرين بتضمن برنامج الرئيس الانتخابي القضاء على الفاسدين ومؤشرات جدية الرئيس بمتابعته واهتمامه بإنشاء الهيئة الوطنية العليا لمحاربة الفساد المنتخبة والهيئة العليا للمناقصات المنتخبة وإصدار قوانين عديدة مثل قانون الذمة المالية وغيرها من القوانين التي تؤكد عزم الرئيس صالح على تطهير مرافق الدولة من عتاولة الفساد الذي صار يمس مباشرة بقوت المواطنين. وكانت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد قالت مؤخرا إنها أوشكت على استكمال التحقيق والتحري بشأن خمس قضايا ,تتعلق بجرائم فساد واختلالات وتجاوزات مالية تبلغ قرابة العشرين مليار ريال . وكشفت الهيئة في تقرير رفعته إلى رئيس الجمهورية ومجلس النواب إن هذه القضايا تأتي ضمن 141 شكوى وبلاغا تلقتها الهيئة منذ إنشائها العام الماضي ، منها 78 شكوى وبلاغا استقبلتها الهيئة خلال الفترة من يناير وحتى نهاية مارس 2008. وبينت الهيئة في التقرير الذي تضمن ابرز ما قامت به من مهام خلال الربع الأول من العام الجاري، أن معظم تلك القضايا لا يرقى إلى المفهوم القانوني لظاهرة الفساد بل تمثل ادعاءات وقضايا ذات طابع قضائي أجرائي ، فضلا عن أن 16 قضية منها ذات طابع إداري ، النظر فيها ليس من اختصاص الهيئة. وبشأن القضايا التي تندرج ضمن صور الفساد، أكد التقرير أن الهيئة شارفت على الانتهاء من ست قضايا، فيما لا تزال بقية القضايا في طور التحقيق والمتابعة . وبحسب التقرير فأن القضايا التي أوشكت الهيئة على الانتهاء منها تشمل قضية مشروع إعادة تأهيل طريق تعز- التربة الذي كشفت الهيئة عن وجود تجاوزت مالية فيه بلغت 116 مليون و927 ألف و781 ريالا عن التكلفة المتفق عليها البالغة 971 مليونا و28 ألفا و700 ريال. إضافة إلى قضية البعثات والعهد المالية الخاصة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتي اظهر بحث وتحري الهيئة بشأنها وجود اختلالات وتراكم في العهد المالية لدى الملحقين الثقافيين في47 دولة بلغت ستة عشر مليار و81 مليون و146 ألف ريال خلال الفترة من 2001- 2007م . وخلصت تحقيقات وتحريات الهيئة حول هذه القضية وفقا للتقرير إلى وجود(2053) أمرا بطلب منح خارج الإجراءات القانونية بما شكل ضغطا على الوزارة وحال دون تنفيذ القانون وتجسيد مبدأ تكافؤ الفرص ، رغم أن هناك توجيه من فخامة رئيس الجمهورية بمنع قبول أي توجيه مخالف للقانون. ولفت التقرير إلى أن الهيئة لا تزال تتابع هذا الموضوع وأنها التقت مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي والمختصين في الوزارة، وتم الاتفاق على طلب الملحقيين الثقافيين لتصفية العهد التي عليهم أو أحالتهم إلى القضاء وفقا للقانون. وبناء على التقرير اتفق الجانبان أيضا على عقد لقاء مفتوح لكافة الجهات الرسمية المعنية بالإيفاد بغرض الوصول إلى رؤية استراتيجية تعيد النظر في عملية الابتعاث بصورة عامة. وتتعلق القضية الثالثة بمشروع ترميم قلعة القاهرة بتعز والذي أظهرت تحريات وتحقيقات الهيئة ارتكاب مخالفات عديدة كبدت خزينة الدولة 2 مليار ريال و559مليون و698 ألف ريال، وهو ما يتجاوز عشرين أمثال تكلفة المشروع عند التعاقد في 2002م والتي بلغت 118 مليون ريال . وتضمنت تلك المخالفات والوقائع التي تندرج بحسب التقرير ضمن صور وجرائم الفساد المنصوص عليها في المادة (30) من قانون مكافحة الفساد عدم مرعاة أحكام قانون المناقصات والقوانين والأنظمة المالية من كافة النواحي الإجرائية والموضوعية في جميع مراحل تنفيذ المشروع. فبحسب التقرير الدوري " فقد تم التعاقد على تنفيذ المشروع في عام2002م بموجب الأسعار المقدمة من المقاول التي يتجاوز معظمها الأسعار السائدة في السوق في عام2007م، إلى جانب عدم وجود مخططات وتصاميم فنية وهندسية ومواصفات وكميات محددة وغياب كلي للإشراف على تنفيذ المشروع من قبل المهندسين والمختصين ، فضلا عن منح المقاول أسعار تعويضية وفوارق أسعار مواصفات فنية وكلفة نقل ومخاطر دون وجه حق. وأضاف التقرير ان هيئة مكافحة الفساد وجهت بإيقاف صرف أي مبالغ إضافية للمقاول على ذمة التحقيق في القضية ، وكلفت فريقا من المتخصصين لتقييم الأعمال المنجزة تمهيدا لمحاسبة المقاول بمستحقه الفعلي لما تم عمله ، كما طلبت من الجهاز المركزي للرقابة المحاسبة تكليف فرع الجهاز بأعمال التدقيق المحاسبي. إما القضية الرابعة تتعلق بشكوى مرفوعة من موظفي جامعة ذمار بشأن وجود تلاعب وتزوير رافق مناقصة تجهيز معامل كلية الهندسة. ووفقا للتقرير فقد تخاطبت الهيئة مع النائب العام لتحريك القضية كونها منظورة لدى النيابة، كما وجهت خطابا إلى وزير التعليم العالي بإعادة الموظفين الذين قامت الجامعة بتغييرهم من أماكن عملهم وتعيين آخرين بدلا عنهم بسبب تقديمهم هذه الشكوى إلى أماكن عملهم السابقة وصرف مستحقاتهم. فيما تتعلق القضية الخامسة بوجود تلاعبات بمخصصات دعم مدارس الجاليات في شرق افريقيا، حيث كشفت تحريات الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد عن عدم تصفية وزارة شؤون المغتربين للعهد الخاصة بدعم الجاليات للفترة من 1999 وحتى عام2007م . وأفاد التقرير بان الهيئة في ضوء ذلك طلبت من وزارة شؤون المغتربين موافاتها بكافة الوثائق المتعلقة بصرف مخصص دعم الجاليات خلال الفترة من 1999 وحتى عام2007م ، إلا أن الوزارة لم تواف الهيئة بشيء رغم تكرار المخاطبات وأكدت الهيئة أنها لا تزال مستمرة في المتابعة. كما تضمن التقرير المرفوع من قبل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد إلى رئيس الجمهورية ومجلس النواب عرضا لما قامت به من مهام خلال الفترة من يناير وحتى نهاية مارس الماضي .. مبينا أن الهيئة تلقت 1060 إقرار بالذمة المالية خلال الربع الأول من لعام الجاري ليبلغ إجمالي الإقرارات التي تلقتها الهيئة منذ سبتمبر 2007م إلى نهاية مارس الماضي 1219 إقرارا من المشمولين بقانون إقرار الذمة المالية.