خلافاًَ لسلفه ستيفن سيش أظهر سفير واشنطن الجديد في اليمن جيرالد فاير ستاين وجهاً جديداً للدبلوماسية الأمريكية التي ظلت تتعامل مع ملف اليمن السياسي عن طريق طرف ثالث تمثل بمجموعة الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المعنية بالشأن الديمقراطي كالمعهد الديمقراطي وغيره في حين كانت الوفود القادمة من واشنطن هي المعنية بالجانب الامني. السفير الجديد والذي لم يمضى في اليمن كممثل لبلاده أكثر من 60 يوماً وضع الخطوط العريضة لمهمته خلال فترة عمله وهذه الخطوط توضح عدم اقتصار تعامل واشنطن مع الوضع اليمني في الجانب الأمني الذي سيطر على أداء السفير السابق حتى عاد إلى بلاده منتقداً حجم الدعم المقرر تقديمه لليمن في مواجهة تنظيم القاعدة . السفير السابق كان أكثر حذراً في تصريحاته عن الوضع داخل اليمن لدرجة أنه في مؤتمر صحفي عقده في منتدى الإعلاميات اليمنيات مطلع العام الجاري رفض الحديث عن أي قضية باستثناء قضية حرية الرأي والصحافة في اليمن وكان أكثر تقارباً مع وجهة نظر السلطة في حديثه عن طفولة التجربة الديمقراطية في اليمن والطريق الطويل الذي على الصحفيين اليمنيين قطعه لينعموا بالديمقراطية الحقيقية كما فعل أقرانهم الأمريكان . ويختلف الأمر كلياًَ مع الممثل الجديد للدبلوماسية الأمريكية في اليمن جيرالد فاير ستاين الذي عقد في أقل من شهر واحد مؤتمرين صحفيين آخرهم في محافظة عمران التي دشن منها تحركاته صوب جغرافيا أكثر تعقيداً لا يجب البحث عن تضاريسها من داخل مقر السفارة شديد التحصين . وفي عمران مركز النفوذ القبلي والمحافظة الأكثر فقراً واشتعالاًَ كان السفير أكثر تحرراً وهو يتحدث عن قضايا داخلية شديد الحساسية لن يلام أن تحدث عنها في محافظة ذات طابع مدني كعدن أو تعز مثلا كما لم ينسى أن يظهر وجهاً آخر للأمريكي حين قام بتوزيع حقائب مدرسية لأطفال إحدى مدارس المحافظة . ومن نقابة الصحفيين اليمنيين التي تعمد جيرالد فاير ستاين الإعلان عن برنامجه منها باعتبارها بيتاً لقادة الرأي كان السفير الجديد أكثر شجاعة وهو يضع كل المحددات الهامة على الطاولة ابتداءً من الحرب على القاعدة والحوار وقضية صعدة والمساعدات وصولاً إلى موقف واشنطن من حراك الجنوب الانفصالي ووحدة اليمن . الولايات المتحدة ستعمل كل ما تراه مناسباً لمواجهة القاعدة كما أنها ترفض الحوار مع قادة التنظيم الكبار وهي أيضاً مع حوار حقيقي يخرج اليمن من أزمته ولا تمانع في تأجيل الانتخابات وإجراءاها في وقتها المناسب وليس المحدد وقضية الجنوب تعود إلى خلل التنمية وتأكيد موقف واشنطن الواضح من وحدة اليمن هذه المفردات أراد السفير أن يطرحها في مستهل مشواره الدبلوماسي في اليمن رغبة منه في اختصار المسافة بين موقف واشنطن وبين القوى الفاعلة في الشأن الداخلي اليمني . ويتضح من تصريحات السفير أنه لن يجد حرجاً من الاعتراف مستقبلاً بضرب طائرات أمريكية أهداف داخل الأراضي اليمنية، لأن موقف بلاده قد أوضحه سلفاً وهو أن واشنطن ستعمل كل ما تراه مناسباً لمواجهة القاعدة في اليمن سواء كان ذلك توسيع الدعم للمؤسسات الأمنية اليمنية، أو التدخل المباشر كما حصل في محافظة أبين أواخر العام الماضي . ويلاحظ من تحركات السفير الأخيرة أنه وجه رسالة واضحة للسلطة والحزب الحاكم في اليمن مفادها أن واشنطن تقف على مسافة واحدة من اطراف الحياة السياسية الحاكم والمعارضة وهذا يعد تكتيك جديد في سياسة واشنطن المتبعة والتي ركزت في الماضي على علاقتها مع السلطة وعدم إغفال دور المعارضة . هذا التكتيك الجديد في السياسة الأمريكية فرضتة متغيرات على الأرض أدركت واشنطن من خلالها عدم قدرة السلطة بحزبها الحاكم على مواصلة إدارة البلاد، بالطريقة المتبعة دون مواجهة مزيد من المشاكل التي تتجاوز إفرازاتها الداخل اليمني . ورغم تأكيده على عدم تدخل الولايات المتحدة في الشأن الداخلي اليمني كان السفير الجديد في ذات الوقت يبحث مع أمين عام حزب الإصلاح تفاصيل دقيقة عن الحوار والخطوات التي قطعت في هذا المضمار في دلالة واضحة على أن أجندة واشنطن لن تقتصر على التعاون الأمني مع السلطة بل تتعدى ذلك إلى بحث حلول للمشاكل التي فرضت هذا التعاون الذي لم يثمر كثيراً في الحرب على الإرهاب بل وسع قاعدة التعاطف مع القاعدة في المجتمعات القبلية . المؤشرات تؤكد أن دور واشنطن سيكون متشعبا في اليمن وعلى أكثر من مسار لأن ممثل أكبر دولة في العالم عندما يزور زعيم حزب إسلامي في مكتبه ويناقش معه قضايا تفصيلية لا يجب أن نتوقع أن تكون الزيارة الأخيرة والقضية المثارة واحدة فقط لأن القادم قد يحمل مفاجئات غير محسوبة في تعاطي الدبلوماسية الأمريكية مع القوى اليمنية خارج السلطة .