ارتفعت أسعار الأغذية في اليمن إلى مستويات قياسية، وزاد سعر الغاز المستعمل للطبخ أربعة أضعاف في بلد يعيش فيه 40% من الشعب- المؤلف من 23 مليون نسمة- بأقل من دولارين يومياً، ويواجه أزمة مجاعة مزمنة، وقد حذّر وزير النفط والمعادن أمير العيدروس، يوم الخميس، من أن اليمن يوشك على «كارثة اقتصادية». لقد تأججت الثورة اليمنية على نار هادئة، فبعد ثلاثة أشهر على موجة احتجاجات متسارعة دامت 18 يوماً، غداة إسقاط الرئيس المصري السابق حسني مبارك، لايزال المحتجون الشباب اليمنيون يخوضون انتفاضتهم العربية الخاصة، لكن في المقابل، لايزال الرئيس علي عبدالله صالح متمسكاً بالسلطة مع أن كبار المسؤولين في حزبه وفي الجيش والقبائل تخلوا عنه. ها هو صالح مجدداً ينكث وعوده السابقة التي وافق خلالها ظاهرياً على التنحي، لكن يبدو أن الوقت بدأ ينفد الآن، فقد راحت الفصائل المعادية له في الجيش تنقلب على بعضها، ويتجه الوضع الاقتصادي نحو انهيار حتمي. تُعتبر أحداث هذا الأسبوع خطيرة حتى الآن، فقد قرر المحتجون اليمنيون متابعة نضالهم وتضييق الخناق على حاكمهم المحاصر الذي يختبئ وراء أسوار قصره الرئاسي، ولايزال متردداً بشأن المبادرة التي قدمتها الدول الخليجية والتي نصت على أن يسلم السلطة مقابل الحصول على حصانة تحميه من المحاسبة، وكشف التحالف المدني للثورة الشبابية- إحدى أبرز الحركات الاحتجاجية- عن خطة لتعزيز الجهود الرامية إلى إسقاط صالح، وتشمل تلك الخطة تنفيذ إضراب عام عن الطعام، وعصيان مدني، وقطع الطرقات وإقفال الموانئ، فضلاً عن تنظيم مسيرة نحو القصر الرئاسي. بعد ظهر الأربعاء، في 11 مايو، غادر حوالي ألفي شاب ومجموعة من النساء والأطفال خيمهم في ميدان التغيير، مركز الاحتجاجات، وبدؤوا مسيرة حاشدة نحو مقر الحكومة في وسط مدينة صنعاء. عندما اقتربوا من مكان وجهتهم، قُطعت فجأة صيحات 'الله أكبر' و'يا الله خلصنا من الطاغية!' بسبب أصوات إطلاق النار، فقد ظهر جنود من الحرس الجمهوري على شرفات المنازل المجاورة وأمطروا حشود المحتجين بالرصاص، وارتدى بعض الرجال، في أوائل العشرينيات من عمرهم، نظارات سباحة وأقنعة غاز لحماية أنفسهم من دخان الغاز المسيل للدموع قبل أن يهرعوا إلى ساحة المعركة لرمي الحجارة تزامناً مع استمرار رشق الرصاص من حولهم. ثم حدث تطور أكثر أهمية، فقد انضمت قوات موالية للواء علي محسن، الذي أعلن دعمه للمحتجين، إلى القتال، ففتحوا النار برشاشات كلاشنيكوف على قوات صالح، ونادراً ما كانت الجماعات العسكرية المتخاصمة تفتح النار على بعضها، وأكد أطباء يعملون في مسجد مجاور تحوّل إلى مستشفى ميداني مقتل 10 أشخاص، بمن فيهم امرأة، فضلاً عن جرح مئات آخرين خلال المعركة التي دامت أربع ساعات وامتدت حتى ساعات الليل. حتى الآن، ارتفعت حصيلة القتلى إلى 200 شخص خلال الانتفاضة التي بدأت منذ أشهر. مع ارتفاع وتيرة سفك الدماء وخروج البلد عن سيطرة صالح، يزداد توتر الدول الخليجية المجاورة الغنية بالنفط، ومن المنتظر أن يحاول أمين عام مجلس التعاون الخليجي، عبداللطيف الزياني، إعادة إحياء الخطة التي قدمتها الدول الخليجية منذ أسبوعين، وهي تقضي بتنحي صالح خلال 30 يوماً مقابل حصوله على حصانة سياسية مع أقاربه والمسؤولين في نظامه، بمن فيهم قادة قوى الأمن التي أطلقت النار على المحتجين. في المرة الأخيرة التي زار فيها الزياني اليمن، انهار الاتفاق الذي اقترحه لأن صالح تراجع عنه في اللحظة الأخيرة ورفض التخلي عن صلاحياته الرئاسية، معتبراً أنه سيدعم الاتفاق حصراً بصفته زعيماً للحزب الحاكم، وهو أمر رفضته المعارضة بشدّة. في حال فشل الزياني في إبرام الاتفاق هذه المرة، فقد يعني ذلك نهاية جهود مجلس التعاون الخليجي لإيجاد حل للأزمة. عشية يوم الخميس، أعلنت قطر أنها ستنسحب من جهود الوساطة بسبب 'تأجيل صالح وتأخره في التوقيع على الاتفاق المقترح وبسبب حدة الاشتباكات الحاصلة في أنحاء المدن اليمنية'. لكن من غير المتوقع أن ينزعج صالح من انسحاب قطر، فهو اتهم أخيراً هذه الإمارة الغنية بالنفط وقناة 'الجزيرة' التي تموّلها الدولة القطرية بتمويل الفوضى في اليمن ومصر وسورية ومناطق أخرى من العالم العربي، لكن في حال انسحاب 'مجلس التعاون الخليجي' بالكامل، سيخسر صالح أفضل طريقة تضمن خروجه من الأزمة. يخشى المسؤولون أن يقع البلد في أيدي القوى المسلحة الفئوية اليمنية في حال رفض صالح عرض مجلس التعاون الخليجي الذي يحفظ ماء وجهه، مما قد يؤدي إلى نشوب حرب أهلية، كذلك، ستتفاقم الأزمة لتصل إلى مستوى الكارثة في حال وقوع مواجهة مسلحة. يسيطر الجنرال علي محسن على أكثر من 50% من جميع موارد وأصول الجيش، وبالتالي، يجب ألا يعتبر بطل الديمقراطية، على الرغم من دعمه للمحتجين المعادين للنظام في الأزمة الراهنة. (خلال الثمانينيات، جنّد محسن مجاهدين لخوض الحرب ضد السوفيات في أفغانستان، وقد انضم بعضهم في نهاية المطاف إلى تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن. كما أنه شن حملة قمعية ووحشية ضد انتفاضة في شمال اليمن وهجّر ملايين الناس). هذا الجنرال المنشقّ عن النظام هو أيضاً قائد الفرقة المدرّعة الأولى (وهي قوة معروفة باستعمال الدبابات واستغلال الجنود الأطفال)، وزعيم جميع القوات المسلّحة في شمال غرب اليمن، وبعد تعهده حماية المتظاهرين المعادين للنظام، بدأ الجنود المتمردون التابعون لمحسن بفرض سيطرتهم على العاصمة، فأقاموا حواجز تفتيش ومعسكرات على طول الطريق السريع الرئيسي في صنعاء، على بُعد أقل من ميل واحد عن أكبر مطار دولي في اليمن، وكذلك، تمركزوا بالقرب من القناة التلفزيونية الحكومية في المنطقة نفسها، على بُعد أمتار قليلة من قاعدة تحتلها قوى الأمن المركزي التابعة للرئيس صالح. لا يزال صالح يسيطر على مجموعة كبيرة من الجيش، ولا يزال ابنه أحمد رئيس الحرس الجمهوري، لكن قواته تواجه مشاكل كثيرة وتفتقر إلى المعدات الكافية، وفي الوقت نفسه يحاول النظام التعامل مع الاضطرابات السائدة في معظم مدن اليمن. يوم الخميس، نقلت الصحف المحلية أن صالح كان يخطط لنشر الطلاب العسكريين من أجل تعزيز قوى الأمن، مما أثار شكوكاً حول احتمال أن يكون النظام يواجه نقصاً في عدد العناصر العسكرية. لقد بدأت الاضطرابات تلقي بثقلها على الاقتصاد اليمني المشلول أصلاً، فقد تسبب أعضاء القبائل، الذين يحاصرون محافظة مأرب التي تنتج النفط والغاز، بأزمة وقود تكلّف اليمن 3 ملايين دولار يومياً بسبب إعاقة قطاع التصدير، ويعني النقص في إمدادات الوقود أن المناطق اليمنيّة الجافة لم تتلقَّ شحنات المياه، وحتى العاصمة صنعاء تشهد قطع الكهرباء لمدة تصل إلى 10 ساعات يومياً. على صعيد آخر، ارتفعت أسعار الأغذية إلى مستويات قياسية، وزاد سعر الغاز المستعمل للطبخ أربعة أضعاف في بلد يعيش فيه 40% من الشعب- المؤلف من 23 مليون نسمة- بأقل من دولارين يومياً ويواجه أزمة مجاعة مزمنة، وقد حذّر وزير النفط والمعادن أمير العيدروس، يوم الخميس، من أن اليمن يوشك على 'كارثة اقتصادية'، فقال: 'في حال استمرار الأزمة، ستعجز الحكومة عن تلبية الحد الأدنى من حاجات المواطنين، وسيتحوّل الوضع إلى كارثة فعلية تفوق التصور' التايم- ترجمة الجريدة الكويتية