بعد ليال من الموسيقى الرومانسية الحالمة عاشها جمهور مهرجان قرطاج مع وردة الجزائرية وشارل ازنافور وفضل شاكر وملحم بركات حلت الايقاعات الصاخبة مكانها لتدوي في المسرح الروماني مع نجم الراي الجزائري الشاب خالد الذي تألق في حفل حضره نحو 11 ألف متفرج. وانتظر محبو موسيقى الراي واسعة الانتشار في منطقة المغرب العربي وفرنسا أكثر من شهر ليتذوقوا أول عرض لهذا النمط الموسيقي في الدورة الخامسة والاربعين للمهرجان الذي افتتح في التاسع من الشهر الماضي. وموسيقى الراي هي حركة موسيقية غنائية نشأت في الستينات بالغرب الجزائري وتعود اصولها الى أغان باللهجة العامية وتأخذ جل مواضيعها من المديح الديني والمشاكل الاجتماعية وركزت اهتمامها ابان فترة الاستعمار الفرنسي على سرد مآسي السكان. لكن بعد ان استقلت الجزائر لم يعد للمواضيع السابقة مستمعون فتغنى فنانو الراي بمغامرات الحب والغرام وكل ما يحلم به الشباب مثل الهجرة والعمل والوطن. وفي تسعينات القرن الماضي خرج الراي من محليته ليغزو بلدان شمال افريقيا مثل تونس وليبيا والمغرب وينتشر حتى في اوروبا مع نصرو والشاب حسني والشاب خالد. وفي حدود الساعة العاشرة ليلا أطل الشاب خالد الملقب "بملك الراي" على خشبة قرطاج ليهلب حماس الجماهير المكتظة بالمسرح والتي جاءت من تونس واوروبا والجزائر. انتظار الجمهور الغفير لم يدم سوى لحظات ليؤدي خالد "يامينة" احدى أشهر اغانيه ويحرك مشاعر وأجساد المولعين بموسيقاه والذين لم يتوقفوا عن الصراخ والتلويح بأيديهم وترديد كلمات الاغنية باتقان. خالد الذي سطع نجمه منذ تسعينات القرن الماضي بأغنية "ديدي" بدا محتفظا بنجوميته حيث لاقى استقبالا حارا من الجمهور الذي رفع أعلام الجزائر وصوره. ملك الراي الشاب خالد تلحف علم تونس وراح يغني ويرقص على ايقاعات اغانيه العاطفية التي تتغنى بالحبيبة "بختة" وتتذكر ايام الشباب في وهران في "طريق الليسي". كما غنى الشاب خالد للحرية وردد مع الجمهور أغنية "ليبرتي" من البومه الجديد الذي لاقى رواجا كبيرا في اوروبا. ومن الاغاني الوطنية شدا الشاب خالد بتأثر بأغنيته الشهيرة "روحي يا وهران روحي بالسلامة" وسط عاصفة من التصفيق والاعجاب والحماس الذي زاده حضور مئات الجزائريين لهيبا. ويعيش أغلب مغنو موسيقى الراي خارج الجزائر وتحديدا بباريس بسبب مواجهتهم تهديدات بالقتل من قبل الجماعات الاسلامية المتشددة التي ترفض هذا النمط الموسيقي وتصفه مروجيه بالكفر. ولاقى الشاب حسني الذي قدم مئات من اغاني الحب يتغنى بها العشاق في المغرب العربي -وهو احد القلائل ممن بقوا في الجزائر ولم يهاجروا- حتفه على يد متشددين اسلاميين عام 1994 بسبب أغانيه. حفل الشاب خالد ليل امس الاول الاحد كان مزيجا بين الايقاعات الشرقية والغربية حيث استخدم العازفون العود والكمان والقيثارة والساكسفون والباص. واستمر الحفل زهاء ساعتين غنى خلالها الفنان اشهر اغانيه وسط اعجاب الامواج البشرية التي كانت تارة ترقص واخرى تشعل الشموع على ايقاعات الموسيقى المترواحة بين الحب والحنين والشجن والحرية والوطن. نجم الراي الجزائري خاطب الجمهور قائلا "المغرب العربي يجب ان يكون متوحدا.. هذا المغرب العربي لنا.. انه لنا" مؤكدا التزام فناني الراي بقضايا بلدانهم مهما اثير من جدل حول هذا النمط الموسيقي.