هل اليمن في حاجة إلى ثورة جديدة؟ الجواب إن آخر ما يحتاجه اليمن هو ثورة من أي نوع كان. ما يحتاجه اليمن يتمثل في مرحلة انتقالية تؤمن المحافظة على مؤسسات الدولة، على رأسها الدستور الذي قد يحتاج إلى تعديل في مرحلة لاحقة. فالرئيس علي عبدالله صالح، الذي تنتهي ولايته في العام 2013 والذي انتخب من الشعب في العام 2006، أعلن صراحة أنه لا ينوي الترشح مجدداً، كما أن نجله أحمد خارج السباق الرئاسي، أي أن لا مجال للتوريث. ماذا تريد المعارضة أكثر من ذلك، هل تريد تصفية حسابات ذات طابع شخصي مع الرئيس اليمني المستعد حتى لعدم اكمال ولايته؟ يفترض في كل من يريد تصفية حساباته مع علي عبدالله صالح أن يتذكر أن لا أحد يلغي أحداً في اليمن. ولذلك، بقيت درجة العنف تحت سقف معيّن على الرغم من كمية السلاح الكبيرة الموجودة في البلد. الموضوع لا يتعلق بالبحث عن كيفية معاقبة الرئيس اليمني والمجموعة التي حوله. الموضوع، أو هكذا يفترض، مرتبط بالبحث عن مخرج ينقذ ماء الوجه للجميع، بمن في ذلك اولئك الذين كانوا شركاء في كل المراحل التي مر بها عهد علي عبدالله صالح الذي بدأ في العام 1978. لا شك أن موقف الرئيس اليمني ضعف في الفترة الأخيرة، خصوصاً أن قوى كثيرة كانت تقف إلى جانبه فضلت التبرؤ منه. يحصل ذلك علماً أن عدداً لا باس به من ممثلي هذه القوى القبائلية والعسكرية والمناطقية، كانوا من بين المستفيدين من وجود الرجل في السلطة. من هذا المنطلق، أن ذروة الانتهازية تكمن في الانتقال في اللحظة الراهنة من ضفة إلى أخرى وكأنه لم يعد مطلوباً سوى وضع كل اللوم على الرئيس اليمني بدل السعي إلى ايجاد مخرج يوفر على البلد الفقير مآسي هو في غنى عنها. أخطر ما في المآسي التي يمكن أن يتعرض لها اليمن انعكاساتها على دول المنطقة. ولذلك، كان التحرك الخليجي في اتجاه اليمن في محله. وقد يكون مفيداً أن يأخذ هذا التحرك في الاعتبار موازين القوى في البلد، بما في ذلك أن الرئيس اليمني لا يزال يمتلك شعبية معينة وأن لديه قوة تسمح له بالبقاء في صنعاء طويلاً. أكثر من ذلك، لديه شرعية دستورية تسمح له بدخول جدل طويل مع منتقديه، خصوصاً أنه رئيس منتخب وليس مجرد ديكتاتور عربي آخر. في الواقع، ليس صحيحاً أن عهد علي عبدالله صالح كان كله سيئات. هناك مآخذ كثيرة على العهد، خصوصاً أن الحكم في اليمن لم يستطع التعاطي بشفافية مع مرحلة ما بعد هزيمة الانفصاليين صيف العام 1994. كان الانتصار في حرب العام 1994 والذي شارك فيه عدد لا بأس به من القادة العسكريين الذين يريدون تصفية حساباتهم حالياً مع علي عبدالله صالح، نقطة تحول نحو الاسوأ، بدل البناء على ما حققته الوحدة اليمنية، بما في ذلك الحياة الحزبية النشطة والإعلام المنفتح والبحث الجدي في تداول السلطة واقامة لامركزية حقيقية بدل بقاء القائد العسكري في هذه المنطقة أو تلك اقوى من المحافظ يتصرف من دون حسيب أو رقيب. حصلت تجاوزات وأخطاء كثيرة منذ العام 1994. كان منقلبون حديثاً على عبدالله صالح وراء قسم لا بأس به من هذه التجاوزات والأخطاء التي أثارت سخطاً في محافظات عدة، خصوصاً في الجنوب. ولكن ما لا بدّ من تذكره دائماً هو أن انجازات كثيرة تحققت في مقدمها الوحدة اليمنية التي ساعدت في اعتماد دستور معقول، إلى حدّ ما طبعاً، وتكريس التعددية الحزبية ومبدأ الانتخابات. من حسنات الوحدة أيضاً أن اليمن استطاع للمرة الأولى في تاريخه الحديث رسم حدوده مع جيرانه برّاً وبحراً. قبل الوحدة لم يمكن في الإمكان رسم الحدود بين اليمن والمملكة العربية السعودية أو بين اليمن وسلطنة عُمان بسبب المزايدات المتبادلة بين النظامين في صنعاء وعدن. قطعت الوحدة الطريق على حروب داخلية في الجنوب وعلى توتر في مناطق الأطراف التي كانت تفصل بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية. باختصار، لا يمكن الاكتفاء بالحديث عن سلبيات عهد علي عبدالله صالح. هناك إيجابيات كثيرة أيضاً. لماذا لا يكون هناك بناء على هذه الايجابيات ما دام الرجل قال انه مستعد لترك الرئاسة في حال توافر شروط معينة يمكن اعتبارها ضمانات أكثر من أي شيء آخر. لماذا لا يكون هناك بحث عن حل بدل التركيز على كيفية تعقيد الأوضاع في البلد الذي يعاني من مشاكل كبيرة سيصعب على أي حكم جديد التعاطي معها من دون لا مركزية موسعة جداً. مثل هذا الحكم اللا مركزي يسمح للمحافظ أو للمسؤول عن هذه المنطقة أو تلك الاهتمام بمسائل حيوية من نوع محاربة التطرف الديني بكل أشكاله والحد من الانفجار السكاني والاهتمام بالتعليم ومصادر المياه وأمور أخرى اقلّ ما يمكن أن توصف به أنها حيوية بالنسبة إلى بلد فقير عاصمته مهددة بفقدان مياه الشفة في غضون أعوام قليلة فضلاً عن أنها لا تمتلك نظاماً للصرف الصحي. ليس مهماً التفكير في كيفية الانتقام من علي عبدالله صالح بمقدار ما أن المهم التفكير في كيفية ضمان الانتقال السلمي للسلطة والمحافظة على الدستور حتى لو تطلب ذلك بعض الصبر. الرجل لم يعد متمسكاً بالسلطة. لكن ذلك لا يعني أنه ليس متمسكاً في إيجاد مكان له ولأفراد عائلته داخل اليمن وليس خارجه! كاتب لبناني مقيم في لندن