على نحو مغايير للأعوام السابقة رفعت الحكومة من سقف المخصصات المالية لتمويل المراكز والمخيمات الصيفية الخاصة بالشباب في عموم محافظات اليمن إلى ثمانية أضعاف لتصل هذا العام إلى مليار ريال مقارنة ب224 مليون العام الماضي. ويظهر هذا الاهتمام الحكومي على غير العادة اثر بروز ازمة تتعلق بضعف "الولاء الوطني في أوساط الشباب" وتعرض تلك الفئة لموجات استغلال سياسي ومذهبي جعلهم وقودا للأزمات التي تعصف بالبلد ، حيث تحاول الحكومة حاليا مواجهة الأزمة من طريق برامج تقول انها تستهدف "تحصين الشباب وترسيخ الولاء الوطني لديهم وقطع الطريق أمام أية تيارات سياسية أو مذهبية أو طائفية تحاول استقطابهم والتأثير فيهم بتعليم طوائفي ومذهبي يقودهم إلى العنف. و يصل عدد المراكز والمخيمات الصيفية التي تبدأ اليوم السبت عملية استقبال المشاركين 720 مركزاً ومخيماً تغطي مختلف مديريات محافظات الجمهورية مقارنة ب 650 مركزاً صيفياً العام الماضي. و تقام تحت شعار " معاً لتعزيز الهوية الوطنية وبناء القدرات وتنمية المهارات الشبابية" ،فيما يصل عدد الشباب والطلاب المستهدفين هذا العام نحو 300 ألف طالبا وطالبة من مختلف المراحل السنية وطلاب التعليم الأساسي والجامعي ومنتسبي الهيئات الشبابية والرياضية وبزيادة قدرها 50 ألف عن العام الماضي. وبتأكيدات المنظمين فقد حرصت الحكومة على توسيع المشاركة في المراكز الصيفية، التي تتميز عن السابق باتساعها وتنوعها واتساع حجم المشاركة من خلال الأوعية الحاضنة للشباب المتمثلة ب 720 مركزا ومخيماً صيفيا رئيسياً تنقسم إلى عدة مراكز فرعية، وتشمل 70 نشاطا مختلفا ومكثفا يتستمر لمدة 40 يوما . وكان مجلس الوزراء قد أقر في مطلع يوليو الحالي خطة موازنة المخيمات والمراكز الصيفية للشباب للعام الحالي 2008م والبرنامج العام لهما وعلى أن يتم التدشين الرسمي لأعمال هذه المخيمات والمراكز يوم الخميس ال 17 من يوليو الجاري وذلك في أمانة العاصمة وعموم محافظات الجمهورية ومديرياتها وبإجمالي 31 مخيما و 718 مركزا منها 382 مركزا للشباب و 134 مركزا للفتيات و 48 مركزا لتعليم الواجبات الدينية و 30 مركزا للمرشدات و 34 مركزا مهنيا ومثلها للحاسوب واللغات و 58 مركزا رياضيا و 8 مراكز جامعية يستفيد منها أكثر من مائتي ألف مشارك ومشاركة وبواقع 300 لكل مركز ولمدة 40 يوما على التوالي، إضافة إلى 600 مركز لتحفيظ القرآن الكريم يستفيد منها نحو 100 ألف طالبا وطالبة على مستوى أمانة العاصمة وكافة المحافظات. وتهدف الحكومة من تنفيذ هذه المراكز والمخيمات الشبابية إلى نشر الوعي بين أوساط الشباب وغرس قيم الوطنية باعتبارهم شريحة مستهدفة من قبل الإرهاب والتطرف وهم ضحايا السلاح وضحايا الفساد والسواد الأعظم المتأثر من البطالة، وذلك حتى لا يقعون فريسة الأفكار الضالة والمتطرفة. ويقول الباحث عبدالحفيظ النهاري رئيس المركز الوطني للدراسات الثقافية في دراسة نشرت أخيرا إن جيل الشباب في اليمن يعاني من إشكالات فكرية وثقافية في الولاء الوطني ويفتقر لإدراك وتمثل حجم التضحيات التي بذلت في سبيل قيام الثورة اليمنية وتحقيق الوحدة . ويعزو النهاري وهو قيادي في حزب المؤتمر الحاكم أسباب ذلك إلى عوامل عديدة أبرزها الآثار التي خلفها انتقال اليمن من نظام رعاية الدولة إلى منظومة السوق بما خلفه من آثار سلبية على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبالذات على شريحة الشباب فضلا عن تفشي الفساد الإداري والمالي وغياب المعايير الإدارية وشيوع التمثيل المناطقي والفئوي والأسري والوجاهة الاجتماعية في السلم الإداري عوض المؤهلات والدرجات العلمية . ويشير إلى أن الوضع الثقافي والاجتماعي لم يكن أقل خطورة إذ إن الانفتاح الذي أحدثته الوحدة على الأيديولوجيات أحدث بدوره إرباكا وخللا في الهوية والقيم الوطنية وأحيا الانفتاح على تراكمات الماضي السياسي والثقافي نزعات ونعرات وصراعات كان القمع السياسي في عهد التشطير قد أجلها إلى حين فضلا عن صراعات وتعبئة أطراف الوحدة مما جعل الشباب عرضة للتجاذب الأيديولوجي والسياسي والاجتماعي والمذهبي والمناطقي والفئوي والقبلي . ويؤكد النهاري أن هذا الوضع تزامن مع توظيف القوى السياسية فئة الشباب للتعبئة الأيديولوجية والدينية والمذهبية وتحويلهم إلى وقود لتلك التعبئة والتعبئة المضادة في حين أن النظام التعليمي الذي نشأ بعد الوحدة اليمنية كان الحلقة الأضعف لأنه خضع لمؤثرات وتجاذبات أيديولوجية وسياسية أكثر من غيره . ويضاف إلى ذلك الدور الذي لعبه استغلال القوى السياسية للدين في تعبئة الشباب إذ عجزت التعبئة الدينية ذات المرجعية السياسية عن تنمية قيم سلوكية عامرة بالفضيلة بل وتورطت في شحن الشباب بقيم الإقصاء والتمييز والتكفير والتنفير والتفرقة والعنف والنعرات والاختلاف بدلا من الإسهام في صقل شخصية وطنية متزنة لمواطن صالح سوي .