توقفت الحياة بالنسبة إلى سائق سيارة الأجرة الباكستاني غلام محمد عندما قتلت ابنته البالغة من العمر سبع سنوات برصاصتين وهي عائدة من المدرسة . . فوقعت ضحية للعنف السياسي والإثني المتفشي في كراتشي . كانت شميلة ابنة محمد الوحيدة وقد ولدت بعد 12 سنة من محاولته وزوجته انجاب طفل، ولكن رصاصتين طائشتين كانتا كفيلتين بتدمير كل آمالهما وأحلامهما للمستقبل . فقال الوالد البالغ من العمر 36 عاماً والذي يعيش في قصبة التي تحولت إلى ساحة قتال كالكثير من الأحياء التي تشهد اضطرابات غرب كراتشي "لقد أضفت معنى على حياتنا . الآن، ليس لدينا هدف نعيش من أجله" . وأوضحت لجنة حقوق الإنسان المستقلة في باكستان أن شميلة واحدة من بين 300 شخص وقعوا ضحية الاقتتال السياسي والإثني في كراتشي الشهر الماضي وواحدة من بين 800 شخص قضوا منذ أوائل هذه السنة . كانت شميلة تحمل كتبها عندما اخترقت الرصاصتان بطنها ومزقتا ضلعها . فتعرضت لإصابات بليغة ونقلتها سيارة إسعاف إلى المستشفى بعدما جازف المسعفون في عبور الشارع تحت النيران . وقال محمد "أخبرني أحدهم بأن ابنتي تعرضت لإطلاق نار فسارعت إلى المستشفى على الرغم من كل المخاطر ولكنني وجدتها ميتة في المشرحة" . يعزو الكثيرون حالات القتل إلى التوتر المتصاعد بين المهاجير وهم الأكثرية الناطقة بالأردية والممثلة بالحركة القومية المتحدة والمهاجرين البشتون المنتمين إلى حزب عوامي الوطني . تعتبر كراتشي عاصمة باكستان المالية ومدينتها الكبرى إذ إنها تضم نحو 18 مليون نسمة . وتمثل الصناعة في كراتشي خمس الناتج المحلي الاجمالي تقريبا في البلاد بفضل مرفأ المدينة الواقع على بحر العرب . ولكن السلطات تجد نفسها عاجزة عن وضع حد لإراقة الدماء، وفقاً للناشطين في مجال حقوق الإنسان الذين أشاروا إلى أن معظم الضحايا مدنيون أبرياء . وقالت زهرة يوسف رئيسة لجنة حقوق الإنسان في باكستان، لوكالة "فرانس برس" "يقتل الناس بسبب انتماءاتهم السياسية، ولكن يبدو أن معظمهم يقتلون بسبب خلفيتهم الإثنية . أغلبيتهم فقراء ومعدمون" . كانت شميلة من البشتون وأتى والدها من الشمال الغربي إلى كراتشي منذ عشرين سنة بحثا عن عمل، فاستقر فيها وتزوج . يعيش والدا شميلة المفجوعان في شارع مزدحم في حي يقطنه متحدثون باللغتين الأردية والبشتونية، ويكثر فيه المسلحون المستعدون في أي لحظة إلى تحويل المنطقة إلى ساحة قتال . وفيما توضح لجنة حقوق الإنسان في باكستان أن كراتشي تعاني من "استقطاب" سياسي وإثني وطائفي، تلوم الحكومة العصابات المتورطة في الاستيلاء على الأراضي وتجارة المخدرات، على التسبب في "سوء تفاهم" بين الأحزاب السياسية وفي حقد بين الإثنيات . وقال شرف الدين ميمون وهو مسؤول في وزارة الداخلية في اقليم السند الجنوبي وعاصمته كراتشي "لا ينبغي أن نسمي ذلك عنفاً إثنياً" . وأضاف "تقتل العصابات الناس بطريقة تخلف لدى الجماعات والأحزاب المتنافسة اعتقادا بأن هناك حرباً إثنية، وهذا غير صحيح . فالعصابات تفعل ذلك لتصبح أقوى ولتضعف الدولة" . وتخبر عائلة أنور علي (22 عاماً) الناطقة باللغة الأردية أن علي كان في طريقه إلى العمل عندما أرداه مسلحون مجهولون بالرصاص . وأوضح نسيبه محسن علي "كان المعيل الوحيد لوالدته وشقيقتيه" . لا تقتصر أعمال العنف على القتل بالرصاص، فالحرائق المتعمدة قضت على ممتلكات الناس ومنازلهم وسياراتهم . وعلى الرغم من نشر مزيد من عناصر الشرطة والقوى العسكرية في الشوارع، يشتكي السكان من أن الطاقم الأمني لا يحرك ساكنا لمساعدتهم . وقال توصيف أحمد خان وهو مدرس إعلام في جامعة أوردو "العصابات متورطة في أعمال القتل ولكن الجناحات المسلحة للأحزاب السياسية لعبت دورا كبيرا في خلق هذه الفوضى" . وأضاف أن الاجنحة المسلحة تعمل على الحفاظ على قوة الأحزاب ومنع المجموعات المعادية من التسلل إلى أراضيها وإجبار الناس على البقاء أوفياء لها . وختم "تجري أعمال القتل على أساس إثني ومعظم الضحايا فقراء لا يعرفون لما يتم قتلهم" . (أ .ف .ب)