قياسا بالتداعيات السياسية والأمنية التي يعيشها اليمن بدءاً من محافظة صعدة التي تتواصل فيها المواجهات المسلحة المندلعة بين الجيش والحوثيين منذ العام ،2004 ومرورا بالمحافظات الجنوبية التي تعيش حال غليان شعبي جراء تدهور الأوضاع وتنامي الشعور بالتمييز المناطقي خصوصا في أوساط الشباب وجدت السلطات اليمنية نفسها في خضم معركة جديدة لمواجهة ما تعتبره ضعف "الولاء الوطني في أوساط شباب جيل الوحدة" . وتقول صنعاء التي تعاني من أزمات خانقة واضطرابات أمنية إن شريحة واسعة من الشباب يتعرضون لموجات استغلال سياسي ومذهبي جعلهم وقودا للأزمات التي تعصف بالبلد شمالا وجنوبا، وتعلل ضعف الولاء الوطني لدى الشباب من جيل الوحدة بأنه ناتج عن "التعبئة الخاطئة القائمة على أسس سياسية ومذهبية" فضلا عن الاختلالات التي صاحبت ولا تزال النظام التعليمي وهي القضية التي عبر عنها الرئيس علي عبدالله صالح مؤخرا عندما قال: "لو كان هناك تعليم لما خضنا خمس مواجهات في صعدة" . تحاول صنعاء حاليا مواجهة الأزمة من طريق برامج تقول انها تستهدف "تحصين الشباب وترسيخ الولاء الوطني لديهم وقطع الطريق أمام أية تيارات سياسية أو مذهبية أو طائفية تحاول استقطابهم والتأثير فيهم بتعليم طوائفي ومذهبي يقودهم إلى العنف على غرار الأزمة التي تعيشها محافظة صعدة حيث يقاتل آلاف الشباب في صفوف الحوثيين تحت تأثير تعبئة مذهبية وطائفية" . وخلال هذا العام ظهر العديد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية الناشطة في مجال تعميق الولاء الوطني كما عقد العديد من الندوات وورش العمل التي تناولت القضية من جوانب مختلفة فيما اتجهت الحكومة اليمنية أخيرا إلى تخصيص زهاء خمسة ملايين دولار لإنشاء مراكز صيفية تستهدف استقطاب عشرات الآلاف من شباب المدارس كواحد من الحلول التي رأت أنها ستكون مفيدة في تحصين الشباب وتعزيز قيم الولاء الوطني لديهم . مشكلات شبابية تتباين وجهات النظر إزاء هذه القضية إذ يعيدها البعض إلى غياب أدوات تعميق الولاء الوطني والخلل في النظام التعليمي فيما يتحدث آخرون عن الفساد السياسي والاقتصادي كسبب مباشر في دفع الآلاف من الشباب للاندماج في جماعات مناطقية وطائفية ومذهبية . ويقول الباحث عبدالحفيظ النهاري رئيس المركز الوطني للدراسات الثقافية في دراسة نشرت أخيرا إن جيل الشباب في اليمن يعاني من إشكالات فكرية وثقافية في الولاء الوطني ويفتقر لإدراك وتمثل حجم التضحيات التي بذلت في سبيل قيام الثورة اليمنية وتحقيق الوحدة . ويعزو النهاري وهو قيادي في حزب المؤتمر الحاكم أسباب ذلك إلى عوامل عديدة أبرزها الآثار التي خلفها انتقال اليمن من نظام رعاية الدولة إلى منظومة السوق بما خلفه من آثار سلبية على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبالذات على شريحة الشباب فضلا عن تفشي الفساد الإداري والمالي وغياب المعايير الإدارية وشيوع التمثيل المناطقي والفئوي والأسري والوجاهة الاجتماعية في السلم الإداري عوض المؤهلات والدرجات العلمية . ويشير إلى أن الوضع الثقافي والاجتماعي لم يكن أقل خطورة إذ إن الانفتاح الذي أحدثته الوحدة على الأيديولوجيات أحدث بدوره إرباكا وخللا في الهوية والقيم الوطنية وأحيا الانفتاح على تراكمات الماضي السياسي والثقافي نزعات ونعرات وصراعات كان القمع السياسي في عهد التشطير قد أجلها إلى حين فضلا عن صراعات وتعبئة أطراف الوحدة مما جعل الشباب عرضة للتجاذب الأيديولوجي والسياسي والاجتماعي والمذهبي والمناطقي والفئوي والقبلي . ويؤكد النهاري أن هذا الوضع تزامن مع توظيف القوى السياسية فئة الشباب للتعبئة الأيديولوجية والدينية والمذهبية وتحويلهم إلى وقود لتلك التعبئة والتعبئة المضادة في حين أن النظام التعليمي الذي نشأ بعد الوحدة اليمنية كان الحلقة الأضعف لأنه خضع لمؤثرات وتجاذبات أيديولوجية وسياسية أكثر من غيره . ويضاف إلى ذلك الدور الذي لعبه استغلال القوى السياسية للدين في تعبئة الشباب إذ عجزت التعبئة الدينية ذات المرجعية السياسية عن تنمية قيم سلوكية عامرة بالفضيلة بل وتورطت في شحن الشباب بقيم الإقصاء والتمييز والتكفير والتنفير والتفرقة والعنف والنعرات والاختلاف بدلا من الإسهام في صقل شخصية وطنية متزنة لمواطن صالح سوي . آراء مغايرة بعيدا عن المشكلات المتعلقة بالنظام التعليمي وصراع الأيديولوجيات يفسر البعض مشكلة غياب الولاء الوطني لدى الشباب من جيل الوحدة بأنه ناجم عن إدارة الدولة ظهرها للحداثة بل وتغذيتها للصراعات المذهبية والنزعات المتعصبة سعياً إلى تحقيق مكاسب سياسية فضلا عن تورطها في عمليات النهب المنظم للثروة والمال العام وتغييب القانون والنظام من أجل المصالح الشخصية والتضييق على الحريات العامة وحرية التعبير والتداول السلمي للسلطة كانت السبب المباشر في الهستيريا الحاصلة اليوم . ويقول الباحث في الشؤون السياسية عبد الغني سعيد ان الدولة كرست طوال السنوات الماضية كل ما هو سلبي سياسياً وثقافياً واجتماعياً كما ضيقت إلى حد كبير من الحريات العامة ما خلق حال إحباط لدى جيل الوحدة الذي وجد نفسه في خندق مشكلات عميقة . ويلاحظ سعيد أن هناك مشكلة أخرى تكمن في انعدام الثقة لدى الشباب بالدولة والنظام السياسي فالشاب الذي لا يحصل على وظيفة قياسا بابن المسؤول الذي يحصل على أفضل الوظائف والآخر الذي لا يجد الفرصة للحصول على منحة دراسية في الخارج قياسا بأبناء المسؤولين الذين يحصلون على منح غير قانونية في أفضل الدول الأوروبية وغيرهم ممن لا يجدون فرصا للدراسة الجامعية ويظلون لسنوات غارقين في البطالة كل هؤلاء لا يثقون في النظام السياسي خصوصا وهم يجدون أقطاب النظام السياسي مستحوذون على السلطة والقرار والمال العام وكأنه حق الهي لهم وليس للشعب . ويقر سعيد بوجود مشكلة انعدام الولاء لدى الشباب لكنه يلفت إلى أن برامج الدولة لتحصين الشباب لا تخلو من هدف سياسي فما هو خفي في هذه البرامج أن النظام السياسي يحاول كبح أي محاولات للتغير ويسعى بكل امكانيات الدولة إلى السيطرة على شريحة الشباب والتأثير في أفكارهم سعيا إلى ضمان ثباته على كرسي الحكم وكبحا لأية معارضة شعبية تجاه الفساد المستشري في أجهزة الدولة والمشكلات التي يعانيها معظم الشعب اليمني . ويضيف: "ان ثمة قطاعاً واسعاً من الشباب اليمني يرى أن اليمن ليس إلا مرتعا للفاسدين في ظل غياب الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ودولة القانون والنظام كما يراها مرتعا لعدد محدود من المتنفذين الذين يعيثون في الأرض فسادا ونهبا" . الخليج